المرأة، مفهوم قرآني مطلق مثل الفرد الانساني

**** المرأة مفهوم قرآني مطلق مثل الفرد الانساني

يوم عيد الاضحى جدير بأن يكون فرصة للجمع بين تحرير الإنسان من منزلة القرابين التي كانت له في الوثنية، وتحرير الإسلام من الساعين لهدمه باسمه -التوظيف الصفوي لآل البيت- وخاصة من تهديم أساس الحياة الروحية الخلقية في آن، أعني منزلة المرأة التي هي في القرآن مصدر حياة الإنسان وقيمه. فما قلته عن طبالة الـ”ممانعة” له نظير عن طبالة الـ”النسوية” بين أدعياء الحداثة العرب. وسأهد كل بنيانهم بما لم يدر بخلدهم: فمثلما بينت أن مفهوم الفرد ليس فلسفيا، بل هو قرآني تبنته الفلسفة بعد أن فهمت شروط تأسيس الاخلاق، فكذلك مفهوم المرأة ليس مفهوما فلسفيا بل هو كذلك مفهوم قرآني.

وسأثبت ذلك أولا ببيان المنزلة التي للمرأة في الفلسفة قديمها وحديثها، ليس من خلال موقف الفلاسفة من المرأة فحسب، بل وكذلك من خلال تعريفهم للإنسان بالمقابل مع موقف القرآن من المرأة وتعريفه للإنسان بل ونشأة النوع الإنساني نفسه، واخيرا منزلة الجنس فيه بالقياس إلى الأديان الاخرى.

ولنبدأ بنظرية المقابلة بين الجنسين في الفلسفة اليونانية والموقف من المرأة والعلاقة بين الجنسين بالقياس إلى العلاقة المثلية بتوسط الصداقة عند أفلاطون أرسطو. وأبدأ بالثاني الذي يمكن من فهم الأول. فالفرق بين الجنسين عند أرسطو مادي ولا علاقة له بالمقوم الصوري في تعريف الإنسان. فيبدو الأمر عند الناظر بسطحية وكأنه تحقيق للمساواة بين المرأة والرجل: حيوان عاقل. لكن من له دراية بفلسفة أرسطو الوجودية يعلم أن محدد الصورة هو النوعي، ما يعني أن المرأة والرجل لا يختلفان إلّا من حيث الحيوانية فيتساويان في العقل. لكن هو ينسب الفاعلة للرجل، وهي وجوديا للعقل. ما يعني في الغاية أن المبدأ الفاعل أو المميز بين الجنسين ذكوري وليس مشتركا بين الجنسين، لأن نسبة الذكر إلى الأنثى هي نسبة الصورة إلى المادة، وكذلك كان يتصور من حيث عالم البايولوجيا أن الحيوان المنوي هو المصور للبويضة والتي هي منفعلة وليست مشاركة في الفعل التصويري. ويكفي أن نعلم منزلة المادة عند أفلاطون لكي نقرأ هذا التعريف الارسطي أفلاطونيا بكون المرأة تمثل عنصر الشر في الإنسان. ولهذا فكل أدبيات أفلاطون تفضل العلاقة المثلية على العلاقة بين الجنسين، لأن الأولى تحقق التصافي والصداقة بخلاف الثانية التي هي علة التقابل مادة صورة. ولا فائدة في الكلام على اليهودية حيث المرأة هي رمز العهر في التوراة-. ولا في المسيحية حيث يعتبر الجنس أصل الخطيئة الموروثة. ومن علامات هذا الموقف العزوبية في الكاثوليكية، وهجومات الكنيسة الوسيطة على الإسلام باعتباره دينا يولي أهمية كبرى للجنس فاعتبروه التذاذي المذهب.

ولا أعلم فيلسوفا قديما أو وسطيا أو حديثا قال كلمة خير في المرأة أو في الاسرة، ولعل الذروة هي موقف نيتشه. ورغم أن أرسطو يبدأ فلسفته السياسية بالأسرة فهو لا يعتبر المرأة ذات دور يذكر، حتى وإن ميزها على العبيد من حيث كونها ليست مجرد آلة، لكنها ليست في علاقة تعاقدية مع الرجل كما في الإسلام.

ونصل الآن إلى الأهم في رؤية الإسلام. ولأبدأ بأسلوب الخطاب: فهو الدين الوحيد على حد علمي الذي يتجه خطابه للجنسين مع الفصل بينهما فصلا لا يجعل المرأة مجرد تابع للرجل، بل هو يخاطبها بذاتها وبالتوازي مع الرجل، لكأنه يحقق أحد مطالب النسوية عندما أصبحوا الآن يضعون الضميرين في الخطاب. لا يكتفي بمخاطبة المؤمن، بل يذكر المؤمنة، فيتصاحب المسلم والمسلمة والحافظ لفرجه والحافظة إلخ.. من ذكر الجنسين في الخطاب. وهذا ليس مجرد خطاب، بل حتى في الأفعال السياسية ذات الرمزية لا بد أن نجد على الأقل امرأة واحدة تشارك الرجال كما في بيعة الرسول بيعة الانطلاق في دولة الإسلام. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (189الأعراف) هذه الآية هي التي أسست مفهوم المرأة أصلا للحياة الإنسانية متقدما على الرجل بخلاف خرافة المرأة من ضلع أعوج منه (من الاسرائيليات). فالآية الاولى من النساء تكلمت على النفس الواحدة لكنها لم تكن واضحة في ما يتعلق بكونها هي المرأة أم أصل مشترك بين الرجل والمرأة قبلهما. لكن هذه الآية واضحة ولا تحتاج إلى تأويل، فالنفس الواحدة التي يأتي منه الجنسان لاحقا في النسء 1 هي هنا المرأة التي جاء منها الذكر ثم يتغشاها فتحمل: {من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها}. والزوج المجعول من النفس الواحدة هو الذكر وهي الأنثى لأنه تغشاها فحملت منه. لم يبق كلام.

فليس صحيحا أن الإسلام يسمح بالتعدد للرجل دون المرأة. الفرق بين التعددين هو الفرق بين المساوقة للذكر والتوالي للإناث. ذلك أن مبدأ الطلاق وخاصة البائن، يقتضي أن يتحقق التعدد لدى المرأة. فهي لا تحل لزوجها الأول إذا لم تذق عسيلة زوج ثان. لكن الفقهاء كالعادة يفسدون الكثير من المعاني.

فكما اعتبروا المرأة من ضلع أعوج من الرجل اعتبروا “المحلل” بديلا من الزواج التام المشروط في استرجاع الطالقة طلاقا بائنا. الطابع التعاقدي للزواج والطلاق الممكن من مضمراته يجعل المرأة في الإسلام لها حق التعدد بالتوالي بخلاف ما يسمى بالزواج الكاثوليكي الذي يجعله محرما. كل هذه المعاني يغيبها المسخ من العلم عند المزيفين من أدعياء الحداثة وفيه هم متحالفون مع فقهاء الانحطاط كتحالف ادعياء الممانعة مع فقهاء الدولة الثيوقراطية للملالي. ويجمع بين الامرين دعوى العلمانية والحداثوية عند الطبالين من الصفين كما وصفت ذلك في تحية هذا العيد المبارك.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي