العمالة الصريحة، معادلة قوى العرب السياسية حكما ومعارضة

****

العمالة الصريحة، معادلة قوى العرب السياسية حكما ومعارضة

هذه تأملات في معادلة الساحة السياسية العربية كما كشفتها الثورة التي مثلت فيها ما يشبه ما يمثله هطول الأمطار في مدن العرب: كل ما تحمله المجاري يخرج إلى السطح فنعرف حقيقة “الأعماق” التي تخفيها النخب السياسية وندرك ما يفصل بين حليها الخطابي وعفنها الفعلي.
وسأعرضها بوصفي ملاحظا من خارجها بعدما اعتزلت السياسة التي اكتشفت أنها ليست مما يلائم طبعي أو بلغة الخصوم أنا عاجز دونها فتركتها لأهلها الذين لهم ما سأصف من القدرات الخارقة والمناسبة لعصور الانحطاط وأخلاق السماسرة. فالقوى السياسية تنقسم إلى صنفين واضحين:

  1. الأنظمة العميلة صراحة للصهيونية
  2. والانظمة العميلة صراحة للصفوية.
    وهي أنظمة المحميات العربية التي هي صنفان محميات إسرائيلية ومحميات إيرانية بسند من أمريكا للأولى ومن روسيا للثانية. وهذان الصنفان هما فرعا الثورة المضادة العلنية تمويلا وحربا.
    ولكل من هذين الصنفين صنفان يزعمان معارضتهما في بلادنا:
    • اليسار
    • والقوميون.
    وكلاهما يدعي معاداة حليف الثاني لكنه حليف حليفه.
    فالقومي واليساري في تونس يدعيان الثورة ويتحالفان ضدها.
    وإذن فالأول صديق عميل الصفوية (بشار).
    والثاني يحالف صديق الصهيونية (السيسي):
    والعميلان متحالفان ضد الثورة.
    وإذن فالمعارضان المزعومان القومي واليساري العربيين عميلان لعميلين في الاقليم:
    • القومي عميل لبشار الذي هو عميل لإيران
    • والثاني عميل للسيسي الذي هو عميل لإسرائيل.
    والمعادلة تبين أن اللعبة بين نهاية هذه السلسلة هي جوهر اللعبة بين الذراعين إيران وإسرائيل فهما يبدوان متصارعين.
    لكنهما في الحقيقة يدعمان عميلين كلاهما يريد مساعدتهما على احتلال الارض العربية وتغيير البنية الديموغرافية للإقليم بأسلوبين مختلفين مع خطاب تصارعي وفعل تعاوني على تحقيق هذه الغاية: إخلاء الاقليم من قوته الفعلية أعني ما من المفروض أن تمثله ثورة الشعوب التي تريد حكم نفسها بنفسها.
    فتكون عمالة الرتبة الرابعة -المعارضات العربية التي تحارب الثورة أي القوميون واليساريون مع ادعائها واعتبار أنفسهم هم ممثلوها الحقيقيون-عمالة لإيران وإسرائيل بتوسط عربي هو بدوره عميل لإيران وإسرائيل بل كلاهما عميل لكليهما لأن إيران لا تستطيع ضمان بقاء بشار من دون رضا إسرائيل.
    وما كان بوتين يستطيع انقاذ إيران في سوريا لو لم تكن مافيات روسيا التي تأتمر بأوامر الصهيونية راضية بذلك ليس حبا في إيران بل خدمة لإسرائيل التي لا يمكن أبدا أن تقبل أمرين: أن يصبح السوريون أحرارا وأن تنفتح الحدود بين العرب والأتراك فيسقط سايكس بيكو.
    هذا هو مستوى المعادلة الأول.
    فلمعادلة القوى السياسية العربية مستويات عدة.
    ويكفيني ذكر مستويين آخرين ميكرو وماكرو.
    والأول هو الأدنى وتمثله اختراقات إيران وإسرائيل لبقية القوى السياسية التي تدعي تمثيل الإسلام السياسي أو الوطنية القطرية أعني مثلا النهضة ومن يدعون البورقيبية في تونس وبقية الأحزاب الهامشية.
    ولما كانت أنظمة الثورة المضادة العربية تابعة إما لإيران أو لإسرائيل صراحة بعد الثورة لكنها كانت كذلك قبلها وإن دون صراحة تعلمت منهما فهي إذن تخترق هذه القوى السياسية في كل قطر عربي وقد تبين ذلك في مصر وفي ليبيا وفي اليمن وهي على قدم وساق في تونس بقيادة رئيس أرذل العمر.
    وما جعلني فعلا أبتعد كل يوم مسافة أكبر من كل إسلامي متعجل للوصول إلى الحكم بشروط الصهيونية والصفوية هو تأكدي أنهم مقدمون على ذلك بل وتجاوزوا كل الحدود لأنهم بالتدريج باتوا إما يهددون بالاقتراب من إيران أو يتوددون لإسرائيل وإن بصورة غير مباشرة عن طريق لوبياتها في أمريكا.
    لكن اختراق الحزبين الأكبرين في تونس مثلا جعلهما مثل قطعة الجبن فهما مخترقان إلى النخاع من عملاء واضحين لإيران أو لإسرائيل أو لهما معا لأن السياسة صارت “سوقا ودلالا” للسوقة من القوى السياسية كما يتبين من تجارة النواب في مجلس النواب: من يدفع أكثر يمكن أن يكون كتلة ثم اغلبية وتلك عندهم شرعية مطابقة للدستور.
    وتونس ليست حالة شاذة في ذلك.
    وهذه المعادلة التي سميتها “ميكرو” تناظرها معادلة سميتها “ماكرو” وهي التي تمثلها القوتان الكبريان وإحداهما أكبر وهي في الحقيقة المايسترو أعني أمريكا لأن روسيا ليس لها قوة فعلية عدا عنتريات بوتين.
    فما يسمح له به هو لتخويف أوروبا وإبقائها محمية أمريكية وللتحكم في مقدرات الإقليم بضفتيه حول البحر الأبيض المتوسط.
    ذلك أن أمريكا لم تعد تعتبر روسيا ندا بل من تعتبره ندا وتستعد له هو الصين وربما الهند والبرازيل وهذه هي أعمدة نظام العالم الذي بدأ يتشكل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وهدف هؤلاء الآن هو تصفية الجو في إقليمين كبيرين يتنافسون عليها. ونحن المسلمون في الوسط بينهما ولذلك صرنا البؤرة.
    نحن المسلمون صرنا بؤرة الصراع العالمي بين قوى النظام العالمي الجديد لعلل كثيرة أهمها الجغرافيا والتاريخ. فما في أرض الإسلام بل موقعها بين القطبين الاكبرين وما في تاريخها بل وموقعها بين الحضارتين القديمة والحديثة كل ذلك يجعلنا موضوع الصراع للسيطرة على العالم بحاره وممراته.
    واقليمنا هو بؤرة البؤرة: فلا يمكن تخيل الاستئناف الإسلامي من دون أن ينطلق من الاقليم الذي هو مصدر نشأته الأولى وخاصة حداه المؤسس (العرب) والمحافظ (الأتراك) وما بين حديه أي السند من أقوام الاقليم غير المعادين للإسلام أعني الأكراد والأمازيغ وسودان افريقيا في الصراع مع الغرب.
    عبارة “غير المعادين للإسلام” هي لاستثناء إيران التي لم كانت ولا تزال دائما حليفا لأعداء الاسلام سواء كانوا صليبيين أو مغوليين من الشرق أو استرداديين (البرتغال) أو استعماريين أو اخيرا مغول الغرب (الولايات المتحدة وعودة مليشياتهم على ظهر دباباتها لتهديم العراق).
    وأعلم أن الكثير بحسن نية أو بسوء نية يعتبرون هذا الكلام طائفيا. وهي تهمة تستعملها إيران في خطابها في حين ما أقوله هو تاريخ معلوم للجميع لم ينقطع من البداية-اغتيال الفاروق- إلى الآن وهو عقيدة صريحة في المذهب الذي هو تخريب للإسلام باسم آل البيت: التشيع هو جوهر الطائفية الصفوية.
    وإيران وعملاؤها من العرب يعلمون أني لا أعادي الإيراني والفارسي لأنه إيراني وفارسي.
    فعندي كإنسان أولا وكمسلم ثانيا العلاقة مع أي إنسان تحددها النساء 1 (كلنا اخوة) والحجرات 13 (متساوون ولا نتفاضل إلا بالتقوى) لكن من كان منهم محاربا للإسلام وللعرب لا يمكن أن يكون صديقا.
    ولا يعتبر هذا الحكم ميلا إلى إسرائيل إلا من بلغ به السخف والسذاجة الظن بأن العرب مجبرون على الاختيار بين عدوين لاتباع أحدهما أو أن الإنسان لا يكون له إلا عدو واحد إذا عينه وجب عليه أن يصادق البقية.
    إسرائيل عدو.
    إيران عدو.
    والحلف مع أي منهما خيانة للأمة: لنا طريق أخرى.
    واعتبر من يحاربه صراحة أقل عداوة لي ممن يتنكر بالإسلام وبكذبة آل البيت -ليس في الإسلام وساطة روحية ولا وصاية سياسية-هو الأعدى. لذلك فإسرائيل عدو صريح ولا يستطيع المس بالإسلام لأن مجرد وضوحه يحول دونه وذلك. لكن إيران تريد مثلها الارض وتخرب الإسلام فهي إذن أعدى.
    والطريق الأخرى معروفة للجميع:
    فمن يحاربه هذان العدوان وعملاؤهما هو الحليف الحقيقي الوحيد وهو الذي استهدف في سايكس بيكو مثلما استهدفنا وبخيانة الامة ومحاربة رمز وحدتها على علاته بتفتيت أحيازنا الجغرافية سر قوتنا المادية والتاريخية سر قوتنا الروحية ومن ثم سر الأسرار: القرآن دستور الإسلام.
    وهكذا يتبين أن”الماكرو” هو بيت القصيد: ماذا تريد أمريكا ومعها روسيا من هذا التركيز على قلب دار الإسلام؟
    اقتنعوا أن سايكس بيكو فشلت فاستأنفوا ما يكمله حسب رأيهم أي المزيد من التفتيت الجغرافي لمنع التنمية المادية والتاريخي لمنع التنمية الروحي والمرجعي لمنع استئناف دور الأمة الكوني.
    ومن هنا نفهم سر إبداع خدعة داعش واستغلال غباء الجهاديين الذين صاروا لعبة بيد الاختراقات المخابراتية لتلك المستويات التي وصفت: فهم لعبة في خدعة صفوية وصهيونية بيد الأنظمة التوابع لهما والنخب التوابع للأنظمة التوابع -مليشيات القلم-لإنتاج داعش لتهديم المعالم السنية النسقي.
    وذلك يمكن من تبرير فعلي للقضاء على الوجود الحضاري والبشري للقوة التي يعلمون أنها هي التي تحول دون استكمال سايكس بيكو وبدأت تهدد وجوده.
    ولذلك فالمستهدف الأول والأخير هو العرب والأتراك في بؤرة البؤرة العالمية.
    فالعرب هم بداية دولة الإسلام والأتراك هم غايتها وقد بدأوا يستعدون قوتهم.
    لذلك حاولوا أسقاط النظام التركي واسقطوا جل الانظمة العربية التي كان يمكن أن تسترد وعيها فتتجاوز مرض القومية التي فتتت قلب دار الإسلام. فأعادوا العراق وسوريا إلى الطائفية بنفس ما برر به أصحاب سايكس بيكو حربهم على سنة الإقليم في الهلال وفي بقية دار الإسلام: داعش الشيعية او الحشد.

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي