المثالية المنافقة، سكوت العلماء في أنظمة الاستبداد بداية حميدة

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

تهاطلت العنتريات ضد العلماء الذين حاولوا أن يعبروا عن الرفض بالسكوت، ثم فرض عليهم الكلام بما لا يرضون، فقالوا بشيء من المداورة ما يفيد الرفض. وهؤلاء هم القلة التي صمدت قدر المستطاع، فانصب عليهم جام غضب كل المطبّلين للأنظمة العسكرية والانقلابية والباطنية و”المقاومة” الغازية للسنة.

موقفي من العلماء معلوم. لذلك فلن يتهمني أحد بأني أدافع عنهم. لكنهم مثل النخب الأخرى، لا يستحقون هذا الهجوم الظالم وعديم الصدق في خدمة الأمة.

فليس قصد الحملة نقد من لا يلتزم بما توجبه رسالته، لأن ناقديهم هم أول الخائنين لرسالتهم: فنقدهم لا ينصب إلّا على من بقي صادقا من العلماء.

وليس الناقدون منتسبين لصف الثورة، بل هم في الغالب من صف الثورة المضادة أو من صف مليشيات القلم والسيف، الخادمين لإيران وإسرائيل وتوابعهما.

والمعلوم أن درجات مقاومة الاستبداد والفساد، بالنسبة إلى أي مواطن وليس العالم وحده، خمس. ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا، القلب واللسان واليد، ثم النقلتان.

تبدأ المقاومة برفض القلب الذي يتطور تراكميا، فيصبح شجاعة للرفض باللسان. ثم يتطور كيفيا ليصبح استراتيجية ثورة باليد. وإلا فهي الفوضى في الجماعة.

والرسول ذكرها معكوسة، لأنه انطلق من أمة كانت فيها المقاومة فردية وإصلاحية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الاستبداد والفساد لم يعم.

بدأها بالدرجة القصوى، اليد. ثم ثنّى بالأدنى منها، اللسان. وختم بالأقل الممكن في حالة الضعف أي بالقلب. وصادق العلماء هذه حالهم. فأجبروا على الكلام.

ولوكان نقدتهم صادقين، لتساءلوا عن علة هذه الحال بدل لوم صادق العلماء المساكين. واخص صادقهم، لأني أعلم أن غالبيتهم من جنس ناقديهم اشتروا الدنيا.

وسأنطلق من رابعة في انقلاب السيسي، وسجون البلاد العربية بمن تمتلئ في مقاومة الاستبداد، وجبهات الجهاد من يعمرها ضد الغزو الصفوي والصهيوني.

وقبل ذلك فلنسأل عن حركات التحرير من قادها؟ ومن قاوم جيوش الاحتلال؟ وكيف كانت الشعوب تتبع القيادات الدينية التي هي من العلماء بمنطق العصر؟

وتكفي نظرة واحدة لمظاهرات الامس في مصر السيسي. بسرعة نرى أن المتظاهرين ليسوا من العلمانيين والليبراليين، لأن الشعب لا يسمع لهم وهم جبناء.

هذا إذا لم يكن صياحهم للاندساس في المقاومة الحقيقية عندما يجد الجد. ذلك أن ساحق غالبيتهم لا يؤمنون بغير الفاني، علة الجبن والحسابات الأنانية.

ومن لا يؤمن إلا بالفاني، ويكثر الحساب المصلحي، لا يمكن ان يصمد أمام طغيان الاستبداد. لأنه هو بدوره أكثر من أصحابه فسادا بعبادة الهوى والدنيا.

الحرب على الأقلية الباقية من صادق العلماء في البلاد، التي يستبد بها أجهل خلق الله، ليس صادق القصد. لأن صاحبه يغفل ظروفهم بمثالية منافقة.

فيزعمون أن العالم بحق ينبغي ألا يتخلى عن المبدأ ولو مقابل حياته. لكننا لم نر الكثير من أصحاب هذه المثالية المنافقة تحرك ليحول دون رابعة.

وما كانت رابعة تحصل لو لم يكن هؤلاء المنافقون أول المطلبين لمن أقدم عليها ولمن مولها ولمن بررها ولمن أراد أن يعممها على كل أقطار الربيع.

والتعليل يعود إلى نوعي الاستبداد اللذين اعتبرهما ابن خلدون علة فساد معاني الإنسانية في الجماعات البشرية: نظام الحكم ونظام التربية.

كيف يسمع الناس لمعلق مصري أو تونسي حول سلوك العلماء واتهام اخلاصهم، خاتمين في أصبع صبي غبي يمول الانقلاب السياسي أو باطني الانقلاب الديني؟

لكن لا عجب. فجل المعلقين ليسوا إلا من كتبة التقارير للداخليات، وهم إذن من أدنى مليشيات القلم الذين بهم تمت السيطرة على عقل الشعب المسحوق.

فالعلماء كانوا قادة للشعوب لما كانت التربية بأيديهم. وكان الحكام عاجزين عن السيطرة على المواطنين لأن الأرزاق لم تكن بأيديهم وليس لهم حماة.

تغول الاستبداد وتحكمه في الأرزاق، أرزاق العلماء (بالقضاء على الأوقاف) وأرزاق الشعوب (بالقضاء على المجتمع المدني المنتج)، ثمرة للعلتين.

فسيطرة الحكم على الأرزاق، امتدت إلى التربية والعلماء الذين صاروا موظفين عند المستبدين والفاسدين. لهذا يريد الغرب اتمام السيطرة على التربية.

والحكام بعد أن أفسدوا الرزق المادي (الاقتصاد)، أفسدوا الرزق الروحي (التربية) فجعلوهما تابعين للاستبداد والفساد: فصاروا تابعين للمافيات.

لم يبق في بلاد العرب شيء من الصمود غير محاولات العلماء المحافظة على أهم مقومات التربية التي تحافظ على شروط المقاومة والحفاظ على الذات

الصادق منهم يحاول بما يقدر عليه، تنشئة الشباب على العزة والروح الإسلامية. وليسوا مطالبين بغير ذلك. ولولاهم لصار الجميع عبد هواه، وغايته دنياه.

ولعلهم آخر خط دفاع على القيام الروحي المستقل في الحرب اللطيفة التي تسلط على الأمة من الداخل والخارج: وهي كلها صادرة عن الفتنتين.

محاربة العلماء مصدرها ملالي إيران وميلشياتها العربية وسندها الروسي، وملالي إسرائيل وميلشياتها العربية وسندها الأمريكي والاستبداد العربي

والتنافس على الكراسي بين الورثة المحتملين في بلاد العرب، يحسم في عواصمهم الأربعة: ومعيار الاختيار حرب على مقومي الذات: السيادة والإسلام.

فملالي إيران وملالي إسرائيل يرشحون بتقدير أولي. وحكام روسيا وحكام أمريكا يختارون بتقدير نهائي: المقبول أكثر من يفرط في السيادة ويحارب للإسلام.

ورغم موقفي المعلوم من جل العلماء، فإني أدافع عن القلة التي سكتت-مقاومة بالقلب-حتى وإن أرغمت لاحقا، فاُنطِقت بغير ما في قلبها: رسالة الرفض وصلت.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي