النهضة، حتى تتجنب قيادتها الأفخاخ وقاعدتها الفتور

**** النهضة حتى تتجنب قيادتها الأفخاخ وقاعدتها الفتور

ليس من عادتي التدخل في شؤون حركة النهضة الداخلية، قبل أن تصبح حزبا، وخاصة بعد أن صارت تعتبر نفسها حزبا. لكن ما يجري يفرض علي، بصفتي مواطنا، • أولا يعتقد أنها هي القوة السياسية الوحيدة التي بقيت سليمة بالقياس إلى غيرها، • وقريبا من التوجه الإسلامي ثانيا، أن أشير إلى مؤامرة خطيرة تتعرض لها. ولست أحرص عليها من قياداتها ولا من قاعدتها الرسمية. لكني مع ذلك أقدم على هذه المحاولة لأني أعتقد أن كل مواطن مخلص لما بقي من هذا الوطن، محافظ على كيانه الروحي، لأن كيانه السياسي لم يبق منه إلا الشكل، أريد أن أحلل هذه المؤامرة الخطيرة والتي تتوجه إلى قيادة النهضة وإلى قاعدتها في آن. والمؤامرة ظاهرة للعيان، لكنها بلغت درجة من الخبث جعلتها تتمثل في إطراء القائد إلى حد سينهي دور الديموقراطية الداخلية في الحركة، وتحميل مسؤولية حكم البلاد للقاعدة إلى حد سيجعلها معرضة لأمرين هما أخطر ما يمكن أن يتعرض له حزب في حياته: • مسؤولية حكم زائف • وتفتيت قاعدته ثورة على أخطائه.

وأبدأ بكثرة الإطراء للقائد وما انجر عنها من تحول القيادة في الحركة إلى ما سماه أحد شبابها من القيادات الوسطى بـ”النظام الرئاسي”. فهذا خطير وخطير جدا، لأنه ينتج ظاهرتين مرضيتين في الحركة سيجعلانها تلحق بالنداء لو لا قدر الله واصل اتباع من يغرونه بالاستحواذ على القيادة الفردية. فهؤلاء نوعان: 1. من داخل الحركة، وهي بطانة ليس لها ما للقيادات الحقيقية للنهضة ممن كانوا عمادها الحقيقي أيام الشدة 2. ومن خارج الحركة، وهي بدورها نوعان: • طامعون في اعتماد الحركة سلما في الطبقة السياسية • ومغررون بالقيادة حتى تدفعها لما يجعل أجيال القيادات الحقة تنفصل لما يعال صبرها.

وقد كنت شاهدا على الوضعية المقابلة في المؤتمر التاسع عندما كنت مستشارا للأستاذ حمادي الجبالي. لاحظت أن القيادات الشابة والتي تعتبر أن دورها قد حان للقيادة، قد وضعت القائد الحالي في وضعية شديدة الإحراج وحاسبته حسابا عسيرا. ويبدو أن ما حصل في العاشر هو العكس، فكاد العقد ينفرط. وأعتقد أن الشرخ والجروح لم تندمل، والمؤامرة على القيادة تبدو لي متمثلة في نكئها ومنع اندمالها ومنع العودة إلى القيادة الجماعية مع نظام تراتبي للسلط. فكلما انفصل القائد واحاط نفسه ببطانة ليست ممن تعتمد عليهم الحركة في التواصل الحقيقي مع قاعدتها، كلما كان كلاهما مهددا – القيادة والقاعدة. وعلى مثل هذه الظاهرة يعتمد الطامعون والمزايدون من الصفين على افتكاك قواعد النهضة في الانتخابات. من ذلك كلام المرزوقي وفتات حزبه على “شعب” النهضة، ويناظره بعض المزايدين في الإسلامية على يمين النهضة. وهذا كله يخدم أعداء استقرار تونس وتعافي علاقة الشعب مع ذاته وتصالح التحديث والتأصيل.

ذلك أن هذا الترشح إذا حصل، فسيكون أولا لحظة فراغ صبر الجيل الثاني من قيادات النهضة، وغضبهم سيبرز في التردي القاعدي بالعزوف في الانتخابات النيابية، فتخسر النيابية وتخسر الرئاسية، ولن يبقى لها إلا الوجود الهامشي الذي سيفتتها كما تفتت النداء بعد ابتعاد موحده الرمزي. وفراغ صبر الجيل الثاني من القيادات ذات الرمزية في الجهات، حتى من دون انفصال صريح، ستفهمه القواعد على أنه حط من شأن أبنائها وتضحياتهم، فتحجم عن المشاركة أو الحماس الانتخابي. ولعل خسران المليون في البلديات مؤشر مخيف لم يحسن قراءة الساحة السياسية لتفاعل عاملين. • فعامل فقدان الحماس لدى القواعد الناتج عن الحط من شأن أبنائها وتضحيات أهلها لا يكفي وحده لفهم الظاهرة. • العامل الثاني هو الغضب من كثرة التنازلات التي تضطر لها القيادة باسم التوافق الذي لم يحصل حوله إجماع في الحركة ويصعب أن يحصل لأن مقابله هو هذا المديح المغشوش للقيادة. وما ينتظره المعارضون والحكام في تونس اليوم، هو أن تواصل الحركة في هذا الاتجاه لأنهم ينتظرون أحد أمرين وكلاهما لصالحهم: 1. ألا تتحمس القاعدة للتصويت فتفقد النهضة وزنها. 2. ويمكن أيضا، أن تصوت عقابا لها لصالح من يزايد عليها في الثورية من المعارضة وقوتها النسبية لا تخيف الحكام.

ولما كنت واثقا من أن النهضة فيها قيادات لا تتمادى في الخطأ إذا أدركت ما يحاك لها من مؤامرات وما ينصب لها من أفخاخ، فإني أقدمت على كتابة هذه المحاولة دون أن أدعي أني أدرى منهم بشؤونهم. لكن المراقب من خارج المعمعة يمكن أن يرى ما لا يراه الخائضون فيها. لذلك تكلمت. واقترح تصنيف القيادات على النحو التالي: 1. قيادات عليها أن تصبح ذات دور رمزي وخلقي، قيادات الجيل الاول ومنها الأستاذين الغنوشي ومورو 2. قيادات الجيل الثاني ينبغي أن تتولى الدور السياسي الأول (الأربعة الأبرز حاليا) 3. قيادات الجيل الثالث الأصغر سنا 4. قيادات جهوية 5. قيادات محلية

وبهذا الفهم ودون حاجة لمؤتمر استثنائي بعد العاشر، اقترح أن تقع مراجعة نظام القيادة على هذا الأساس، وإرجاع القيادة الجماعية مع احترام هذا التراتب، • فيكون الجيل الاول صاحب السلطة المعنوية • والجيل الثاني صاحب السلطة السياسية الوطنية • والثالث المساعدين لهم • والرابع والخامس لتكوين القيادات المقبلة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي