لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
من يريد أن يفهم ما يجري في بلاد العرب فهما موضوعيا -جوابا عن سؤالي في المحاولة السابقة ماذا دهانا نحن العرب – لا ينبغي أن يقتصر على مسلمتين لا تكفيان للتفسير:
- خبث الأعداء
- وعمالة البعض من العرب.
فمهما تخابث الأعداء ومهما نسبنا إلى مشروعهم وخططهم من طابع جاذب فإن ذلك لا يكفي أولا لتفسير تفاني من يعمل معهم منا ضد أمته وشعبه ولابد من عامل آخر يساعد في الفهم ولعله الطابع الطارد لغياب المشروع لدينا أو للعجز عن التعبير عنه.
بعبارة أوضح:
- ما الذي يجعل المليشيات الخمس -الباطنية والصليبية والعلمانية والليبرالية والقومية الفاشية- يجذبها مشروع الأعداء لتحارب شعبها؟
- وهل فقدان المشروع المحرك للطموح الفعلي المناسب للعصر هو من أسباب الطابع الطارد للأنظمة والحركات السنية؟
ولا يفسر ذلك بالغباء لأن المليشيات هي أقوى سلاح إيراني وإسرائيلي
ولا بخيانة فطرية لبعض نخبنا وشعبنا التسليم بها هروب من التفسير المقنع.
ينبغي أن نطلب العلل العميقة التي لا تكتفي بمظاهر المواقف.
ومهما نسبنا إلى الأعداء من الخبث والاغراء فإن وصول المليشيات الخمس إلى هذا الحد من الحقد على الإسلام السني وعلى العروبة محير فعلا.
كما لا يمكن أن نفهم الذهول العام عن شروط التصدي الناجع بما يكاد ينزل إلى مستوى اللامبالاة بما يجري.
لذلك فلا بد من حسم التردد في البحث المعمق على الجانب الثاني:
ما الذي يجعل الإسلام السني والعروبة يصبحان بهذه الدرجة من الطاردية للنخب ؟
وكيف نفهم العقم في الحكم ونخبه وفي المعارضة ونخبها في آن؟
إذا اقتصرنا على التفسير بذكاء خطط الأعداء فقد سلمنا بغباء خططنا الإعلامية والاستراتيجية.
لكن ذلك رغم قدر كبير من صحته فإنه لا يكفي:
فالأمر يتجاوز الخطط الظاهرة إلى ما هو أبعد غورا.
إذ علينا أن نفسر هذا التقصير في الخطط الاعلامية والاستراتيجية بما هو أعمق فهو تقصير يعبر عن أنظمة حكم ونخب تدير هذه العملية بمرجعية ما قاصرة على فهم المرحلة وشروط التصدي لها باقتدار.
فهل العيب في
- من يدير الخطط الإعلامية والاستراتيجية
- أم هو في المرجعية
- أم في علاقتهمـا بالمرجعية وبكيفية تكييفها مع ظروف المعركة الجارية ؟
تلك هي الأسئلة التي سأحاول البحث فيها قريبا بعد أن بدأت أراجع الموقف الذي يغلب الاهتمام بالتصدي الحيني دون أن يسأل بحق عن علل فوضى التصدي.
العلاج المقبل إن شاء الله بحث في “علل فوضى التصدي” وأسباب العجز الحالي في المقاومة.
فهذا العجز هو علة ما تعاني منه الثورة في الشام من تفتت ناتج عن ظاهرة أمراء الحرب في ثورة السنة.
لكن لا ينبغي أن نفهم بأمراء الحرب الظاهرة التي تقتصر على ما عرفت افغانستان بعد طرد السوفيات فهذا هو المعنى المباشر وله ما أعمق
وراؤه. حرب أمراء الحرب الأهلية النوع الأول بين أمراء السيف.
لكن أمراء القلم حربهم الأهلية أخطر واشد وطأة على نهوض الأمة.
يوجد خلل ما عميق الجذور في القاعدة الفكرية التي تصل المرجعية الروحية للسنة بمجالات تنزيلها وصلا يحقق الفاعلية في صورة العمران ومادته :
فالجهل بالشروط التي حددها الإسلام للاستعمار في الأرض وللاستخلاف كلها مهملة في حياة المسلمين.
لذلك فالبحث سيتعلق بالأسس العميقة لفقدان ثقافة السنة الحالية للفاعلية التاريخية التي تجعلها تتفتت هذا التفتت فتفقد شروط التصدي الناجع:
ثقافة الإرادة الحرة والعقل المبدع والقدرة الفاعلة والحياة ذات العنفوان والوجود الحر وغير التابع.
بكلمة واحدة:
- هل نحن حقا مؤهلون لحمل رسالة الإسلام بوصفها استراتيجية استعمار الإنسان في الأرض بقيم الاستخلاف الذي يشهد على العالمين؟
- هل نحقق شروط الآية 60 من الأنفال أي شروط الحماية المادية والرمزية (العلوم والتقنيات والدفاع والتحرر من الهشاشة السياسية).؟
ولست أتخلى عن تحميل المليشيات وذراعي الغرب مسؤولية الكثير من مآسي الإقليم:
يكفي أن أمريكا وأوروبا وإسرائيل يسكتون عن حقيقة الإرهاب وينتظرون من الذراعين والمليشيات تفتيت الجغرافيا السكانية:
إسرائيل في فلسطين هي حقيقة الخطة في الإقليم السني كله.
فيكفي أن نذكر بكل ما حدث في لبنان حتى قبل الربيع العربي وبما أثبتته محكمة الجنايات الدولية بل وبما وجه حتى لأمريكا نفسها لنعلم القصد.
كل ذلك أمريكا لا تسميه إرهابا ولا تجند له الأحلاف لأنه لا يمثل خطرا حقيقيا على مشروعها الذي هو عين مشروع خلق أمريكا نفسها:
تفريغ الأرض من سكانها وتغيير الجغرافيا البشرية لتمزيق اللحمة الاثنية والثقافية كما فعلوا في أمريكا واستراليا سابقا.
الغرب عامة وأمريكا خاصة لا يمكنهما أن يبقيا سادة العالم إذا قامت قائمة للاغلبية في الإقليم:
- فهي يمكن أن تصبح قطبا ندا.
- والند لا يكون عميلا.
- واستعمال الذراعين -إيران وإسرائيل مباشرة وداعش والمليشيات بصورة غير مباشرة- أداة تهديم هو الجاري حاليا.
الأولوية هي إذن للقضاء على من يمكن أن يكون ندا ومن ثم عائقا لطموحات القوة الأولى وذراعيها ومن ثم فلا بد من تفتيت قواه المادية وتشتيت قواه الروحية وتعويضه بذراعين قابلين للخدمة بل ذلك جوهرهما.
ومن ثم فما عرفته إيجابا قبل قليل تعريفه السلبي هو الجواب عن سؤال :
هل نحن مدركون لشروط التصدي للمشروع الذي هدفه تعويض الأغلبية العربية السنية بالذراعين الخادمين للمشروع الغربي أي إيران وإسرائيل ومليشياتهما العربية؟
فالمشروع الغربي هو الاستعداد للأقطاب الجديدة في النظام العالمي الجديد وهو لا يحاربنا لأننا نمثل خطرا حاليا بل لأننا عائق لما يحقق به طموحه:
فشرط بقاء الغرب سيد للعالم هو استعمار المركز الروحي للإسلام أي هذا الإقليم الذي غالبيته عربية سنية.
وبالأحرى منعه من الاستقلال لأنه مستعمر بعد:
فالمركز هو الوطن العربي أي جل الإقليم الواصل بين العالمين الغربي والشرقي والمقابل لأوروبا.
والموقف الحقيقي منا هو ما يعتقده قادة الغرب ويخفونه ولا تجده صريحا إلا عند يمينهم المتطرف كلوبان وبيجيدا والمسيحية الصهيونية.
وإذن
- فإيجابا سؤالنا هو هل نحن أهل لحمل الرسالة الإسلامية بما هي استعمار للإنسان في الارض بقيم الاستخلاف
- وسلبا هل نحن قادرون على التصدي
فيكون بحثي المزمع هو الجواب عن الوجه الموجب بعد أن تكلمت بما يكفي في الوجه السالب:
- ما الذي ينقصنا لنكون أهلا لحمل الرسالة بحق وصدق؟
- ولماذا يعتبره الغرب ممكن الحصول فيستعد له ليمنعه ويهزأ منه عملاؤه من سخفاء المتثاقفين؟
قد يعاب على إيلائي كل هذه الأهمية للإقليم عامة وللعرب خاصة في استراتيجية الغرب ليبقى سيدا في نظام العالم الجديد:
أليس هذا من جنون العظمة لدى المسلمين عامة والعرب خاصة ؟
إذا اقتصرنا على الظاهر فهذا الاعتراض سليم.
ذلك أن الإقليم عامة والعرب خاصة ليس لهم وزن يذكر عند النظر إلى ما لهم من قدرات بالفعل.
فلكأن نملة تصارح فيلا.
لكن القوة لا تقاس بما هو بالفعل فحسب بل بما هو بالقوة خاصة إذا كان صاحبها ذا سوابق تبين حقيقة قوته.
لكن الاستراتيجيا لا تبنى على الموجود بالفعل فحسب بل هي تقرأ ألف حساب للموجود بالقوة فضلا عن أن الدهاة من أصحابها لا ينسون الماضي.
فنحن يمكن أن نتسامح لاعترافنا بكل الأديان والحضارات أما وجودهم فمبني على نفي التنوع والاختلاف.
ولنبدأ بعدم نسيان الماضي.
الا ترون أن المليشيات الخمس همها الأول في الحرب النفسية هو التحقير من العرب وتبجيل ما تقدم على الإسلام من حضارات وأمم معتبرين العرب بدوا والإسلام دين تهديم لا بناء ؟
فالعلة بينة:
هذا تذكير لما يريد أن يحول دون الإسلام والعودة إلى التاريخ بما حصل في بدايته وطيلة تنافسه مع أوروبا والغرب وأحصنة طروادة من داخل دار الإسلام وأهمها المليشيات التي ذكرنا.
بكلمة وجيزة:
الإمبراطورية الحالية -أمريكا- لا تريد تكرار أخطاء امبراطوريتين احتقرتا العرب والإسلام فإذا به يخرجهما مما أصبح اليوم دار الإسلام:
دار الإسلام تتوسط بين الغرب والشرق وخاصية بين الأقصيين منهما (أمريكا والصين).
ذلك ما لا يريدون نسيانه وهو ممكن لأن شروطه موجودة بالقوة حتى وإن كان المسلمون ليس لهم نية العدوان على أحد بل المحافظة على حرياتهم.
لكن مجرد الحرية والندية تعتبر عندهم حائلا دون الأداة الوحيدة الباقية لديهم للبقاء قوة أولى في العالم.
ذلك هو الأمر الأخطر على وضعنا الاستراتيجي:
بم يمكن للغرب أن يسيطر على النظام الجديد؟
العلم والتقنية صارت في متناول الجميع بشرط الحجم (الصني واليابان إلخ…) ونحن نمثل عائقا أمام حيازة شرط التفرد بمعين الحياة الصناعية موقعا ومواد.
والتقدم التقني أيضا لم يعد حكرا على الغرب وأساسه العلمي كذلك.
فإذا أضفنا أن شعوب الغرب قد شاخت وأنها ديموغرافيا في تناقص فإن المشكل أصبح البحث عن أدوات سيطرة أخرى تحفظ المكانة الأولى للإمبراطورية الأمريكية.
وتلك هي مأساتنا حاليا فنحن لا نستطيع حماية ما نملك:
فهذه الأدوات هي ما يراد أخذه من دار الإسلام أي أساس كل حضارة سياسيا واقتصاديا: توسط المعمورة وحيازة كل أنواع الطاقة.
فمن لم يفهم هذه المعطيات يمكن أن يتهم تحليلي بأنه ناتج عن جنون العظمة عند بعض الإسلاميين.
لكن إذا حلل الأمر بموضوعيه سيدرك السر.
فالمخططون الاستراتيجيون يحددون مراحل العمل بمقتضى الحوائل دون الهدف.
هل يتصور أحد أن أمريكا لا تعلم من هو سبب الإرهاب؟
وهل يتصور أحد أن مفكري الغرب لا يعلمون فضل الإسلام التاريخي في تاريخهم هم بالذات؟
لكنهم يطلبون من يعتبرونه عقبة أمام طموحهم لحيازته الممكنة شروط بقائهم قوة أولى في نظام العالم الجديد.
إنهم يعلمون ذلك جيدا.
لكن ما وصفت من فقدانهم احتكار أسباب القوة مع الانحطاط الديموغرافي يخيفهم من أمة ذات تاريخ عظيم وشابة ولها ما وصفت من القدرات الكامنة والتي لن تبقى دائما كامنة.
لذلك فالاستراتيجيا -وهي مفهومة ممن يتصورها ممكنة كما يحاولون الآن- تقتضي منع المسلمين عامة والعرب منهم خاصة من النهوض لأداء دور كوني.
وذلك أمر ممتنع بحسبان القدرات التي ستصبح بالفعل تدريجيا.
وهدفي أن أبين أن هذه الاستراتيجيا دلالة على الحمق الغربي وجنون ذراعيه (إيران وإسرائيل):
لن ينتصر أحد علينا والحرب ستعجل بترهل الغرب وحينئذ لن يجد الذراع حاميا بل سيتركون لضعفهم.
فيمكن للغرب لو كان بحق عقلانيا أن يحقق ما يبقيه قويا بتعامل ندي معنا إذ إن نهوضنا مع ما بيننا من قيم مشتركة ضروري لتوازن نظام العالم
لكن حربه علينا يمكن أن تحول دوننا والنهوض لمدة لكنه لن تستطيع منعه بصورة مطلقة أو دائمة.
ففي الغاية هو الذي سيتردى ونحن أمة شابة نستطيع بالمطاولة أن نجعله يفقد شروط بقائه قوة ومناعة:
مأساة الهنود الحمر لن تتكرر.
ما يسميه الغرب إرهابا جله من صنعه ومن صنع ذراعيه ومليشياتهما.
ما يقوم به شبابنا هو مقاومة تحريرية ضد العدوان الساعي لاستضعافنا واستتباعنا وتحررية ضد استبداد عملائه وفسادهم.
طموحنا التاريخي حق ولا يدل على جنون عظمة فهو حقيقة مكتوبة في جغرافية العالم (دار الإسلام من أوسع جغرافيات العالم) وتاريخه من اثرى التواريخ الحية:
- نحن قلب المعمورة جغرافيا
- وقلب الحضارة تاريخيا
- وجامعين بين ثقافتي العقل والنقل.
نحن أمة الوسط بالمعاني الخمسة:
- جغرافيا
- وتاريخيا
- وقيم اجتماعية
- وقيم خلقية
- وخاصة جمعا لضربي العلاقة بالوجود بالتراثين الديني والفلسفي اللذين كنا ولا زلنا حافظين لجل ما أبدعته الإنسانية فيهما سابقه ولاحقه بمنطق التصديق والهيمنة.
قد لا أعيش لأرى ذلك حاصلا بالفعل.
لكني أسهم بما أستطيع لنقل ما هو بالقوة إلى ما هو بالفعل ولي ثقة مطلقة في أن شبابنا بجنسيه سينجح حتما لأن تحركه دوخ أعداء الامة بقدر ما جمعوا له.
إني مؤمن وثيق الإيمان بأن الله لا يخلف وعده:
فلا يمكن أن نكون أمة الوسط التي تشهد على العالمين من دون سيادة عالمية هي غاية الإسلام ولصالح الإنسانية التي فقدت الوعي فخضعت للبربرية التي تفسد في الأرض وتسفك الدماء.
أعلم أن اشباه المثقفين يولون ساخرين.
كم سخر أجدادهم من الرسالة في نشأتها الأولى.
فليسخروا من الاستئناف ما عن لهم.
والأيام بيننا:
سيرون مآل المعركة التي سيكون النصر فيها لغالبية اهل الإقليم بإذن الله وعونه.
معركة الكاريكاتورين هي التي ينبغي أن تتوقف :
التأصيل لا ينافي التحديث إذا كانا بحق كما تقتضيه طبيعتهما العقلية لا كاريكاتور الأنصاف الذي ذكر منهم ابن تيمية الأربعة الأول من الثبت التالي.
والأنصاف هم بالذات المليشيات الخمس:
- نصف الفقيه الذي يفسد البلدان
- ونصف الطبيب الذي يفسد الابدان
- ونصف المتكلم الذي يفسد الأديان
- ونصف اللغوي الذي يفسد اللسان
- ونصف الفيلسوف الذي يفسد الفرقان.
وكلهم من طحالب المسرح الكوميدي الرسمي للمعركة الجارية بين التاصيل والتحديث الكاريكاتوريين.
شباب “إذا الشعب يوما اراد الحياة * فلا بد أن يستجيب القدر” بجنسيه تجاوز الكاريكاتور وثار من أجل التحرر من الاستبداد والفساد والتحرير من الاستضعاف والاستتباع.
فهذا الشعار بحد ذاته نقلة نوعية في التحرر من تحريف مفهوم القضاء والقدر الذي كان علة انحطاط الأمة:
فيه استعادة لدور المسلم في التاريخ
ومن ثم فهو بداية الثورة على التحريف العقدي الذي علل تخلف الأمة لقرون.
وما هو في الحقيقة إلا ترجمة شعرية للآية المتعلقة بسنة التغيير كما حددها القرآن الكريم (الرعد 11):
الله نفسه شرف الإنسان بهذا الدور دور الفاعل في التاريخ وذلك هو جوهر الكسب الذي يساعده الفعل الإلهي دون أن يكون بديلا منه.
قد لا يكون الشابي قصد ذلك.
وقد لا يكون الشباب الثائر مدركا بوعي شفاف لهذه الحقيقة.
لكن الثورة بحد ذاتها تعني المعنيين باختيار الشعار الذي ناسب ما تتطلبه المرحلة في استئناف الأمة دورها الكوني.
لذلك فثورة التحررمن الاستبداد والفساد والتحرير من الاستضعاف والاستتباع لم تكن مجرد فزة جوعى وإلا لما زلزلت كل الإقليم:
ثورة الاستئناف
هي التي زلزلزت الإقليم
وهي لم تكن مؤامرة من الغرب بل الرد عليها بالثورة المضادة هو المؤامرة.
ولنباشر في الختام دليلا بالخلف على أن مشروع أمريكا وذراعيها هو ما بسطنا هنا
إذ لو كان عكسه لما دفعوا ما يدفعون من كلفة كان عشرها يكون كافيا لتحقيق ما يطلبون في الخطاب الرسمي.
فكلفة مساعيهم في هذه الحروب لا تتناسب مع هدف دون ذلك.
فصدام حسين مثلا تنازل تقريبا عن كل شيء وحقق كل ما طلبوه منه.
ومع ذلك صرفوا ما لا يقدر للإطاحة به ووصل قتلى أمريكا ما لا يحتمل:
فما الغرض؟
لا يمكن أن يكون فوضى خلاقة بمعنى تحقيق ما شرعنوا به تدخلهم.
ولما كان كل الحكام العرب بل وكل حكام الإقليم لا يعصون أمرا لأمريكا فلم إذن تكلف نفسها هذا العناء والتبذير لو كان الرهان دون الحجم الذي وصفنا؟
لو كان الأمر مقصورا على التمكين لإسرائيل أو على الإبقاء على سلطانها على الإقليم لكان الحفاظ على الوضع الحالي أقل كلفة.
الرهان هو منع ما يمكن أن يكون لغالبية سكان الإقليم اي نحن من إمكانات رهيبة لو تمكنوا من نقل ما لهم منها بالقوة إلى الفعل فصاروا سادة بلادهم.
لذلك فالرهان هو عمل كل شيء مهما كلف لمنع النهوض العربي الذي هو قلب العالم الإسلامي السني.
فأن يصيروا سادة بلادهم يعني قطبا آخر على الأبواب بيده ما يمثل أداة أمريكا لخنق الأقطاب المنافسة أعني الموقع الجيوسياسي وأصناف الطاقة لعلمها بأن ما في هذه الأقطاب منها لا يكفي حاجتها.
كل أصناف الطاقة: البترول والغاز والشمس وخاصة الديموغرافيا بجوار أوروبا التي تعاني من الشيخوخة والتي يخشون لهذا وحده إسلامها المنظور.
غالبية سكان الإقليم عربية سنية مع وحدة ثقافية (اللغة والتراث) وعقدية (الإسلام) ومساحة شاسعة مفتوحة على كل البحار الدافئة.
ولما كانت الدول -ذات القيادات التي تحاول تحقيق شروط مناعة أوطانها بخلاف دولنا- لا تبذر ثرواتها من أجل المماحكات بل هي تفعل لاسباب استراتيجية بعيدة المدى فإن الهدف غير المعلن في الخطاب الحالي.
ولما كان الهدف الذي يمكن استنتاجه من السعي للسيطرة على بلادنا ليس للتوسع الجغرافي في غزوات للأبهة فإن الموقع الجغرافي السياسي واصناف الطاقات هي الشرط الضروري لمن يريد المحافظة على منزلته في سباق العماليق.
ذلك أن كل ما كان الغرب يحتكره من أسباب القوة أصبح في متناول أي جماعة ذات قيادة راشدة تسعى لاكتساب العلوم والقدرات التي تمكنها من ربح المنافسة مع الغرب لفقدانه أهم اسرار القوة الحيوية.
وقد بينت ذلك سنة 2006 في محاضرتي حول أزمة الهوية في العالم (نادي الحاحظ).
فالمعلوم أن أهم هذه الأسباب هي أمراض الغرب الوجودية والخلقية هي مرض العجز عن تجديد الأجيال بالقدر الكافي:
فاليأس الحيوي الذي أصاب الغرب جعل الرجال والنساء يتنصلون من كلفة تجديد الأجيال بحيث لم يعد الفرد في خدمة النوع.
والإعياء الوجودي المصحوب باستحالة تعويض البايولوجي بالتكنولوجي هو بداية الانقراض الحضارات.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/