الفوضى الخلاقة، طبيعتها وأدواتها ومناهجها وأهدافها – الفصل الرابع

**** الفوضى الخلاقة طبيعتها وأدواتها ومناهجها وأهدافها الفصل الرابع

أشرع الآن في المستوى الأكثر تعقيدا في فهم إشكالية الفوضى الخلاقة التي يستعملها أعداء وحدة الأمة: • جغرافيا (دار الإسلام) • وتاريخيا (حضارة الإسلام) • ومرجعية (الإسلام المتعالي على القوميات والطائفيات في الدين الواحد وبين الاديان) مع ما يترتب على الجغرافيا والتاريخ: خمسة أحياز وجودية. وآمل أن يصبر علي الشباب بجنسيه وبقية القراء، لكن المهم عندي هو الشباب الذي لي أمل في أن يكون صاحب الفوضى الخلاقة التي تستأنف دور المسلمين وحضارتهم في التاريخ الكوني من جديد ليس للأمة وحدها، بل للإنسانية كلها لأن ما يحدث من فوضى خلاقة ضدنا وضد الإسلام كوني. فتفتيت الجغرافيا وتشتيت التاريخ اللذين تكلمت عليهما في الفصول السابقة من هذه المحاولة، هدفهما المباشر هو منع شرطي السيادة للفتات من المحميات التي آلت إليها دار الإسلام أعني: • شرط الرعاية (التنمية المادية والروحية) • وشرط الحماية (القدرة على الدفاع عن الذات) ومن ثم جعل التعبية بنيوية

وعندما تمتنع التنمية التي تحقق الرعاية والحماية، فهي تتعلق بمخرجات التربية والحكم أي إن البحث العلمي والإرادة السياسية هما بدورهما أصبحا شبه معدومين، والغريب أن من يقضي عليهما هم أبناء المحميات الذي صاروا يستمدون بقاءهم ليس من شرعية شعبية أو تاريخية بل من سند الحامي وأذرعه. فلا أحد يمكن أن ينكر أن نظام سوريا والعراق يستمدان بقاءهما من الذراع الإيرانية والنظام المصري والسعودي وغالب محميات الخليج من الذراع الإسرائيلية، وأن الذراعين هما بدورهما يستمدان دورهما وقوتهما من الحاميين الأكبرين أعني روسا وأمريكا. وهذه التعبية بنيوية ولم تعد خفية من ثورة الشباب. ومن السذاجة أن يتصور المرء اختيار هذين الذراعين ليكونا الحاميين المباشرين للأنظمة العربية في الاقليم وليد الصدفة: • فكلاهما جزء لا يتجزأ من تاريخ الإقليم • وكلاهما ينكأ جراج عميقة اصطلحت على تسمية 1. اولها بأصل الفتنة الكبرى (الصفوية) 2. وثانيها بأصل الفتنة الصغرى(الصهيونية). فالصفوية والارثودوكسية تواصلان الحرب على الإسلام منذ نشأته بالثيوقراطية والصهيونية والانجيلية تستأنفان الحرب عليه بالعلمانية. • الأولان يحركان التاريخ المتقدم على انفراط عقد الخلافة السنية • والثانيان يحركانه بالعلمانية ويستأنفان القديم بشكل حديث مبني عليه.

وإذن فأهم أداتين للفوضى الخلاقة في الاقليم هما مشروع أصحاب الفتنة الكبرى التي لازمت وهم استرداد إمبراطورية فارس وأصحاب الفتنة الصغرى التي لازمت وهم استرداد امبراطورية دواد ومن تذيل لهم من الأنظمة والنخب العربية، وكلهم أدوات روسيا وأمريكا لغايات استعمارية بغطاء ديني معاد للإسلام. • ودور الذراعين الصفوية والصهيونية هو دور السلاح العنيف واللطيف المباشر • ودور الانظمة توظيف التربية والحكم لنفس الدور والكل له أهداف ذاتية لكنه في آن أداة بيد الروس والامريكان لتحقيق ما يمكن من تحقيق غايات جيواستراتيجية وحضارية في آن: ضرب قبل الإسلام العربي التركي منعا للاستئناف. والأداة الأفعل حاليا هي توظيفات الانظمة ونخبها المسيطرة على وظائف الدولة العشرة أعني وظائف الحماية الخمسة ووظائف الرعاية الخمسة. فالأنظمة التي تنتخب القيمين عليها والاختراق المسموح به للذراعين وسنديهما فيها، يجعلها أدوات تخريب يحقق الفوضى الخلاقة بالفساد القصدي كالسرطان العام. ولنبدأ بوظائف الحماية التي تستعمل بعكس دورها الطبيعي: فبدلا من أن تكون وظائف حماية للحماية داخليا وخارجيا، تتحول إلى أداة تنكيل داخليا وخارجيا لخدمة الغايات التي يخطط لها صاحب الفوضى الخلاقة الهادفة إلى العودة بالإقليم إلى ما كان عليه قبل الإسلام فيصبح العرب والاتراك خارج التاريخ.

وكلنا يعلم لماذا المستهدف هم العرب والاتراك ومعهما الكرد والأمازيغ. فهؤلاء الشعوب الاربعة هم قاعدة الهرم الإسلامي، • فالعرب أسسوا دولة الإسلام في البداية • والأتراك حموها في الغاية • وكان للأكراد والأمازيغ الدور الوسيط والمساند بين المؤسسين والحماة إلى الربع الاول من القرن الماضي. وما جعل خطة الفوضى الخلاقة تصبح علنية، هو فشل التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي بفضل الدور الذي أدته الحركات الإسلامية في بلاد العرب والأتراك ومعهما الأكراد والأمازيغ: فالمقاومة الثقافية التي أدتها هذه الحركات أعادت زخم اللحمة الإسلامية وبدأت في فعل المقاومة العالمية. ولذلك فالإقليم فيه صدام صريح بين الخارطة التي وضعها الاستعمار، والمحميات التي تحكمها ونخبها والخارطة الإسلامية التي تمثل المعارضة الفعلية ليس بالمعنى السياسي فحسب، بل بمعنى فوضى خلاقة مقاومة تمكنت من استعادة النظام الذي يراد القضاء عليه في الأذهان خاصة وفي حركات المقاومة. ولهذه العلة، فلا توجد محمية عربية يشعر نظامها بأن شرعيته ليست مقدوحة وغير مستقرة لأن الحركات الإسلامية لا تعترف بالخارطة التي هندسها الاستعمار وظنها حققت له ما يسعى إليه من الاستتباع الحضاري التام كما حصل في بعض دول افريقيا وآسيا وتحيي الخارطة الإسلامية المتقدمة عليها. فهم الاستعمار بصنفيه الروسي والامريكي وذراعيه الصفوي والصهيوني وعملائهم من الأنظمة ونخبها أن المعركة لا ينبغي أن تتوقف عند حركات المقاومة التي يسمونها إرهابية وخاصة بعد الربيع أن الأصل هو الحركات الإسلامية التي ربحت المعركة الرمزية كما بينت الانتخابات بعده. فكانت الاستراتيجية المتمثلة في جناحي الحرب على الاستئناف الذي تمثله الحركات الإسلامية: • استعمال الجامية • واختراق حركات المقاومة بصورة تفسد المقاومة الإسلامية السنية لتكون حربا عليها وعلى الإسلام في آن بمعنى تشويهه وضرب المقاومة ذات الاستراتيجية الحضارية والسياسية منطق العصر. والهدف في خطة الأنظمة والذراعين والسندين، هو جعل المقاومة والإسلام يقبلان الوصف بالإرهاب لتقديم بديل منه هو العودة إلى الجامية والدروشة اللذين كانا سائدين في عصر الانحطاط والاستعمار: • لمنع الاستئناف • وتحقيق شروط الاستقرار للعملاء • وتثبيت خارطة المحميات الحالية للقضاء على دولة الإسلام. فيكف يفسدون وظائف الحماية الخمسة بالفساد والاستخدام العكسي: • وظيفة القضاء والامن للحماية الداخلية • ووظيفة الدبلوماسية والدفاع للحماية الخارجية • ووظيفة الاستعلام والإعلام أساسا جهازا عصبيا مركزيا للحماية في الدول الطبيعية. أصبحت للتخريب بالفساد وخدمة ما وظف لأجله النظام العميل ونخبه. كل وظائف الحماية تنكل بالشعب وهي أدوات تخريب. فكم عانت تركيا لتطهيرها ولا تزال. لكن العرب لم يشرعوا بعد في تطهيرها. فاليوم لا توجد حماية داخلية حقا لأن القضاء والأمن فاسدان. ولا حماية خارجية لأن الدبلوماسية والدفاع فاسدان. والفساد المطلق في الاستعلام والإعلام. ومعنى ذلك، أن فساد وظائف الحماية الخمسة ليست خاصية عرقية ولا ثقافية في الإقليم، بل هي جزء قصدي من الفوضى الخلاقة لأن الأنظمة ونخبها ليست إلا أدوات لتحقيق اهدافها بما يشبه السرطان المعمم، بحيث إن الانظمة ونخبها تحصل على مكافأة عن طريق الفساد مقابل الإفساد النسقي لشروط قيام الأمة. فبهذا الفساد -والمثال المطلق في ذلك العراق وسوريا ومصر خاصة-تنكص الجماعة إلى ما قبل الدولة فتصبح الانظمة التي تحمي كيان الجماعة هي عينها الأنظمة التي تفقدها الحماية، فتجعلها بهشاشة الجبن، يسيرة الاختراق بواسطة الفساد العام الذي يصبح فيه الجميع مرتزقة ولا وجود لكيان ذاتي الحماية.

وهكذا نصل إلى وظائف الرعاية الخمس: 1. التربية النظامية 2. والتربية الاجتماعية للتكوين 3. والانتاج المادي أو الاقتصاد 4. والإنتاج الرمزي للثقافة للتموين 5. والجهاز العصبي المركزي لهذه الوظائف أو البحث والاعلام العلميين فهذه كلها تخرب لنفس الغاية. وقد تكملت على ذلك في عدة مواضع.

ففضلا عن كون المحميات لا يمكنها بحجمها بعد التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي أن تكون قادرة على البحث العلمي الذي يقتضي حجما مناسبا للعصر -التجمعات الكبرى-فإن نظام الانتخاب الذي تفرضه الانظمة العميلة يجعل الجامعات والمؤسسات التربوية وظيفتها إيديولوجية ولا دور لها في التموين.

ولا ختم بأخطر طريقة لإفساد أصل كل تربية سواء كانت نظامية في نظام التكوين أو اجتماعية في نظام استخدام خريجيه هي طريق الحرب على الأسرة. فالسعي إلى جعل المرأة مجرد جارية تضيق بالمسؤوليات الاسرية وحتى بالإنجاب لتكون مجرد أداة متعة واستمتاع، هو أهم أدوات الفوضى الخلاقة السلبية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي