لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالقدس
لماذا أورد هذه الآية للكلام على القدس مرة ثانية وإن بنفس المنظور السابق رغم الانطلاق من القرآن وليس من التحليل الاستراتيجي العقلي المحض؟
العلة بينة: الكثير من المؤمنين يعتبرون ما ورد في الإسراء عن الكرة الثانية أمرا سيحصل عن طريق المعجزات رغم أن الرسول كل ما عمله كان بالأسباب.
وانتظار الكرة الثانية من دون الاسباب من علامات الخذلان الذي تعيشه الأمة بفعل الدجالين ممن جعلوها أعجز الامم وخاصة الشعب الأول الذي كلف بشرف نشر الرسالة لأنها نزلت في وسطه وبلسانه: العرب. وهم الآن أنكص شعوب الإسلام إلى الجاهلية جهلا وجهالة وتفرق صف وبلادة عقل.
لا شيء يثبت الآن أنهم أحفاد محرريها مرتين: من بيزنطة أولا على يد الفاروق ومن كل أوروبا الصليبية على يد صلاح الدين. لذلك فهم في مرحلة طلاح الدين الذي يسلمها لترومب لعله يبقى فيبقيهم على كراسيهم وإن بحلب ثرواتهم وإنهاك أعراضهم وتفتيت دولهم التي يحكمها أحمقهم.
لن أطيل الكلام في هذا التعليق الاستراتيجي الثاني لمسألة القدس. سأكتفي بالتنبيه إلى منزلة القدس في الإسلام. فتعريفها بكونها القبلة الأولى لا يكفي. ذلك أنها بهذا التعريف لا تكون إلا ما تخلى عنه الإسلام كقبلة وعوضه بالقبلة التي يعتبرها الكثير ثانية. فهذا خطأ مضاعف.
إنه خطأ أولا لأن الحرم ليس قبلة ثانية بل هو القبلة الاولى بنص القرآن والعودة إليها بعد القدس لا تعني أنها ثانية: فهي القبلة التي بناها إبراهيم وجدنا اسماعيل ولم تكن القدس بعد موجودة لأن ابراهيم لم يبني إلا الحرم وفيه تحددت كونية الرسالة بالتخلي عن تقاليد ذبح البشر قربانا.
وهو خطأ ثانيا لأن استقبال بيت المقدس كان لغاية حددتها هذه الآية وقد حان وقت فهم هذه الغاية وهي إن تحققت تتحقق الكرة الثانية: إنها الاختبار الذي لأجله بدأت الاستقبال بها: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}. ذلك هو الشرط.
اليوم سنعلم من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقبيه. اليوم بهذا المعيار سيتم الفرز بين من سيعمل على تحرير القدس فيثبت أنه من أتباع الرسول أو لا يعمل عليه فيكون ممن انقلب على عقبيه. هذه الآية هي شرط الكرة الثانية وهي شرط تعريف الأمة بكونها شاهدة على العالمين إذا شهد عليها الرسول.
فعلام يشهد الرسول لها إذا لم تكن قد اتبعته؟
فهو سيشهد لها بمقتضى هذا الامتحان النهائي: من يحمي هذه القبلة التي اختيرت للدلالة على اتباع الرسول هو من سيحررها ومن انقلب على عقبيه هو الذي سيتخلى عنها بل وسيهديها لأعداء الله والمسلمين. لن تحصل الكرة الثانية بذاتها بل بمن يتبع الرسول.
لذلك كانت القدس مسرى الرسول ومنطلق معراجه. وفي ذلك نجد طبيعة العلاقة بين المعراجين: معراج إبراهيم النظري في موقف التخلص من عبادة الأوثان الفلكية أو مشهد البحث عن الله من خلال دليل الأفول ومعراج محمد العملي في تحقيق هذا التخلص من عبادة دين العجل معدنه وخواره في التاريخ الفعلي.
تلك هي شهادة الرسول على الأمة الشاهدة. ونحن اليوم نرى أن الناكصين للجاهلين قرروا أن يتبعوا قبلة أصحاب العجل ليسلموا لهم القدس. فيتبين من ثم أن القرآن نبهنا إلى شرط الكرة الثانية: من سيحرر القدس ثم من ينجحون في الامتحان: امتحان الابقاء على القدس بوصفها الدليل على اتباع الرسول.
وكل من يقبل أن تبقى القدس تحت سلطان عبيد العجل مادة (الذهب) وخوارا (الباطل) ليس من تابعي الرسول بل من تابعي قبلة هؤلاء العبيد. أوردت هذه الآية لبيان شرط الكرة الثانية (معيار اتباع الرسول) ومن ثم تحديد الشرط الاستراتيجي: تحرير الأمة ممن لا يتبعون الرسول وهم الحائلون دون التحرير.
وإذن فالتحليل الاستراتيجي العقلي في الفصل السابق من كلامي على القدس والتحليل الاستراتيجي النقلي في هذا الفصل متطابقان على تحديد منزلة القدس وشرط التحرير لارتباطه بدور الأمة الكوني (الشهادة على العالمين) وتحديد دور أعدائها (استعباد البشرية ببعدي دين العجل: المال والإيديولوجيا).