ليس يعنيني ما أقره مراهق السعودية من حق لإسرائيل في “أرضهم”. فحتى لو أقر الغرب كله وعملاؤه كلهم من العرب والمسلمين بل وحتى لو أقر الفلسطينيون أنفسهم بهذا الحق المزعوم فلن يؤسس ذلك لأي حق. هو حيازة وليس حق لأن الملكية هي لكل مسلم إذ هي جزء من دار الإسلام. وحتى لا نتفه القضية فينبغي ألا ندعي أن اعتراف العملاء بدأ مع هذا المراهق فكل الحكام العرب اعترفوا بنفس الشيء بشروط كانوا يعلمون علم اليقين أنها لا معنى لها إلا لحفظ ماء الوجه. فمن ليس له الإرادة فضلا عن القدرة لأن يكون ذا سيادة في بلده لا تنظر منه أن يحمي حرما أو عرضا أو أرضا. وهذا الحكم ليس خاصا بالعرب بل هو حكم كوني: من لا سيادة لما يظن نفسه حاكما له في الحماية وفي الرعاية ليس حاكما في دولة بل هو غفير في محمية. وهذه هي الصفة الصحيحة التي يتصف بها كل حكام العرب دون أي استثناء من الماء إلى الماء. ولذلك فالكلام على اعتراف المراهق لا معنى له. فمن لا سلطان له حتى على الكرسي الذي يجلس عليه لا يمكن أن يكون لرايه في مثل هذا المسائل وزن. ومن السخف مقارنه قوله بوعد بلفور. فهي لا يساوي حذاء بلفور من حيث مقارنة الوعدين. الأول وعد وخطط وحقق وهذا مجرد بوق لبلفور ثاني هو كوشنار صهر تروب حتى يوصلاه إلى كرسي الغفير. لا حاجة لمناكفة من لا يستحق حتى المناكفة. فهو مراهق أغروه بما يظنه رفعا من شأنه لكنه ليس الوحيد فكل حكام العرب والنخب المحيطة بهم لهم نفس الذهنية: بدلا من طلب الشرعية من شعوبهم يطلبون اللاشرعية ويشترونها بقوت شعوبهم وبكرامتها من أجل دور الغفير وضارب البندير. الدخول في المناكفات من هذا الجنس لا يعالج الداء لأنك يمكن أن تسمع طبالين من المتناكفين موضوعهم ليس شروط السيادة بل التنافس على نفس الأمور لأن ما بين العرب من الماء إلى الماء لا يمكن أحدا من الحكام والمعارضين أن يحقق شروط السيادة فيبقى عبد البيادة. فعندما وعد بلفور ما وعد به كان ذلك مصحوبا بوعد آخر هو الذي أسس لكل ما أسميه محميات عربية من الماء الى الماء. إنه الوعد الذي من أمثلته سايكس بيكو. فالاستراتيجية الاستعمارية ليست لعب مراهقين بل لعب بالمراهقين. فهي تنبني على خمسة عوامل بينتها في كلامي على أحياز وجود الإنسان الحر. إنها استراتيجية تفتيت المكان وتشتت الزمان ومن بالأول تمنع شروط التنمية الاقتصادية (الثروة) وبالثاني تمنع شروط التنمية الثقافية (التراث) فيصبح بعد ذلك من اليسر ضرب المرجعية (الإسلام). وهذا هو الذي ينتج المراقين الذين يسيل ريقهم للاستبداد والفساد مقابل تسليم البلاد والعباد. وللخطة مراحل: 1. تفتيت الجغرافيا وتنصيب العلماء عليها باسم دولة وطنية يزعمونها حديثة. 2. فيكلف المنصبون بتشتيت التاريخ حتى يضفوا الشرعية على هذا الفتات فتصبح المحميات تسمى دولا والعملاء يسمون ملوكا ورؤساء وهم لا يساوون الغفراء عند منصبهم وحاميهم ضد شعوبهم. ما يعنيني ليس ما قاله مراهق السعودية بل كون ذلك يقع في بلد الحرمين يعني أن المعركة وصلت إلى مرحلتها الاخيرة التي هي مصيرية: الحرب على المرجعية بعد تحقيق شرط التعامل معه. فعندما تصبح كل بلاد العرب محميات بدليل القواعد فلا يبقى إلى صرب القلب الثاني من الأمة. وقد سبق ضرب القلب الاول بعد الحرب العالمية الاولى فتحققت نتائج هذه الضربة التي بدأ بمركز الخلافة الاخير وألان يضربون مركز الخلافة الأول وبين الضربتين وقع ضرب الخلافتين الوسطيين بغداد ودمشق لكن المركز والقلب النابض الجامع بنيها والذي هو البداية هم الحرم الثلاثة. ما قاله المراهق لا يستمد دلالته من قائله بل مما يطمح ليكون عليه غفيرا: إنه مركز الخلافة الأول وحامي الحرم الثلاثة والذي ليست الخلافات الثلاث الأخرى -دمشق وبغداد واستنبول إلا من نتائج ثوره المركز الاول الذي نزل فيها القرآن وتحدد فيها معالم ساسة الإسلام وإمبراطورية المسلمين. وفي هذا الذي يحصل المسؤولية ليست على هذا الغر بل على من وفر الفرصة لمثله حتى يصبح ما يقوم به قابلا لإغراء شباب السعودية بجنسه. ذلك أن غباء الفقهاء الذين يخلطون بين قيم الإسلام وعادات الجاهلية أوصلوا هذا الشباب إلى الاختناق وطلب التنفس حتى بالإلحاد لفرط غباء الوساطة والوصاية. خبث الاستراتيجيين الذين اختاروه لهذه المهمة تمثل في معرفة قدم أخيل في النظام السعودي أعني دور الوسطاء (كنسية الوهابية) والوصاية (فاشية الأسرة الحاكمة) جعلت الشباب بجنسيه يختنق فأصبح يطلب ما امر بأن يعدهم به وأن يطبق منه ما يغريهم وهم لا يدرون كوشنار لا يعنيه تحديث السعودية. ولا يعنيه حتى استتباعها فهي تابعة منذ نشأتها. ما يعنيه هو استعمال الحرمين لتمرير الصفقة الكبرى ولتفتيتهما بعد ذلك لأن كوشنار يريد ومعه كل الصهاينة الانتقام مما حدث لهم بالذات في عاصمة الخلافة الاولى أي المدينة وما حولها كما فعلوا في مصر بوضع السيسي عميل ناتنياهو. نفس الخطة. ذلك هو ما يعنيني إذا كان لي أن أتكلم في ما يجري على لسان هذا الغر. سيقضي على رزق شعبه وعلى كرامته التي هي بعد مداسة بل وعلى أسرته الحاكمة فيكون المآل إذا نجحت الصفقة هي تفتيت السعودية وعودة بنو قريضة إلى المدينة وربما قبلها عودة بني إسرائيل إلى مصر ليستعبدوها.