لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله القوى المتصارعة معادلتها الاستراتيجية في قلب دار الاسلام
وصفت كلامي على العلاقة بين الخصوصية والكونية بالاستطراد الفلسفي في بحثي حول المعادلة الاستراتيجية لإقليمنا في اللحظة الراهنة بوصفه قلب دار الإسلام. لكنه ليس استطرادا في الحقيقة لأن المعادلة الاستراتيجية خصوصية لكن درسها كوني بمعنى أن درس الخصوصية ليس خصوصيا بل كوني.
لذلك وقبل أن أعود إلى المعادلة الاستراتيجية علي أن اختم بتفسير هذه المقابلة الناتجة عن عدم التمييز بين خصوصية الموضوع وكلية علمه. وهي إشكالية أرسطية لم يتجاوزها أحد قبل ابن خلدون في العمل وابن تيمية في النظر. فثورة ابن خلدون الحقيقة ليس جعل التاريخ فلسفيا بل جعل الفلسفة تاريخية.
فلأول مرة في تاريخ الفلسفة صار التاريخ فلسفيا بفضل جعل الكلي تاريخيا وليس ثابتا كما كان في فلسفة أرسطو أفلاطون: هو حصيلة تطور المعرفة الإنسانية بوصفها تراكمية نقدية لذاتها ومن ثم فالكلي أو المشترك الإنساني في المعرفة العقلية هو الفرضية الأساسية في العلم: التدرج نحو كلية القوانين.
ومن ثم فالمقابلة بين الكلي والجزئي ليست من نفس المستوى. والتمييز بين هذين المستويين هو ثورة ابن تيمية: فهو يؤكد أن المعرفة الكلية والضرورية لا توجد عقليا إلا في المقدرات الذهنية ودينيا إلا في المعقدات الإيمانية. لكنها في الوجود الخارجي جزئية دائما سواء كانت عقلية أو دينية.
والعلم الإنسان في الحالتين يجمع بين كلي المقدرات الذهنية (في المعرفة العقلية) وكلي المعقدات الدينية (في المعرفة الإيمانية) وجزئيهما فيكون في الأوليين كليا وكونيا ويكون في الثانيين جزئيا وعينيا. والكونية تخص القوانين المطلوبة أو صورة المعرفة والخصوصية تخص الموضوع أو مادة المعرفة.
ولهذا ضربت مثال السيارات في البلاد التي عرفت بصنع أفضل أنواعها: فهي كلها تعمل بقوانين كلية وتتعين في أساليب مختلفة. القوانين الكلية هي مطلوب العلم (الميكانيكا وشروط تلاؤمها مع موانع الحركة في المكان: الآيروديناميك) الأساليب خصوصيات ثقافية يمكن درسها وهو أيضا كلي.
في حالتنا: القوانين الاستراتيجية كلية لكنها الوضعيات الاستراتيجية جزئية خصوصية. ومن ثم فعلمها كلي وكوني رغم أن موضوعها جزئي وخصوصي. ولما كان الكلي هو بدوره تاريخيا فتاريخه كوني وكلي. ومعنى ذلك أن كل من يريد أن يعود إلى حال العلم الوسيط بدعوى الخصوصية الحضارية غبي.
لا أحد اليوم يصل به السخف إلى رفض الطب الحالي والتداوي بطب ابن سينا. ولا أحد اليوم يرفض علم الفلك الحالي ويرجع لخرافات ابن رشد في الفلك. إلخ إلخ.. وهذا يصح أيضا على الكلام في علم الاخلاق وفي علم تنظيم المجتمع والحياة السياسية والمدنية وحتى الروحية. تلك هي شروط الاستئناف.
والحصيلة أني سأتكل في الوضعية الاستراتيجية التي هي خصوصية كلاما ليس خصوصيا بل هو كلي بمعنى أنه يبحث في القوانين الكلية التي تحكم الاستراتيجية حتى وإن كانت الوضعية خصوصية بما هي موضوع البحث: تاريخ العلاقة السلمية والحربية (وجها السياسة الداخلية) في كل مجموعة وبين مجموعات الإقليم.
والإقليم يتحدد بما بين أحياز مكوناته دولا وجماعات متنافسة عليها: أي
الجغرافيا ببعديها
الثروة السبيل إليها
والتاريخ ببعديه
التراث والسبيل إليه
وما يجعل المرجعيات الروحية فيه متواصلة ومتفاصلة تواصلا وتفاصلا يحيل إلى أصل واحد سواء كان نقليا أو عقليا.