الماريشال “دَمَّار” – علي بن عياد ومسرحية المشهد السياسي التونسي

ه

الماريشال “دمار”

مشهدان ذكراني بمسرحية المبدع علي بن عياد رحمه الله -الماريشال- لأنهما يمثلان دور “حسن وحسين” أو الرئيس ورديفه.

لكن الفرق أنهما يمثلان طرفي المشهد بالكوميديا والتراجيكوميديا.

فأحد المشهدين يضحك.

والثاني يبكي.

يلعبان منفصلين بخلاف حسن وحسين في الماريشال ولم ينقص إلا دوجة.

لكن وجه الشبه هو اشتراك الرئيس ورديفه في استعمال الطبل اللساني والكلام “المرزي” الذي لا يصدع الآذان بل العقول.

ولم يشدني من “تطبيل” حسن وحسين البارحة إلا جملة من كل مشهد ما كنت لأسمعهما لولا أن دعاني ابني نزار يعرب إلى الفرجة في اخراج ما جادت به قريحتهما على بلاتوهات اعلامنا “المناضل” الذي اتجنب السماع اليه لأني اشعر عند سماعه بما يقزز أي إنسان سوي يذوق آداب الحوار وأخلاق الخطاب:

1-فأما الجملة الأولى فيه فهي التي قال صاحبها في كلامه على القضاء: “القضاء المستقل – حتى لا أخطئ فأتكلم على الاستقلالية فيصلحني فراهيدي قرطاج – خير من ألف دستور”.

2-وأما الجملة الثانية فيه فهي التي شكا صاحبها مهدد النخب بـ”تلميدهم” في ثلاث حافلات بأني في خطابي للرئيس بخصوصه “أدعو لمنع حرية الفكر”.

وما كنت لاتكلم في هذه الجملة الثانية إذ جوابها يكفي فيه عبارة “إذا لم تستح فافعل ما شئت” لولا علاقتها بحرب معلنة على الانتقال الديموقراطي بدعوى سوء الأوضاع. الدعوى التي يشترك فيها مع القائلين كنا أحسن قبل الثورة وهو يريد اعادتنا إلى خرافات ما قبل الماقبل أي إلى أنظمة الشعوب البدائية وأوهام المجالسية التي لا تختلف عن “ميعاد” التنظيمات القبلية.

فمن يهدد بأخذ النخب عامة والمثقفين “الذين لا يصلون إلى كعبه” في الفهم والتحليل إلى “الجولاج” صار مفكرا وصرت أنا – الذي ينسى اسمي ربما لأنه يقض مضجعه – أسعى لحرمانه من حرية التفكير لأني لم اقرأ مشروعه العملاق.

《إطار هذه المسرحية》

ما كنت لأخاطب هذا الـ”مفكر الكبير” الذي ينوي تغيير العالم أصلا لو لم يتكلم باسم الرئيس.

لو كتب بحثا “علميا” لعرض افكاره مثلا لكان آخر من يجلب انتباهي بمثل هذه الخرافات الساذجة التي أكل الدهر عليها وشرب.

فلا تعنيني خواطر من تجمد في مرحلة من مراهقته فلم يغادرها لأني واثق أنه حتى وهو متفقد عام لم يقرأ شيئا يذكر رغم زعمه التخصص في القانون لأنه مثل رئيسه لم نسمع له رايا علميا واحدا نشر في أي مكان يقبل منهما بما ينتجانه إن صح أن لهما انتاجا في القانون العام أو الخاص يعتد به.

كل ما في الأمر أني دعوت الرئيس ليؤكد أو لينفي هذه العلاقة.

واعتبرت ذلك من مقومات احترامه إرادة الشعب ممثلة بدستوره الذي اقسم على احترامه حتى في حالة تعديله لان الدستور حدد شروط تعديله.

دعوته للتبرؤ منه لئلا يعتبر ما يسميه مشروعا سياسيا ثوريا هو ما يريد ركوب الرئيس لفرضه بأجهزة الدولة فيجعلها أداة طيعة.

ومن ثم فقد يكون الأمر متعلقا بنفس الطريقة التي أوصلت إلى الرئاسة أعني ما لا يخفي هذا “المفكر” الدعي لنفسه من دور في نجاحه.

وهو علة تشكيكي في شرعيته التي اعتبرها بحاجة للإثبات بالأفعال ولا يكفي فيها الأقوال حول دولة القانون ومجتمع القانون دون فهم عميق لدلالتهما كما سأبين هنا.

خاطبت الرئيس داعيا إياه للالتزام بما يفرضه الدستور حتى لو كان له نية تعديله.

ولم أدع لمحاكمته عامة بل قلت إن ذلك سيؤدي إلى محاكمته إذا ثبت ماديا أن هناك نية لاستعمال الشارع من أجل تغيير النظام السياسي بنفس الأسلوب الذي استعمل لنجاحه عديم الشفافية.

ولست ممن ينكر أن الدستور التونسي مهزلة.

ولم أنتظر سعيد ولا “الفيلسوف” الدعي حتى أقول ذلك.

بل قلته خلال اعداده وبعده وحتى يوم احتفلوا به مؤخرا.

وكتبت في ذلك وحاضرت في تونس وخارجها لبيان فساد الاختيارات التي حرر الدستور في ضوئها.

ولو كان الرئيس حقا يريد الإصلاح لسارع بإصلاح قانون الانتخاب.

وبين يديه مقترح بصرف النظر عن دوافع اصحابه يعد خطوة جيدة نحو تجويد شروط التمثيل النيابي الذي يمكن من الحصول على اغلبيات تتداول على الحكم بشرعية أفضل.

وليس سعيد أول رئيس أعارضه بمقتضى حقي كمواطن ومسلم أومن بأن مراقبة الحكم فرض عين.

فلما مرض بورقيبة لم أخف بل أعلنت أنه لم يعد صالحا للحكم وخاصة بعد أن فشلت تجربة التعاضد.

والرئيس ابن علي كذلك لم أخف موقفي من شروط شرعية التمديد له لعلمي بأن الانتقال الديموقراطي الذي وعد به عسير التحقيق ولعلمي بان النخبة البورقيبية انقرضت.

فلما طلب التمديد كاتبته – ونشر النص على الملأ ولم أخفه وطلب مني وزير التعليم العالي حينها تلخيصه ليعرضه على الرئيس فلم أقبل لأني نشرته – محددا الشروط التي عليه الخضوع إليها لنمكنه من فرصة الوفاء بوعده يوم انقلب على بورقيبة بحجة الانقاذ والديموقراطية.

فإذا كان يريد تحقيق ما وعد به ولم ينجزه في ما سماه إنقاذا فالشروط الخمسة التي وضعتها حتى يتكون جيل من السياسيين بعد انقراض بناة الدولة الوطنية

▪︎ الخروج من الحزب ليصبح رئيس الجميع

▪︎ والعفو التشريعي العام

▪︎ وتمكين اربعة أحزاب اخرى من العمل

▪︎ ▪︎ الإسلاميين

▪︎ ▪︎ واليسار

▪︎ ▪︎ والقوميين

▪︎ ▪︎ والليبراليين

▪︎ والحد من الرئاسوية بإنشاء غرفة ثانية مثل مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة.

وهي الشروط المطابقة لما يراه أي إنسان يؤمن بأن الشعب التونسي ناضج لقيادة نفسه بنفسه.

ولم يعد للدولة عذر ما واجهته القيادات بعد الاستقلال لأن المدة كافية لنشر الوعي.

ولم يعد ما يخيف من التعددية.

لكن المناشدين فعلا ارادوا اعتبار ذلك مناشدة قيسا لغيرهم على أنفسهم.

فجعلوني لهذه العلة واحدا منهم لكأنهم كانت لهم الشجاعة للاشتراط على من كانوا يطبلون له.

فجعلوه فيلسوف أخلاق أوقائد ثورة هادئة.

وما كنت لأشكك في شرعية سعيد لموقفه من الدستور – رغم أنه كان المستشار الأول لإعلام عبد الوهاب عبد الله خلال كتابته – إذ كان مدعوا يوميا تقريبا للتعليق بنفس الثرثرة التي يواصلها حاليا عندما ينطق – بل وحتى لأهل الحل والعقد في كتابته بشهادة من فكروا في “توزيره” في حكومة الترويكا – لو ثبت لدي أن الشعب التونسي وشبابه على ما يزعمون قد اختاروه فعلا دون خدعة ما هي علة تشكيكي.

فليس عندي اعتراض على الإرادة الشعبية إذا تأكد لي – وهذا حقي كمواطن – ولا أدعي النخبوية لئلا “يلمدني” رفيقه في “كميوناته” مثل عاملات الزراعة المستعبدات في عهد حرية المرأة يوم يصبح ذا سلطان- أنها فعلا كانت إرادة حرة ولم يقع التلاعب بها بصورة من الصور راينا

▪︎ في بعضها يد مافيات إيران ومليشياتها

▪︎ وفي بعضها الآخر يد مافيات روسيا ومليشياتها

في الإقليم وحتى في أمريكا

بسبب ما شابها من عجائب وغرائب لا يمكن أن يفسرها

▪︎ لا كراهة القروي

▪︎ ولا طهارة سعيد ونظافته المزعومتين.

《جملة “حسن”》

فلماذا كانت جملة الرئيس التي انتخبتها مضحكة حقا؟

رأيته بنفس الأسلوب السمج يعامل الحاضرين حوله وكأنهم تلاميذ في الابتدائي جالسين أمامه وهو يشرح لهم عبارة “القضاء المستقل – مع إصلاح الخطأ اللغوي بخصوص الاستقلالية – خير من ألف دستور”.

وهذا كلام لا يقوله عاقل وخاصة إذا كان يدعي الاختصاص في القانون الدستوري.

وذلك لعلتين:

1-فأولا لا يوجد قضاء أصلا – مستقل أو غير مستقل – من دون دستور مناسب لحال الوعي الجمعي الخلقي والسياسي أعني لما تناساه متعلمو الحجامة في رؤوس اليتامى الذين صاغوا الدستور المسخرة.

ففي بلد ليس له بعد ثقافة ديموقراطية اختاروا النظام البرلماني الذي لم ينجح إلا نادرا ليكون أداة حكم ناجع أعني وظيفة الدستور عند من يفهم معنى دستور.

ومن ثم فالقضاء مشروط بالدستور الصالح ليكون مستقلا. فهو في كل الأحوال ليس سلطة سياسية بخلاف ما يتوهم القائلون بالسلط الثلاث.

القضاء سلطة “معرفية” وليس سلطة سياسية.

ووظيفته تنزيل القوانين على الوقائع الخاضعة لها بالتأويل تنزيلا يعير الأفعال

▪︎ بما يعبر بقدر الأمانة

▪︎ أو لا يعبر بقدر عدم الأمانة

عن إرادة

▪︎ الأمة الحرة في الديموقراطية

▪︎ أو المضطرة في ما ينوي هو ورفيقه وضعه بديلا من الدستور الحالي على رداءته.

فالوقائع الجارية بين البشر لا تصبح موضوع وصف قانوني وحتى خلقي إلا بعد أن تكون الجماعة قد وضعت هذه القوانين أو القيم الخلقية لأنها قبلها تكون كما وصفها الغزالي في المستصفى على النفي الاصلي أو على البراءة الأصلية أو من المباح بالمعنى الفقهي قبل أن يلغيه بلداء الفقهاء فجعلوا الأشياء مردودة إلى الحلال والحرام فقط.

2-وثانيا فالقضاء لا فاعلية له بذاته سواء كان مستقلا أو غير مستقل.

فأي حكم يقضي به القاضي بوصفه حكما بين المتنازعين لا أثر له خارج نص الحكم ما لم يكن منفذوه – وهم غير القضاة اي عادة السلطة التنفيذية بجهاز الأمن – ملزمين بتنفيذه لوجود ما يحول دون تعطيله أو تحريفه.

ولهذا الحائل ضربا وجود:

▪︎ أولهما هو القانون الأسمى أو الدستور والمرجعية الروحية والخلقية للجماعة.

▪︎ والثاني هو القوة السياسية الشرعية التي تفرض تطبيقه السلطة التنفيذية بمراقبة المعارضة والرأي العام.

وهو ما يعني أن الشعب بمقتضى مرجعيته الروحية والخلقية وبفضل قواه السياسية الصالحة يفرض حفظ دولة القانون التي هي شرط العدل في الجماعة .

وتلكما هما شرطا الحكم في القرآن الكريم بمقتضى الآية 58 من النساء.

ومن ثم فلا صلاح للقضاء ولا استقلال من دون هذين الشرطين.

لكنه هو ورديفه يريدان إلغاء القوى السياسية أي الأحزاب وتعويضها بما يسمونه السلطة المباشرة التي تجعل الجماعة عديمة الوازع الخلقي والقانوني لأن السلطة كلما اقتربت من شكل الوجود المباشر صارت نزواتية وفقدت الرشد العقلي.

فالمعلوم أن هذه السلطة المباشرة كذبة كبرى.

وهي تحول ما كان تمثيلا فعليا بين النائب والشعب بانتخاب مباشر إلى تمثيله بانتخاب غير مباشر متعدد الدرجات بحسب مستويات التوزيع الجغرافي للوحدات الدنيا صعودا إلى السلطة المركزية.

فتكون حقيقتها نكوصا إلى الصراعات البدائية التي ترتد إلى القبلية والعروشية والصراع الدائم على سلطة خاوية ليس لها وظيفة تمثيل الإرادة الراشدة بل النزوات البدائية.

ولذلك فقد كانت ولا تزال في كل التجارب التي طبق أي شكل منها أداة لتزييف إرادة الشعب الذي يخاطبه مستبد مباشرة بوصفه زعيما تكون هي “قوادة” مخابراته.

وكلما نزلنا إلى المستوى الأدنى من الجماعة كلما سهل شراء الذمم.

لذلك فمن الطبيعي أن أضحك لما أسمع “التفاقه” بلغة رديئة يظنها صاحبها والمطبلون له فصاحة.

وهي فعلا عين الـ”قباحة” اللغوية في أساليب الخطاب الذي يمكن مقارنته بكلام الروبو المسجل في “المغازات” أو في المطارات والتي ليس فيها أدنى روح الكلام الحي لأنه جمل ليس فيها غير التقعير الثقيل الذي لو سمعه أحد بلغاء العرب لنتف لحيته.

《جملة الحسين》

أمر الآن إلى جملة الحسين بعد جملة الحسن.

واعترف أني إلى الآن لم أفهم علة اختيار علي ابن عياد هذين الاسمين رغم مناسبتهما لما يذكرني بالفتنة الكبرى التي تنسب ظلما لابني الإمام رضي الله عنه – وخاصة للحسن صاحب النظر البعيد والراي السديد للحفاظ على وحدة الأمة – لكونهما ضحية خبث ما صار له ورثاء في الصهيونية والصفوية بعد أن وظف مأساتهما أعداء الأسلام من صفوية العرب وصهيونيتهم منذ ذلك الحين فاسسوا الباطنية التي تنوي تهديم الإسلام.

ولهذه العلة أبدلت عمار اسما للماريشال بـ”دمار”.

فالرجل يقدم مشروعا لتهديم الدولة فيحرف شعار الشباب الذي أراد تغيير نظامها لضمان الحرية والكرامة لا تهديمها لنفيهما بوهم الحكم المباشر الذي هو استعباد للشعب. فالمشروع المزعوم سيكون فيه

▪︎ لينين تنكرا لستالين

▪︎ وسعيد تنكرا للخميني.

وهو لا يخفي ذلك إذ يتكلم باسم رئيس الدولة ويعتبر ذلك فكرا ويزعم أني ضد حرية الفكر رغم أنه في الأسبوع الماضي توعد النخب كلها حتى وإن لم يقصدني من بينهم بالاسم كما فعل ليلة البارحة.

يتوعدهم بالجولاج بعد “تلميدنا” في ثلاث حافلات وطبعا لن تكون مكيفة بل هي ستكون “كميونات” لا تليق حتى بالحيوانات.

وما أعجب له أنه دعاني لقراءة مشروعه لأتكأد بأن فكرة “الانقلاب الشارعي” لا توجد فيه وبأن الحشد الشعبي لا يكون إلا مسلحا وأن حشده غير مسلح لكأن الاتحاد واليسار المحنط مثله في مراهقة من ثقافتهم لا تتجاوز الكتاب الاحمر لم يسقطا الترويكا بالشارع والحشد الشعبي غير المسلح إلا لأن الدولة كانت هي بدورها غير مسلحة أو عاجزة عن تطبيق القانون لمنع أيقاف دورة العمل والإنتاج بالإضرابات العامة وغير العامة والخاصة حتى وصلت إلى ما يعد بالآلاف:

وهو المقصود بالانقلاب الشارعي بالحشد الشعبي

فضلا عن كون من كان يحركهم استعمل السلاح

وهو الارهاب الذي استعملوه ومولوه لهذه الغاية

وحتى الاغتيالات التي حصلت

وهي لا تقتصر على “الزعيمين”

بل أيضا كل الذين اغتيلوا بالسموم التي أوقفت قلوبهم وهم كثر.

طبعا قرأت بعض نتف من مشروعه الثوري فوجدتها دون الكتاب الأخضر الذي يعد أمامها إبداعا عبقريا.

وطبعا لم أكن انتظر أن يكون الباطني شفافا فيعلن عما ينوي فعله لتحقيق مشروعه بصورة موجبة. لكنه فضح نفسه لما أعلن عن منع ضديده بصورة سالبة. فإذا كان يعتبر كل النخب عامة والنخب السياسية خاصة “الشكارة والبحر” فلا بد أن البديل هو الانقلاب إما العنيف أو اللطيف بالحشد الشعبي الذي يصفق للزعيم البطل ويكون الكل قواد على الكل لمخابراته واستلاماته “شعب” البصاصين بالمصري وحتى بالتونسي.

فالانقلابات التي من هذا النوع لها أسلوبان لا ثالث لهما.

وكلاهما يمكن أن يكون رديفا للثاني.

فتكون الأساليب عند الجمع بين الأسلوبين بتبادل دور التابع والمتبوع خمسة هي أساليب كل دكتاتورية في كل التجارب التي عرفتها البشرية عامة ونحن اهل هذا الأقليم خاصة:

1-انقلاب عسكري مباشر وخالص.

2-انقلاب شارعي مباشر وخالص.

3-انقلاب عسكري يعتمد على تحريك الشارع لفائدته.

4-انقلاب شارعي يعتمد على تحريك الجيش لأنجاحه.

5-وأصل ذلك كله هو العلاقة المباشرة بين المستبد والغوغاء التي يسميها شعبا.

ووصف الظاهرة لم ينتظرني:

فأفلاطون وأرسطو وابن خلدون بعدهما فلسفيا والرسول الخاتم دينيا يعتبرون الحكم الراشد هو الحكم الذي يتحرر من مثل هذه الحالات بتربية الإنسان على قيم الرشد في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل على علم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المؤمنين الذين يعملون صالحا.

والفرق يعلمه كل من يميز بين الجماعات التي تشجع لعبة الكرة مثلا وبين الهوليجانز.

فهؤلاء من اولئك لكنهم غوغاء ليس العقل هو الذي يقودهم ولا الرشد بل العاطفة العمياء التي يمكن للاعب ماهر أن يغريهم بحرق المدينة إذا خسروا “طرحا” في مقابلة رياضية.

وكل المستبدين يعاملون الشعوب بهذا الأسلوب.

ولا اخالفه في وصف النخبة السياسية الحالية.

لكن الكشف على الداء لا ينبغي أن يؤدي إلى قتل المريض بل الهدف هو علاجه.

فصحيح أن النخبة السياسية في تونس تقدم لنا مسرحا أفضل من وصفه هو علي بن عياد في مسرحية الماريشال.

لكن ابن عياد عرض حالة واحدة من “ماريشال ودوجة”.

ولو أمد الله عمره فعاش بيننا بعد الثورة لجعل لكل حزب تونسي مسرحية “ماريشال ودوجة” خاصة به.

وذلك لعلتين كذلك:

1-فجل الأحزاب التونسية يرأسها في الحقيقة “عمار ودوجة” وهي في خدمة مافية وراءها سفارة أو جهاز استخبارات تماما كالماريشال عمار ودوجة اللذين كانا خدما للاستعمار.

وبقيا يعيشان على تصور كل كابورال نفسه ماريشالا ككل ماريشالات العرب الحاليين الذين لم يخوضوا اي حرب ولم ينتصروا في أي حرب لكن نواشينهم تملأ صدورهم.

2-وجل الأحزاب التونسية تتألف قياداتها من “عمار ودوجة” بعضها علنا وبكل ضجيج والبعض الآخر خفية وبصمت. وعدد الماريشالات ذوي الاوداج ومعهم عدد من الأدواج ذوات الاغناج من علل ما نراه من فوضى كما يتجلى ذلك في مسرحية تشكيل الحكومة التي هي المسرحية الجامعة للماريشلات وأدواجهم.

ولما كان للأدواج دور بعضه علني وبعضه خفي مع العمامر فإن تشكيل الحكومة ينبغي فهم كلمة “تشكيل” فيه بالتونسية وليس بالعربية.

لذلك فمن لم يبكه هذا المشهد على تونس فما أظنه جديرا بالانتساب إليها – ولا غرابة فحكامها ليست جنسيتهم إلا من مستعمرها وله ولاؤهم بدليل سلوك وزير تعليمها العالي بمربطه الخالي – تونس التي يشكو “مفكر” الرئيس من حرماني إياه من حرية الفكر في مشروع سيغير به العالم لأنها امبراطورية عظمى تستطيع ما تعجز دونه أمريكا والصين والهند والبرازيل وسينجح متخلفان بجعلها تقود العالم بفكر المراهقين الذين يستعملون “كونسابتوات” لا يعون أدنى حد من دلالتها.

ولا أحد يمكن أن ينكر أن في ذلك وجه شبه لا يخفى على أحد مع صاحب الكتاب الأخضر.

فهذا واضح للعيان حتى وإن كان الوهم في حالته قد يكون مقبولا ليس بسبب ثروة النفط وقلة السكان فحسب بل لأن ذلك كان قبل الثورة التي خرجت بفضلها شعوب الأقليم من الاستثناء التاريخي الراهن.

لكن هذين الرجلين يصح وصف وهمهما في تونس بما طبقت عليه سابقا المثل الشعبي القائل”باش تنفخ النار يا بو شرمة”.

ففي بلد عاد من جديد للحماية و للكوميسيون المالي يحاول هذان المراهقان في سن قربت من ارذل العمر ليجعلا تونس منبوذة من العالم كله إذا ما استثنينا الملالي وعبيدهم من العرب.

فيا خيبة المسعى.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي