أطلت الكلام في النصين الاخيرين
معايير الرشد في سياسة أي جماعة لامرها
ووظائف قوامة الدولة
لأن الأمر يتعلق بشرطين في كل استراتيجية ناجعة
لمقاومة الاستبداد:
هو فهم معنى استراتيجية سياسية تعتمد المطاولة
وذلك هو موضوع النص الاول.
وهو فهم معنى مقاومة الاستبداد في العصر الحديث
وذلك هو موضوع النص الثاني.
ومن دون هذين الامرين
يمتنع أن اتكلم في استراتيجية المقاومة
التي تحمي القضاء
وتستعيد سيادة الشعب التونسي وحكمه لنفسه بنفسه
أي تخليصه من الدمية ومليشياته التي اخترق بها
جهازي القوة العامة ليفرض سلطانه الأحمق.
والمهمة يسيرة الآن
لأن المخاطبين بما اريد تقديمه كلهم
حاصلون على مستوى فكري وتكوين سياسي
يجعلهم أهلا لقيادة صمود الثورة كلها
وليس القضاء فحسب
لأن فرصة التطابق بين الأمرين فرصة تاريخية
ترشحهم لهذا الدور فيجمعون بين الحسنيين:
حماية القضاء وحماية الانتقال الديموقراطي.
لماذا هي فرصة لا تتكرر؟
لأن الخيارات السياسية يعسر أن تتحد في جسم كبير
مثل جسم القضاء بكل هيآته إذا بقيت عامة
ولا تمسهم في “اللحم الحي”
أي إذا لم “يعفسوا” نفس النار التي تقوض
منزلتهم الخلقية وليس المادية فحسب:
وحدة اغلبيتهم مفروغ منها ولا يستثنى منهم إلا الاراذل.
إذن كلامي لن يطول
لعدم الحاجة إلى تكرار ما ورد
في المقالتين السابقتين اللتين تتوجهان للشباب
الذي يستعد لحمل المشعل في استكمال البناء الديموقراطي
من كل الطبقات والفئات والخيارات السياسية.
كما أن كلامي لن يتعلق
بوظائف الرعاية الخمس على أهميتها
أي التربية والعمل
والانتاج الروحي (الثقافة العلمية والذوقية)
والانتاج المادي (الاقتصاد المادي والمعرفي)
والبحث العلمي.
فهذه ليست موضوع اليوم.
موضوع اليوم يتعلق
بوظائف الحماية الخمس التي يعتبر
القضاء أولاها وأهمها على الاطلاق:
فهو شرط الحرية والكرامة المحددتين لمنزلة الإنسان
فردا وجماعة في نفس الجماعة القانون الوطني
وبين الجماعات القانون الدولي.
وهو شرط سد الحاجات بنوعيها
لأنها من دونه تصبح علة الفساد في الارض وسفك الدماء
صفتين للإنسان المتوحش الذي لا يردعه رادع.
والشعوب المتحضرة
حصنت وظائف الحماية بمنع أي تدخل فيها إلا
بإذن من ارتضته بحرية لقيادتها:
القضاء والامن والدبلوماسية والدفاع والاستعلامات
لأن الحماية لا يمكن أن تكون كذلك
من دون استقلالها عن توظيفها السياسي
ضد دستور البلاد وإرادة الشعب.
كلها في منزلة
الجامعة للنظر والعلم
والمعبد للعمل والشرع
(الجوامع والكنائس والبيع
بنص القرآن الكريم في الكلام على
دفع الناس بعضهم ببعض).
فلا بد لهما من الاستقلال المطلق
عن التلاعب السياسي بأدوات الحماية المادية والروحية.
لأن فساد هذه الأدوات يعني في الغاية
سقوط الدول وعبودية الشعوب.
كلامي اليوم هو الجواب عن السؤال التالي:
ما الاستراتيجية التي تحول دون فقدان ثقة الشعب
التي يريد الدمية توظيفها
ونيل ثقة العالم المتحضر الذي يفهم هذه المعاني
ويوليها للقضاء.
فالقضاء في الدولة عامة
وفي الإسلامية خاصة
(رأي ابن خلدون كاف)
وفي الدولة الحديثة بصورة أخص
يعتبر اقدس وظائف الحماية في الديموقراطية.
فالمعز بن عبد السلام مثال من فقهاء الإسلام وقضاته
واسقاط القضاة لترومب من الامثلة الحية
التي لا يجهلها حتى العامة:
فالاول قاد شعب مصر لفرض سياسة التحرير
على دولة المماليك التي أبلت البلاء الحسن.
والثاني أطاح بكل دعاوي ترومب ضد الانتخابات
إذ لم يربح أي قضية رفعها للتشكيك فيها.
المنتظر من قضاة تونس وكل الهيآت التي يتألف منها
القضاء شرط الأمانة والعدل (الآية 58 من النساء)
أن يصبحوا بفضل هذه الفرصة
قادة الثورة التي تستعيد
كرامة المواطن وحريته
وسيادة الوطن وعزته
كيف ذلك؟
أي ما الاستراتيجية التي تمكن من المطاولة
وتفسد على الدمية وزبانيته كل مناورة
قد تغير الرأي العام ضد القضاء
وتشكك العالم في التزام القضاة
بما سأبينه من وجوب عدم توقف القضاء عن وظيفة الحماية
أولا تجنب الاضراب:
فهو “منداف” سينصب للقضاء
حتى يخسر تعاطف الشعب
كما حصل للمربين الذين دفعهم حمق النقابات
إلى جعلهم ضحايا أدوات الدفاع عن مصالحهم
باهمال مصالح ابناء الشعب.
فالاضراب يضر بمصالح المواطنين
ومن ثم فلا بد من تجنبه
بل لا بد من اتباع العكس تماما
أي القيام بما يسمى اضراب “الزال”
أي المزيد من الحرص على رعاية مصالح المتقاضين.
ثم إن الاضراب يعطي للدمية حجة كافية
لتفكيك وحدة الجسم القضائي
لأنه يمكنه من قطع الأجور
وليس كل العاملين في القضاء
قادرين على تحمل ذلك
والامر مفهوم لأنهم مثلهم مثل المربين
في أدنى سلم الأجور.
ثانيا تجنب المركزية في العاصمة:
فلا بد من أن يكون التحرك
في هذا النوع من الاحتجاج في كل محاكم تونس
بكل ولاياتها
وبكل أنواع محاكمها
وليس في العاصمة وحدها:
فكل يوم قبل بداية العمل بعشر دقائق
وقفة احتجاجية وتوضيحية لأهمية استقلال القضاء
يجتمع فيها كل العاملين في القضاء
قضاة ومحامين وكتبة أمام المحكمة
من الناحية إلى الابتدائية فالاستئنافية فالتعقيبية
دون استثناء.
وهذا يحول دون قدرة الدمية على تجنيد مرتزقته
الذين يغطي عليهم بتوظيف البعض من الأمنيين
الذين يتنكرون لخاصيات الامن الجمهوري
وهم قلة جانحة
لا يمكن أن يكونوا حائزين على رضا
أغلبية رجال الأمن والجيش الوطنيين.
أصل الآن إلى الداء الذي علينا علاجه
والذي هو علامة الاستبداد
كما تفهمه الشعوب المتحضرة:
وهذا الداء هو قلب التراتب بين
بعدي الحماية في مستوييها الداخلي والخارجي.
فالحماية الداخلية هي موضوع القانون الوطني
الذي يكون سويا إذا كان مقدما على أداة تنفيذ احكامه
فيكون القضاء مقدما على الداخلية
حتى في الحالات التي
يخول للأمن أن يسبق القضاء وقاية
فيكون ملزما بأن يخضع لمراقبة القضاء
ولو بعديا.
الاستبداد يعكس:
يجعل الداخلية هي المقدمة على القضاء
والقاضي يأتون به ليضفي الشرعية على ما ليس بشرعي
باسم قانون يخدم المستبد ومافياته
وليس القانون الذي يحمي المواطن والحقوق.
وما قلناه عن القضاء
الذي يطبق القانون الوطني في الحماية الداخلية
من حيث التراتب السوي والتراتب الفاسد
يقال مثله عن القضاء الذي يطبق
القانون الدولي في الحماية الخارجية.
فهنا السوي هو الذي يقدم الدبلوماسية على الدفاع والفاسد هو العكس بحيث إن الدبلوماسية تصبح أداة للعنف الاعمى في العلاقات الدولية بحيث إن كل مقاوم في العالم الثالث يوصف بالارهاب لتصفيته
وبين أن هذين التراتبين المقلوبين يتجلي خاصة فسادهما وخطرهما في دور العنصر الخامس من الحماية أي الاستعلامات: فالسوي منها هو الذي يخدم الوظائف الأربع لحماية الترتيب السوي بين القضاء والداخلية في الحماية الداخلية وبين الدبلوماسية والدفاع في الحماية الخارجية.
فالاستعملامات تصبح في خدمة الترتيب المعكوس وبدلا من أن يكون في خدمة الشعب يتحول إلى خدمة النظام المستبد الذي هو بالجوهر عميل للقوة الحامية للمستبد ضد شعبه. فيصبح النظام أشد على الشعب من الاستعمار.
تماما كما يصبح القضاء الداخلي أداة للعنف الاعمى في علاقات المواطينين في ما بينهم وفي ما بينهم وبين المستبدين بالحكم: المثال ما رأيناه في مصر بعد انقلاب السيسي واحكام الاعدام التي بلا حساب.
المعركة هي استعادة التراتب السوي: القضاء مقدم على الداخلية لأن الأمن السوي هو الذي يحقق شروط العيش السلمي المشترك بقوة القانون وليس بقانون القوة.
إذا استعملنا هذه الاستراتيجية وعممناها على كل المحاكم في كل الولايات فإن النتيجية ستكون حتما نيل رضا الشعب واستحسان الدول المتحضرة. أما حصر العمل في العاصمة واعتماد الاضرابات فهو سيكون عملية فاشلة حتما.
ولو بقي عمل مواطنون ضد الانقلاب منحصرا في العاصمة ومقصورا على اضراب الجوع لفشل ولاستحال أن يحصل ما حصل في قابس وما سيتكرر بإذن لله في كل الولايات
إذا لم يسقط الدمية ومليشياته قريبا بسبب افلاس الدولة وعجزه عن السيطرة على الاسعار والبطالة والكذب المتواصل في انتظار “جودو” لأن جودو لن يأتي بعد أن غرق من وعدوه بالتمويل في همومهم: الثورة العربية المضادة “تفغم”..