المنطق الجدلي، تجاوزه شرط الأخوة الانسانية والسلم العالمية – الفصل الرابع

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله المنطق الجدلي

تجاوزه شرط الأحوة الانسانية والسلم العالمية

لن أطيل الكلام في أمثلة هيجل مثل مثال المانيتيسم وخاصية القطبين المتلازمين فيه لأن المشكل هو أن اعتبار ذلك خاصية مطلقة دالة على الجدل من التبسيط الذي لا يقبل عقلا. فهل أمكن لهيجل أن يخرج المغناطين من العالم أو حتى من المجال المغناطيسي في الارض ليستدل بما يسميه وحدة الإيجاب والسلب.

حضور المواد وخصائصها غير قابل للفصل عن نظام العالم المحيط ولا أريد أن أبني ردي على فرضيات لأني لست مختصا في خصائص المواد وبقائها فيها عندما تنتقل من عالم إلى عالم. لذلك فسأمر فيما ليس من خصائص المواد بل من خصائص علاقات المواد والأجرام. ففي الكيمياء التأليف بين العناصر ليس جدليا.

وقانون الجاذبية بين الأجرام الفلكية ليس جدليا فعندما أضرب الثابت في مضروب الكتلتين وأقسم الحاصل على مربع المسافة بين الجرمين المتجاذبين لا أرى حضورا لصراع بين قوتين سالبة وموجبة بل تناسقا في نظام العالم وهو مبني على علاقات بنية رياضية بين قيم متعينة متغيرة تملأ خانات البنية.

وإذا كان للوجود الخارجي منطق فهو قوانينه الرياضية التي هي بنى تعبر عنها علاقات رياضية متعددة لا تقبل الرد إلى منطق الجدل إلا بصورة سطحية لا تأثير لها لا على عملها ولا على علمنا بها. فعندما اقابل بين الحياة والموت في الكيان الحي وتلازمهما لا أصف “فعل” الحياة ولا خاصة علما مؤثر.

وفي الجملة فيمكن القول إن المنطق الجدلي أسقاط سطحي لمعرفة سطحية بما نراه في ظاهر العلاقات البشرية من التمانع على مطالبهم وخاصة في المعاملات الاقتصادية أو في التنافس السياسي أو حتى في ألعاب مراهقي الشباب في الاحياء أو حتى في الرياضة. وهو يبدو كذلك لفصله بمحيطه المحدد لعميق بنيته.

وسأخط المثال الاقتصادي: فالمقابلة بين العمل ورأس المال يبدو المثال المفضل لدى القائلين بالجدل وخاصيتي صراعا وتمانعا. لكن تحليل العملية الاقتصادية ذاتها يبين أنها ليست مؤلفة من رأس المال والعمل بل من خمسة عناصر منها هذان العاملان. وهي على النحو التالي في كل مراحل الاقتصادي عامة.

فلا بد:

  1. من فكرة منتج معين يسد حاجة معينة-مهما كان المنتج بسيطا

  2. من مستثمر فيه يموله (رأس المال)

  3. وهو لا يفعل إذا لم يكن المنتج مدرا لربح لوجود مستهلك

  4. وعمل ينجزه

  5. وإدارة تشرف عليه.

وقد يجمع ذلك كله في شخص واحد في مراحل الاقتصاد الدنيا. والتبسيط يجعل 1و4 و5 عمل و2 رأسمال لكن مع ذلك يبقى 3 غير قابل للرد لا إلى الممول ولا إلى البقية أو العمل جمعا بين صاحب الفكرة والعامل المنجز للفكرة والإدارة المشرفة على الإنجاز والجمع بين البداية أي فكرة منتج يسد الحاجة ومستهلك يطلب ما يسد الحاجة. وهذه العوامل الخمسة مختلفة وإذا تناقضت فسدت في جميع الاحوال.

ولما كانت الفكرة ليست حدسا فرديا بل هي ثمرة البحث العلمي وخاصة في الاقتصاد المعقد وكان المستهلك ليس إلا الجميع ومنهم خاصة العمال بات البحث العلمي ورفاهية المجتمع مقومين من الاقتصاد كاقتصاد هدفه سد الحاجات المربح. الرأسمالية نجحت لفهمها ذلك والاشتراكية بسبب خرافة الصراع الطبقي.

ولعل الكاينيزية هي التي حققت هذا الفهم وأخرجت الرأسمالية من أزمتها الكبرى. ثم إن الاقتصاد الحديث لم يعد يعمل باليد العاملة الأمية بل هو يعمل بالعقل العامل المبدع. فصاحب الفكرة عقل مبدع وممولها مستثمر مبدع وعمالها فنيون مبدعون وإدارتها كذلك والمستهلك يحدد معايير البضاعة والخدمة.

والفشل في اقتصاديات العرب كلهم علتها أنه لا يوجد صاحب الفكرة المبدع ولا المستثمر المبدع ولا العامل الكفء ولا الإدارة الناجعة والمستهلك لا يكاد يقدر على شيء ومن ثم فلا وجود لاقتصاد اصلا: يبيعون الخام ويشترون الخردة والجميع سمسار في بيع الديار والآثار وخدمة الاستعمار.

فإذا أضفت إلى ذلك ما ربي عليه نخب الدمار من سلوك نقابي يجعل العامل لا تعنيه حياة المؤسسة والمستثمر لا يعنيه إلا الربح السريع تفهم أن العرب لا يمولون إلا اللهو والرفاهية للصوصهم وما دخلوا بلدا إلا لاستثمار من هذا النوع والغاية القصوى هي تحويله إلى ماخور سياحي: من يتسوح للثقافة؟

سيقال أنت تبالغ وتولغ في أعراض العرب. وجوابي انظروا من حولكم واحكموا بأنفسكم. هي رأيتم صناعات تحمي وترعى الشعوب والدول؟

عندما تلقي بكل ما تثمره أرضك في الاسمنت المسلح ومحاكاة امريكا مثلا في نطح السماء ما عندك وراء ذلك لتحافظ عليه وتحميه: أنت كعمالنا في الخارج همك الاسمنت المسلح؟

فلا وجود لبحث علمي يبدع افكار تسد الحاجات (وهي مجهولة عندك لأنك تستورد ما يسد حاجة مترفيك) ولا يوجد عندك مغامرين للاستثمار في الافكار المنتجة ولا تكون عملة مؤهلين لإنجاز أفكار مبدعة ولا تكون إداريين ولا تستهلك ما تقتضيه مرحلة نموك فأنت تهدم معنى الاقتصاد من أصله.

فتفهم عندئذ لما فشلت العراق والجزائر وليبيا من غير الخليج وكل الخليج في بناء ما نجحت فيها كوريا الجنوبية وحتى ماليزيا -علما وأن نجاحها شديد النسبية-ولم ينجح أي بلد عربي كبيرا كان أو صغيرا ثم تسمع اعلامهم يتنابز بمفاخرات دون مفاخرات الجاهلية لأنها بلغة شعبية وذهنية صبيانية.

ماذا عندك؟

نظام التعليم لمحو الأمية والحرب الاهلية على قدم وساق بين كاريكاتورين من التأصيل الذي يريد بناء المستقبل بفضلات الماضي والتحديث الذي يعتبر تحويل بلاد العرب إلى مصب فضلات الغرب والشباب إلى نوادل لسياسة عجائزه حداثة: المدرسة لا تخرج إلا العاطلين والايديولوجيين.

ولما كان الاقتصاد أساسه تعاون من ذكرنا لسد الحاجات فهو مبني على تحديد الحاجات -وهي ليست جدلية -وتحديد طرق الاستجابة إليها وهي ليست جدلية والتنافس على تجويد السد ليس جدليا والتكوين المتناسق للعناصر المقومة الخمسة ليس جدليا لم يبق جدليا إلى كذبة ماركس وهيجل حول مبدأ الصراع.

وكلما زاد الفقر قل ما يسد الحاجات فيكون التمانع عليه حينها مصدقا لنظرية ماركس وهيجل ومن ثم فالإيديولوجيا الاشتراكية لن تحقق إلا المساواة في “الميزرية” والاستغلال يزداد لأن الأحزاب الإيديولوجية هي كنائس علمانية وظيفتها اعتبار العمال مجرد أدوات للنمنكلاتورا الفاشية والفاسدة.

وهذا ما جناه منطق الجدل على أنصاف المثقفين من الإيديولوجيين الذي هدموا النزر القليل من الاستثمار في سد بعض الحاجيات كما نلحظ ذلك فيما يجري في بلاد المغرب العربي وخاصة في تونس حيث صارت كل المؤسسات الاقتصادية “تكايا” للعاطلين وخاصة نظام التعليم باسم النضال النقابي الاحمق.

ثم تسمع الابستيمولوجي -تطبيقا سطحيا لنظريات باشلار-يعتبر العلم يتقدم بمنطق الجدل وليس بمنطق التكامل  البنيوي  بين مسارب البحث المتساوقة والمتوالية تفهم أن اصحاب هذه الرؤية لا يعتبرون المبدعين في العلم عباد في محراب الحقيقة بل مجرد ديكة تتشاجر على الكراسي الاكاديمية.

هل منكم من سمع بساسة عرب -في الحكم وفي المعارضة وفيهما معا-من يقدم منطق التكامل بمنظور المصلحة الوطنية العليا أي جوهر السياسة التي تستحق هذا الاسم مفضلين عليها التعريف بمنطق الجدل أعني الصراع على الكرسي ولو بالتحالف مع الشيطان وتعريض حرية الأوطان؟

والقرآن يميز بين التنافس الذي لا ينطلق من غاية مشتركة بين المتنافسين-وذلك ناف للجدل-ويسميه التسابق في الخيرات والتنافس الذي لم أر له مثيلا بين العرب: كل هم العربي أن يفسد على أخيه أي نجاح لظنه أن نجاحه استنقاص منه. ويكفي أن ترى ما نتج عن إمكانية تنظيم قطر لكأس العالم.

مهما حاولت أن أفهم ما زلت عاجزا عن التنافس الهدام بين الجزائر والمغرب وبين قطر والإمارات وبين العراق وسوريا سابقا وبين مصر والعراق. كل دول العالم عاجزة على بناء دبلوماسية مع العرب لأن الانظمة العربية ليس لدبلوماسيتها من عمل غير ضرب بعضهم بعضا.

وإذا كان لي دليل على أن منطق الجدل لا عمل له إلا في فساد ما يستعمل فيه فهو حال العرب: العرب هم منطلق قوله جل وعلا “أكثر شيئا جدلا” لكن جدلهم بخلاف عدوهم الأول -إسرائيل-عقيم لأنه ليس جدل تجويد الاستراتيجية مثل اليهود بل جدل تعقيم الفعل كما نرى ذلك منذ قرون.

وكثيرا ما يتكلم القرآن على معاجزة العرب للرسول الخاتم. وكان يمكن له أن يقول لهم: معجزتي الاولى أن استطعت أن اجمعكم لتدخلوا التاريخ الكوني رغم أنكم “كذيل الكلب” لو بقيتم قرونا في قصبة لخرجتم معوجين: ما دهانا فلم يفارقنا شيطان الجاهلية ومنطق الجدل العقيم.

وأخيرا فما قلته عن اقتصاد العرب عبارة عن العقم يقال عن سياستهم عبارة عن الإرادة وعن معرفتهم عبارة عن علاج العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة والافقية بين البشر وعن الحياة عبارة عن الفنون والذوق وعن الرؤى عبارة عن الخيارات القيمية والوجودية: ما كل هذا العقم يا رب؟

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي