المطاولة وعقدة شمشون الغربية

المطـــــــــــــــــــــــــــــاولة

– وعقدة شمشون الغربية –



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



حادثة ميونيخ اضطرتني لتقديم الكلام في مسألة استراتيجية عاجلة على الفصل الثاني من الكلام على علل خوف الميليشيات والأنظمة العربية ونخبهم العميلة وحماتهم المباشرين (إيران وإسرائيل) وغير المباشرين (أمريكا).
أقصد خوفهم مما يترتب فعليا على فلسفة التاريخ والسياسة اللتين تقول بهما السنة كما صاغهما ابن خلدون بالنظر النسقي وابن تيمية بالطفرة الحدسية.

وهذه المسألة الاستراتيجية العاجلة هي بالذات ما يدعو الغرب لاستعجال الحسم بسبب خوف آخر أبعد غورا هو الخلل الحاصل في مجالي السباق مع الاستئناف الإسلامي.

ففي ربيع 2006 مباشرة بعد عودتي من ماليزيا -على ما أذكر- دعاني الصحفي النابه صلاح الدين الجورشي رئيس منتدى الجاحظ للكلام في أزمة الهوية التي كان علمانيو تونس وليبراليوهم يتصورونها مرضا عربيا (الفيديو موجود).
فقلت ما عجب له الكثير إذ بينت أن أزمة الهوية بخلاف ما يتصور سطحيو الحداثيين ليست أزمة تخصنا نحن إلا ثقافيا.
لكنها في الغرب صارت أزمة وجودية لأنها بلغت الحالة البايولوجية: وهي أخطر.

صحيح اني اتهم عادة بالبارودوكسالية (اعتمد ججاج المقارقات).
لكن الأهم من ذلك هو ما أريد أن أتكلم عليه اليوم.
فما الذي يجبر الغرب على خيار المناجزة في علاقته بنا؟
ولماذا نحن بحاجة لفرض خيار المطاولة؟

بين ابن خلدون أن الحرب على صنفين:
القوي ماديا يريدها مناجزة للحسم السريع
والضعيف ماديا يريدها مطاولة لتأجيل الحسم وربح الوقت.

المشكل أن ابن خلدون لم ينظر للأمر إلا بمعيار القوة والضعف الماديين
ولم ير ما وراء ذلك أعني القوة الثانية التي تنتصر على القوة المادية دائما.
وهذه القوة الثانية لا تخلو من البعد المادي
لكنه بعد ينتسب إلى نوع التاريخ المديد
وليس إلى التاريخ القصير.
والمديد هو مفعول الطبيعة والديموغرافيا في الحضارة.

وحتى أوجز القصد بحجاج المفارقات الذي أميل إليه
فإن المعركة كلها تتعلق بالتسابق بين سلاحين في صراع الأمم:
السلاح التكنولوجي
والسلاح البايولوجي.
والأول سريع المفعول وسطحيه
والثاني مديد المفعول وعميقه.

لكن هذه المفارقة الثانية تصحبها مفارقة أبعد غورا
لأنها سريعة وبطيئة في آن
وهي تكنولوجية وبايولوجية
لتعلقها بتأثير ثقافي تقابلي بين الشعبي والنخبوي
ومن ثم بين الكثرة والقلة.
فالغرب يَغزو بالثقافة النخبوية
لكنه يُغزى بالثقافة الشعبية.
وتأثير الأولى المادي قوي دون شك.
لكن تأثير الثانية أقوى.
فتأثير الفن الشعبي وأصناف الرياضات الشعبية (ككرة القدم) أكبر تأثيرا وأعمق.
وهذا التأثير الشعبي هو بيد الأقليات الإفريقية واللاتينية والإسلامية والعربية في الغرب نفسه.
ومن ثم فهي تؤثر مباشرة في الأجيال الغربية الصاعدة
وستمحي بالتدريج غربية الغرب مفعولا مديدا وقريبا.

إذا جمعت الديموغرافيا مع تأثير الثقافة الشعبية بهذا المعنى مع تنامي الأقليات الرافضة للعنصرية الغربية فالغربي في أزمة هوية خطيرة قد تدفعه إلى التهديم
أو ما رمزت إليه بعقدة شمشون: علي وعلى اعدائي.

وبعبارة وجيزة يمكن القول إن أزمة الهوية الغربية تتخلص بصورة عينية في أزمة يهود العالم: فهم يشعرون دائما بخطر الإفناء الدافع إلى عقدة شمشون.
بهذا أفهم كلام رئيسة وزراء بريطانيا وحتى نتيجة الاستفتاء للخروج من أوروبا.

لكن الأهم هو هذا الجنون الذي يركز على تصفية سنة الإقليم بسرعة وصعود اليمين الغربي (لوبان وبيجيدا وحتى نجاح الاستفتاء البريطاني وترشيح ترامب غبي أمريكا).
فما السر؟

حاولت بيان بعض جوانبه أمس في كلامي على تصريح الوزيرة.
وأريد اليوم التوكيد على إبراز العلاقة بالإقليم السني بالذات
والشروع في التنفيذ منذ لعبة البرجين.

لو كنت اعتبر التعبير عن المواقف وأحوال النفس فكرا لاكتفيت بتوجيه التهم واللجوء إلى الأدعية والدعاء كتراتيل الخطاب النفسي والخلقي العاجز الذي لا يدل إلا على انتساب أصحابه إلى العصر الوسيط.

هدفي بيان خفايا الأمر كما يمكن أن تستنتج من طبائع الأشياء وما يحدد الدلالة فيها بمقتضى السياق التاريخي وليس من نزوات النفس فأعين ما ننشده دون شروط تحقيقه صنعا لقصور الرمال كالأطفال.

نحن أمام حضارة مأزومة في وضع يشبه وضع شمشون وله أكثر منه إمكانات التهديم وهو بدأ يشعر بخطر على هويته.
لذلك فلا بد من الاستعداد للاحتمالات بحديها.
والاستعداد هنا ينبني على فرضيتين الحكمة تقتضي توقع أسوئهما مع التعامل مع أقلهما وطأة بصورة تبعد الفرضية الأسواء من خلال سياسة لا تدفع العدو إلى جنون اليأس وعقدة شمشون.

بعبارة أوجز:
كيف نهزم العدو دون دفعه إلى حل شمشون الذي نعلم أنه في متناوله؟
وكيف نكون مستعدين لإحباط هذا اللجوء إذا حصل وقد بدأ يتضح في تركيا بعد أن تراكمت إرهاصاته في الهلال؟

وهو قد بدأ في تركيا لعلتين:
أولا لفشل خطة الفوضى الخلاقة
وثانيا بسبب صمود الثورة
وفرق الوضع الإسلامي بين بداية القرن الماضي وبداية هذا القرن:
يراد للأمر نفس البداية ضرب مركز قوة السنة.

صحيح أننا لم نصبح بعد قوة كافية للردع.
لكننا لسنا بضعفنا الذي كنا عليه في بداية القرن الماضي لما أسقطوا الخلافة وتقاسموا الإقليم فقد كنا لا حول لنا ولا قوة.
ما تغير بين بداية القرن الماضي والقرن الحالي هو ما وصفت في تأثير السلاحين التكنولوجي والبايولوجي وتأثير الثقافتين العامية والخاصية فضلا عن تغير المناخ الروحي لدى صفي النزاع:
لم تبق سنة الإقليم موطن الأمية والتخلف.

فإذا أضفنا عاملا آخر يتجاهله الكثير من عملاء الاستعمار رغم أنه بارز للعيان اكتمل المشهد:
فقد استعاد شباب الأمة بالتدريج خصائل أجيالها الأولى أي الشجاعة والإقدام
وصاروا قادرين على المنازلة كما كان جيل العرب الذي بفضله انتشرت الرسالة في البداية.
بعبارة خلدونية فقد تجاوز الشباب المخلص أزمة “فساد معاني الإنسانية” التي نتجت عن الانحطاطين الذاتي والموروث عن عهد الاستعمار كما نراهما لدى الانظمة ونخبها العميلة.

وحتى ما أقدمه هنا -أعني ما حاولت بيانه حول أزمة الهوية الغربية- فهو ليس لي بل هو أيضا من ابن خلدون:
فهو قد فسر حال الأمة التي وصفها بالأفول فسرها بأزمة ديموغرافية خاصة.
فأزمة الديموغرافيا التي كانت أسرته إحدى ضحاياها سببها الطاعون الذي قضى على ما يسميه ابن خلدون العمران
ويعني أساسا الديموغرافيا وثمرتها الحضارية.
لكن الطاعون مرض عضوي فسر به ابن خلدون ما حصل في حضارتنا.

أما الطاعون الذي يمكن أن يفسر ما يحصل في الغرب فليس عضويا بل هو ثقافي:
العزوف عن التكاثر الذي آل إلى الشيخوخة الغالبة.
ولو لم يكن للغرب مورد الهجرة لكان بعد قد وصل إلى نقطة اللارجع في التشايخ وفقدان ليس اليد العاملة فحسب بل والفكر المبدع في البحث العلمي وفي الدفاع الذي لا يمكن للتكنولوجيا معما تقدمت أن تغني فيه عن البشر.
فالطاعون العضوي الناتج عن تخلف الطب قابل للتدارك في جيل واحد إذا وجد التطعيم.
لكن الطاعون الثقافي الناتج عن فساد المناخ الروحي يحتاج علاجه لعدة أجيال:
هبوط المنحنى الديموغرافي عسير التعديل لأن سببه عقائد منافية للحياة تفضيلا للأثرة (متعة جيل) على الإيثار (مستقبل الأجيال).

وكان يمكن للغرب أن يلجأ بكثافة لقبول المهاجرين حلا للمشكل الديموغرافي.
لكنه عندئذ كان سيصل بسرعة إلى غاية أزمة الهوية:
فقد لايبقى فيه غربي إلا المتاحف والتاريخ.

وإذا كنت أنا قد فهمت هذه الأمور فلا أتصور استراتيجيي الغرب غافلين عنها.
لذلك فهم يريدون البدء بالخطر القريب أي نحن
قبل الخطر البعيد أي الشرق الأقصى وغيره.
وذلك لعلتين جغرافية وتاريخية معنا ومع الشرق الأقصى.
فجغرافيا وتاريخيا نحن أجوارهم ولهم معنا تاريخ أليم.
أما الشرق الأقصى فهو بعيد ثم هو لم يعد قابلا للتهديد لربحه معركة التكنولوجيا.

فيكون الخوف الغربي ناتجا عن الجمع بين هذين الأمرين:
غفلوا عن الشرق الأقصى فلم يعد في متناولهم
ويخشون إن غفلوا عنا ألا نبقى في متناولهم إذا ربحنا معركة التكنولوجيا .

تلك هي القضية العاجلة التي جعلتني أقدم الكلام فيها على الفصل الثاني من كلامي على فلسفة التاريخ وفلسفة السياسة السنيتين المخيفتين للأعداء رغم أن هاتين الفلسفتين هما شرط هذا الخطر الذي يريدون التصدي له.

وهكذا أكون قد استجبت لما هو عاجل دون أن يكون عديم الصلة بما هو آجل:
لذلك فكلامي في الفصل الثاني من مقال الأمس حول ما يخيف في عمل المدرسة الفلسفية النقدية العربية سيكون ذا صلة بهذه القضية لنحدد العمل الواجب.

فعندما أسست كلامي على أعلام من تاريخ فكرنا المنتسب إلى هذه المدرسة فالقصد تجنب موقف الذين تسكرهم زبيبة:
فقد لاحظت أن الكثير يزكون أنفسهم فيدعون الانطلاق من صفر.
فلكأن الفكر لم يبدأ إلا بفضلهم.
وغالبا ما تجد هذا النوع من الأدعياء يخلعون أبوابا مفتوحة متصورين جهالاتهم وتخريف أنصاف المثقفين ابداعا
وبذلك سيطر على ساحة الفكر أقزام من خدم المخابرات المعادية للأمة مباشرة او بتوسط الأنظمة العميلة.

فالابداع ليس خلقا عن عدم بل هو مشروط
أولا بمعرفة ما تقدم في مجال الفكر المعين
ثم اكتشاف ما يحضر بغيابه لكأنه ثغرة فيه
ثم محاولة سد الثغرة باجتهاد ليس هو في متناول كل من هب ودب
بل لا بد فيه من عمل أجيال مديد وعزم أمة شديد.

لذلك قلت مرة ضد المتحاملين على السلفية:
لا وجود لفكر من دون سلفية
أي من دون انتساب إلى مدرسة ذات تقاليد منفتحة على تجاوز ذاتها
وهو معنى التجديد.
وهذه السلفية المنفتحة يحددها القرآن بذم عكسها “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”
وتحدده السنة بالقول إن كل قرن يوجد على رأسه مجدد منتسب إلى السلف
وهم من كان لهم السبق في التجديد الدائم.

وهذا يصح خاصة على العلوم الأرقى:
فلا أتصور رياضيا يمكن أن يبدع إذا كان جاهلا بأهم ما تقدم عليه في اختصاصه ومن دون النسبة إلى مدرسة وسنة تحدد شروط تكامل الجهد المتراكم.
لكن الحمير من أدعياء التحديث ونظرائهم من أدعياء التأصيل
يسرقون قشور الشعر أو الفكر
ثم بخيلاء الأميين يدعون الابداع
وبمجرد ان تحك الطلاء
لا تجد إلا الهواء والخلاء.

وكم من شويعر عربي أو شويعرة يصعران خدودهما بدعوى الابداع والتحديث أمام الجاهلين بالشعر الغربي.
لكن المطلعين يعلمون أنهم أقزام ومساكين.
لهذا استفتحنا هذه المحاولة بأكبر شعراء ألمانيا
وأهم وزراء الثقافة في تاريخ الإنسانية
وأكثرهم اطلاعا على الفلسفة والعلوم في عصره
قصدت جوته الذي يدرك حقيقة الإسلام ما هي.

ولعل أبرز مثال من الأقزام الذين أفسدوا الذائقة الشعرية العربية
وغرروا بالكثير من الشباب الذي كان يمكن أن يبدع شاعر بشار المجرم.
فهو قزم بالمعنيين:
قزم بشعره المتصاوف
وقزم ببدنه المتصابي.
وهو عدو شروط الإبداع المعبر عن حضارة.
ثم لا يستحي فيخفي قبحه باسم من الأضداد عند تطبيقه عليه ‘أدونيس’
فيذكرني بين الذكور بما ترمز إليه السعداوي
عندما تتكلم على المرأة بابشع ما يوجد في الإناث.

وما كنت لأذكرهما معا لو لم يكن حداثيو تونس المعقدين قد دعواهما ليقدموا لنا في معرض الكتاب معنى الحداثة الشوهاء بخطابهما وبكيانهما الذي يشوه الفكر والذكر.

ولك عديد الامثلة من الأقزام بهذين المعنيين تعبيرا عن حقدهم على الثورة وخاصة على تركيا ممن يمولون سياسة إيران وإسرائيل لتهديم سنة الإقليم:
فأحد الأقزام يعتبر نفسه خبيرا
ويخصص جل وقته لذم الإسلاميين باسم الإسلام الأمريكي.
ولست أدري هل هو من حسن حظي أو من سوئه أني لقيت هذين القزمين
الشاعر في تونس
ومستشار الثورة المضادة في المغرب:
بئس الرجلين خِلقيا وخُلقيا لا أخلاق و لا خلاق.

وما تكلمت أبدا في أحد بوصف فيه تحقير من دون أن أكون قد لقيته بين أربعة عيون وخبرت سخفه كما سبق أن فعلت ببعضهم في مقالي على بيت الحكمة ولي دائما شهود على سفاسفهم.
وما تكلمت أبدا في أحد أنافسه في اختصاصه بل هو الذي يدعي ما ليس له
لأن فلسفة الشعر والسياسة والدين والتاريخ ليست في متناول خريجي الآداب
ولا المتشاعرين ممن تتلمذوا على أدونيس الذي هو من ولدان ماسينيون.

فلنختم الكلام بالفائدة من البحث
ولنقل إن منع ذهاب العدو إلى موقف شمشون هو شرط المطاولة
وهو بالأساس معركة دبلوماسية للفصل بين حكام الغرب وشعوبهم.
والنجاح هنا يتمثل في منع استفزاز الشعوب بصورة قد توفر لمجانين اليمين (لوبان وبيجيدا مثلا) فرصة الوصول إلى الحكم في الدول الغربية وذلك لتجنب المناجزة التي يمكن أن تكون لصالحهم.

والمستوى الثاني من المعركة الدبلوماسية هو تمكين الثقافة الشعبية
أي الفنون والرياضات كلها من مزيد التأثير ومن التوحيد بين كل المهاجرين حتى تصبح فاعليتهم فاصلة بين اليمين الغربي والشعب.

ولا بد هنا من الاستفادة من النخب ذات الأصول غير الأوروبية لتلطيف جنون اليمين وتشجيع التزاوج المختلط واستضافة قيادات الرأي العام في بلادنا ومساعدة أصحاب الفنون والرياضات الشعبية.

لكن ذلك كله ينبغي أن يوازيه الاستعداد للأسوأ بإمكانات الدفاع وتجهيز مدننا بما يحول دون تأثير أي ضربة ذرية من خلال الدفاع المدني والحماية من الدمار.

وقد كتبت في كتاب المقاومة فحددت أهم الفنيات التي تمكن من غلبة الأضعف للأقوى بقوانين شبه رياضية وبكلفة لا تتجاوز واحد في المليون مما يتكلفه العدو.
فالأسلحة التي يستعملها العدو لا فاعلية لها إلا في التجمعات السكانية الكثيفة.
ولما كنا نتوفر على فضاء شاسع فيمكن توزيع قوانا يصورة تحميها وتحول دون الضربة القاضية.
ولما كان الدفاع في الحروب أيسر من الهجوم وأقدر على تكبيد العدو كلفة كبرى فإن احتلال الأرض العربية شبه مستحيل بفضل عاملين بايولوجي وخلقي.
فبايولوجيا النقص الديموغرافي يحول دون الجيوش الغربية والاقدام على احتلال أرض شاسعة
وخلقيا الحرص على “حياة” يحول دونهم والإقدام على محاربة من يفضلون الحياة على حياة.

وإذن فكل الأمر رهن هندسة التوزيع في المكان وفي الزمان وعلة الأزمتين البايولوجية والخلقية في الغرب بحيث يتم إلغاء مفعول أي ضربة يمكن أن يؤمنها الاحتلال بعدها بشرط عموم المقاومة في الوطن.
وهذا بدأ بعد.
فالثورة المضادة وحدت مسرح المعركة.
والغرب يتصور نفسه في موجة ثانية من تقاسم أرض العرب والمسلمين
متصورا وضعنا الحالي مماثل لوضعنا في الحرب العالمية الأولى.

وحاصل القول إن المعركة
لطيفة وهجومية في أرض العدو لفصل يمينه عن شعبه
وهي عنيفة عندنا لتوحيد جبهة القتال الذي بدأ بمليشيات الثورة المضادة.
وهذا هو جوهر الاستراتيجيا الرادعة والحائلة دون الحسم السريع
ومن ثم فأهم ما تعتمد عليه هو تمطيط المعركة حتى تنهار معنويات العدو ومليشياته.

وليس من شك في أن هذه الإجراءات الاستراتيجية تقتضي وجود سلطة مركزية تخطط لها وتنفذها.
لكن ذلك يسبقه سلطة علمية تتصورها وتصوغها استراتيجيا.
وهذا التصور والصوغ هما هدفي.
فالعمل على علم يقتضي التنظير العلمي لوضع معايير اختيار الأفعال القابلة لتحقيق الغاية
ومن شروط التنظير أن يتضمن سلسلة طويلة من وسائط التمويه المستند إلى عميق التعليل.
ومعنى ذلك هو مفهوم الحرب خدعة:
فما لم يكن من العسير على العدو معرفة مقاصدك
فإنك تكون مكشوفا لديه
فلا تستطيع مفاجأته:
والحرب شرطها المفاجأة.

لكن شرط الشروط هو أن تجعل العدو في وضع يحول دونه والتصرف بصورة تخالف ما توقعت أو ما فرضت عليه لكأنه المسلك الوحيد الباقي له:
مثل الأمر في لعبة الشطرنج.

فعندما تكون حركاتك ذات تمويه عميق مستند إلى علم بحركات العدو الممكنة يكون العدو مجبرا على حساب احتمالات يفرض عليه ما تريد أنت أن تدفعه إليه.
ولا يكون ذلك إذا كان سلوكك
مباشرا دون وسائط
وشفافا دون تمويه.

عدم الشفيف أو الكثيف في سلوكك وتعدد تأويلاته هو الذي يذهل العدو فيحيره فيكون مضطرا لسلوك ما فرضت عليه بتمويهك حتى تضربه في أشد نقاط ضعفه.
وما كان هو يريد المناجزة وأنت تريد المطاولة فأنت سيد المكان والزمان وهو مضطر لموقف رد الفعل على تصديك الفاعل
فتكون أنت من يعين المكان والزمان لئلا يجدك إلا حيث يسهل عليك ضربه.

أما قوانين ذلك فقد حددتها في كتاب المقاومة من خلال تصنيف الحروب الممكنة بينه بوصفه الأقوى ماديا والأضعف روحيا وبينك بوصفك الأقوى روحيا حتى وإن كنت مؤقتا الأضعف ماديا.

فما العائق أمام هذه الاستراتيجية غير العدوانية لأنها تسعى لمنع المجانين من حكم العالم وذلك باستئناف دور الإسلام في تحقيق شروط الأخوة البشرية؟

خمسة عوائق
اثنان منا
واثنان من الأعداء
والخامس جامع بين الاربعة السابقة لأنه أصلها
وهو نكوص البشرية إلى الحيوانية بالاستبدادين الروحي والسياسي.

ما هو منا:
1- أمراء أنظمة القبائل وأنظمة العسكر الحاكمة والنخب التي تعيش على فتاتهم
2- وخطر محاكاة أمراء معارضيهم والنخب العائشة على فتاتهم.

وما هو منهم بوصفهم سادة مافياتنا:
1-نماذج حكامنا بنوعيهم أو المافيات الحاكمة في الغرب ونخبها
2-ونماذج معارضاتا بنوعيهم أو المافيات المعارضة في الغرب.

والأصل الجامع بين مافياتهم المستخدمة لمافياتنا
هو ما يسميه القرآن الكريم الإخلاد إلى الأرض
أو عبادة الهوى والدنيا والكفر بكل المتعاليات.

والقول الفصل هو ما يقوله القرآن الكريم:
كلاب يلهثون.
البشرية يحكمها المخلدون إلى الأرض
أو المصابون بجرب أفلاطون
أو بلامتناهي هيجل الزائف:

عبادة الدنيا والهوى يسميها القرآن بالاخلاد إلى الارض
وعبيدها يصفهم الذكر بكونهم كالكلاب يلهثون دائما
سواء حملت عليهم أو لم تحمل.

ويشبههم أفلاطون بالأجرب الذي كلما حك جلده تلذذ بالحك
وضاعف الألم حتى يدمى ويبقى كذلك طيلة حياته:
فعبادة الدنيا والغرق فيها جرب أفلاطوني.

أما هيجل فيعتبر عابدي المتناهي أو الدنيا والهوى عبيد اللامتاهي الزائف
فالبخيل مثلا لا يشبع من تركيم الثورة جريا وراء لامتناه زائف يشغله حياته كلها.

وفي الختام فالداء لا يصفه الوصف التشخيصي الصحيح إلا الأزمة الروحية وعلاجه هو الرسالة الخاتمة.
وكما قال جوته: Im Islam leben und sterben wir alle

إذا كان الإسلام يعني تسليم الأمر لله فكلنا يحيا في الإسلام ويموت يوهان فولجانج فون جوته Wenn Islam Gottergeben heißt, Im Islam leben und sterben wir alle Johann Wolfgang von Goethe

فماذا يقصد جوته ب
ـ”في الإسلام نحيا كلنا ونموت”؟
أمران:
1- اكتشف جوته أن الحداثة قد تتحول إلى وثنية مطلقة بسبب الداء
2- واكتشف اتفاق تشخيصاته الثلاثة القرآني والأفلاطوني والهيجلي.

فالإخلاد إلى الأرض هو التشخيص الأبلغ والأدق لتضمنه الداء وعلته
وجرب أفلاطون وصفا للعرض
ولامتناهي هيجل الزائف التعليل النفسي والخلقي للداء

أما جوته فقد قفز مباشرة إلى الحل:
لن ينقذ الإنسانية إلا فهم هذه الحقيقة
“في الإسلام نحيا كلنا ونموت”
إنه الآية الدالة على حقيقة الوجود ومعناه.

واليوم الإنسانية تعاني من الوثنية المطلقة التي لا مخرج منها من دون هذه الحقيقة التي أجاء جوته إليها اطلاعه بالصدفة على المعوذة الثانية.
فمنها فهم أن العياذ بالله من وساوس الإنسان التي يجمعها مفهوم الوثنية أي عبادة المتناهي وطلب اللامتناهي فيه جرب وغرق في اللهيث مثل الكلاب.

أمراء العرب
الحاكم منهم والمعارض
ونخبهم مثلهم مثل سادتهم في الغرب
ونخبهم ابتلعهم مطلق الوثنية
فأصبحوا كالكلاب لاهثين
فالدنيا مناهم
ومعبودهم هواهم.


– وعقدة شمشون الغربية –


يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD

ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri

ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI

واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH

وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي