لتحميل المقال أو قراءته في ص-و-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
1-عجبنا من حصر الأستاذ حلول مسألة العلاقة بين الجنس والحب (الوجه العاطفي) والنسب والعرض (الوجه الاجتماعي) في عاملين محددين لدور المرأة في الجماعة حصرها في حلين اثنين لاغير وإغفاله بقية الحلول.
2-فقبل أن يواصل الكلام في الموضوع ونحن نشكره ونعرض بقية كلامه: قال: في الحقيقة لم اغفل الحلول الأخرى بل بينت أنها تحيل يزيف هذين الحلين.
3-فالحل المسيحي الكاثوليكي هو النقيض المطلق للحل الأفلاطوني في الظاهر: الزواج الكاثوليكي أي الربط الأبدي بين الجنسين ومن ثم نفي اعتبار الزواج عقدا. لكنه كذلك في الظاهر فحسب.
4-فكان أن تحول إلى الجمع بين الارتباط الأبدي على الورق والانفصال الأبدي في الواقع.”فصل الأبدان” Séparation de corps بسبب حرمة الطلاق وإمكانية العيش مفترقين بدنيا مع الزعم بالرباط الروحي الأبدي.
5-التحيل الثاني الحل الحداثي: الزواج عقد مثل المسلمين وشبه دائم مثل الكاثوليك لعدم الحاجة إلى الطلاق لأنه بنحو ما يفترض الخيانة ضمنا ويحتفظ به لضرورة اقتصادية غالبا أو لمراعاة ظروف اجتماعية.
6-الحل المزعوم حديثا هو في الحقيقة مزيج من الحل الأفلاطوني (مشاعية ضمنية) والكاثوليكي (الزواج الابدي من دون فائدته) والحل الإسلامي (طلاق ممكن). وهو خضوع لثلاث ضرورات متنافرة: رفض المسؤولية. المحافظة لعلة اقتصادية. الطلاق إذا لم توجد العلة الثانية.
7-والسؤال المهم هو: لماذا لا يعترف الحداثي بتشظي شخصيته أي بأفلاطونيته (المشاعية) وبكاثوليكيته (المحافظة على الزواج) وبإسلاميته (الطلاق الممكن)؟ لم ينافق فلا يعترف بالتثليث حتى في حياته الحميمة ؟
8-فلنحلل المهربين لنفهم علة الاقتصار على الحدين المحققين للغرض من علاج المشكلين: أفلاطون ألغى المشكل (مطاريد أفلاطون) الإسلام وضع العَقد. وكل الثورة الإسلامية وقطيعتها مع العصور الوسطى (بين سقوط امبراطورية الاسكندر وبزوع نور الإسلام) تمثلت في إصلاح التحريفين الفلسفي والديني كما بينا سابقا.
9-فلنذكر بمطاريد أفلاطون: خمسة مشكلات يعتبرها أفلاطون حائلة دون تحقيق شروط الدولة العقلية العادلة التي تكون أشبه بالجهاز الآلي الذي يحقق وظائفه بأخلاق فلسفية تقدم الفضائل النظرية على الفضائل العملية : الحس والذوق والثروة والمرأة والفرد.
10-أفلاطون يطردها جميعا من الجمهورية: الحس من المعرفة والذوق من الفنون والملكية الخاصة من الاقتصاد والمرأة من السكن بـالحب والنسب والفرد مع أربعتها لأنه وحدتها إذ هو بها يكون متفردا.
11-الحل الكاثوليكي هو الحل الأفلاطوني في صيغة شعبية (رأي نتيشه في العلاقة بينهما) وذلك بتبني نظرية المطاريد في الوجود الدنيوي وقصره على الحياة العضوية الوظيفية خارج الطبقة الدينية.
12-نفي الحس والذوق بالخرافة ونفي الملكية بالفقر والزهد ونفي الجنس بالعزوبية ونفي الفرد بالتبعية لتلك الأنفاء. والجنس ضرورة عضوية للإنجاب وهو محرم خارج هذه الغاية. الاعتراف باللذة الجنسية يعاب على الإسلام.
13-لذلك يمكن الجمع بين زواج أخروي غير تعاقدي وجنس للإنجاب ولو خارج الزواج (الابناء الطبيعيين) والفصل بين حياتين دينية دون جنس ودنيوية لا يكون فيها الجنس مشروعا إلا للانجاب.
14-وإذن فمسألة المرأة ليست منفصلة عن المطاريد الخمسة: الحس والذوق والمرأة والملكية والفردية. لذلك فمسألة المرأة هي قلب المعادلة الكونية عند الكلام على الإنسان مستعمرا في الأرض بقيم الاستخلاف.
15-ومن يفهم هذه المعادلة الكونية يدرك لما لا يوجد حل أفضل من الحل الإسلامي. سنتكلم لاحقا في الاعتراضات عليه واغلبها تاريخية وليست عقدية.
16-ولنشر إلى النصين القرآنيين الوحيدين اللذين يمكن أن يعترض عليهما وهما غير تاريخيين. هما مسألة الضرب ومسألة الشهادة. وسنخصص لكل منهما محاولة إن شاء الله لنفهم السر فتتبين تفاهة الاعتراض. فما كان الله باللاعب.
17-ما معنى المرأة هي قلب المعادلة الكونية في وضع الإنسان الوجودي Human predicament ؟ فهي قلب مطاريد أفلاطون الخمسة: قبلها مطرودان هما الحس والذوق وبعدها مطرودان هما الملكية والفردية.
18-لن نطيل في تحليل المعادلة لأننا خصصنا لها بحثا بعنوان مطاريد أفلاطون. المهم أن المرأة تمثل عين الحس والذوق في كل المجتمعات البشرية.
19-والمهم كذلك أنه لا معنى لخصوصية الملكية والفردية إلا عندما تتعين في المرأة. فالشيء الوحيد الذي يصعب قبول الشركة فيه هو المرأة. وإذا فقد هذا الشعور فهو الدليل على الإعياء الوجودي: القول بالمطاريد والاكتفاء بالجنس المثلي الذي يغني عنها جميعا.
20-والأمر ليس كذلك باعتبار المرأة موضوع إدراك الرجل وتقويمه. فالمرأة هي نفسها أكثر الناس شعورا بالحس والذوق وبالملكية والفردية وأكثرهم رفضا للشركة في الرجل. ومن يدعي غير ذلك لا يعرف النساء.
21-بعبارة أوضح: المرأة تجسد حي للحس والذوق والملكية والفردية. ومن لم يدرك ذلك لا يمكن أن يفهم شيئا من جوهر المرأة و لم هي جوهر الوجود ولا المنزلة التي يعاب على الإسلام إيلائها لها (من يدرس أهم حجج المسيحيين وحتى العلمانيين ضد الإسلام يفهم : عندهم الرسول والمسلمين مهوسين جنسيا).
22-وليس هذا مجرد إدراك مني لمقومات كيان المرأة -أي إنها كونها عين المطاريد الخمسة متعينة في الوجود الفعلي ككائن حي يحملها جميعا في ذاته ويجسدها- وإن كنت فخورا باكتشافه. إنه مبدأ قرآني خالص.
23-الآية الأولى من النساء تجل بداية خلق البشرية من الانثى وغايتها الأنثى: “من نفس واحدة….رجال كثير ونساء…”. ثم سورة النساء تدور حول بقية المطاريد أي الملكية والحس والذوق والفردية التي هي أهم شروط الحساب يوم الدين.
24-أما ما السر في كون علماء الأمة غافلين عن هذه الظاهرة العجيبة في القرآن الكريم بحيث صار التاريخ تحريفا لحلول القرآن فعلمه عند الله رغم أنه ليس من الغيب المحجوب.
25-وأفضل مثال للتحريف: ما اعتبرته سورة النساء حلا استثنائيا لمشكل التعدد مع بيان عسره جعله الفقه المتخلف بسبب الانحطاط فأصبح التعدد هو القاعدة لمن استطاع إليه سبيلا.
26-كيف تعتبر المرأة التعين الوجودي في كائن حي تعين الحس والذوق والملكية والفردية؟ أعني ما تصوره أفلاطون والمرأة هي المطرود الخامس حائلا دون الدولة العادلة بالمعنى الفلسفي والعقلي؟
27-لست أنا الذي سيقدم الجواب بل التاريخ هو الذي قدمه بعد ونحن نراه بالعين المجردة. لكن فقدان البصيرة يلهينا عنه: ماطلبه أفلاطون تحقق كجهاز دون الغاية فحقق الأخلاق الفلسفية التي ترد الوجود إلى الإدراك.
28- الدولة الأفلاطونية هي جوهر العولمة أو علامتها الأساسية لكونها تحقق مفهوم مطاريد أفلاطون: الدولة هي الآلة أو المكينة التي تلغي الحس والذوق والمرأة والملكية والفردية رغم أن الحداثة تدعي أنها تحرير ذلك كله.
29-وهي في الحقيقة لم تحرر هذه المطاريد لتحقق العدل بل حررت الإنسان منها لأنها طردتها من المكينة: يعسر أن يفهم القاريء هذه الحقيقة. فلنشرح المسألة بمثال في متناول الجميع.
30-وليكن المثال أبلغ مثال ونطلب من القارئ شيئا من دقة الملاحظة ليفهم القصد: مثال السياحة. فالسائح ماذا يفعل؟يبحث عن الاستمتاع بـالحس والذوق والمرأة والملكية الخاصة والشعور بالفردية. هو إذن ذهب ليجد ما فقد: السياحة شهادة فقد.
31-وهو لا يجده. لأن المفقود لو كان ما عنده به إحساس لما بحث عنه بعيدا لأنه محيط به دائما. لذلك تراه وهو يتسوح لا يستمتع به بل يصوره ليحفظه ميتا : فيكون ميتا يجمع صور أموات.
32-يسافر باسرع ما يكون فلا يرى من الطريق شيئا. ويكون عادة في فريق فلا ينفرد بشيء. ويبحث عن الجنس في الغالب خارج ما يعتبره شرعيا. وكل ذلك بعد أن يكون قد مات فعليا.
33-فإذا لم يكن السائح مثل السائح من أثرياء العرب الذين يغرفون من دون حسيب ولا رقيب من مال الشعب فإنه لا يستطيع أن يتسوح إلا بعد التقاعد أي بعد أن يكون قد مات فيه الحس والذوق على الاقل.
34-فجل السواح الغربيين -طبعا منهم قلة هي المافية التي تغرف دون حسيب ولا رقيب من ثروات شعوبها وبالأحرى من ثروات الشعوب المستعمرة مثلنا- ممن مات فيهم الحس والذوق والجنس ولم يبق لهم إلا الذكريات.
35-ليس بالصدفة أن تكون سياحتهم إما جنسية أو لارتياد مقابر التاريخ التي تسمى آثارا وتراثا. الهدف عيش الماضي الإنساني فـي متردم الحضارة: العولمة هي حل أفلاطون دون غايته.
36-ما معنى دون غايته؟ الغاية عنده هي العدل. فهل يوجد عصر صار فيه الظلم هو القاعدة مثل عصر العولمة؟سيعجب القاريء المتعجل: ما علاقة المرأة بكل هذا؟
37-وصفنا وضع المرأة بمقتضى الانثروبولوجيا التاريخية بـ”أمة+معبودة”. العولمة تدعي الصفة الثانية الاولى وتدعي الثانية ولا تطبق إلا الأولى فحسب.
38-في الأقوال المرأة “معبودة” في الأفعال المرأة “أمة”. وكانت في الماضي أمة لوظائف أخلاقية فصارت أمة لوظائف لا أخلاقية لأنها صارت أداة.
39-طبعا سيقول “الجندريون” هذا موقف رجعي يدافع عن الماضي. وهذا حكم غير صحيح عقليا ونقليا. فنقليا مجرد حق الملكية والتصرف الحر التام فيها يجعل المرأة ذاتـا مدنية وسياسية بكل الحقوق والواجبات.
40-وعقليا: إذا كان تحرير المرأة يعني التخلي عن التلازم بين “الحب والسكن” وما يترتب عليهما من الحس والذوق (في الحب المصون) وتربية الأطفال حتى من دون نفي الملكية والفردية فكلامنا رجعي. وهذا النفي ثابت في كل مجتمع ينفي ما تقدم كما نبين.
41-وإذن فالسؤال: هل يوجد حل يلغي نظرية المطاريد الأفلاطونية ويتجاوز فشل الحل الأفلاطوني بشكليه الشيوعي والليبرالي ليحقق منزلة يليق بكيان المرأة؟
42-صحيح أن الحس والذوق يطلبان التنويع لكنهما يطلبان كذلك تثبيت الحواس والذائقة في الحب لئلا يكون الأمر مجرد نزوة. والأطفال ليسوا مسؤولية فحسب بل هم كذلك شعور بما يشبه الخلود.
43-وليس صحيح أن الشيوعية وحدها تلغي الملكية فالليبرالية أيضا تلغيها ولكن بشكل متنكر. فالمالك الحقيقي هو البنك لأن أغلب ما يملكه الفرد في النظام الرأسمالي يدين به كل حياته لبنكه.
44-والفردية لا معنى لها من دون هذه الشروط الأربعة : الحس والذوق الثابتين والمرأة والملكية. من دونها ماذا يبقى؟ نفي الفردية من الفرد نفسه: أي الإدمان على المسكرات والمخدرات هروبا من الوحدة لا الفردية.
45-ومن غابت عنه هذه الحقائق إما لم يعش في الغرب أو عاش في أكاذيب السنما والدعاية الغربية ومقلديهم من شباب البرجوازية الليبرالية العربية التي هي عين “المسكنة والمهانة” الإنسانية.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/