لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
مقدمة
سبق ان بين أبن خلدون أن الجماعات البشرية تجتمع لغايتين هما عين وظيفة الدول أعني الرعاية والحماية.
- والأولى تنقسم إلى مجالين هما:
- التعاون لسد الحاجات (رعاية البدن خاصة)
- والتساكن للتآنس (رعاية النفس خاصة).
- والثانية تنقسم إلى مجالين هما:
- الحماية الداخلية لأن سد الحاجات يولد التنافس على المال والمنزلة والتآنس يولد التنافس على المرأة والسعادة
- والحماية الخارجية لأن التجاور يولد الصراع على اقتسام المكان والاستمرار يولد الصراع على الزمان.
ومن ثم فالدولة ضرورة حيوية للبقاء. وهي شرط الأمن والأمان في الداخل والخارج بحيث إن السلم نفسها مشروطة بأدوات الحفاظ عليها أي أدوات الحرب (من هنا أهمية الآية 60 من الأنفال).
لكن هذا البيان يناظر بالمفهوم الاقتصادي التوازنات الكلية أو الاقتصاد الكلي وهو مشروط بالتوازنات الجزئية أو الاقتصاد الجزئي الذي لم تهمل الفلسفة أهميته.لكنها اعتبرته من عوائق الوجود الجمعي فحاولت إلغاءه بتقديم الكلي عليه.
وهذا المجال المتعلق بالتوازنات الجزئية هو ما اصطلحت على تسميته بمطاريد أفلاطون.
ذلك أن أفلاطون اعتبر الدولة العادلة مشروطة بإزالة العوائق الناتجة عن خمسة عناصر سميتها مطاريد أفلاطون لأنه طردها من جمهوريته بإلغاء دورها الذي اعتبره سالبا.
لكن الإسلام ركز على أهميتها بل وزاد فوصلها بأسس الدولة السوية إذ جعل مبدءي الأمانة والعدل أساسي الدولة مقدما عليهما منزلة المرأة والملكية وجمع ذلك كله في سورة النساء التي تبدأ بمبدأ أشمل هو الأخوة البشرية (الآية الأولى من النساء).
وهذه المطاريد الأفلاطونية هي: الحس في المعرفة والفن في الذوق والمرأة في الحياة العاطفية والملكية في سد الحاجات وأخيرا خصوصية الفرد في إعاقة الحياة الجمعية.
وقد نزلت المرأة في قلب مخمس المطاريد لأنها في الحقيقة الجوهر منها جميعا : فهي ذروة الحس والذوق وغايتهما وهي علة التملك والخصوصية الفردية.
ويمكن القول إن كل الصراعات البشرية مردها إلى هذه المنزلة التي تشغلها المرأة سواء برز دورها فيها أو لم يبرز وسواء كان فاعلة أو منفعلة. ذلك أنها هي الحياة وقد تعينت فتمثلت بشريا سويا.
فالتعاون لسد الحاجات أداة وليس غاية في الحقيقة : الغاية هي الأنس بالعشير بلغة ابن خلدون. والأنس بالعشير لا معنى له من دون أساسه أعني المرأة إما لأنها أمه أو لأنها أساس بعده الجمالي لأنها عين الحياة من حيث لذة وشعور بالكيان.
لكن فقدان هذه الدلالة يمكن أن ينقل الصراع على المرأة من فروسية وغنائية يتداول فيها العذري والغريزي بين العلية إلى لصوصية ووحشية يتداول فيها السفلة من القوم.
وعندما تتحول إلى سلعة فإنها تفقد هذه المنزلة فيصبح الصراع عليها سوقيا ككل تنافس على سلعة.
وسأضرب مثالا من التعين العنيف للغز الجنسي في ظاهرة كانت مغيبة في مجتمعاتنا لكنها صارت جلية بعد أن تحررت المرأة وأصبحت مشاركة في المجال العام. لكنها لم تكن منعدمة سابقا لأنها كانت تحصل في المجال الخاص وحتى بين المحارم وتبقى من أسرار الأسر التي كانت عائلات كبرى متعددة الأفراد ولم تكن أسرة نواة.
لذلك فهذه المحاولة لعل الكثير سيستغربها مني وخاصة من ربطها بمناسبة شبه إجرامية نتأت بوضوح بعد أن حصل الانقلاب الهمجي في مصر التي هي الآن بؤرة الربيع العربي والتي قد يكون مآلها مآل الثورة في سوريا.
لكن الإجرام من أهم الأغراض في التعبير الفني وخاصة ما كان منه دراميا سواء في المسرح أو في السينما.
ومن محددات ألغاز العلاقة بين الجنس والعنف أنها مثلها مثل كل الألغاز الأخرى التي أشرنا إليها بل وأكثر منها يختلط فيها الشرعي وغير الشرعي والعادي والإجرامي لأنها من جنس المادة العصية على التصوير.
لكن الخوف مما كثر الكلام عليه في الثورة عامة وفي مصر خاصة عن هذه الظاهرة يتحول إلى الدفاع عن تصورات فاسدة عن الأخلاق والعلاقة بين الرجل والمرأة قد يكون مفسدا للغاية الأساسية من الثورة التي مع إظهارها للأمراض تمثل حالات بارزة تساعد على فهم ألغاز الوجود الإنساني في حالاته غير السوية فتمكن من التشخيص والعلاج.
وفي حالتنا فإن جعل مثل هذه القضايا من أغراض التعبير الفني بشكل درامي يحرر حيويتنا الحضارية من الانحطاطين اللذين حالا دون الإنسان العربي والحياة الصادقة. وفي ذلك بداية لتحقيق الصلح بين قيم القرآن المتحررة من عصور الانحطاط الذاتي وقيم الحداثة المتحررة من عصر الانحطاط الاستعماري.
ولعل أكبر ثورتين حققهما الإسلام هما:
- ثورة تحرير الجنس من التحريم المرضي للعزوبية الرهبانية وجعل المتعة الجنسية بشروط العلاقة بين الجنسين كما يحددها القانون الشرعي حقا بصرف النظر عن الوظيفة الإنجابية للجنس حتى إن المتخلفين من رجال الدين المسيحيين في القرون الوسطى اعتبروا الإسلام دين لذة لأنهم لم يفهموا دلالة تحرير الجنس. وهذا التحرير بخلاف أوهام من يتسرعون في الحكم ليس مقصورا على الرجل. فحتى بالنسبة إلى المرأة تم التحرير وإن بطريقة خفية تمثلت في تحليل الطلاق وإيلاء منزلة محترمة للمطلقات ما يعني أن التعدد الجنسي بالنسبة إلى المرأة يكون بالتوالي وليس بالتساوق كالحال بالنسبة إلى الرجل وذلك بسبب المحافظة على نقاوة النسل وتحديد أبوة الاطفال.
- ثورة الإيجيان (نظافة البدن ونظافة المحيط) التي أهم ما فيها هي نظافة المدخل والمخرج للحياة سواء تعلق بمددها المادي (الأكل) أو بمددها الروحي (الجنس). فنظافة الفم والشرج ونظافة الفرج عند الجنسين من أهم ثورات الإسلام حتى وإن كان المسلمون اليوم أقل الناس دراية بأهمية هذه الثورات وبأساسهما الديني خاصة فضلا عن إهمال النظافة من الأصل: التحرر من نظرية الخطئية الموروثة Die Erbsünde لأن الله عفا عن آدم وحواء واجتباهما.
والجمع بين هاتين الثورتين هما جوهر الصلح بين الديني والدنيوي أعني ثورة الإسلام الكبرى التي جعلت جل فلاسفة التنوير يعتبرهم المتكلمون المسيحيون أقرب إلى الإسلام منهم إلى المسيحية (راجع ترجمة كتاب يوسف كوشل عن رواية لسينج حول صلاح الدين الأيوبي – الأديان من التنازع إلى التنافس: Vom Streit zum Wettstreit der Religionen ترجمة أبي يعرب المرزوقي ومنير فندري).
حتى إن جوته اضطر إلى اعتبار هذا الصلح بين الدين والدنيا تعاقدا مع الشيطان ليتجنب غضب رجال الدين.
لذلك فهاينه الفيلسوف ومؤرخ الأدب الرومانسي فسر فن جوته وأدبه بخياره فلسفة الإسلام الجامعية بين الدنيوي والديني بخلاف خيار رجال الدين العودة إلى الديانة الهندية أصلا لفكرهم (راجع ما كتبت عن جوته في مجلة مطاع صفدي).
اللقاء بين الجنسين والتحرش
إن اللقاء بين الجنسين لا يلتزم دائما بالعلاقة المتبادلة والحرة بل يسيطر عليه شيء من الصراع العنيف سواء بين المتزوجين أو غير المتزوجين.
ولعل ما يصاحب بداية العلاقة بينهما يكون في الأغلب ظاهرة ليس من اليسير التمييز بينها وبين التحرش.
وهذه الظاهرة شديدة التعقيد والانتشار في كل المجتمعات وكل الحضارات. فقد يكون القصد بها إصرار التعبير عن الرغبة الجنسية من أحد طرفي العلاقة غير المستجابة من الطرف الثاني.
لكنها تختلف عن الاغتصاب واستحياء الأعراض في الحالات التي لا علاقة لها بالتحرش لا من بعيد ولا من قريب :
- فالتحرش يصعب تمييزه عن درجات التعبير عن الحب قبل بلوغه الغاية التي هي تحوله إلى تعبير متبادل بين الجنسين يصبح بعده تحرش البداية غزلا وتشبيبا وليس تحرشا.
- أما الاغتصاب فهو بداية فجة خالية من الحب ولا تتضمن أدنى مرحلة من مراحل التعبير عن الحب. وقد تكون غاية عند النقمة على عدم المستجيب.
لذلك فالخلط بين الظاهرتين يحول حتما دون فهمهما فضلا عن الوصول إلى العلاج السوي.
من ذلك مثلا أن الخلط بينهما هو الذي يجعل البعض يميل إلى الحل الذي يريد أن يقضي به على التحرش فعليا بالفصل بين الجنسين ماديا وبسياسة تمنع الاختلاط أو رمزيا بفرض زي معين على المرأة.
فهذان الحلان تبين فشلهما لأن منع الاختلاط لا يقضي عليها بل يضاعفها إذ هو يجعلها ضمن كلا الجنسين في غياب الجنس الثاني وفرض الزي كذلك يضاعفها لأن التحرش يمكن أن ينطلق من رنة الخلخال أو من رعشة الارداف ورفة النهود حتى وهي متدثرة فضلا عن جميع الحركات والإشارات ذات الدلالة الجنسية بالقصد أو بغيره : والشعر العربي مليء بمثل هذه الإشارات.
وإذن فلا يكفي لفهم ظاهرة التحرش أن نقتصر على الأحكام الخلقية أو المقابلة بين الأجيال بمعيار الأخلاق المحافظة والأخلاق المنفلتة فضلا عن المقابلة بين الجماعات السياسية المتدينة وغير المتدينة.
فأصل هذه الظاهرة أو بعضه ملازم للعلاقة بين الجنسين ليس عند الإنسان وحده بل في كل الكائنات الحية التي حياتها رهينة اللقاء بين الجنسين.
واللقاء بين الجنسين قل أن يكون لطيفا بإطلاق بل إن بعض العنف اللين جزء أصيل منه مثل عض الشفتين في التقبيل.
والأمر كله يبدأ بما يشبه التحرش عند النظر إليه بمعزل عما يجري في باطن طرفي العلاقة إذ الأمر كله متعلق بالنوايا وليس بالأفعال ذاتها : الفعل المتغزل يصبح تحرشا عندما لا تلاقيه الاستجابة من الجنس الثاني.
فالظاهرة ملازمة للجنسين ملازمة الصحة والمرض بل أكثر لأن هذين يتبعان الحياة في حين أن العلاقة الجنسية منها تنبع الحياة فتكون تابعة لها فعلا حتى وإن العلاقة مقابلة دفعا.
لذلك فلا بد من أن نتجنب دراسة الظاهرة بالانطلاق من وضع مرضي كالذي رأيناه في مصر بعد الانقلاب بل هو يلغي شروط البلوغ إلى حقيقتها كالحال في ما حدث في مظاهرات التأييد للانقلاب أو في كل تجمعات يصبح الاختلاط بين الجنسين فيها شديد التلاحم والتلاصق.
فإذا أضفت إلى ذلك أن المجتمعين في مظاهرات السيسي أو في اللقاءات الرياضية أغلبهم يعود إلى أعضاء في أدوات إجرامه أو في جماعات شبابية من العاطلين الذين ينتدب منها البلطجية وقوادة المخابرات وأطفال الشوارع ظرفهم عينه يجعلهم معبرين عن أدنى درجات الإنسانية ليس خلقيا فحسب بل وحتى عقليا لأنهم أقرب إلى النزعات الحيوانية في الإنسان منهم إلى ما يميزه عن الوحوش:
وهم لا يتحرشون بالنساء بل يغتصبون الأنثى حتى لو كانت حمارة.
ومعنى ذلك أن البداية في علاج الظاهرة من هذه الحالة المرضية بداية خاطئة بإطلاق وهي تؤدي إلى تشخيص خاطئ قد ينتهي إلى حلول خاطئة.
فالخلط بين التحرش متعدد الدرجات وشديد الانتشار في كل الجماعات البشرية واستحياء النساء أي الاغتصاب الجماعي المصاحب عادة للغزو البدائي كالحال في ما يحدث في سوريا وفي مصر وفي كل البلاد التي صارت جيوشها مرتزقة وجيوش غزو خطأ منهجي لا يغتفر.
فالانقلاب كان بحاجة إلى هذه الوحشية لارتكاب ما ارتكبه من جرائم لا يصدق عاقل أن جيشا يعمل في شبعه ما عمله إلا إذا كان جيش غزاة يستبيح المغزوين فيذبح الرجال ويستحي النساء.
وحتى من شاركهم ممن ليس منهم مع علمه بغلبة ذلك عليهم لا يمكن أن يكون إلا قريبا منهم بوعي أو بغير وعي من جنس من يذهب إلى الأدغال طالبا العافية.
في مثل هذه الحالة يستحيل أن تدرس الظاهرة: فلكأن الواحد منا حاول أن يدرس حقيقة الابداع في مستشفى مجانين.
طبيعة العلاقة بين الجنسين
اللقاء بين الجنسين تفاعل يحكمه في الغاية ما يجعلهما جنسين يتحددان بهذه النسبة بينهما. وهذه النسبة يمكن أن تكون في حال تعبر عن الصحة والطابع السوي ويمكن أن تنقلب فتعبر عن المرض والطابع غير السوي كالحال في المثال الذي جعل هذا المشكل يصبح هم الإعلام في اللحظة الراهنة.
واللقاء بين الجنسين يكون
- في الحالة الأولى يكون تدرجه قربا وبعدا مناسبا لدرجات التعبير عن التآلف. وغاية التقارب هي اللطف المتبادل.
- أما في الحالة الثانية فاللقاء يكون تدرجه قربا أو بعدا مناسب لدرجات التعبير عن التنافر. وغاية التباعد هي العنف المتبادل.
وبين المسارين أوجه شبه ينبغي ملاحظتها لفهم انقلابهما أحدهما إلى الآخر لما سنرى من العلل.
- فما يجعل المسعى الأول لا يعد تحرشا هو الاستجابة الايجابية للجنس المقابل.
- وما يجعل المسعى الثاني يعد تحرشا هو الاستجابة السلبية للجنس المقابل.
ومن ثم فالنسبة بين الجنسين والعواطف المتبادلة سلبا وإيجابا هي المحدد لخاصية المسعى سلبا وإيجابا. ما يعني أن المسعى في الحالتين يمكن أن يكون من الجنسين فلا يكون التحرش مقصورا على الرجال. فالنساء أيضا يمكن أن يكن المبادرات ومن ثم فقد تكن متحرشات.
مراحل المسعى حبا أو تحرشا
ولهذا المسعى التفاعلي بين شخصين حائزين على وعييهما (نستثني أذن السكارى والمرضى الذين من جنس بلطجية السيسي) ثلاث مراحل وجسران يصلان المرحلة الأولى بالثانية والثانية بالثالثة حتى يكتمل بالغاية التي تحددها الاستجابة الأخيرة من الجنس المقابل:
وإذن فهو أشبه ما يكون بمراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعني بالقلب واللسان واليد مع ما يجعل النقلة من مرحلة إلى أخرى مستنتجة من رد فعل الطرف المنفعل ومن جرأة الطرف الفاعل.
- فالجسر الأول المحدد للنقلة من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية ملتبس ومن ثم فهو يقبل عدة تأويلات.
- أما الجسر الثاني المحدد للنقلة من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة فهو وحيد المعنى على الأقل في الظاهر ولا يظهر التباسه إلى في الغاية التي تجعل المرحلة الأخيرة تكون تحرشا أو تماما للعلاقة بحسب ما يشعر به كلا طرفي العلاقة وخاصة الطرف الذي يبدو منفعلا في الظاهر.
المرحلة الأولى: مرحلة أفعال القلوب
علاقة باطنة في قبل أحد طرفي العلاقة تبديها نظراته وهو يمكن أن يعد تعبيرا عن نداء حب أو تحرش بحسب ما سيؤول إليه في الغاية.
الجسر الناقل إلى المرحلة الثانية:
لا يمكن للمرحلة الأولى أن تنتقل إلى المرحلة الثانية لو لم يجد صاحبها تشجيعا من الطرف الثاني عادة ما تكون علامات ترد على النداء لكنها عسيرة التأويل لأنها قد تكون دالة على رفض مؤدب أو قبول حيي.
المرحلة الثانية: مرحلة أفعال اللسان
تتحول أفعال القلوب إلى أفعال لسان فننتقل من الباطن إلى الظاهر بالتلميح القولي من قبل أحد طرفي العلاقة تبديها عباراته إزاء الطرف الثاني.
الجسر الناقل إلى المرحلة الثالثة
لا يمكن للمرحلة الثانية أن تنتقل إلى المرحلة الثالثة لو لم يجد صاحب النداء باللسان استجابة مشجعة إيجابا أو حتى عدم استجابة رافضة سلبا.
وغالبا ما يؤول السكوت على أنه علامة رضا.
من هنا يأتي المرور إلى اليد وتلك هي المرحلة الحاسمة.
المرحلة الثالثة: مرحلة أفعال اليد
تبدأ هذه المرحلة بالملامسة بمعناها العادي وتنتهي بالملامسة بمعناها المجازي أي الجنس طوعا أو كرها بحسب مستوى صاحب المبادرة وظروف اللقاء وتربية الملتقين: فكل ممانعة من المرأة في البادية مثلا يفهم على أنه حياء ظاهر ونداء باطن ربما بسبب الحرمان شبه المطلق.
ولهذا العلة تجد الغزل البدوي شديد التعبير عن المعاني المادية إذ لا يمكن أن تجد وصفا أكثر دقة لمحاسن المرأة الجسدية مما تجده في الشعر الجاهلي والبدوي بخلاف ما عليه الحال في شعر الحضر حيث يهتم الشاعر بالمشاعر.
خاتمة
ولا بد هنا من ملاحظة أمرين كثيرا ما يظنهما من لم يتجاوز البداوة معبرين عن برود جنسي ناتج عن الاختلاط بين الجنسين في حين أنهما يعبران عن بدائية العواطف لا غير وربما بسبب الفصل بين الجنسين.
فالفصل بقصد جنسي (لأن الأسرة فيها الجنسان دون فصل بين المحارم) لا ينظر الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل إلا جنسيا خاصة وحتى المعتبر من الأمور الأخرى فهو يرد إلى هذا المنظور.
ذلك أن معيار القوة والعلامات الدالة عليها أعني غالبا قوة البدن وقوة المال هما ما تتمثل فيه الرجولة بالنسبة إلى المرأة والانوثة بالنسبة إلى الرجل أو الظرف الذي يجعل الاستمتاع ممكنا بشروطه.
- عدم إيلاء أهمية للعري بل وحتى للجسد في الغرب: ذلك أن عرض الجسد يصبح وكأنه غطاء فيطلب الغربي ما وراءه من تعبير عن صدق الباطن أو الحب. في حين أن المحروم يطلب ما وراء الثياب أي الجسد الذي أصبح هو الباطن بالنسبة إليه.
- عدم اهتمام الجنسين بغير من يحبان يلغي ما ينسب إلى الاختلاط من خطر التشجيع على التحرش فلا يبقي له إلا ما يشبه المزاح إذا لم يقتصر على مقدمات النداء المعد للعلاقة الغرامية المتبادلة برضا الطرفين.
ولا يعني ذلك أننا نفضل هذا المنظور لأنه هو بدوره له تبعات قد تكون أخطر من تبعات الحل الفاصل بين الجنسين.
ذلك أن البحث عن الباطن قد يبدو محتويا على فرق جوهري لأن طلبه من وراء الثياب المخفية للبدن يجعله جسدا وطلبه من وراء البدن المخفي للنفس يجعله علامات صدق عاطفي.
لكن الصدق العاطفي مثله مثل الجنس ابن لحظة يموت بسرعة.
لذلك تكثر الخيانات بمتقضى الصدق:
- المرأة الصادقة يتوالى عليها الرجال بتوالي لحظات الصدق العاطفي.
- والرجل الصادق يتوالى عليه النساء بتوالي لحظات الصدق العاطفي.
وتنهدم كل علاقة ثابتة.
وعندئذ تصبح الحياة الجنسية مشاعية عامة قد تنتهي إلى أصل الحياة ذاته مع ما يصاحب ذلك من عدم استقرار عاطفي وفوضى روحية بسبب عدم التمييز بين صدق الصداقة أو المحبة الخلقية الناتجة عن الصبر الواصل بين لحظات صدق المحبة الجنسية: والأولى إنسانية عقلانية والثانية حيوانية غريزية.
ومعنى ذلك أن المعايير تنقلب: البداوة تصبح أقرب إلى العقلانية والإنسانية من الحضارة التي تتحول إلى حيوانية وغريزية.
ولأنها تصبح تلذذا بهيميا فإنها تموت وتفقد غريزة الحياة الدفاقة فيصبح الجنسان عاجزين عن رعاية الأطفال وتربيتهم وتشيخ الجماعة وتصاب بما يسميه أفلاطون تلذذ الأجرب بالحكاك.
وأخيرا فإن مجتمعاتنا تنقسم اليوم إلى هذين الموقفين.
لذلك فلا عجب أن ما كان يجري فيها أشبه ما يكون بصراع الحضارات في نفس الحضارة.
ولا يمكن لمجتمعاتنا أن تحقق التوازن فتستقر ما لم تفهم هذه الظاهرة التي لا يكون علاجها بالطريقة التقليدية (الفصل بين الجنسين والتحجيب) ولا بالطريقة الحديثة (الاختلاط والتعري) لأن الحلين إذ يجتمعان خاصة يرفعان عملية التحرش إلى أعلى مستوياتها ويجعلان المنظرين الذين لا يفهمون الظاهرة يعتبرون بحسب انتسابهم إلى أحد الموقف الموقف الثاني علة للظاهرة.
لذلك فينبغي اعتبار الظاهرة غير طبيعية في حدود ما تستمده من صراع الظاهرتين وأنها في ما عدا ذلك يمكن أن تكون أمرا طبيعيا علاجه هو عين حرية الفرد في التعاطي مع الجنس المقابل.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/