المنطق الجدلي، تجاوزه شرط الأخوة الانسانية والسلم العالمية – الفصل الثالث

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله المنطق الجدلي

تجاوزه شرط الأحوة الانسانية والسلم العالمية

فما إن نتجاوز الوحدة التي لا نستطيع أن نقول فيها شيئا إلا بتكرارها لنحصل على رموزها أو دلالات أفعالها التي تتراءى لمداركنا (علاقة الله بكل المخلوقات) حتى يعترضنا مبدا الزوجية الذي هو أساس مقومات كل ما نعلم من الموجودات. والجدل بدأ باعتبار لقاء الزوجين صداميا بالجوهر فينتج التثليث.

وقبل أن امر للتجاوز الموجب فلأسلم بأن مبدأ كل الموجودات بعد الله هو الزوجية-وهذا يطابق ما يقول به القرآن-لكن علاقة الزوجين الإثنين هي تنتج ثالثا بمعنى صدام الوجود والعدم ينتجان الصيرورة (فلسفة الوجود الهيجلية) مثلا وصدام السيد والعبد ينتجان الاعتراف مثلا (فلسفة التاريخ الهيجلية)؟

فما معنى “الصدام” بين ألف ولا ألف “ينتج” باء؟ فلو طبقنا ذلك على السيد والعبد: بمنطق الثنائية الارسطية اي نفي الثالث المرفوع يمكن القول إن لا ألف نقيس ألف وإنه لا يوجد بينهما ثالث لكن تفاعلهما الموضوعة ألف ونقيضتها لا ألف ينتج ثالثا هو التأليف الوجودي بينهما (السنتاز).

وهذه السنتاز تحصل لم يدرك ألف أنه لا ألف ولا ألف أنه ألف فيكون السيد عبدا والعبد سيدا ويحصل التعارف المتبادل بعد صراع تاريخي له أعيان فيما يسمى واقع الأمر إما بين أرواح الشعوب (هيجل) أو بين الطبقات الاجتماعية(ماركس). وصف منطقي لواقعات: إنه ما بعد المنطق الذي هو ميتافيزيقا هيجل.

واقصد بما بعد المنطق ما يؤسس المطابقة بين ما يقال عن الأشياء وما يجري في الاشياء: ليس لهيجل ميتافزيقا المنطق هو فيزيقاه ودلالته عليها هي مابعده. وهو يطبقه على الوجود عامة (الانطولوجيا العامة) وعلى الطبيعة وعلى التاريخ. وكل ذلك يبدوا معقولا عند الاقتصار على ظاهر الأشياء.

ما معنى “ظاهر الأشياء”؟

صحيح أن مبدأ الزوجية في الموجودات لا جدال فيها عقلا ونقلا. لكن هل يلتقي زوجان اثنان في أي مكان من العالم بمعزل عنه؟

هل لا يوجد في العالم إلى مقومين اثنين يلتقيان هذا اللقاء الصدامي أم يلتقيان على الأقل في الافاق وفي الانفس إذا اكتفينا بالعالم والإنسان؟

فنحن نتكلم على نظرية نحن نضعها لنفسر بها ما يجري في الوجود الطبيعي والتاريخي ولا يمكننا أن نثبت أن ما نضعه للتفسير هو عين مبدأ الوجود الطبيعي أو التاريخي. هو إذن نظرية تتوسط بين الوجود والإنسان: فلا وجود للقاء بين اثنين إلا واللقاء بينهما متوسط بين العالم وترائيه في وعي الإنسان.

ولا يهم أن كان هذا الإنسان مؤمنا بما وراء العالم وبما ورائه هو إذ نحن سنعمل وكأن الإنسان لا يتجاوز في رؤاه العالم وذاته. إذن عالم كأرضية للقاء وتراء للقاء على وعي إنسان. عندنا إذن على الاقل اربعة عناصر وحصيلتها قولنا فيما يجري في هذا اللقاء نظرية تفسره نظنها مطابقة لحقيقته.

سيعترض القائل بالجدل: لا يعنينا دور الأرضيتين العالم والانعكاس في الوعي ما يهمنا هو اللقاء بين الزوجين الإثنين. حسن: فليكن. ولنأخذ أمثلة: الصراع بين العبد والسيد في كيان كل منهما في لقائهما الذي هو كيان ثالث مختلف عنهما كليهما. في الحقيقة كل منهما سيلتقي مع ما يغلب على الثاني.

ذلك أن كلا منهما هو في حقيقته ما سيحصل بعد اللقاء لكأنه كان بالقوة ثم يصبح بالفعل: فالسيد سيتجلى عبدا والعبد سيدا إلى أن يتم الاعتراف المتبادل: بماذا؟ بالسيادة أو بالعبودية؟

الجواب يفترض تسليما ضمنيا بأنه يوجد أمر ثالث غير السيادة والعبودية هي الهدف الذي يستهدفه الصراع.

وهذه الحقيقة غير السيادة وغير العبودية النسبيتين أي ما يظهر في كل منهما بسبب الصراع عليها أي على تمام حقيقة الإنسان. فيكون هذا التمام بمعزل عن السيادة والعبودية اللتين هما حالة إضافية لوضعية خارجية ومن ثم فعندنا عنصر ثالث وهو ما سميناه العالم الذي يحدد وضعية اللقاء الصراعي.

ولما كان ذلك كله يتراءى في وعي طرفي النزاع وفي وعي من يصفه ليعلم حقيته صرنا أمام المقوم الخامس للقاء بين الزوجين: إنه الترائي او الرؤية التي نعبر عنها بالوصف المنطقي الذي اختار نموذج الجدل أو الصراع بين حدين متنافيين. وإذا كان التنافي جوهري فينبغي الا يزول ابدا وألا تحصل السنتاز.

وبإيجاز مبدأ الزوجية صحيح لكن لا يوجد لقاء بين الزوجين في خلاء. اللقاء نفسه له موضوع والموضوع له رؤيتان بين المتلقيين في سلمين قيميين مختلفين هما سر ما قد يجعل اللقاء صداميا بسبب نوع التنافس عليه. وهو في حالة السيد والعبد صراع على السلطان. والسلطان نفسه صراع على شيء.

والشيء غالبا ما يكون إما من مقومات الحياة العضوية المباشرة (كالغذاء) أو غير المباشرة (كالجنس) او على رموزهما وليس عليهما هما بأنفسهما ومعلوم أن السلطان على الأشياء وعلى الرموز يبدو مقدما للتمانع وليس للتعاون أو للتقاسم: اللقاء الصدامي ليس مقوما للزوجين بل لما يعتبرانه مقوما لهما.

و “ما يعتبرانه مقوما لهما” يتحدد بسلم قيم فيما يتوهم الجدلي اعتباره عارضا وليس مقوما للقاء: هو مقوم للقاء بوصفه الظرفية المحددة للتقويم الذي هو سر التمانع السلطاني: وترجمته هو السلطة السياسية (الحرية بالمعنى القانوني عند مقابلتها بالعبودية) والسلطة الاقتصادية (حق الملكية).

فيكون ما سميناه عالما أرضية للقاء هو المحدد لوصف اللقاء بكونه صداما بين سيد وعبد وهو إذا نظام قيمي يحدد توزيع السلطة والثروة في الجماعة ومن ثم فالصدام في اللقاء لا علاقة له بالشخصين المتلاقيين أو بالزوجين المتناقضين بل علاقته هي بعلة التناقض في نظام السلطة والثروة.

طبعا سيرد الجدل: العبد هو الذي قبل بالهزيمة في هذا الصراع مفصلا الحياة على الموت في الصراع على السلطة والثروة شرطي الحرية. لكن إذا كانت السلطة والثروة تستمدان شرعيتهما من الغلبة فلا يمكن أن يتغير ذلك ما جوهره القوة لا يمكن أن يحصل بدونها. فيكون الحل عبودية لسيد من خارج الصراع.

والسيد من خارج الصراع إذا قبلنا بالمنطق الجدلي هو ما يفترضه حل هوبس تنازل الجميع على الحرية والقبول بعبودية طاغية هو الدولة. أما في النظرية الدينية فالجميع سادة في لقائهم بينهم لا أحد سيد للآخر لكنهم جميعا عبيد ليس لطاغية هوبس بل لأعدل قاض يمكن للعقل أن يتصوره : الله.

والقائلون بهذا الحل الثاني لا يعتبرون ذلك عبودية بل عبادة. والعبادة بخلاف العبودية ليست خضوعا لإرادة أجنبية بعد هزيمة في صراع وتمانع على السلطة والثروة كما في صراع السيد والعبد بل هي اختيار حر لقاض مثالي يكون حكما بين البشر ولا يستثني أحدا فيزول التناكر ويعوضه التعارف.

فمجرى النظام الطبيعي في العالم المادي ومجرى النظام التاريخي في العالم الروحي كلاهما يتنافى في عمقه والقول بالجدل حتى وإن بدا في ظاهره خاضعا له. ففي الطبيعة قالوا بنظرية الفعل ورد الفعل وفي الحياة في القانون الطبيعي والبقاء للأقوى وفي تاريخ الإنسان بأرواح الشعوب أو الطبقات.

وكلها نظريات بدأت البشرية تدرك خطأها وخطرها على الإنسانية. وخاصة ما تعلق منها بتفسير التاريخ بأرواح الشعوب (هيجل) وبطبقات الجماعة وما أدى إليه ذلك من حروب دائمة بين البشر وعلى الطبيعة نفسها ما جعل الإنسانية تتذكر وإن ببطء أن للوجود رؤى أخرى تحرر الإنسانية من أدوائها.

وسآخذ من الظاهرات الطبيعة التحليل السطحي لظاهرة القوة الجاذبة والقوة الدافعة في المغنطيس ولقانون الجاذبية في الافلاك والمجرات التي بها ستنتظم العالم. ومن الظاهرات الاقتصادية التنافس والتعاون وتكاملهما بدل صدامهما الموهوم وأخيرا ربما أخطر ما حدث هو العلاقة بين الجنسين.

المحير في القول بالمنطق الجدلي هو اعتبار سطح الظاهرات دالا على أعماقها وتحويل حالات الامر الواقع إلى أمر واجب بحيث إن ما يعد فسادا في مجريات الاحداث يتحول إلى صلاحا ما دام قد اعتبر مجراه قانونا وليس خروجا عن القانون. وسنبين ذلك خاصة في الاقتصاد السياسي والعلاقة بين الجنسين.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي