1-حصرنا معادلة الوضعية التي يتحدد بها مصير الأمة ممثلة بالسنة خاصة فلخصناها في خمسة مفهومات بدأنا تحليلها بالأصل (الخلافة) والغاية (التراث) واليوم نحاول تعريف قلب المعادلة الذي يتوسط بين الخلافة والأمة قبله والشريعة والتراث بعده: مفهوم الهوية.
2-والقلب من المعادلة ومركزها هو “الهوية” يصله بالبداية مفهوم الأمة وبالغاية مفهوم الشريعة.وبعلاجنا لدورهما نحل المعادلة رغم التعقيد لئلا يبقى المسلمون عبيد.
3-نعالج مفهوم الهوية. ما طبيعة علاقته بالحدين الأقصيين: الخلافة والتراث؟ حددنا طبيعتهما بمفهوم الوسيط بينهما: استعمار الإنسان في الأرض باعتباره وظيفة الخليفة بأداة يصنعها بنفسه هي التراث (وقدرته على ذلك سماها القرآن الكريم علم الأسماءالذي يؤهله للاستخلاف).
4-ويبقى وسيطان آخران نعالجهما في الغاية: فالوسيط بين الخلافة والهوية هو الأمة. والوسيط بين الخلافة والتراث هو الشريعة. والوسيطان هما أكثر المفهومات الخمسة تعقيدا وتجريدا في آن.
5-العلاج: الخلافة أولا والتراث ثانيا والهوية ثالثا والأمة رابعا والشريعة خامسا وأخيرا. وهو ترتيب غير خطي بل هو متعرج: البداية فالغاية فالقلب فعلاقته بالبداية فعلاقته بالغاية.
6-بعد الخطة نستأنف الكلام: الهوية وما أدراك ما الهوية. فقد كثر اللغط حولها وخاصة من متفاقهي فلسفة ما بعد الحداثة الساخرين من “الهووين ».
7- فأول مداخلة قدمتها بمجرد عودتي من ماليزيا بداية 2006 كانت حول الهوية قبل معركة المنبتين ضد الهوية علنا بعد الثورة خلال صوغ الدستور.
8-ذكرت بالمداخلة وقد تغني من يريد المزيد عن الإطالة في التغريد.لكني لم اعالج إشكالية الدلالة القرآنية“هوية الشاهدين“ذات الكلية المتعينة.
9-إذن مستويان: تلخيص لما سبق حول الهوية عامة وعلاج لم يسبق حول هوية الشاهدين الجامعة بين الكونية والتعين : هوية أصحاب الرسالة الخاتمة.
10-التذكير السريع بمفهوم الهوية عامة:1-أول مبادئ العقل على الأقل في المنطق القديم. الهوية المقومة–جواب ما هو–أصل مبدأي العقل الآخرين.
11-عدم التناقض يحافظ على وحدتها. والثالث المرفوع ثمرتهما وسند الثاني بالمؤسس على الأول. من يجهل هذه المعاني أمي وعبد موضة ولا كلام معه في الهوية خاصة وفي الفلسفة عامة.
12-لعل المتفاقهين لم يدركوا أن أول واضع لها هو أول متحرر منها:أرسطو مؤسس المنطق هو واضعها وأرسطو مؤسس البايولوجيا ناسخها بنظرية التناسب.
13-من حظي أو من صدف تكويني الأول أن رسالتي الأولى كانت في دور الرياضيات في علم أرسطو (بالفرنسية والعربية): نظرية وحدة الوظيفة واختلاف العضو.
14-فارسطو بهذه النظرية الثورية في البايولوجيا أسس لنظرية داروين في التطور (وداروين يعترف بهذا الدين المضاعف: مفهوم التكيف باختلاف العضو مع وحدة الوظيفة): أي إنه لم يكن بحق قائلا بثبات الأنواع بل بثبات وظائف الحي.
15-ومثال أرسطو هو أن الخياشيم لدى السمك عضو يؤدي وظيفة الأنف لدى الإنسان مثلا والسبب هو التكيف مع المحيط المحدد للتنفس وظيفة ثابتة للحي.
16-وما يجهله المتفاقهون من توابع الموضة هو أن المفهوم الوظيفي للهوية ينتقل من العضوي إلى الحضاري بمجرد انتقال فلسفة الوجود من تقديم الطبائع وفلسفة النظر إلى تقديم الشرائع وفلسفة العمل.
17-متخلف فلاسفة الانحطاط لم يدركوا أهمية تمييز أرسطو بين الوظائف والأعضاء التي هي أدواتها فعمموا الثبات وأغفلوا جمعه بين الصوري والجدلي.
18-بالاقتصار على الفكر الغربي أول منتبه لجمع الأرسطي هو هيجل:1-سلبا بالقول إن أرسطو لا يستعمل منطقه في علومه 2-إيجابا بوضع هيجل قواعد الجدل الذي بنى عليه فلسفته كلها ونموذجها بايولوجي.
19-وهذه القواعد هي عينها القواعد التي يستمدها أرسطو من البايولوجيا (في الحقيقة مرحلته الأولى أو التاريخ الطبيعي للحيوان: كان طبيبا وابن طبيب ومهتما بالبحث في الإحيائيات): كيف نجمع بين الثبات والتغير؟ الجواب: ثبات الوظيفة (في النوع الحي وحتى في الجنس عامة) وتغير العضو للتكيف.
20-لم يفهم متفاقهو الموضة الفلسفية فغرتهم ما بعد الحداث: التغير لا ينفي الهوية بل هو يثبت أنها قانونه الجامع جدليا بين الوظيفة وأدواتها.
21-اقتصرت على تاريخ الفكر الغربي لئلا أطيل ولإفحام المتفاقهين الذين يحتجون به على جهل أو على قاصر العلم. لكن المتقدم على ذلك كله والذي يمكن من فهم التعريف القرآني للهوية أساسه أعمق من المقابلة بين المنطقين.
22-وهذا هو الأمر الذي لو فهمه المتفاقهون لجنوا حقا لأنهم سيكتشفون أن البصيرة لا تتعلم في المدارس بل هي من عطايا رب العباد وسيد الأسياد. لذلك أضفنا في كتاب وحدة الفكرين مبدئين منطقيين آخرين ليتم الوصل بين الطبائع والشرائع.
23-ففي المنطق الأرسطي والهيجلي الهويات طبائع. في القرآن الهويات شرائع أي إنها منظومة من القوانين وضعتها إرادة حرة لتحقيق منظومة غايات.
24-والثابت هو الغايات والمتغير هو القوانين التي تحققها. بلغة الفقهاء المقاصد من الأحكام ثابتة والجزاء إيجابا أوسلبا متغير بما يطلبه تحقيق الغاية.
25-ولنعد إلى مفهومينا الاولين الخلافة والتراث: فإن المقصد الأسمى من وجود الإنسان هو الخلافة. وأداة تحقيقه هي التراث ثمرة استعماره في الأرض ماديا ورمزيا. وهو لا يحاسب ويجازى إلا على عمله الصادق فيهما.
26-الحصيلة: ثابت الهوية هو الاستخلاف ومتغيرها هو التراث ثمرة الاستعمار في الأرض الذي هو الوسيط بينهما.وكلاهما شريعة وليس طبيعة: أي حرية واختيار.
27-وهذه الحرية مضاعفة: حرية الخالق وحرية المخلوق.الخالق بحرية استخلف الإنسان وأعطاه شروط الاستعمار في الأرض المادية والروحية ليكون خليفة
28-وهي حرية المخلوق: له أن يختار بين الخلافة سيدا وحرا يستعمر الأرض فيكون وجوده مطابقا لحقيقته وله ألا يفعل فيفسد فيها ويسفك الدماء.
29-وصلنا الآن إلى المعضلة الجوهرية في تصور هوية كلية وعينية في آن هي هوية الشاهدين أصحاب الرسالة الخاتمة خطابا للكل وتعينا في البعض: نحن المسلمين أي السنة.
30-عسر المسألة يحتم قسمتها إلى جزئين: اقف في الجزء الأول عند غاية المستوى الأول الذي يذكر بما سبق بيانه وإن شاء الله استأنف في الجزء الثاني من البحث في هوية الشاهدين الذين هم نحن سنة الإسلام.
31-والقسم الثاني سيكون إن شاء الله محاولة للجواب عن أهم سؤال فلسفي وديني يجعل هوية الشاهدين مفهوما جامعا بين فلسفتي الدين والتاريخ ومبينا في آن علة حرب أعداء الإنسانية على القرآن والرسول الأكرم والرسالة الكونية.
الهوية قلب المعادلة وأساس الأزمة – الجزء الأول – أبو يعرب المرزوقي