****،
هذه محاولة أريد أن أبدي فيها رأيي في ما يجري في حزب النهضة.
والمعلوم أني لم أدع يوما الوصاية على أحد من الساسة أو واحدة من القوى السياسية.
بل لقد اعتزلت بعد تجربة سنة واحدة التجربة القصيرة التي اقتربت فيها من العمل السياسي المباشر.
ولما كنت لا أنتسب حقا إلى أي حزب – حتى في تلك التجربة – فمن حقي من منظور المصلحة الوطنية أن أواصل تحليل الأوضاع وأن أقيم أوزان القوى السياسية وما أعتقده من دور يمكن أن يكون لها أو أتمنى أن يكون لها من اجل مستقبل تونس.
كما أني لا أدعي الوساطة – لما أبدي رأيي في ما بين الأطراف المتنازعة من خلافات – في أي حزب بما في ذلك الحزب الذي اعتقد أنه أقرب القوى السياسية إلى رؤيتي لمستقبل تونس في إطار محيطها الحضاري الذي تعد من أهم المسهمين فيه تاريخيا منذ وصول الإسلام إلى الغرب الاسلامي.
▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️
المحاولة
▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️
تبين الآن أن عقد محاولة السبسي لتكوين قوة سياسية بديل من البورقيبية قد انفرط.
وكان المشروع مغريا لأنه كان يسعى إلى تحقق التوازن السياسي شرط التداول على الحكم.
- فالأوطان لا تمشي برجل واحدة.
- وتلك علة عدم معارضتي لمحاولته.
▫️
ادعى السبسي احياء البورقيبية
لكنه أخطا خطأ فادحا لما خلط بينها وبين الابنعلوية
وكان أولى به أن يسميها ابنعلوية لا بورقيبية.
لأن مشروعه كون “كوكتال مولوتوف” وليس حزبا
إذ هو تضمن كل من عادى بورقيبة أي اليسار والقوميين والاتحاد منذ 78.
▫️
ولما انفرط عقد النداء منذ السنة الأولى لمباشرة الحكم صارت تونس “تعكز” وبدون بروتاز على رجل واحدة هي النهضة التي هي القوة السياسية الحقيقية الوحيدة بعد انفراط محاولة إحياء القوة السياسية البورقيبية بالخليط الابنعلوي.
والسبسي فهم بذكائه أنه لا يستطيع تجنب شرور اليسار من دون
الاعتماد على “ابتزاز” النهضة عكازا يتوكأ عليه لعلمه بخوفها من التمصير.
▫️
وما يهدد النهضة حاليا يبدو شبيها بما حصل للبورقيبية.
فما يهددها يكاد يشرع في ما قضى على البورقيبية.
فقد أصابها المرضان اللذان أنهيا القوة السياسية البورقيبية التي لن تستطيع عبير بعثها
فما فشل فيه السبسي الداهية لن تنجح فيه هذه الحمقاء وجوقتها من الاغبياء.
▫️
ولما كانت بقية القوى السياسية ليست قوى وليست سياسية حتى وإن تسمت أحزابا فإن تونس اليوم مهددة بفقدان آخر قوة سياسية فعلية.
وهو ما يمكن أن يكون لصالح الفوضى التي يعتمد عليها بلحة تونس وفتات الحزيبات لقذفنة تونس ولبننتها.
▫️
فالحزيبات التي تتحرك حاليا في الفوضى السياسية الجارية ليست قوى سياسية بل هي “حوانيت” وواجهة للمافيات التي أنشأتها لتعمل بمنطق اللحظة التي تعددت فيها الأحزاب – قد شعر الراس – وكل حزب ليس فيه أكثر من قيادته مع بعض الغاضبين من الوضعية السياسية والاجتماعية.
▫️
وما يزيد الطين بلة هو تدخل قوتين اخريين في السياسة بل وقيادتها ولو بالتعطيل دون أن تكون سياسية لأنها انحرفت عن وظيفتها فسيست عملها لعلة بنيوية بدأت في أواخر النظام البورقيبي وتوطدت خاصة في نظام ابن علي.
▫️
وهما اقطاعيتان تعيشان على حلب الدولة وتحرصان على بقائها ليس كدولة بل كبقرة حلوب لأنهما يعيشان على دورها هذا وعلى نفي سلطانها كدولة قانون.
يحتاجان للبقرة دون قدرة فعلية تحمي شروط القانون داخليا وشروط السيادة خارجيا.
والقوتان هما:
1️⃣-اتحاد العمال
الذي صار مهيمنا على كل وظائف الدولة بالتدخل في عملها وفرض إرادته بالتعطيل الدائم لكل إصلاح ممكن.
2️⃣-اتحاد أرباب العمل
الذي صار مهيمنا على كل أعمال الدولة بالاستحواذ على الاقتصاد وجعله ريعيا ومقصورا على بعض القوى المتحالفة مع المحتل الذي لم ينجل إلا اسميا.
▫️
في مثل هذه الوضعية
التي لا يمكن علاجها سلميا إلا بوجود قوى سياسية ذات وزن ثقيل لتجنب الانهيار
حدث أمران في حركة النهضة يهددان بقاءها من حيث هي قوة سياسية ذات مرجعية مناظرة لمرجعية البورقيبية بعيد الاستقلال.
▫️
فالثعالبية وإن بدت قد انقرضت بعد نجاح بورقيبة في استبعادها بقيت تحت الرماد ثم توقدت من جديد بسبب غلو البورقيبية في التحديث العنيف.
▫️
لكن قيادات النهضة لم يكونوا واعين بأنهم يواصلون الثعالبية لغفلة من قياداتها التي قطعت معها وتمشرقت
▪️اخوانيا
▪️وشيعيا
من حيث المرجعيات الفكرية والادبيات التي كونت بها أجيالها:
1️⃣- الأول هو خرافة المدنية التي تصوروها قطعا مع المرجعية الإسلامية لخلطهم الفصل بين الدعوي والسياسي بالفصل بين السياسي ومرجعيته القيمية.
فالأول مفهوم لأنه خلط بين الديني والسياسي.
والثاني غير مفهوم لأنه فصل بين المنظور القيمي والفعل السياسي.
والاول مفهوم لأنه يتعلق بالعبادات والشعائر
وهي ليست من مهام الأحزاب بل من مهام المؤسسات الدينية التي ينبغي أن تكون متحررة من الاحزاب وحتى من الدولة إلا من حيث رعاية المؤسسات مثل القضاء والأمن والتربية وكلها مؤسسات مستقلة في حدود القانون والنظام العام.
والثاني غير مفهوم لأنه لا يخلو منه عمل سياسي سواء كان إسلاميا أو حتى ماركسيا.
فلا يوجد حزب عديم الدعوة للقيم التي يسعى لتحقيقها وتتعلق بوظائف المجتمع وقوامة الدولة.
وهي لتعليل البرنامج السياسي في المجالين الخدماتي وفي التربية والاقتصاد والصحة والعدل الاجتماعي.
2️⃣-الثاني خرافة “التتونس” بمعنى فقدان البعد المتجاوز للحدود القطرية التي كانت الثعالبية والبورقيبية تشتركان فيها ولا تختلفان إلا بتقديم وتأخير للمرجعيتين المشتركتين:
▪️التأصيل عند الثعالبي
▪️والتحديث عند بورقيبة.
لكنهما يشتركان في انتساب تونس لحضارة تتجاوزها.
▫️
وفي الحقيقة فالداءان علتهما عقد القيادات إزاء أصحاب النمط الذين يتهمون النهضة بكونها اسلاموية واخوانية.
والغريب أن متهميها لا يستحون بكونهم
▪️علمانيين
▪️أو ماركسيين
▪️أو قوميين.
▫️
فكيف يمكن أن توجد
قومية عربية قابلة للتتونس
وماركسية قابلة للتتونس
ولا يوجد إسلام سياسي قابل للتونس
إذا قبلنا هذا التمييز بين المرجعية القيمية وتوظيف العبادات والمشاعر الدينية التي هي ليست من مهام الاحزاب ولا حتى السلطة السياسية الممثلة للدولة؟
▫️
▫️
لذلك فحقيقة المشكل في ازمة النهضة ليست هذان الظاهرتان. فهما لا تمثلان مشكلتين حقيقيتين بل المشكل في علتهما المضاعفة: علة نفسية وعلة مفهومية.
فنفسيا لا افهم علة العقد إزاء التونسة.
فالتونسة ليست قالبا واحدا
والتعدد ليس ضارا في الامم الحية
فضلا عن كون الفروق المناطقية في ثقافة تونس تنفي كل وحدة نمطية مزعومة.
▫️
ولا يمكن أن يدعي الحداثي التونسي أن خياراته القيمية في نمط العيش أكثر تمثيلا للشعب التونسي من خيارات الإسلاميين حتى لو فرضناهم فاقدين لما يدعيه الحداثي المزعوم من حداثة.
▫️
ولا ينبغي أن ينتج عن الفصل بين الدعوي والمدني الفصل بين القيم المرجعية والسياسي المدني لأن كل الاحزاب لها قيم مرجعية تدعو لها لأنها هي علل خياراتها السياسية وأساس برامجها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتشريعية.
▫️
كما ان خرافة الديموقراطية والقانون المنظم للمدد الخاصة بالمهام القيادية ليست هي المشكل الحقيقي لأن من خصائص القوى السياسية وحتى الدول بقاء حق القاعدة الشعبية في تغييرها إذا رأت فائدة في ذلك ولم يقنعها المخالفون بفائدة الابقاء على اجراء معين أو إزالته.
▫️
▫️
وإذن المشكل الحقيقي هو الذي لم يقع التصريح به من أي من الطرفين.
وهو مشكل مضاعف.
وهو عين المشكل الذي قضى على البورقيبية
وهو المشكل الذي يقضي على أي قوة سياسية:
1️⃣- معركة غياب التداول:
وهي الفرع الأول ويعود إلى ما يعوق تجدد الأجيال وتداولها على القيادة في الفريقين المتنافسين في النهضة بسبب جمود القيادات التي شاخت وتريد البقاء بالقفز على الجيل الثاني باعتماد الجيل الثالث وعجلة القيادات من الجيل الثاني التي صارت تخشى هذه الاستراتيجية البينة لحرمانها من حقها في القيادة رغم تضحياتها.
2️⃣- معركة غياب المشروع:
وهي الفرع الثاني ويعود إلى غياب شروط تكوين القوة السياسية القادرة على تحقيق مشروع يؤهل الحزب للحكم بكل أبعاد الحكم التي تشمل نظام الإرادة ونظام الرؤية ونظام المعرفة ونظام الذوق وهي شروط القدرة السياسية التي تعالج الابداعين الاقتصادي والثقافي.
▫️
▫️
وحتى أيسر الامر في العلاج فسأبدأ بإزالة كذبتين:
1️⃣- الكذبة الاولى:
أن تمويل الحركة رهن بقاء الجيل الذي يزعمون أنه الضامن للتمويل وهي كذبة.
فالنهضة تمويلها له مصدران إما داخلي أو خارجي
والداخلي لا يأتي لأن القيادة بيد فلان أو فلتان بل لأن القاعدة تتسع بالنجاح وتضيق بالفشل
والتأييد الخارجي استثمار سياسي في السياسة الخارجية للمول ولا يعطى من دون هذا الشرط الاول.
لذلك فلا خوف على التمويل لأنه باق ببقاء نجاح النهضة وليس ببقاء زيد أو عمرو على رأس قيادتها.
2️⃣- الكذبة الثانية:
أن الحركة تدين بوزنها لشهرة لزيد أو لعمر من القيادات.
فالعكس هو الصحيح.
فلو لم يكن للنهضة – من حيث هي حركة ذات مرجعية اسلامية لها ما لها من وزن في سياسة الاستئناف التي هي الإرادة ا لعميقة للأمة- وهذا له علاقة بدور تونس في الإسلام عامة منذ القدم –
لاستحال أن يكون زيد أو عمر مشهورا باعتباره ممثلا لها في حقبة من حقب تاريخها النضالي. والشهرة الذاتية في النهضة إذا حصرت في فرد أو قلة فالعيب في القيادة وفي النظام السابق الذي قضى على غيرهم.
▫️
▫️
وإذن فقد تعين المشكل
▪️في غياب التداول
▪️وفي غياب المشروع.
والتداول يعالج بالتدريج والحلول الوسطى لئلا تقع قطية مضرة بالحزب.
والمشروع يعالج بالنقاش المتجاوز للسياسي من حيث هو سياسي وهو آخر أوجهه:
▫️
1️⃣- فالسياسي من حيث هو سياسي
يتعلق بمن يمثل إرادة الجماعة: تكوينه وانتخابه.
وهؤلاء ينبغي أن يكونوا من جنس خيول السباق
كل قوة سياسية تكون وجوها يمثلون إرادة الجماعة الحزبية التي تعتبرها قاعدة الحزب أفضل جواب لربح السباق السياسي مع الاحزاب الأخرى.
▫️
2️⃣- يليه الرؤيوي من حيث هو رؤيوي
ويتعلق بمن يمثل رؤية الحركة الجيواستراتيجية.
وهؤلاء ينبغي أن يكونوا مؤسسات بحث في المشروع الذي يحقق الغاية من وجود القوة السياسة في خدمة مشروع يتجاوز الحزب إلى
▪️الجماعة الضيقة -تونس-
▪️والجماعة الواسعة الأمة
▪️ولم لا الإنسانية.
▫️
3️⃣- يليه المعرفي من حيث هو معرفي
ويتعلق بمن يمثل شروط البحث العلمي والبحث الاستعلامي
والاول لتحقيق شروط التكوين والتموين للجماعة حتى تنتج الإنسان وشروط حريته الاقتصادية والثقافية فلا يبقى تابعا ومتسولا.
▫️
4️⃣- يليه الذوقي من حيث هو ذوقي
ويتعلق بمن يبدع الفنون الجميلة التي تربي الأجيال على القيم السامية وتحرره من التلويث الثقافي الذي هو أخطر من التلويث الجغرافي للمعمورة.
والمعلوم أن الأمم تفسد وتفقد شروط السيادة الروحية بالفنون الهابطة خاصة.
▫️
5️⃣- فإذا أعدت القوة السياسية قوتها في هذه المجالات
تكون قد أعدت نفسها للحكم الناجح
بحيث تستطيع أن تحقق شروط السيادة
لأن تونس وكل بلاد العرب حاليا تعاني من التبعية
▪️في الرعاية
▪️وفي الحماية
وهي من ثم فاقدة لشروط السيادة.
▫️
▫️
ومن ثم فإن مشكل النهضة اليوم
هو أنها في وضعية تجعلها قد تصبح مثل الحزيبات الأخرى
تبحث عن شرعية مستمدة من المحتل
-الاستعمار غير المباشر-
لأنها فقدت المشروع.
▫️
▫️
وطبعا لا يمكن للائتلاف أن يكون بديلا
لأن الأمر لن ينتظر عقودا أخرى
ولأنهم هم أيضا لا يفكرون في مشروع طويل النفس:
مزروبون مثل شباب النهضة الذين يستعملهم المستحوذون من الجيل الاول لاستبعاد الجيل الثاني من القيادة:
وهذا هو جوهر الأزمة.
وما أخشاه هو أن “يجيفوا” النهضة
مثلما جيف المستحوذون على القيادة في حزب بورقيبة البورقيبية.
▫️
▫️
فإذا واصل الغنوشي هذه السياسة وأهمل النصيحة التي تحافظ على كرامته
وواصل معارضوه الاعتماد على حجج واهية تجعله في نظر القاعدة وكأنه على حق لأن الديموقراطية تبدو إلى جانبه أكثر مما هي إلى جانب معارضيه بحجة سيادة القاعدة.
▫️
لكن حجة سيادة القاعدة التي تبدو وجيهة
اعتبرها حقا يراد به الباطل خاصة
إذا كانت القيادات الوسطى في القاعدة قد صارت أزلاما
وكان المعارضون فاقدين للأداة المالية للعمل بنفس الخطة
فسيحصل للنهضة ما حصل لفتح وهو ما أضاع نضال أجيال:
تصبح حزب مرتزقة وليست حزب مناضلين.
▫️
وذلك ما قتل البورقيبية
وما جعل مافية ابن علي واليسار والقوميين الصبابين يفسدون تونس.
▫️
والله يستر إذا كمل عليها بلحة تونس وحلفه مع أفسد المافيات الداخلية والخارجية ومع اليسار والقوميين وممولي الثورة المضادة وفرنسا وإيران وإسرائيل
لجعل تونس ماخور مخابرات مثل لبنان.
وهو ما لم يبق أمامه إلا خط دفاع وحيد:
النهضة إذا تداركها قادتها
وفهموا مآلها الذي قد يكون قريبا من دون تدارك قبل أن يفوت أوانه.