المرأة بين التحرر والنزعة النسوية – الفصل الأول

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله المرأة

من القضايا التي تحير كل من يريد أن يفهم الحركة النسوية في العالم الغربي عامة وفي الشرق خاصة يعجب من أمرين يحددان العلاقة ظرفي وبنيوي.

وفي الحالتين الظرفية والبنيوية تتعلق بتنافس غير مفهوم على سلطتين ليستا من نفس الطبيعة: تنافس على سلطة الأدوات الظاهرة وسلطة الغايات الخافية.

والتنافس على سلطة الأدوات الظاهرة ممكن. لكن هل التنافس على سلطة الغايات الخافية ممكن؟

هل يمكن أن يحصل الرجل على المساواة في الخافية؟

لما كانت السلطة الظاهرة للذكور والسلطة الخافية للنساء كان التنافس بين الرجال على الأولى وبين النساء على الثانية وكانت اللعبة واضحة القواعد.

تنافس الذكور على الإناث بسلطان الادوات وتنافس الإناث على الرجال بسلطان الغايات في العلاقة بين الجنسين إذ يجذبان أو يطردان بما بسلطانهما.

فجاذبية الذكور للإناث أداتية وجاذبية الإناث للذكور غائية: الأولى برمز المال والثانية برمز الجمال. الأولى اقتصادية مادية، والثانية جمالية روحية.

لو الغالب أن كلا الجنسين يقدم المالي على الجمالي عند استحالة الجمع بينهما لكن التقسيم التقليدي للسلطة الظاهرة جعل الإناث أميل لهذا التقديم.

والمعركة إذن تتعلق بهذه القسمة التقليدية: مدارها السلطة الظاهرة التي يمكن تحقق علاقة معكوسة لأن الذكر سيفقد ما كان يبقي له على وهم السلطان.

فسواء كان غنيا أو فقيرا فهو دائما خاضع لسلطان الأنثى الخفي وكان يتوهم أن سلطانه الظاهر عليها يعوضه عن فقدانه للسلطان الخفي العائد لها ضرورة.

أعلم أن صاحبات النوعية النسوية قد يستنتجون من كلامي أني أعارض مواقفهن التحررية. فهذا بدأت حق الملكية التام أي غير التابع لسلطان الذكور.

إنه إذن رؤية قرآنية ولا يشوبها شيء من الخروج عن قيم القرآن: فتصور الزواج عقدا بين ذاتين حرتين يقتضي أن يكون للإناث شرط الحرية أي الملكية.

لما تصبح الإناث حاصلات على حق الملكية التام (تصرف لا يخضع لإرادة الذكور) يكن قادرات على التحرر من تقديم المال والمنفعة على الجمال والحب.

ومن المفروض أن يترتب على ذلك مزيدا من المسؤولية التعاقدية في الزواج: وهو تبادل الالتزام الاحتكاري للعلاقة العاطفية والجنسية بين الزوجين.

وما يجعل هذا الالتزام الاحتكاري المتبادل مقبولا ومحتملا هو حق الطلاق أن حل التعاقد بين الزوجين. وحل التعاقد يحول دون جعل الاحتكار ضيما.

لكن ما يلاحظ في الحركة النسوية أنها غير مفهومة من الجنسين: فالذكر يعتبرها تعديا على سلطانه والأنثى تعتبرها جمعا بين السلطانين. فتكون الحرب.

وتكون ضحية سوء الفهم هذا ليس الأسرة والأطفال فحسب بل فقدان تقديم الجمال والحب على المال والمنفعة الذي هو غاية تحرير الأنثى من غلو الذكر.

والنتيجة أن الذكر سيصبح “سلعة” باهضة الثمن على الأنثى: لأن سلطانها الخفي يزول تماما بمجرد أن تقدم السلطان الجلي الذي تطلبه فتكره بسببه.

فمن يقبل سلطانها الجلي يكون عادة غير مهتم بسلطانها الخفي وهو إذن سيقدم المال والنفع على الجمال والحب فينتقل إلى موقف الأنثى السابق.

فلا يكون الذكر مطلوبا لذكورته ولا الأنثى لأنوثتها بل كلاهما يصبح طالب مال ونفع وتهمل الغايات طلبا للأدوات في الحالتين. وكلاهما يصبح ضحية.

هل أعني بذلك أن القسمة بين السلطانين طبيعية وليست ثقافية؟

لا بل أقصد أنها غلو ثقافي يلغي الأساس الطبيعي. فيصحبه تغير مفهوم الجنس الثقافي.

الجنس الثقافي يمكن أن يصيبه إفراط يجعله تفريضا في مفهومه الطبيعي: ومعنى ذلك أن النسوية يمكن أو تولد فصلا تاما بين المفهومين فتكثر المثلية.

وينتج عن ذلك أن هذا الغلو ليس ناتجا عن تحرير المرأة بل عن عدم التناظر بينه وبين التعاقد الزوجي. فالتعاقد الزوجي كما صاغة الإسلام عقد تام.

والعقد التام يقتضي التناظر بين التزامات الطرفين أخذا وعطاء. وفهم القوامة لدى الفقهاء هو الذي أفسد التناظر لظنه أنه يعني سلطة طرف على طرف.

لكن القوامة ليست سلطة بل خدمة من الذكور للإناث في بعد الحماية لها نظير من الإناث للذكور في الرعاية. والرعاية تتعلق بما لهن من سلطان.

وسلطانهن هو الجمال والحب للزوج مدة العقد وصراحة فض العقد بإحسان عندما لا يتوفر النظير ولكن ليس للزوج ذاته بل للمشترك بينهما: الخلائف.

والحضارة الحديثة ألغت هذه الشروط: بمجرد أن تصبح الأنثى مثل الذكر تهتم بالحماية فإنها تفقد القدرة على الرعاية فيترك الخلائف للتربية بالصدفة.

ولما كان يستحيل أن يتحرر نصف النساء ويستعبد النصف الثاني ليرعى الأطفال بات الحل زائفا. والاستغناء عن الأسرة ممكن إذا قبلنا بالنتائج.

والنتيجة التي بدأت تظهر قد تعمم الحل الأفلاطوني: الأطفال الذين ليس لهم حياة أسرية ولا يعلمون من هو أبوهم حتى إذا علموا من هي أمهم.

ولن تتحرر الأنثى ولا الذكر من فاعلية الغايات بالأدوات: قد تتحرر الأنثى من الزوج لكنها لن تتحرر من العشيق ونفس الامر بالنسبة إلى الذكر.

فيكون الهدف الخفي لهذه التغيرات الثقافية مضاعف: الابقاء الشكلي على الاسرة لعلل أداتية ومضاعفتها باللاأسرة لعلل غائية. حياتان متوازيتان.

يصبح الجمال والحب فاعلين خارج الأسرة ويصبح المال والنفع فاعلين في الأسرة. من عقد يجمع بين وجهي الحياة أدواتها وغاياتها إلى فصل بينهما.

لماذا لا بد من الفصل؟

فالعلاقات المبنية على الغايات من دون عقد تكون آنية وسريعة الزوال.

التعاشق الحر من كل التزام متبادل آني وموقت دائما.

لا يكون التعاشق إلا نزواتيا لأنه ومضة سريعة بين جاذبيتين سرعان ما تختفي بعد نيل الارب ومن ثم فهي متنقلة لتصبح من جنس شاهية الاكل المتقلبة.

لا يوحد تعاقد بين المتعاشقين خارج لحظة العشق. ولا يكون ثابتا لأنه ينتج عادة على حركة مغرية أو قسم من بدن مغر أو حتى كلام مغر وكلها مؤقتة.

وفي ذلك ينقسم كلا الجنسين إلى نوعين: الأغنياء من الرجال والنساء والفقراء منهما. فالأغنياء يحكمهم نزوات القادرين فيقدمون السيلان الأبدي.

والفقراء من الرجال والنساء يحكمهم اكراهات العاجزين فيقدمون الجمود الأبدي. والتقابل بين الخيارين يصلهما بصورة خفية هي نتيجة مضطرة حل أفلاطون.

يصبح الاغنياء من الذكور والإناث طالبين للغايات من الإناث والذكور الفقراء: علاقة الجنسين الغنيين لعبة أسرية تحتاج إلى إشباع فعلي من الفقراء.

فيعشق الغني أجمل فقيرة وتعشق الغنية أقوى فقير جنسيا والفاعلية الغائية في هذه الحالة مقتضية دائما الفصل بين السلطانين مهما فعل النسويون.

ولما كان الغني الذي يطلب الجمال لذاته ولا يجده عند الغنية التي تطلب الجنس لذاته ولا تجده عند الغني ممثلين للقسمة الطبيعية بين الجنسين.

وآخر مقالي أن هذه الظاهرة هي السر الخفي لما يسمى سياحة: إنها بالأساس علاج لهذه القضية. فالدافع الاساسي للسياحة جنسي مهما تنكر بالثقافي.

لماذا أكتب في هذا الموضوع؟ إنه ذو صلة مباشرة بما بنيت عليه كل الأكسيولوجيا (علم القيم) والابستمولوجيا (علم العلم): الذوق غاية والعلم أداة.

فللذوق والعلم مستويان:

  1. الذوق غذاء وجنس والعلم طلب لأدواتهما.

  2. الذوق الابداع الجمالي والخلقي لرموزهما والعلم الإبداع النظري لأدواتهما.

وإذن فلا ذوق ولا علم من دون ما بين الجنسين من علاقات لها بعد تواصل النوع (الوظيفة العضوية) وبعد متعته بالحياة (الوظيفة الجمالية) للعلاقة.

والقرآن يعتبر الزوجية مبدأ كونيا لا يخلو منه موجود لأن الوحدانية لله وحده. وهذه الزوجية لها وظيفة عضوية ووظيفة جمالية في كل الموجودات.

وهذا المستوى الاول كوني. لكن المستوى الثاني خاص بالإنسان: أي المستوى الرمزي للعلاقة بين الذوق والعلم والعمل الذي يصلهما فعليا بالغايات.

لذلك فكلامي على النسوية هدفه بيان أن حرية المرأة مطلب قرآني لإعطائها إياها شرطها: الملكية. فبها تكون غير تابعة للرجل وتكون العلاقة تعاقدية.

ولا تعاقد إلا بين متساويين في الحقوق والواجبات. ومن ثم فالقوامة تبادل خدمات وليس علاقة سلطانية. وظيفة الحماية للذكر ووظيفة الرعاية للأنثى.

ولعل الرمز الذي يبين أن دور الأنثى أهم من دور الرجل هو أن الرعاية شرط الحماية وجوديا لكن الحماية هي شرط الرعاية شكليا وذلك حتى عضويا.

فعضويا التناظر حيوان منوي وبويضة. لكن الحمل تسعة أشهر والإرضاع سنتين ليس للرجل ما يقدمه نظيرا إلا دور الحماية والإنفاق. القوامة ليست سلطة.

إنها خدمة مقابل ما تقدمه المرأة ولا يستطيع هو تقديمه. فإذا اعتبر أنها تعطيه سلطة فقد اعتدى على حق الشريك في شرط التناظر الخدماتي للخلائف.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي