لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالمقاومة الفلسطينية
حلف ما يسمى بالممانعين مع إيران وحلف الثورة المضادة مع إسرائيل وضعا حركة التحرير الفلسطينية في مأزق الخيار بين عدوين للربيع العربي وعمليا الخيار بين محتلين للأرض العربية أحدهما باسم استرداد امبراطورية فارس بخدعة مقاومة إسرائيل والثاني باسم استرداد امبراطورية دواد بخدعة مقاومة إيران.
ومن يقبل من الفلسطينيين حصر الامر في هذا الخيار عليه أن يعترف بأنه لا يختلف عن الانظمة العربية في تقديم مصلحة النظام على مصلحة الشعب: ذلك أن من العسير أن يسلم اي عاقل بأن بوتين وإيران ومليشياتهما يهمها كثيرا تحرير فلسطين وهم يحققون في الهلال ما تحققه إسرائيل في فلسطين بل وأكثر.
وليس قصدي المفاضلة بين الاحتلالين. فكلاهما يستهدف العروبة والإسلام. ما يعنيني هو البحث عن خيار ثالث يحرر العرب أولا من التذيل لإيران (بدعوى مقاومة إسرائيل) ولإسرائيل (بدعوى مقاومة إيران) وكلاهما في الحقيقة لا تهمه لا العروبة ولا الإسلام بل حماية الانظمة المستبدة والفاسدة.
فإذا قبلت المقاومة الفلسطينية أن تضع نفسها في هذا الموضع صارت مثل الانظمة تدافع عن نظامها وليس عن شعب فلسطين وأرضها: فالدفاع عن فلسطين وأرضها مثل الربيع العربي ينبغي أن يكون تحررا (مطالب الربيع المباشرة) مشروطا باستكمال التحرير (شرط المطالب المباشرة) مع اختلاف في الترتيب.
والاختلاف في الترتيب وهمي: ذلك أن بلاد الربيع اكتشفت بتعثر مطالبها المباشرة أن استقلالها كان كذبة ما يزال مستعمر الأمس وإن بصورة غير مباشرة لأن نوابه من أبنائها هو يحقق أكثر مما كان يستطيع الاستعمار المباشر تحقيقه: سلخها من شروط قيامها المستقل أي نسبها الحضاري.
في الحقيقة كل البلاد العربية توجد في وضع فلسطين: فالحكم فيها من جنس حكم الضفة الغربية والربيع فيها من جنس المقاومين في الضفة وفي غزة. ذلك أن أي بلد يكون محتاجا في الحماية والرعاية إلى مستعمر الامس لا يمكن أن يختلف وضعه عن الضفة وغزة. كلاهما متسول حماية ورعاية وعديم السيادة.
ومن عجائب الأمر أن من يعدون أغنى العرب أكثر حاجة لهذه الحماية وأقلهم اندفاعا للمقاومة ممن يعدون أفقر العرب. فهؤلاء يشعرون بأن لهم أوطانا يقدمونها على المصالح العاجلة وأولئك مصالحهم العاجلة مقدمة على أوطانهم بل هم يشعرون أن أوطانهم مخابئ ما نهبوه منها مفرا ممكنا.
وأعجب ممن يتصورني أقول بهذا الخيار المفروض منذ النصف الثاني من القرن الماضي بين القطبين ثم في بداية هذا القرن بين ذيليهما وذراعيهما في الإقليم إيران وإسرائيل. فلست أنا الذي يرفض الحلف مع أدعياء الممانعة: يعتبرون الربيع مؤامرة وليس ثورة شعب على الاستبداد والفساد.
وبهذا المعنى فلا يمكن لمن يؤمن بثورة الشعب أن يختار أيا من الصفين ادعياء الممانعة والثورة المضادة. ولا يمكن للمقاومة الفلسطينية إذا كانت ثورة شعب وليس حفظا لحركات تتاجر بالقضية أن تختار أيا منهما بل عليها أن تنضم إلى الربيع بنفس الاستراتيجية الجامعة بين التحرر والتحرير.
وهذه الاستراتيجية هي الحصانة الوحيدة لجعل المقاومة الفلسطينية تكون مقاومة شعبية وليست مجرد ورقة إيرانية تخوف الشعوب من إسرائيل وتفاوض الغرب بهم مع أن ما تحتله من أرض العرب أضعاف اضعاف ما تحتله إسرائيل منها. وإسرائيل تخوف أنظمة العرب من إيران وتوهمهم بأنها ستحميهم منها.
ولست مقتنعا بعذر تخلي العرب واضطرار الفلسطينيين للحلف مع ادعياء الممانعة: فالعرب لم يتخلوا عن فلسطين مؤخرا بل كانوا دائما يتاجرون بها كما تتاجر بها إيران التي ربحت أكثر منها من هذه التجارة لأنها كانت مدخلها إلى قلوب العرب والمسلمين الذين لا يميزون بين القول والفعل.
والتمييز بين القول والفعل له شروط: فهب إيران صارت قوة نووية هل تراها تتجاوز ما عليه كوريا الشمالية؟ لا بد لها من حام ضد إسرائيل وأمريكا لأن توازن القوى حينا لا نسبة ولا مناسبة بينهما. فمن يتصور أن روسيا التي ستحميها يمكن أن تعادي أمريكا وبالتالي إسرائيل من أجلها؟
ماذا يمكن أن تستفيده المقاومة الفلسطينية من حلفها مع إيران؟
لا شيء.
إيران يمكن أن تحقق بذلك شرط مناعة نظامها على نمط كوريا الشمالية وحينها لن تهتم بالقضية الفلسطينية هذا إذا صمد النظام إلى ذلك الحين أمام مد الربيع الذي بدا يحرك شعب إيران ضد نظام الملالي: استراتيجية عقيمة.
الثورات والمقاومات لا تقاد يوما بيوم ولا بد فيها من تنظيم الأواجل بمنظر العواجل في الاستراتيجية النضالية التي هي دائما طويلة المدى والنفس. لذلك فإني اعتقد أن الربيع يمد الفلسطينيين لأول مرة بفرصة الاستقلال من التدخلات التي توظيف قضيتهم سواء كانت عربية أو إيرانية.
والفرصة هي تجنب الخطأ الذي وقعت فيه حركات التحرير العربية السابقة: فالفصل بين التحرر والتحرير جعل الانظمة تؤجل المعركة الأولى بإيهام الشعوب ضرورة تقديم الثانية فإذا هي كذبت في المعركتين: الربيع بين أن الفصل بينهما يحول دون تحقيق أي منهما: الاستبداد والفساد باق ببقاء التبعية.
فالضفة مثل الانظمة العربية استبدادا وفسادا في شبه دولة مدنية تابعة لإسرائيل التي ترعاها لتكون في خدمتها وغزة مثل المعارضات الجهادية استبدادا وفسادا في شبه دولة دينية تابعة لإيران التي ترعاها لتكون في خدمتها. فتكون فلسطين صورة مصغرة من العرب ككل: توابع لذراعي الاستعمار.
مهما بلغت السذاجة فلا يمكن أن يسلم المرء بغض الطرف عن احتلال نصف الوطن العربي بدعوى تحرير نصف فلسطين حتى لو كان هذا التحرير فعليا وليس قوليا ناهيك عن يقيني المطلق بأن إيران ومليشياتها لا تعنيها فلسطين لا من بعيد ولا من قريب إلا كورقة فيما تسعى إليه من تحقيق شرط مناعة نظامها.
وكل من يقبل بهذه القسمة الضيزى لا يقل خيانة عن الأنظمة العربية التي تتوهم إسرائيل تعينها حمايتهم في غير ما تسعى إليها من استعمالهم لترويض الفلسطينيين لما يسمى بالصفقة الكبرى. وإذا بقي الفلسطينيون معتمدين على ما يسمى بالممانعة فهم من حيث لا يعملون يحققون هدف إسرائيل وإيران في آن.
لا حل إلا الطريق الثالثة: الحلف بين الربيع وفلسطين. فالقضية واحدة هي قضية التلازم بين التحرر والتحرير فنكون بذلك آخر شعوب الارض سعيا لاستعادة حرية الإنسان وكرامته في الداخل وسيادته حماية ورعاية في الخارج ونستعيد بذلك دورنا في التاريخ الكوني قوة عربية إسلامية تعدل نظام العالم.