لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الميكروأخلاق
ولست أعجب مما يشبه الخجل من الذات لدى الكثير من الشباب المؤمن فضلا عن الشباب الذي تجاوز الحياء إلى التنكر للذات لكل قيم الحضارة الإسلامية بسبب ما سماه ابن خلدون “فساد معاني الإنسانية” الناتجين عن الانقلابين وتأثيرهما في التربية والحكم بعدي كل سياسة إنسانية.
وكانت النتيجة أن جعل الانقلاب الروحي يزيل معنى الذات الحرة والمتفاعلة بإرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها مع الطبيعة ومع التاريخ أزالته من أصله فتحول الافراد إلى أشبه بالأنعام لا سلطان لهم على ذواتهم فضلا عما يحيط بهم بل هم تابعون لدجالين: كالحال لدى الشيعة وأمثالهم من السنة.
وأبرز ما في الظاهرة لدى السنة هو أن المذهب الذي كان أيمته أدرى الناس بالتحريف الشيعي صار نظامهم السياسي يستعمل نفس الفنيات في الحلف بين سلطة روحية أشبه بالكنسية (وخاصة المدخلية) وسلطة سياسية أشبه بالعصابات القبلية من المحتمين بسيدهم الذي نصبهم على قطعة من دار الإسلام)
لكن السلطة الروحية الوسيطة النافية للمؤمن الحر تلغي شروط الاستثناء من الخسر الذي حدد مقومات الذات التي تتألف من تعددها وحرياتها الجماعة المؤمنة وهي خمس: الوعي بأن فقدان معاني الإنسانية هو الخسر والتحرر منه بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
لكن الحلف بين وساطة سلطة روحية حررنا منها الإسلام (كنسية تدعي الأصالة أو تدعي الحداثة) ووصاية سلطة سياسية (بنفس الدعويين) حررنا منها الإسلام أفقد الفرد المسلم مقومي الفردي أعني الحرية والمسؤولية فصار عديم الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود كأنه من الأنعام.
والنتيجة أن الأمة اليوم تعاني من أمراء السياسة بنوعيهما القبلي والعسكر وأدعياء المعرفة بنوعيهما التأصيلي والتحديثي في الحكم والمعارضة: فمن منهم في الحكم من أذل خلق الله لخضوعهم في محميات تبقيهم عليها قواعد استعمارية ومن في المعارضة من أكثر خلق الله وحشية بسبب تشويه الجهاد والإسلام.
الأولون تخلوا عن عزة الإسلام والثانون تخلوا عن فروسية المجاهدين. وبهذا المعنى فالشاب الذي يستحي من النسب الإسلامي معذور لأن ما يراه لا علاقة له بالإسلام بل هو نقيضه المطلق: فالأولون أنسوا الشباب البطولة والثانون أنسوهم وصابا الصديق للفاتحين من فرسان الإسلام.
ولا يمكن أن تكون الشخصيات الفردية سوية إذا كان مرباها في جماعة تراوح بين الاستكانة والغضب بين الذلة والمهانة وبين عنتريات لا تمثل العزة المطمئنة لشعب يثق في نفسه لعلمه الموجب بقيم حضارته. وإذن المشكل كله هو أن البيئة الروحية والرمزية للجماعة أصبحت مريضة: فساد معاني الإنسانية.
وما سماه ابن خلدون فساد معاني الإنسانية يسميه القرآن بالخسر وعبارة الرد أسفل سافلين تجمع بين المفهومين: فابن خلدون يستعملها دلالة على أدنى قرار تصل إليه الشخصية الفردية التي تفقد معاني الإنسانية ويجملها في صفات خلقية ومدنية تتفرع عن فساد معاني الإنسانية.
كل كيان الإنسان بما هو إنسان فرد قائم بذاته يضمحل بسبب المناخ التربوي والسياسي (أبن خلدون يقيس الساسي على التربوي في آثار فساد معاني الإنسانية):
أثر نفسي بدني
أثر نفسي خلقي
فصام بين الباطن والظاهر
فساد الحمية والمدافعة
الكسل عن اكتساب الفضائل والارتكاس.