النخب العميلة، علل انحطاطها وسفالة اخلاقها

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

يستهزئ الكثير من ادعياء الحداثة بكل القيم، وخاصة قيمة احترام شعبهم وثقافته. يسخرون من الصورة المثالية لعهد الراشدين وتواضع النخبة الحاكمة.

انفلاتهم الخلقي ووقاحتهم إزاء شعوبهم، جعلهم يظنون أن ذلك مجرد خرافات نتجت عن تمجيد الماضي. لم يفهموا أن تلك الشمائل هي سر المعجزة التاريخية.

كانوا يعتقدون أن الفتوحات العربية بفضل الإسلام لا تختلف عن الغزوات الهمجية للمغول. لكأنهم لم يقرؤوا جواب رسول جيش الفتح لقائد جيش الفرس.

فمن ورث عن الاستعمار عقلية التعامل مع شعبه بوصفه انديجان، وظيفته تحضيره العنيف الذي كان الاستعمار قد وضع نظريته لتبرير الغزو المغولي الغربي.

لكن هبنا أغفلنا نفحات الإيمان في عهد الراشدين واعتبرنا ذلك تطبيقا لمفهوم السياسة الرشيدة عند نخب تحترم شعبها وقيم ثقافته. فهل يمكنهم فهمه؟

هل يستطيع اليوم أي حاكم أوروبي احتقار شعبه وقيم ثقافته فيساوم مثلهم على حقوقه وكرامته وأرضه ليحافظ على كرسي تابع واستبداد وفساد حقيرين؟

لا يفهمون عهد الراشدين الإسلامي ولا عهد الحكم الرشيد الغربي: من أي طينة هم ليصبح كل شيء لديهم قابلا للبيع والشراء لحماية استبدادهم وفسادهم؟

فالإسلام بنى حضارته على ثورتين قيميتين ينفيها كاريكاتور التحديث استنادا إلى انحطاط كاريكاتور التأصيل، ظنا أن الإسلام هو نكوص هؤلاء للفرعونية.

التأصيل صار نقضا للثورة الروحية عصيانا (لا وساطة بين المؤمن وربه) وللثورة السياسية تمردا (لا سلطان لأحد بحق إلهي) واستعادة للهامانية والفرعونية.

والتحديث لظن أصحابه أن الإسلام هو هذا النكوص مع ما ورثه عن الاستعمار، جعل الشعوب عبيدا في سجونه لإرضاء سيده الذي يحمي استبداده وفساده.

لكن شباب الأمة ثمرة للصمود الروحي الذي بدأ منذ قرنين بإحياء قيم الإسلام وتدرب عليه عقدا وعملا في كل جبهات الجهاد، فصاروا مثل شباب الفتح.

لذلك فلست متشائما رغم أن جل النخب السياسية والفكرية والاقتصادية والفنية وصاحبة الرؤى فسدت فيها معاني الإنسانية وصارت بأخلاق سافل التجار.

الأمة اليوم تعاني من صاحبي سلطان سياسي (إيران) وروحي (إسرائيل) سابق على الإسلام، يتصوران أنه بوسعهم استرداد هذا السلطان بمساعدة قطبي العالم.

صحيح أن النخب العميلة بأصنافها الخمسة السياسية والفكرية والاقتصادية والفنية وصاحبة الرؤى مليشيات بالسلاح والمال والقلم في خدمتهما الذليلة، لكن الأمة مع ذلك في عموم شعبها وافاضل نخبها السياسية والفكرية والاقتصادية والفنية وصاحبة الرؤى، ما تزال سليمة الفطرة والقدرة والإيمان.

والجهاد الأسمى هو السعي الدائب لتفعيل هذه القلة النخبوية مع جماهير الشعب المؤمن بذاته وبقيم حضارته لاسترداد الطموح الكوني واستئناف الدور

وعلى كل، فهذا هو مشروع الأمة المستقبلي والذي بدأ منذ أن قاوم ابن تيمية ونظر وقاوم ابن خلدون ونظر، فحددا شروط النظر والعمل المبدعين للاستئناف.

أولهما أدرك علل انحطاط فلسفة النظر وأثرها الخلقي في العمل. والثاني أدرك علل انحطاط فلسفة العمل وأثرها الخلقي في النظر، فتصديا لأمراض الامة.

فكرهما أساس النهوض في حضارتنا: فالأول أسس للتحرر من الاستبداد الاجتماعي في التربية. والثاني أسس للتحرر من الاستبداد السياسي في الحكم.

أما ما ينسب لغزو نابليون لمصر، فهو صدمة مع الحداثة ما كانت لتحرك كائنا ميتا لو كان أصحاب نسبة النهضة إليها ذوي عقل: الميت لا تحركه الصدمات.

والدليل أن النهضة العربية والإسلامية إلى يوم الناس هذا، ما تزال دون علاج أمراض النظر وأمراض العمل بالمستوى الذي نجده عند هذين العلمين.

فبالقياس إلى ثورتيهما، وصفت التأصيل والتحديث بالكاريكاتورية لأن التأصيليين والتحديثيين كلاهما ما يزال تابعا إما للقبيلة أو للعسكر المتطابقين.

فكلاهما يقول بالهامانية والفرعونية سواء كان هامان كاريكاتور تأصيل أو كاريكاتور تحديث، وكان فرعون قبليا أو عسكريا: كلاهما يستعبد الشعب.

ولا يستعبد شبعه إلا العبد: لذلك فالنخب بأصنافها الخمسة التي هذا سلوكها وفكرها، لا قيام لها إلّا بسيد يحميها ويجندها ضد شعبها وثقافته وقيمها.

والسيد الحامي لهؤلاء العبيد، يختار منهم أسفلهم وأقلهم رجولة وفحولة ليكونوا خواتم في أصبعه يحركهم حركة الدمى التي يجندها لتهديم حضارتهم.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي