الصلاح في المصالـحة
– مصر واستراتيجية استعادة دورها –
لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
مقدمة:
أستأنف محاولتي في تأملات فلسفية حول العلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ بوصفها جوهر ما يتمز به الديني من المنظور القرآني مع وصلها بالحدث الذي يمثل تعينها التاريخي في صلة بمرجعتيها ما بعد التاريخية.
فالوصل بالحدث -بهذا المعنى فلسفي مرتين بالتاريخ هو فلسفة تاريخ وبالمرجعية هو فلسفة دين- لذلك فلا بد من المراوحة الدائمة بين هذين القطبين اللذين يمثلان جوهر المفهوم القرآني للدين الخاتم.
والصلة هي ما به أستأنف محاولتي في تأملات فلسفية حول العلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ بوصفها جوهر ما يتمز به الديني من المنظور القرآني مع وصلها بالحدث الذي يمثل تعينها التاريخي في صلة بمرجعتيها ما بعد التاريخية.
وهي كذلك ما يمكّن من فهم العلاقة بين ما قد يوقف النقلة النوعية التي أحدثتها الثورة في تاريخنا الراهن (الاستئناف) وسعي الاستعمار غير المباشر وأذرعه لمنع الاستئناف.
وإذا كان ما يحدث في الشام والعراق هو أبرز علامات هذا السعي فإن بؤرته تقبل الرد إلى ما بلغ اليه من نجاح في إخراج مصر من اللعبة شبه الكامل من معاهدة داود إلى انقلاب السيسي.
ما مشكل مصر الحالي؟
فالمشكل في مصر لم يعد قضية خلاف بين قوى الديموقراطية وقوى الاستبداد فحسب ولا بين العسكر وحلفائه والاخوان وحلفائهم فحسب بل هو منزلة مصر ودورها أعني ما ينبغي أن يكون مظلة مشتركة للجميع.
ذلك أن دور مصر ومنزلتها في الإقليم والعالم غاية جامعة لعلتين:
فاسترجاعها يتحقق بحل وسط بين الصفين. بقيادة أحد الصفين بمقتضى توازن القوى كما يثبت تاريخ الأمم.
لكن ذلك مشروط بألا يستثني الصف القوي ماديا الصف الثاني القوي معنويا فيكون استئصاليا لأن تجنب ذلك هو شرط السلم المدنية التي يمتنع من دونها تحقيق جبهة داخلية تحفظ الدور والمنزلة.
وهذا الهدف المتجاوز لغايات الصفين الخاصة بهما يمكن إذن من تحديد شروط المشاركة.
إنه شرط قوة الجبهة الداخلية المتصدية لإلغاء دور مصر من قبل أعداء خارجيين.
ذلك أن عكس هذه المشاركة هو تحول كلا الصفين إلى المشاركة في إلغاء الدور بتعميق هشاشة الجبهة الداخلية من خلال حلف ظاهر أو خفي مع الساعي لإلغاء الدور.
فيصبح كلا الصفين معول تهديم في حربه على الصف الثاني بحلف مع الساعي الأجنبي لتحقيق هذا الهدف:
إخراج مصر من اللعبة بإغراقها في حرب أهلية معقدة لأنها مخمسة الابعاد.
خطة الإفشال: تحويل الثورة إلى حرب أهلية
والحرب الأهلية في هذه الحالة تحول كلا الصفين كذلك إلى حرب أهلية داخله:
فينقسم العسكر ومؤيدوه وينقسم الأخوان ومؤيدوهم فنجد خمسة حروب داخلية.
فتكون:
اثنتين في القوتين الرئيسيتين العسكر والأخوان
ثم اثنتين بين كل قوة ومشاركيها في المعركة بين الصفين
ثم الحرب الأهلية الشاملة للجميع.
وكل ذلك لمنع حسم الحرب الأهلية الكبرى بأربعة حروب أهلية فرعية اثنتين في كل صف من صفيها حتى يكون كل صف عاجزا على حسمها وحتى تستمر الحرب بلا نهاية فتنهار مصر.
هذا هو التشخيص.
فما الحل؟
ينبغي أن ننتبه إلى أن الحرب الأهلية الشاملة بين الصفين تخضع لمنطق الاستئصال وأن الحرب الأهلية في كل صف تخضع لنفس المنطق.
فإذا أدركنا أن الخلافات بين الصفين ليست بحد ذاتها هي علة الحرب الأهلية بل منطق الاستئصال الذي اختارته ومثلها في كل صف على حدة بانت سبيل الحل:
كيف نتخلص من منطق الاستئصال.
هنا تنقلب العلاقة بين الحربين الشاملة والجزئية:
فالاستئصال في كل صف هو الذي يؤدي إلى الاستئصال بين الصفين. وإذن فعلة الحرب الأهلية كامنة في فهم خاطئ للوحدة والتعدد.
تجنب الاستثناء المتبادل في صف الثورة
وسأكتفي بتحليل ما يسمى اليوم بالخلاف أو بالانشقاق في جماعة الإخوان.
فهو انشقاق الذي يظنه الكثير سببا في تعثر مقاومة الثورة المصرية للانقلاب في مصر حاليا.
وفي الحقيقة -كما حاولت بيانه للصديق أيمن نور لما كرمني فاستضافني ليلة أمس الخميس- فإن هذا الانقسام إذا أحسنت القيادات فهمه يمكن أن يكون رحمة وليس نقمة.
وهو بداية الحل.
فهذه جماعة ربيت على منطق الطاعة أو الاقصاء.
والخلاف الحالي هو بين هذا المنطق ومنطق جيل الثورة الذي ينبغي احترامه لأنه منطق آخر
وهو شرط النجاح.
فلنفرض أن قائد الجماعة رئيس دولة.
إذا بقي على منطق الجيل القديم فإنه سيكون في كل تفاوض مثل كل الرؤساء العرب وحيدا قبالة القوة التي تفاوضه.
ذلك أن العدو الذي يفاوضه سيعتبره صاحب القول الفصل الغني عن قاعدة حرة.
وهو سيعتبر أن رضا العدو عليه شرط بقائه متفردا بالقرار بمعادلة الضغط الغربية المعلومة على من نصبته من المستبدين:
فرد ذو سلطان مطلق ولا حساب عنده لقاعدته.
لكن إذا قدم نفسه على أنه ممثل لإرادة حرة ليس له عليها سلطان مطلق وأنه يرجع إليها هو بدروه ليفاوضها على الحلول المقترحة فقوته التفاوضية ستزداد.
وقد ظن السيسي أنه بضرب القيادات سيحسم الأمر فإذا بعمله هذا يؤدي إلى النتيجة العكسية:
بداية عمل المنطق الثاني الذي يجعل القاعدة حرة وليست تابعة لقيادة مطلقة السلطان.
ومن ثم فعدم الاستئصال داخل كل صف سيصبح شرط عدم الاستئصال بين الصفين خاصة وأن الصف الثاني ليس عسكرا فحسب بل له قاعدة مجتمعية.
وحينئذ يصبح كلا الصفين مرنا داخل صفه وقويا في مرونته مع الصف الثاني.
فيكون كل صف وكأنه معادلة خاضعة لمنطق “حكم-معارضة” في جماعته وتكون الجماعة الوطنية كلها خاضعة لنفس المعادلة فتتحرر من الهشاشة الداخلية.
وعندئذ يكتشف الجميع سر بناء الجبهة الداخلية بحسب ميزان القوى السياسية والمدنية في الداخل للتصدي لما هو خطر على الجميع في الخارج فيعود دور مصر ككل.
أما إذا بقي كل صف في حرب أهلية داخلية فإن الحرب الأهلية الشاملة بين الصفين ستنتهي إلى فقدان الجبهة الداخلية كل قوة وسيصبح كل صف باحثا عن حليف خارجي.
ولما كان العدو خبيثا بالطبع فإنه يعطي الأمل لكلا الصفين بأنه معهما بالسلاح والاعلام علنا مع أحدهما وسرا مع الثاني حتى تستمر الحرب وتنهار مصر.
نصيحتي للأخوة المصريين في كلا الصفين أن يحافظا على الخلافات الداخلية في كل صف بمنطق اعتبارها علاقة “حكم-معارضة” داخلية وبين الصفين بنفس المنطق كما يلي.
جيل الشباب في الاخوان معارضة بحماسه نحو حق الدفاع الشرعي دون عدوان وغلو.
وفي الحقيقة فالدفاع الشرعي في هذه الحالة ليس ضد قوة الدولة الشرعية بل هو ضد تحويلها إلى بلطجة فيكون المستبدون بالدولة هم أعداء الشرعية.
والجيل القديم حاكم بمنطق الخوف من انفلات المتحمسين وبعقلية البيعة التي تتحول إلى طاعة شبه عمياء. وهو خوف معقول ومقبول إذا أعاد للبيعة دلالتها الشرعية التي هي حرية وقناعة شخصية.
فالمستبدون بالدولة هم الذين حولوا الإرهاب إلى أداة حكم للحصول على التأييد الخارجي.
ولا ينبغي عمل نظيره حتى وإن كان في اتجاه إيجابي.
لا ينبغي الاستبداد بالاجتهاد الديني والسياسي استنادا إلى مفهوم خاطئ عن وحدة الجماعة.
الجماعة هيئة حية لا بد فيها من منطق معادلة “الحكم والمعارضة”.
فالحركة ينبغي أن تجمع بين الوحدة والتعدد دون استثناء أي من الخيارين.
ذلك أنها في حالة تفاوض ولا يمكن للمفاوض أن يكون أعزلا وإلا فإن الخصم سيفرض كل شروطه.
وتلك هي الحياة السياسية الفاعلة في مجتمع مبدع سلما أو حربا أو كلاهما معها.و
هذا الخلاف لا يؤدي إلى المقابلة الزائفة بين المقاومة والمفاوضة (التي تكاد تقضي على القضية الفلسطينية).
فكلتاهما ضرورية في أي حركة تحرر.
وفي الصف الثاني جيل العسكر والدولة العميقة يحكمون صفهم لكنه يوجد بينهم من بدأ يفهم طبيعة السياسة الحديثة وهم معارضة تُضرب كذلك رغم أنها هي المستقبل.
فإذا تخلص الصفان من التصفية الداخلية وآمنا بالجمع بين الوحدة والتعدد فإن لقاء الصفين سيكون بنفس هذا المنطق ليجمع بينهما دور مصر ومنزلتها.
وحينئذ لا بد أن يفهم معارضو الانقلاب وأصحابه بأن الخطر اليوم لم يعد داخليا -هؤلاء على أولئك أو أولئك على هؤلاء- بل هو يهدد منزلة مصر.
حينها سيفهم الجميع أنهم بعدم التحرر من منطق الاستئصال يستأصلون مصر من المعادلة الاقليمية والدولية ولا يحصلون إن نجحوا إلا على جثة هامدة وتبعية بينوية.
ذلك أن انتصار أي صف من الصفين سيكون بمساندة العدو الذي يستعمله لتحقيق هذه النتيجة:
إخراج مصر من المعادلة الإقليمية والدولية فتصبح كلا شيء.
ولا أفهم منطق من يريد بقصد أو بغير قصد الوصول إلى هذه النتيجة:
تغالب داخلي لصالح عدو خارجي نتيجته نهاية دور مصر وتحقيق هدف العدو الخارجي.
وعي الصفين بالمأزق بداية الحل
ولما كنت لا أشك في أن لمصر رغم ما يطفو على الساحة من غثاء كبار قوم في كلا الصفين ومن كلا الجنسين فإني واثق من أن الحكمة ستنتصر بإذن الله.
ومن المبشرات أن كلا الصفين بدأ يشعر بالمأزق وبأنه لا مخرج منه إلا بالتحرر من الاستئصال المتبادل ومن ثم بالصلح:
والصلح يكفي أن يقبل بما وصفت.
فالحكم الانقلابي مضطر للقبول بأنه فشل والشرعية بنبغي أن تقبل بأنها قد فشلت كذلك. “ماتش نول” وأن حوارا وطنيا عميقا ينبغي أن يقلب الصفحة بمنطق الالتفات إلى المستقبل.
فالنظام الانقلابي قوة بلا شرعية.
والنظام المنقلب عليه شرعية بلا قوة.
ولا بد من أن يكون الحوار حلا وسطا بين القوة والشرعية من أجل دور مصر.
على الشرعية أن تقبل بالأمر الواقع لتغييره.
وعلى القوة أن تقبل بالأمر الواجب للقبول بالتغيير.
فيجتمع الواقع والواجب من أجل شرط بقاء مصر التي هي مظلة الجميع والمصلحة المشتركة بينهم.
ولا يمكن للخلافات بينهم أن تصبح حربا عليها بدعوى أنها من أجلها.
ولا معنى للثورة من دون أن تكون من أجل مصر ودورها.
بذلك وبذلك فقط تنجح الثورة حقا.
سيقال لي ما دخلك يا أبا يعرب في شأن مصر الداخلي؟
وجوابي سبق أن قلته:
الثورة كانت ستبقى محلية لو بقيت في تونس ولم تنتقل إلى مصر.
انتقالها هو شرط تغير طبيعتها ونجاح الثورة من دون ذلك مستحيل.
ولما كنت لا أفكر في إطار قطري بل في إطار يشمل الأمة من حيث دورها الكوني فإني لا أعتقد بأن الثورة يمكن أن تفلح في تحقيق الاستئناف من دون دور مصر.
بهذا المعنى فإنا مصري أكثر من أي مصري يعتبر مصر مجرد قطر فرعوني يعيش في “جبانة” الأهرامات لتكون مصر ذليلة تتسول على الأقزام من العملاء و على الخبثاء من الأعداء.
الخاتمة
الآن يمكنني القول إني قد وصلت عملي في التأملات الفلسفية بالحدث الحاسم.
فالاستئناف ودور مصر فيه هو الحدث الحاسم بالنسبة إلي ولأني أتكلم في ملتقى فلسفتين.
ملتقى فلسفة الدين وفلسفة التاريخ هو الموضوع الجوهري للقرآن الكريم .
وهما فلسفتان تلتقيان مفهوميا في القرآن الكريم وواقعيا في تاريخ الأمة :
موضوع محاولتي بالذات وهمي الأساسي طيلة حياتي.
لذلك كان اسم التفسير الفلسفي الذي شرعت فيه منذ عقدين”استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية”.
فالقرآن هو استراتيجية والسنة هي منطق السياسة.
ولا يمكن فهم هذا الوصل بين الفلسفتين من دون الجمع بين ابن تيمية وابن خلدون:
الأول مؤسس فلسفة الدين الإسلامية
والثاني فلسفة التاريخ الإسلامية.
وسأعود بعد هذا الوصل بين الفلسفي والحدثي إلى تأملاتي الفلسفية.
– مصر واستراتيجية استعادة دورها –
يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/