الوضعية الاستراتيجية للاستئناف الإسلامي

تنبيه:

هذه تتمة لبحث الأمس حول وحدة المقاومة واستراتيجيتها. قسوت على المقاومين واليوم أبحث عن علل الحيرة التي قد تخفف من قسوة الأمس.
لكنها لا تعتمد لين القول بل دقيق التحليل التاريخي والاستراتيجي حتى ندرك علل كونية المعركة وشدة تعقيدها والحاجة إلى الكثير من الحكمة والدهاء: فلا بد من حكمة الخلفاء الراشدين ودهاء معاوية وشجاعة خالد وكل أبطال الملحمة الإسلامية مع الوعد الإلهي بالنصر.

التحليل

1-ما المشكل العربي السني عامة وخاصة قلب دار الإسلام أعني في الهلال والخليج وعلام التفاوض الجاري حاليا في بؤرة البؤر أعني بالأساس الهلال بصورة أخص من الخليج إلى المتوسط؟
2-من دون الجواب عن هذا السؤال لا يمكن تصور استراتيجية تمكن من النصر إذ حتى إيماننا بان النصر من عند الله فنحن مأمورون قرآنيا أن نعمل على علم بأسبابه.
3-سبق فاستعملت مفهومين لتحديد أدوات التخريب في الحرب على سنة العرب خاصة هما 1-بقايا الفتنة الكبرى بقيادة إيرانية و2-بقايا الفتنة الصغرى بقيادة إسرائيلية أدوات للتخريب بيد ذراعي الغرب.
4-فبقايا الفتنة الكبرى هم أعداء الماضي العائدين وبقايا الفتنة الصغرى هم الأعداء الحاضر أو ناتج الحقبة الاستعمارية. والذراعان بينان إذ هما إيران وإسرائيل.
5-وحتى لا نخطئ فينبغي أن ندرك أن الذراعين متحالفان ومتعاديان في آن وليس ذلك من باب التمثيل علينا: فهما متحالفان علينا كعدو مقاوم ومتعاديان لتنافسهما علينا كغنيمة يتوقعان تحصيلها بعد الفراغ من مقاومتنا وصمودنا.
6-وهما في آن متنافسان على خدمة ربهما الأعلى وعلى اقتسام دورالشرطي في ما يتوقعانه خلاء أو “رزق بلا امالي”(بلغة تونسية) أي لا أصحاب له يغنمونه للغرب وقد ينيلهم بعض الفتات منها: إنما هم أدوات.
7-والغرب لا يحتاج إليهم ليغنم الإقليم فهو بعد غانمه بعملائه منا وخاصة أولئك الذين يدعون مقاومته (الأنظمة العسكرية). إنه تحت تصرفه بل حربه هي لمنع خروجه من الطاعة الذي بدأ يشعر أنه آت لا محالة بالموجة الثانية من ثورة السنة.
8-فالموجة الأولى والتي بدأت من المغرب الإسلامي عامة ومن الجزائر خاصة وانتهت فيه عامة وفي الجزائر خاصة لم تنجح إلا في التحرر من الاستعمار المباشر. لكن الغرب نصب عملاء ليواصل الاستعمار غير المباشر.
9-والمعركة الحالية هي إذن معركة التحررمن الاستعمار غير المباشر وهي إذن معركة ضد أربعة أدواء: الاستضعاف والاستتباع خارجيا وضد الاستبداد والفساد داخليا.
10-لعلي أمس قسوت على الثوار بسبب تفرقهم وعدم وضوح الرؤية لدى قياداتهم والخلط بين مستويات المعركة. فلم أخاطبهم بقول لين واعتذرت لهم لأن المشكل عويص ومتشابك فأردت اليوم تفكيكه لنحدد طبيعة المعركة ما هي ولم هي كونية بكونية الإسلام ذاته.
11-نحن إذن أمام شعبين لهما مع سنة العرب ثأر ويريدان استرداد امبرطورية وأمام عدو تاريخي حضاري أولا وحالي مصلحي ثانيا. ولما كان الشعبان عاجزن بذاتهما فإنهما استندا في سعيهما للثأر إلى امبراطوريات الشر الاستعماري.
12-وعلة عجزهما الذاتي هو أن سنة الإسلام تتألف من أشجع شعوب الأرض أولهما بنى دولة الإسلام (الخلافة الأموية) والثاني حافظ عليها حتى الحرب الأولى (الخلافة العثمانية).
13-لذلك فهما بحاجة إلى الحلف مع قوى العالم الاستعمارية لضرب العرب أصل الخلافة الأولى والأتراك أصل الخلافة الأخيرة أعني قطبي السنة جغرافيا ومركزي الخلافة الأولى والأخيرة تاريخيا.
14-فإحياء الفتنة الكبرى احتاج إلى تأجيج العداوة بينهما بغطاء القومية العربية (التي هي في الحقيقة خيانة للأمة) وتأسيس الفتنة الصغرى بغطاء العلمانية (التي هي كذلك خيانة للامة): غباوتان الأولى عربية والثانية تركية.
15-والغباوتين كانتا غاية خطتين بريطانية وصهيونية أولاهما جعلت العرب يحاربون وحدة الخلافة والثانية جعلت الأتراك يحاربون وحدة الإسلام. ونحن الآن في لحظة لا مخرج منها من دون العودة إلى وحدة الهدف بين العرب والأتراك: حماية الأمة والإسلام ورعايتهما.
16-ولما بدأ شباب العرب والترك يستعيدان الوعي فعاد العربي لوحدة الخلافة وعاد التركي لوحدة الإسلام أدرك الأعداء الخطر الداهم على خططهم. ومن ثم فالمستهدف حاليا هم من عاد لهم الوعي من العرب والأتراك.
17-هذه هي المشكلة حاليا:كيف يمزق صف السنة العربية التركية ويمنع الاستئناف الإسلامي لأن الشباب بجنسيه بخلاف ما توهموا لم تنطل عليه الحيلتان فبدأ التحرير.
18-والأدواء الأربعة هي: الاستضعاف والاستتباع خارجيا والاستبداد والفساد داخليا وهي ما عليه وقعت الثورة الحالية وهي كذلك سبب التعثر في الهلال لعسر الوصل بين جناحي السنة العربي والتركي إذ لو تم ذلك لحسمت المعركة بصورة ناجزة.
19-المستهدف هو إذن سنة العرب وسنة الأتراك ليس لما ذكرنا جغرافيا وتاريخيا فحسب بل لأن الله أمدهم بالجمع التام بين الشرطين: الروحي والمادي. فهم أقوى الجماعات في الإقليم وأغناهم وأقدرهم على النزال.
20-الوضع الراهن متمثل بقائدي الفتنتين الكبرى والصغرى وبطبيعة المليشيات الخمسة (بقايا الباطنية والصليبية والعلمانية والليبرالة والقومية الفاشية) وقائد الجوقة أي الولايات المتحدة وذيليها أي جيفة السوفيات وأوروبا عديمة العمود الفقري .
21-والذراعان إيران (الفتنة الكبرى) وإسرائيل (الفتنة الصغرى) والمحرك في الإقليم بذاته وبدماه وعملائه فيه (الغرب اوروبا وأمريكا وروسيا) هم اللاعبون الأساسيون.
22-ولنبدأ فنفهم كيف حصلت الفتنتان الكبرى والصغرى. فعلاجهما لا يكون إلا بفهم آليات حصولهما لتفكيكه وتحديد شروط القضاء عليه ككل ورم خبيث. الأولى يفسرها ابن خلدون والثانية نقيسها عليها.
23-بينت في مقالة الاستراتيجيا تعليل ابن خلدون الفتنة الكبرى بسبب داخلي للعرب قبل السبب الخارجي للشعوبية الفارسية: حرب القبائل العربية الكبرى وتوابع الاستعمارين الفارسي والبيزنطي على القبائل العربية الصغرى التي من الله عليها بالرسالة.
24-فالقبائل العربية على أطراف الجزيرة والمتأثرة بالاستعمارين الفارسي والبيزنطي كانوا يحتقرون من من الله عليهم من العرب بالقوة الروحية : أرادوا افتكاك السلطة السياسية التي كانت تابعة للسلطة الروحية.
25-عنجهية هذه القبائل ضد قريش وما حولها بها بدأت الحرب الأهلية وعنها نتج اغتيال الخليفة الثالث. وعلينا أن نصل الأمر ببدايته وغايته لأن ابن خلدون أغفل ذلك: ما اغتال عمر واغتيال علي باغتيال عثمان؟
26-إن الجامع بين البداية والغاية هو الذي يحدد دلالتهم. وهذا الجامع هو حادثة السقيفة: حينها بدأ الثأر من قبل بقايا الجاهلية والفارسية واليهودية لأن المانع ارتقى إلى الرفيق الأعلى: وفاة الرسول الأكرم.
27-وتتمثل هذه البقايا في تعثر الحسم لتحديد من يخلف الرسول الأكرم في الحكم: هل هو بمعيار جاهلي (منا أمير ومنكم أمير) أم إسلامي؟ والإسلامي لم يكن محددا: هل هو الاختيار (موقف السنة) أم الحق الإلهي (موقف الشيعة).
28-الخطة المعادية للإسلام السني بدأت يومها رغم انتصاره بفرض الحل الإسلامي بالاختيار أي الحل الذي تكون فيه السيادة للشعب يختار حاكمه : وذلك هو الفهم الأسلم لنظرية الدولة في القرآن وفي سنة الرسول (إذ هو نفسه اعتمد على البيعة ولم يكتف بكونه رسولا).
29-منذئذ بدأت الفتنة الكبرى بتآمر بين ثلاثة صفوف هي الشعوبية الفارسية واليهودية والعربية من التابعين لهما والذين يحتقرون العرب الآخرين الذين كان النبي منهم فمكنهم من سلطان يرون أنهم ليسوا أهلا له تقديما لقيم الجاهلية على قيم الإسلام.
30-يكفي أن نعوض “العرب الذين كان النبي منهم” بالسنة اليوم حتى نجد أن المعادلة هي نفسها لأن السنة هي من يتبعون سنة الرسول لا الجاهلية ولا الشاهنشاهية ولا الحبرية: الفرس والصهاينة والعرب الذين يحتقرون السنة.
31-من هم العرب الذين يحتقرون السنة؟ إنـهم هم أنفسهم الآن أي توابع الفرس واليهود والاستعمار الغربي الذي كان بيزنطيا فصار أوروبيا ثم أمريكيا والذين يتصورون أن تقليدهم للاستعمار حضارة وأن غيرهم من العرب الذين يرفضون التبعية بدو متخلفين.
32-لعل الكثير من القراء سيعجب من أن التحليل المنطقي يطابق الوصف التاريخي للوضعيتين في الماضي والحاضر: وجوابي ألا حاجة للعجب فالتاريخ ليس فوضى بل له سنن علينا فهمها
33-بعد تحليل المعادلة انطلاقا من وضع العرب فلنأخذ تحليلها من وضع الأتراك. لولاهم في الماضي أي منذ أن أسلموا لكان الفرس واليهود وحروب الاسترداد قد أدت إلى انحصار المد الإسلامي في ما يراد له الآن: فمنذ السلاجقة إلى العثمانين كان الأتراك سند الأمة وحماتها.
34-مايراد للإسلام السني قاله أحد السخفاء من توابع مجنون لبنان عون وحليف زمارة الملالي ويقوله إعلام السيسي وأقباط مصر وحتى بعض الغلاة من الأمازيغ: اخراج الإسلام من أرض الروم.
35-والآن تفهمون كيف شوه التاريخ الإسلامي: أولا الحرب الإعلامية على الخلافة التي حررت الهلال وشمال إفريقيا من مصر إلى المغرب وأسست دولة الإسلام. وما شوهوا به الخلافتين الأموية والعثمانية يكررونه لتشويه المقاومة العربية والتركية
36-ثانيا الحرب الاعلامية من القوميين والطائفيين مسيحيا وشيعيا على الخلافة التي حمت الإسلام إلى بداية القرن الماضي أعني الخلافة العثمانية.ها نحن نرى المليشيات ومستخدميهما يركزون عملية التشويه على السعودية وتركيا وبالتحديد: الوهابية والأخوانية (الاردوغانية).
37-فالتشويه والتزييف لم يطل إلا الخلافتين العربية (الخلافة الأموية) والتركية (الخلافة العثمانية) أي الحرب على تأسيس دولة السنة وتثبيتها وهو اليوم يركز على من يمكن أن يستأنف دور السنة في الإقليم والعالم.
38-فمن يقود هذه الحرب؟ نفس الصفوف الثلاثة: الفرس واليهود والعرب التوابع لهم قديما وحديثا ممن تشيعوا لعبادة النار أو تهودوا لعبادة العجل: وتلك هي المليشيات الخمس التي وصفنا.
39-لكن الذراعين مع ذلك ورغم خبث الصفوية والصهيونية واتحادهما على الشر والفساد في الأرض بل وربما لهذه الأسباب خذلهم الله فكانوا ضعافا وجبناء بدليل اعتمادهم التقية وعلى السند الاستعماري.
40-وخذلانهم يمثله ضعفهم وقوة السنة المادية والروحية في آن: هم لا شيء كميا وكيفيا. فالعرب والأتراك جمعوا القوة المادية والقوة الروحية الموجبتين والحقيقيتين وليس لأعدائهم الا السلوب والأوهام والكذب والتزييف.
41-وتلك علة ما وصف به القرآن الكريم بعضهم في الإسراء وهو وصف يصح على بعضهم الآخر لأنهم يستعملون نفس السياسة: يحتاجون إلى سند أجنبي من الصليبيين إلى مغول الشرق إلى مغول الغرب وهزيمتهم لا مفر منها.
42-فكيف نهزمهم؟ ذلك هو موضوع ما أحاوله بصورة موجهة للقراء عامة بهذا الأسلوب الذي فرضته علي رغبة بعض طلبتي ودرايتهم بالتواصل الحديث: قبلت به نزولا عند رغبتهم مع مطالبتهم بالعناية به لأني من جيل مختلف.
43-لكن الكلام الذي يحتاج إلى بعض الاختصاص أكتبه بالأسلوب الذي تعودت عليه بصفتي الأكاديمية مع تخفيف البحث من الجهاز العلمي الثقيل بحدود: وهو كذلك تنازل عند رغبة بعض الطلبة الآخرين (من جنس: على الأقل بسط من فضلك).
44-لذلك أحيل الراغب في المزيد إلى النوع الثاني والباحث المغرم بالتعقيد والعايف للتبسيط أن يغوص في ما هو أكاديمي بحت. ونكتفي اليوم بملاحظتين اخريين تعللان اعتبارنا حوض الأبيض المتوسط وما حوله قلب المعادلة الإسلامية في المعركة الكونية التي يخوضها من باب الإيمان بالرسالة فعلا ومن باب الدفاع عن النفس رد فعل.
45 فلمعادلة الاستئناف أربعة أبعاد أخرى فضلا عن القلب (ما يسمى بالشرق الأدنى ومعه المغرب الإسلامي) بنفس النسيج مخمس الأبعاد فيها جميعا: 1-الهند 2-وجنوب شرق آسيا3- وأوروبا 4-وافريقيا 5-ثم العالم ككل.
46-فهذه ساحات الصراع التي تخضع لنفس المعادلة وهي ساحات الإسلام التقليدية لأن الإسلام من البداية كانت معاركه عالمية (فارس وبيزنطة ثم الصليب والاسترداد والاستعمار والتحرر والآن الاستئناف). لذلك لم نذكر الأمريكتين ولا القارة السادسة استراليا المرشحة.
47-فالهند الإسلام فيه مثلث والحرب عليه منه ومما ذكرنا في القلب وذلك هو المخمس. وجنوب شرق آسيا الإسلام ثابت في موقعين وهو راجع في الممسح منه (مستعمرة البرتغال: الفليبين) مع نفس أعداء القلب.
48-في افريقيا الأسلام ثابت في العربي منها وفي غير العربي لكنه مقاوم في ما مسح منه (الكثير) وما يغزى حاليا من نفس الأعداء التي في القلب كما وصفنا.
49-وفي أوروبا الإسلام ثابت في البلقان وفي قلب أوروبا بالجاليات وهو حنين قد يرجع في اسبانيا وجنوب إيطاليا مع نفس الأعداء التي في القلب. علة توجس اليمين الغربي: بيجيدا.
50-وأخيرا فأزمة الإنسانية التي تعولمت ماديا بعبادة العجل وبسلطان المافيات الخفي مهدد محيطه الطبيعي والثقافي بتلوثين علاجهما روحي أساسا. ودورنا في هذه المعركة بين لأننا في قلب المعمورة جيواستراتيجيا ولأن الطاقة معظمها من دار الإسلام.
51-ولا معنى للشهادة على العالمين إذا لم يكن القصد منها أن نكون نحن الذين عليهم تبليغ الرسالة بلين الكلام ما أمكن كما طلب من موسى وبالدفاع الشرعي أرضا وعرضا وبعلتي الجهاد القرآنيتين أي فرض حرية العبادة ومنع الفساد في الأرض والعدوان على المستضعفين.


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي