لسنا بحاجة للاستدلال حتى نقنع الشعوب بغباء ممولي الثورة المضادة.
لكنهم هم كل يوم يقدمون الأدلة على ذلك.
فما يسعون إليه من محاكمة لأفضل علمائهم، هو لغايتين، كانتا تنطليان على الشعوب وترضي منصبيهم عليها، لكنها لم تعد تنطلي على أحد: ذلك أن منصبهم لم يترك لهم خدعة إضفاء الطابع الثوري عليها.
ما مررته أنظمة الانقلابات العسكرية في النصف الثاني من القرن الماضي باسم الثورية التي سمح لهم بها منصبهم، والتي من جنسها ما يحصل باسم الممانعة، لم يعد بالوسع تمريره لأن منصبهم لم يترك لهم حتى هذه الخدعة لإخفاء العمالة والخيانة: صار يعلن عن أوامره ويفرض عليهم تطبيقها في الحين.
ما فعله عبد الناصر بسيد قطب باسم الثورة والوحدة والاشتراكية، ومثله جزارا البعث في العراق وسورية، ومثلهم ما يفعله حزب الله وإيران باسم الممانعة، يريد قردا السعودية والإمارات أن يفعلاه باسم مقاومة ما يسمونه مؤامرة الغرب على العروبة، أي ثورة الشباب
حرمهم حاميهم من استعمال هذه الخدعة.
لا أحد اليوم يصدق ما يمكن أن يلفق للشيخ العودة وأخوته المحتجزين في سجون السعودية والإمارات،
ولم يعد أحد يصدق ما يلصقونه من تهم بالشيخ القرضاوي ومنظمة العلماء المسلمين،
بل الجميع مدرك إلى أن هذين النظامين مثلهما مثل نظام سوريا ومصر ومليشيات الممانعة والملالي، مجرد دمى إجرامية.
حثالة الحكام من العبيد الذين يستعبد بهم الاستعمار شعوبهم، يحاكمون خيرة نخبهم ويصفق لهم أرذل المنتحلين لصفة النخبة من الطبالين في مصر وسوريا والسعودية والإمارات ومعهم المرتزقة في بقية بلاد العرب من سفهاء الإعلام ومنتحلي صفة الخبراء والنخب وخاصة في تونس ومصر أيامهم معدودة.
فليعذرني الاصدقاء في السعودية خاصة:
أليس للشيخ سلمان العودة ملايين المتابعين؟
أليس للعلماء الآخرين المسجونين نفس الأعداد من المتابعين؟
هل هم يتابعون العلماء للاغتذاء بالأقوال التي ليس لها أثر على الأفعال؟
ألا يمكن أن نقول الآن: كيفما تكونون يولى عليكم؟
لماذا لا يتحرك المتابعون؟
صحيح سبقناكم في الاستسلام للاستبداد والفساد.
لكن شبابنا تدارك الأمر ووقعت الثورة، ومن المفروض أن يكون شبابكم متضامنا مع مجايليه ومدافعا عن نخبه الصادقة لا أن يفرح بـ”الحريات الزائفة” مثل سياقة السيارة وفتح بعض الملاهي ذرا للرماد في العيون حتى لا تتحرك فيكم نخوة الشباب وطموحه.
هل يعقل أن تكون أجيال كثيرة درست في الغرب ومع ذلك تظل مستسلمة فلا تفهم الفرق بين حقوق المواطن الفعلية وبعض التفضل عليهم وكأنهم عبيد، كانت رشاوى بمعنى المكرمات، ولما شح لبن البقرة التي حلبها ترومب صارت الرشاوى الحريات الزائفة التي لا يمكن أن ينخدع بها شباب مثقف ومتعلم.
خذوها من تجارب الشعوب التي ثار شبابها قبلكم:
فالدكتاتور يبدأ بمن يسهل عليه اتهامهم ويرضي بتصفيتهم من نصبه، فإنه بعد ذلك سيمر لمن يسكتون عنه الآن.
كذلك عمل ابن علي مع اليسار الذي صفق لضربه الإسلاميين، وكذلك ترون السيسي يفعل مع كل الذين أيدوه على الإخوان وذلك ما سيكون مآلكم دون شك.
وبصرف النظر عن ذلك كله، فأنتم بعد مسحوقون أكثر من كل شباب العرب الآخرين.
ذلك أن البلاد العربية التي ليس لها ثروات قد تكون نخبها الحاكمة معذورة بعض الشيء.
أما أنتم، فمن المفروض أن تكونوا في وضع شبيه بما عليه الدول الغنية في أوروبا أو حتى من أجواركم مثل الكويت وقطر.