الملالي، “وقفت الزنقة بالهارب”

إذا صح ما قاله ترومب عن الانسحاب من سوريا قريبا فكلامه يعني أنه قرر ضرب إيران وحزب الله. ذلك أن ما يحول دون ذلك هو الخوف من أقوى سلاح يمكن أن تستعمله إيران ضد أمريكا: ضرب هذه القوات ونسبة ذلك إلى داعش والثورة السورية. فتحقق أهدافها دون تحمل المسؤولية في نظر الرأي العام الأمريكي. وهدفه من الضرب إن كان هذا قصده من الانسحاب هو القيام بعمل يجعل الرأي العام الامريكي يكون معه فلا ينقسم إلى من يؤيده لأن الضربة تخدم من لا يميز بين مصلحة أمريكا ومصلحة اسرائيل ومن يميز وقد يحصل انقسام إلى قتل جنود أمريكان في سوريا. والمفروض أن ينطبق الامر على العراق. لكني أعتقد أن هذا السيناريو لا يمكن أن يشرع فيه ترومب قبل أن يحقق نجاحا غير مسبوق: اتفاق مع كوريا الشمالية على نزع سلاحها النووي والتخلي عن الاتفاقية النووية مع إيران إذا لم تقبل نفس الحل الذي سيتم الاتفاق عليه مع كوريا الشمالية: الحرب لن تقع إلا إذا لم تتخل إيران مثل كوريا. تخلي كوريا الشمالية عن البرنامج النووي ممكن لأن لكوريا الشمالية سندا من كوريا الجنوبية ومن ثم فسقوط النظام الشمالي ليس ضروريا بل سيحصل حل وسط بين الكوريتين مع دور صيني مؤكد لخوفها من أمريكا واليابان. أما إيران فالتخلي يعني سقوط النظام. ونهاية الملالي بفقدان ضمانة البقاء. وإذن فالاستراتيجيون الأمريكان يرجحون هذا السيناريو ومن ثم فهم يستعدون للضربة التي لا تكلفهم ضحايا أمريكان في سوريا وحتى في العراق. ولا أعتقد أن إيران تستطيع ردا آخر. فلو فقد الملالي سيطرتهم على أعصابهم وضربوا القوى الامريكية في الخليج فمعناه أن إيران ستعود الى العصر الحجري. ولست أعني استعمال أمريكا للسلاح النووي. فلا حاجة لها بذلك. القوات الامريكية التقليدية التي في الخليج وفي البحر العربي وفي البحر الأحمر وفي البحر المتوسط مع مساعدة إسرائيل كافية للقضاء على كل ما لدى إيران من قوى بدائية يمكن أن تعتبر قوة بالقياس لأهل الاقليم فحسب. ولأن الإيرانيين ليسوا اغبياء اختاروا امرين في استراتيجيتهم الدفاعية: الأول الحرب بالأذرع والثاني بمقتضى الاستراتيجية الفيلسوف الصيني الحرب في أرض العدو. وهذا ممكن مع العرب لكنه مستحيل مع أمريكا وحتى مع إسرائيل. ذلك أن حزب مليشيات إيران لا يمكن أن تغامر بما يؤدي إلى نهايتها. لا يصدق عنتريات إيران ومليشياتها إلى العامة والنخب العربية التي تتكلم باسم الممانعة وهي عامة تدعي أنها خاصة. ذلك أن من يصدق أن إيران ومليشياتها يهمها تحرير فلسطين لا بد وأن يكون حمارا. فهي تريدها ورقة مثل الممانعة لضرب عصفورين بحجر واحد: احتلال العرب قلوبا وأرضا ومساومة الغرب وفضل الربيع العربي أنه فضح المشروع الإيراني فخسرت احتلال قلوب العرب وستخسر قريبا ما تصورت أنها احتلته من أرضهم. وقد بدأ الامر فشعارات شباب العراق في الملاعب كاف وزيادة للدلالة على هذه البداية. العروبة في العراق تسترد انفاسها وتتجاوز الطائفية التي بها احتلت إيران العراق. ولولا غباء قيادات العرب في الأنظمة القبلية والعسكرية لما استطاعت إيران فرض أمر واقع على حماس التي حاصروها ففرضوا عليها المتنفس الوحيد الباقي أي إيران بعنترياتها وبعض المساعدات من قطر وتركيا فسهل على إيران استعمال المقاومة الفلسطينية ورقة تفاوض للحفاظ على نظامها. وبمناسبة هذا الفهم لنوايا أمريكا سألني أحد الأصدقاء المتابعين عن رأيي في ما يخيفه على تركيا. وجوابي يؤيده في أن تركيا مستهدفة لكني لا أخاف على تركيا ليس لأنها قوية بما يكفي -فلا أحد من القيادات التركية بالغر حتى يصدق أن تركيا قادرة على هزيمة الغرب. لكن الغرب عاجز عن محاربتها. كيف ذلك؟ هل هذه من استعمالك للمفارقات؟ وهو الاعتراض الممكن على ما يبدو في فهمي من مفارقة. ذلك أن ما يخشاه الغرب ليس تركيا بل الدفع بها إلى شرط نجاح الثورة الإسلامية الحديثة إذا حاربوها. فلو حاربوها وقبلت التحدي فهي ستكون قائدة الثورة الاسلامية وستتساقط كل أنظمة عملاء الغرب. تلك هي علة مهادنة الغرب لتركيا: لم تعد تركيا الإنسان المريض الذي ذبحوه في الحرب العالمية الأولى حتى وإن لم تصبح الامبراطورية الإسلامية التي كانت تخيفهم قبل أن تتحول إلى رجل مريض. هي تعافت لكنها لم تصبح قائدة للإسلام السني. إذا حاربوها فهي ستصبح فعلا قائدة للإسلام السني فلا تهزم. لذلك فهم سيحاربونها بالسلاح اللطيف وبالتخريب الداخلي وخاصة باستعمال الصراع الطائفي (الطائفية العلوية) والصراع القومي (العلمانية الكردية) وحتى القومية التركية والنزعة التي قادت الانقلاب الذي هزمه الشعب وخاصة انظمة القبائل والعساكر العربية أو عملاء الغرب ضد ثورة الإسلام. لكني مطمئن شديد الاطمئنان فعلم الغرب بما يستطيعه الشعبان العربي والتركي وتزامن عودة تركيا لذاتها وهويتها وثورة الشباب العربي بجنسيه كل ذلك يعني ان الغرب سيفشل في محاولة تكرار تجربة الحرب العالمية الأولى لأن تركيا استردت بعض عافيتها ولأن الشعوب لم تعد قابلة للعملاء في الاقليم. وعملاء الغرب في الاقليم خمسة أنواع مضاعفة: إيران ومليشياتها وإسرائيل ومليشياتها وهما ذراعا التخريب الغربي الذارع الداخلية في حضارتنا والذراع الخارجية من حضارته. ثم النظامان العربيان القبلي والعسكري وميليشياتهما. ثم الغرب وأداتاه المباشرتان: اختراق حركة التحرر والتدخل العسكري. أما لماذا يمكن أن تضرب إيران حاليا فذلك لعلتين: مهمتها التخريبية أتت أكلها في ما يحيط بإسرائيل من قوى وفي استتباعها النظامين العربيين القبلي والعسكري ومحاولة منع كل إمكانية لحلف ولو ظرفي بينها وبين تركيا التي يريدون ضربها من الداخل كما أسلفت. فقيادات إيران قد تلجأ لهذا الحل. بل هي لجأت إليه بعد مرتين على الأقل في خلال السنة الماضية والحالية. فلو لم تكن تسعى إلى نوع من الحلف مع تركيا لما سكتت عن تدخلها في سوريا والعراق اللذين هما الآن تحت الاحتلال الإيراني. ثم إن الطائفية والقومية اللتين استعملتهما إيران بدأتا ترتدان عليها في عقر دارها. ومن ثم فهم بحاجة إلى تركيا مهربا أخيرا لهم لتأكدي من أن بوتين بدأ يختنق ولن يغامر بحماية إيران كما قد تغامر الصين بحماية كوريا الشمالية على الاقل دبلوماسيا للفرق الشاسع بين قوة الصين وقوة روسيا. فالصن ثاني قوة اقتصادية في العالم وروسيا لا تكاد تذكر إلا بخردة السوفيات. وهكذا فالملالي يوجدون في وضع لا يحسدون عليه وقد يلجؤون إلى تركيا والمصالحة مع السنة في الظاهر حتى تمر الزوبعة. لكن أنا شخصيا أومن بأن إيران خطر مباشر وإسرائيل أخطر لكن خطرها غير مباشر لأنها أولا ليست من نسيج الاقليم وثانيا وهو هو الأهم قوتها ليست ذاتية لها بل هي قوة الغرب.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي