القرآن الكريم جابر الكسرين : العرقي والطبقي

تمهيد:

هذه محاولة كتبها أستاذنا ابو يعرب ليبين أن علاج القرآن الكريم لدائي المجتمعات البشرية هو الذي ينبغي أن يكون مضمون الرسالة في مرحلة الاستئناف بعد أن تبين للمسلمين شروط تجاوز الفهوم الأولى التي لم تكن في مستوى الرسالة ليس لقصور العقول بل لأن الله أراد للمسلمين أن يؤسسوا شروط الرسالة المادية والرمزية في التاريخ الفعلي إلى اللحظة التي يصبح فيها هذا التاريخ الفعلي مقتضيا ما حددته الرسالة من حلول تناسبه وتمكن من تحريره من أدوائه. ولما كان أكبر عائق هو عدم إدراك الإشارة التي حل بها القرآن الكريم مسألة الشريعة والحدود حتى لا تبقى الأدوات وكأنها هي الغايات فإن هذا الحل أصبح ميسورا بمجرد فهم إشارة حكم القتل العمد إذا طبق على كل الحدود.

القرآن الكريم في ضوء المشترك بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ

يعيب هيجل (في فلسفتي الدين والتاريخ) على الإسلام تميزه بخاصيتين يعتبرهما مانعتين لإيجاد الدولة المستقرة ودافعتين إلى عدم الثبات أو بلغتنا الحالية إلى الثورة المتصلة :

1-خاصية المساواة الاجتماعية المطلقة أي نفي التمييز على أساس طبقي اجتماعي.
2-وخاصية الأخوة البشرية المطلقة أو نفي التمييز على أساس عرقي سلالي.

وإذا كان هيجل محقا في نسبة هذين الموقفين إلى الإسلام فهو مخطئ في ما ينسبه إليهما من حيلولة دون استقرار الدولة وفرض للثورة المتصلة. ذلك أن صحة النسبة الثانية تفترض خلطا غير واع هو سر الحاجة إلى أساسي كل استقرار عنيف ومستبد أعني:
1- فالعرقية هي أساس الاستعباد: فكل استبداد يتحول إلى تمييز عرقي ليؤسس شرعيته على التفاضل السلالي بين البشر
2- والطبقية هي أساس الفساد: وكل فساد يتحول إلى تمييز طبقي ليؤسس شرعيته على التفاضل الطبقي بينهم.

إن الاستقرار المستند إليهما هو في الحقيقة تأسيس قصدي يضفي الشرعية على علاقات القوة بدلا من علاقات القيمة الخلقية التي يؤسس عليها القرآن استقرار الرضا بالشرع. أما التخلص من العرقية والطبقية فهو أساس التكيف المتصل المتعلق بهما وتأسيس قصدي للحيوية التي تعوض التنازع العدائي بين البشر بالتنافس في الخيرات بشروط خلقية تؤدي إلى التدرج نحو الكمال.

ذلك أن الاستقرار السياسي لا يتنافى مع حركية الحياة الاجتماعية والعرقية بل هو شرطها لأن الجمود المؤسسي المستند إلى المولد والعرق والثروة والطبقة يلغيان التنافس في الخيرات بمعايير خلقية فيجعلان النظام الاجتماعي الذي هو نظام خلقي وكأنه نظام طبيعي. وذلك هو عين الجمود كما في الطبقية الثابتة عند الهنود القدامى حيث صارت أغلبية الشعب شبه مجذومين أو من لا يقبلون أن يلمسوا “انتوشابل”. أما الاستقرار الخلقي فهو تعاقدي ومتحرك وليس ساكنا لكونه ثمرة الاجتهاد للتحسين المستمر والجهاد لحماية الشرعية بمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما فرض عين: ويكون بالقلب واللسان وإن لزم الأمر باليد وهو اللجوء إلى التغيير الثوري لمقاومة الاستبداد والفساد.

والحياة الجماعية لا تتجنب الفوضى والثورات نتيجة للاستبداد والفساد إلا بفضل الإصلاح المستمر وسلطان القانون على الجميع حاكما ومحكوما:والمبدأ هو التعاقد بضمانة الحاكم الأعلى أي مبدأ نطيعك ما أطعت الله فينا وبلغة حديثة ما أطعت القانون الذي يحكمنا جميعا وهو شرع الله عند المسلمين وأي شرع وضعي اساسه التعاقد المشروط بعلوية القانون. ففي الحقيقة كل قانون بهذا المعنى هو شرع الله حتى لو كان وضعيا لأن الوضعي على الأقل في دعواه التأسس على العقل يكون من جنس التأسس على الفطرة القرآنية قصدا إن لم يكن فعلا.

وذلك هو جوهر الحياة الإنسانية عامة لأنها حياة واعية وعاقلة. ومن ثم فهي نظام خلقي يتضمن التنافس القيمي وليست نظاما طبيعيا ثابتا. وحتى النظام الطبيعي فهو لا يبدو ثابتا إلا لكون تغيره يقاس بالتاريخ البطيء والمديد وليس بالتاريخ السريع والقصير لأن الجغرافيا الطبيعية هي بدورها تتغير بسبب فعل الإنسان الحضاري أو على الأقل ما كان منها محيطا طبيعيا يعيش الإنسان على ما فيه من خيرات عليه تطويرها بالعمل والتطبيقات المستندة إلى المعرفة العلمية بقوانينها. وإذا كانت الحياة العضوية تتواصل بتوالي الأجيال تواليها المنتظم بقوانين الوراثة في النوع فإن الحياة السياسية تتواصل بتوالي الإصلاحات المنتظمة بقوانين التراث الرمزي والقيمي في الجماعة: أي بالشرائع التي يؤمن بها الإنسان ويعتبرها أعلى من الجميع حاكما ومحكوما ومن ثم بالمساواه في منظورها دون عرقية أو طبقية.

وحتى نفهم القصد بهذين التمييزين اللذين خفيا عن هيجل فلم يفهم سمو العلاج القرآني للمسألتين العرقية والطبقية بوصفهما دائين عضالين لا علاجين كما يتوهم هيجل فحال خفاؤهما دونه في فلسفتي التاريخ والدين وفهم فضل هاتين الميزتين القرآنيتين المحررتين من العرقية والطبقية واللتين لا ننفيهما عن الإسلام بل نؤكدهما ونفاخر بهما سنتكلم على استراتيجية جبر الكسور القرآنية التي تجعل هاتين الخاصيتين لاحمتي السلّم الاجتماعية بالاقتصاد والحكم ولاحمتي السلّم السلالي بالتربية والثقافة.

سنحاول في عجالة بيان أهمية هاتين الصفتين بالفهم المطابق لمدلولهما القرآني ثم نطبق ذلك على ما تعاني منه المجتمعات البشرية من أدواء أراد الإسلام تحرير البشرية منها بفضل هذين المبدئين بدءا من تطبيقه الأول والكاشف خلال الفتح المبين لمكة:

1-فلتحرير البشر من الطبقية في نفس الجماعة وبين الجماعات يضع القرآن الكريم مبدأ المزاوجة بين سلمي العمل الدنيوي والأخروي لئلا يظن الأثرى نفسه أسمى من الأفقر أساسا للسلم المطلق سلم التقوى.

2-ولتحرير البشر من العنصرية في نفس الجماعة وبين الجماعات المختلفة يضع القرآن الكريم مبدأ الأخوة البشرية ومستويي الرحم الكلي والجزئي لئلا يظن عرق من الأعراق (أو فئة من الفئات) أنه شعب الله المختار (النساء 1).

وليكن هدفنا علاج ما يجري في الثورة العربية الحالية بوصفها قابلة لأن تكون بداية لاستئناف مسيرة الإسلام في تطبيق هذين المبدئين في دار الإسلام بداية وفي العالم غاية لأن المسلمين شهود على العالمين بالمثال وبالافعال: وبهذه الرسالة الكونية يصبح المسلمون لا يسعون إلى التحرر فحسب بل وكذلك إلى تحرير البشرية من منطق العولمة الذي هو تطبيق صريح لمبدأي العنصرية والطبقية في العالم كله.

فعلل التعثر الحالي في ثورتنا تعود إلى عدم فهم هذين المبدئين وما ينتج عنهما من كسر مضاعف في حياة الجماعة وطنيا وحياة الجماعات دوليا: الكسر العرقي والكسر الطبقي. وبذلك نبين دور القرآن في جبر الكسرين بمثال حي يقبل التطبيق في حالة الوضع الدولي الذي هو حرب أهلية كونية تسمى عولمة التنافس المحارب لكأننا عدنا إلى منطق القبائل المتناحرة على الماء والكلأ والذي يميل إلى جعل المسلمين هم بدورهم يندمجون فيها فنصبح في حرب أهلية خطيرة تعم دار الإسلام جامعة بين شوائب:
الفتنة الكبرى الأولى على الحكم ( الصراع السني الشيعي)
وارهاصات الفتنة الكبرى الثانية عليه (الصراع الإسلامي العلماني).

دور الكسرين في الحروب الأهلية

وهنا لا بد من استعمال منطق الرد لتبسيط العلاج: فالكسر العرقي ينتج عن تطبيع الكسر الطبقي بحيث يصبح ما هو ظاهرة تاريخية حدثت بعد أن لم تكن وكأنها ظاهرة طبيعية هي حقيقة الإنسان وليست ثمرة لتحريف الفطرة التي فطر الله الناس عليها سواسية كأسنان المشط من حيث القيمة الروحية حتى وإن تمايزوا عضويا. تحويل التمايز العضوي والمادي إلى تفاضل خلقي واجتماعي هو التحريف عينه:

1-فالكسر الطبقي هو سبب الحروب الأهلية في نفس الجماعة الوطنية وحتى في الجماعة الدولية : وعلته جعل سياسة البشر في خدمة سياسة الأشياء : الاقتصاد بدل العكس أي تقديم سد حاجات الإنسان المادية على سد حاجاته الروحية لكأن الثانية من النوافل.

2-والكسر العرقي هو سبب الحروب الأهلية في الجماعة الدولية وحتى في الجماعة الوطنية: وعلته جعل تربية البشر في خدمة ثقافة الأشياء الخادمة للاقتصاد بدل العكس لكأن الإنسان صار أداة بدلا من أن يكون غاية.

3-وكيف يتحول الكسر الأول إلى الكسر الثاني فيتحول التمييز الطبقي إلى تمييز عنصري. وفي الحقيقة فإن أصل التمييز العنصري هو الغلبة في التنازع على ثروات العالم بدءا بصراع القبائل على الماء والكلا وختما بصراعها على البترول والممرات : وتلك هي علة كوننا بؤرة كل الاستعمارات والصراعات منذ فجر التاريخ.

4-وكيف يصبح التمييز العنصري المشتق أساسا للتمايز الطبقي الثابت كما في حالة الهند : الطبقات الثابتة. ذلك أن التمييز الطبقي عندما يستقر حتى يصبح مقوما من ثقافة جماعة فإن يتحول إلى شبه مفاضلة طبيعية بين البشر الذين يعتبرون حينها معادن متفاضلة لكأن الثراء حق إلهي لعرق معين ينحصر فيه الحكم والجاه والثروة والبقية عبيد عنده.

5- وأخيرا فما هو اصل الكسرين أصلهما الذي يمكن القرآن الكريم من القضاء عليه قضاء شرعيا سماه خلقا عظيما واستقامة وجعل مهمة الرسالة الخاتمة تتميما له : إنه تحكيم القانون الطبيعي في القانون الخلقي بدلا من العكس. والإصلاح القرآني دون أن ينفي الحاجة إلى القانون الطبيعي فإنه يعدله بالقانون الخلقي حتى يتجاوز الإنسان مرتبة الحيوانية دون نفيها.

والحل القرآني إذا فهمناه فإننا سنتمكن من العلاج السوي لأصلي التمييز العرقي والطبقي فنجبر الكسرين بالشرع القرآني : فلما كان أصل التمييز العرقي هو الغلبة في الحرب على الثروات بين القبائل بداية وبين الأمم غاية فإن التمييز العرقي تابع للتمييز الطبقي الناتج عنه : تحويل القوة المادية للغالب في هذا الصراع إلى استحواذ على الثروة بالقوة النافية للشرعية ثم البحث عن أساس لها في مبدأ القوة العضوية والعسكرية التي ترد إلى أفضلية عرقية يسمى أصحابها الأحرار والأسياد ويعتبر البقية العبيد والاتباع.

لذلك فأهم التشريعات القرآنية تتعلق بأصل الثروة والملكية وما قد يؤدي إليها التحريف من جعلهما أساس التراتب الاجتماعي من ثم أساس التفاضل العنصري الذي لم يأت الله به من سلطان. لذلك كانت أقصى الحدود وأشدها متعلقة بها : حد السرقة وحد الحرابة (=سرقة عنيفة مع قطع الطرقات) وهما أساس القتل العمد لكل تعاون على سد الحاجات بتعاوض عادل. فالسارق لا يعاقب بسبب ما سرق بل بسبب نفي أصل المسروق مرتين: جهد صاحب الملكية المسروقة وكسل السارق أي نفي طبيعة الملكية من حيث هي ثمرة العمل. العقاب الشرعي مشدد لأن الجرم شديد: نفي اساس الحياة الجماعية أي العمل والتعاون لسد الحاجات بتعاوض عادل. السرقة نفي للعمل والعدل في التعاوض خلال التعاون.

فهذان الحدان أشد حتى من حد القتل العمد الذي فيه إمكانية التعويض والمسامحة. والعلة طبعا هي تحرير الأمة من الثأر الذي يعيد الشعوب إلى البدائية المطلقة حيث يزول مفهوم القانون فيصبح كل إنسان مقتص لذاته بدلا من الحكم المستقل عن المتنازعين.

وطبعا فالقرآن بهذا يعطينا بداية الطريق لئلا نعتمد القصاص العيني الذي يمكن تعريف نسبته إلى الاحتكام إلى القانون الجنائي بكونها من جنس نسبة المقايضة إلى الاحتكام إلى قانون التبادل الاقتصادي. فمثلما أدى تقدم الاقتصاد إلى التخلي عن المقايضة والاستعاضة عنها بالوسيط الرمزي الذي يمكن من تقدير الخيرات والخدمات وما بينها من تناسب للتعاوض العادل (العدالة التوزيعية) فإن التقدم الشرعي والخلقي ينبغي أن يوجد وسيطا رمزيا يمكن من تقدير العدوان على الحقوق الذاتية والمادية وما بينها من تناسب للجزاء العادل (العدالة التعويضية): والقرآن أمدنا بالمثال في مسألة القتل العمد وكيفية علاجها بصورة تحرر إلى حد كبير من القصاص المادي في القانون الجنائي الذي هو من جنس المقايضة في الاقتصاد.

وإذا كان الوسيط الذي يعبر به عن نسب التعاوض الاقتصادي بين الخيرات والخدمات هو ما نسميه بالعمله (اشتقاقا من العمل والتعامل) فإن الوسيط الذي ينبغي أن يعبر به عن نسب التعويض عن المظالم والعدوان هو ما يرجع للمظلوم حقه وما يربي الظالم لئلا يبقى ظالما. ويمكن قياسا على اشتقاق العملة من مناط استعمالها أي العمل والتعامل أن نشتق الوسيط في القانون بالجُنية من مناط استعمالها أي الجرم وتعويضه (الجني هو حصيلة الفعل كما في الزراعة):

1-فتكون العملة هي الوسيط الرمزي في التبادل والعدالة التوزيعية.
2-وتكون الجنية هي الوسيط الرمزي في التناصف والعدالة التعويضية.

وطبيعي أن تكون جنية العدوان على الذوات أشد من جنية العدوان على مالها رغم أن المقاصد الشرعية تجعل الملكية مما يمكن للمرء ان يموت دون الدفاع عنه موتا يعتبر شهادة:

1-فالعدوان على الملكية يكفي فيه التعويض وتمكين المعتدي من التحرر مما دعاه إلى العدوان أي الحاجة التي سببت السرقة فيكون العلاج بالسجن والعمل للجماعة لمدة يحددها الشرع حتى يعوض المجني عليه ويتحرر من الحاجة التي جعلته يسرق.

2-أما العدوان على الذات فعلاجه يمكن الاعتماد فيه على تعميم وصية القرآن الكريم بالصفح عن المكافئ بالقصاص المادي (كما في القتل) دون التخلي عن ضرورة العلامات الثابتة التي تكون رمزية لا مادية في ذات الجاني.

فالجاني ينبغي أن يعتذر علنا أمام السلطة القضائية للمجني عليه مع تعويض مادي يقدره العرف بحسب الجنايات بشرط رضا المجني عليه وبتشجيع من الدولة للحصول على الرضا: كما في حل الدية في القتل. وبذلك يكون القرآن الكريم قد أمدنا باصل التحرر من القصاص المادي قياسا على القتل العمد فلا يكون القصاص من جنس المقايضة سنا بسن بل يحول إلى عملية رمزية تبقي على اللحمة البشرية وتجعل الشرع الخلقي فوق الشرع الطبيعي. ومما يؤيد هذا الحل سلوك الرسول الأكرم بعد فتح مكة : فالسياسة الشرعية هي التي جعلته لا يقتص من المجرمين إلى بهذه الصورة التي تجاوزت القصاص المادي إلى القصاص الرمزي شرطا في تمتين اللحمة لبناء الأمة. ونحن اليوم بعد الثورة أحوج الناس إلى هذا السلوك الرفيع.

وختاما فإن الفهم العميق للقضتين اللتين ظنهما هيجل علامتي ضعف العلاج الإسلامي لبناء الدولة يجعلهما شرط الدولة العادلة أعني تحرير البشر من العرقية والطبقية هما جوهر العدل الذي يتمم مكارم الأخلاق القرآنية : فالعرقية تعني أن الطبقية تحولت إلى ظاهرة طبيعية في حين أنها ليست إلا ظاهرة تاريخية. وسر التحول هو سلطان الاقتصاد الذي يرد إلى الصراع الطبيعي بدلا من أن يتضمن معه المعدل الخلقي يصبح معيار التفاضل وكأنه طبيعي في حين أنه تاريخي نتج عن غلبة مؤقته خلال الغزو ثم ينقلب إلى أساس الحكم بين سيد وعبد. فإذا حررنا الجماعة من سلطان الاقتصاد بما هو مقصور على الصراع الطبيعي واضفنا إليه المعدل الخلقي فإن الحكم يصبح متحررا من المعيار الطبقي وبالتالي من المعيار العنصري فتكون الدولة ذات اقتصاد جامع بين :

1-الدوافع الطبيعية للعمل أي الثروة والاثرة: سر الانتاج والانتاجية في مفهوم الاقتصادي الرأسمالي.
2-الدوافع الخلقية للتآخي اي التضامن والإيثار : سر التسالم والتراحم في مفهوم الاقتصاد الاشتراكي.

والثاني هو أساس الأول في الحقيقة : ذلك أن العمل الذي ينتج الثروة يحتاج إلى التعاون في تقسيم العمل والإخلاص فيه. فإذا كانت الاثرة هي الغالبة استحال التعاون وأصبح كل شخص لا يطلب إلا منفعته المباشرة فيصبح الجميع مخربا لعمل الجميع. لذلك فالاقتصاد رغم كون القانون الطبيعي للمنافسة هو سر فاعليته يبقى مع ذلك في حاجة إلى التعاون الصادق الذي يقلل كلفته الاجتماعية والسياسية فيصبح للأيثار فيه دور. ذلك أن التحاسد والنقمة على التباعد في المنازل الاجتماعية الناتجة عن الفروق الاقتصادية الصارخة يؤدي إلى الحروب الأهلية ومن ثم فلا إمكان للعمل وللثروة فتصبح الأثرة بانفرادها علة لزوال ما يستأثر به صاحبها.

ولعلاج ذلك سمى القرآن الكريم الفريضة التي تحقق ذلك زكاة لأنها مقياس دور الإيثار في الأثرة وهي علاج للمسألة الاجتماعية أو إشارة إلى اساس علاجها إشارة بداية وليست حدا نهائيا : ذلك أن الصدقات متمم لها ومنها خاصة الأوقاف التي تحقق ما تعجز عنه الزكاة إن تصورناها غير كافية. وفي الجملة فإن مشكل العرقية يرد إلى مشكل الطبقية بحيث إن علاج الطبقية هو في آن علاج للعرقية فلا يتفاضل الناس إلى بالتقوى ويكون الحل هو النظام الرأسمالي للفاعلية الاقتصادية المعدل بالنظام الاشتراكي للفاعلية الاجتماعية والجمع بينهما هو السياسة الشرعية التي تجعل المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات : ذلك هو جبر الكسرين .


أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي