السيادة، ما شروطها؟ وما علل فقدانها؟ – الفصل الرابع

**** السيادة ما شروطها؟ وما علل فقدانها؟ الفصل الرابع

وبهذه الطريقة يصبح الإصلاح ممكنا إمكانا يغني عن الحروب الأهلية التي لا يمكن أن توصل لوضع أفضل حتى لو تصورنا الغرب قد بدا وكأنه نجح: فلا أعتقد تاريخ الغرب الحديث يمكن أن يعتبر مثالا أعلى يقتدى به. فهو حرب عالمية دائمة منذ خمسة قرون على الإنسان والحيوان والنبات في العالم كله. وإذا نظرنا إلى خارطة العالم اليوم لوجدنا أمرين أخطر من كل ما مر من هذا التاريخ: 1. نظام العالم الذي يرتسم حاليا له قطبيان متوحشان هما: • مغول الشرق الأقصى (الصين) • ومغول الغرب الأقصى (أمريكا) ونحن والغرب القديم في كماشة بينهما بعد هزيمتنا، فأدركنا معنى ما فرطنا فيه من قيم دينية وفلسفية. 2. ثم نظام شروط الحياة السوية في العالم ارضه وفضائها، إذ كلاهما خاضعان للتلويث النسقي المادي والرمزي، أي إن الطبيعة والحضارة كلتاهما لوثتا بما يحول دون حياة سوية: • ماديا (مصادر الحياة العضوية لوثت وأضرت بشرط البقاء في العالم) • وروحيا (مصادر الحياة الروحية لوثت بثقافة الإعياء الوجودي) فإذا جمعت الوضعيتين، فهمت أن نظام العالم بين المغولين ونظام الحياة بين التلويثين لن يبقى للإنسان معنى للحياة عدى الهروب من ذاته وشرط وجوده إلى النوع الجديد من الثقافة التي يظن أنها قد قربت بين البشر بما يسمى وسائل التواصل، لكنها في الحقيقة عوضت الجماعة الفعلية بجماعة افتراضية. وينتج عن ذلك أن الجميع صار عبدا لبعدي العجل الذهبي: فنظام قيام الإنسان المادي صار رهن النظام البنكي والمالي بحيث أصبح الإنسان فاقدا لشرط الحرية أو الملكية الخاصة، ونظام قيامه الروحي صار رهن النظام الإعلامي والملاهي التي تجعله دائم العيش خارج ذاته في استلاب دائم. فيتبين أمران: الأول أن النظامين الثيوقراطي والأنثروبوقراطي يبدوان متنافيين في الظاهر لكنهما يخضعان لنفس البنية العميقة في الباطن وهي بنية الحكم الأبيسيوقراطي أي دين العجل الذي يحكمه المال والايديولوجيا، أو رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) أداتين للاستعباد البدني والذهني. • فالأولى تنتقل من دور أداة التبادل الاقتصادي إلى سلطان على المتبادلين بتوسط سلطان البنوك والمال • والثانية تنتقل من دور أداة التواصل الثقافي إلى سلطان على المتواصلين بتوسط سلطان الإعلام والملاهي فيصبح الإنسان في الحالتين عبدا إما لمافية تسيطر باسم الدين أول مافية تسيطر باسم الدنيا. ولنا مثالان قائمان في الإقليم وهما نسخة مصغرة من النظامين: • إيران من الثيوقراطيا • وإسرائيل من الانثروبوقرطيا وكلاهما تحكمه مافية باسم الدين بداية وباسم الدنيا غاية، وذلك هو جوهر دين العجل، والعولمة تعتمد على ذلك أساسا فعولمة الاستعمار بدأت باسم الاول وانتهى باسم الثانية ومثاله أمريكا. وواضح أنها خمستها تنبني على إفناء الشعوب والحضارات والحياة والنبات: 1. الاستعمار 2. والعولمة 3. وأمريكا 4. وإسرائيل 5. وإيران وهذا من المنظور الفاعل. والأمر كله اجتمع عندنا من المنظور المنفعل: فهم جميعا يسعون لإفنائنا وإفناء حضارتنا بجراثيم ينتجونها في جماعتنا بعد أن عجزوا عن جعلنا هنودا حمرا. وأداتهم بسيطة جدا: هي السيطرة على الانتخابين أو بصورة أدق السيطرة عليهما في انتخاب النخب الخمسة التي بيدها الحل والعقد في الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود، أي في السياسة وفي المعرفة وفي الاقتصاد والثقافة وفي الذوق وفي الرؤى. والعملية تشبه السيطرة على الجهاز العصبي المركزي. وجهاز الجماعات العصبي المركزي مضاعف: 1. فالأول يتعلق بشرط الرعاية أو الاستعلام والإعلام العلميين العلمي 2. والثاني يتعلق بشرط الحماية أو الاستعلام والإعلام السياسيين. • والاول يحقق شروط الانتاج مادة التبادل والتواصل فيعالج علاقة الإنسان بشروط بقائه المادي والروحي. • والثاني يحقق شروط الوعي بالذات وبحال هذه الشروط التي من دونها يمتنع على الجماعة أن تتواصل بحق حول “حال الجماعة” من حيث ما لديها من شروط البقاء رعاية (سد الحاجات) وحماية (التحصن الداخلي والخارجي ضد علل فقدان السيادة). وهذان الجهازان هما ما يستهدفه التخريب الحاصل. فينتج ما يسمى في المنطق الخلط بين قوانين المنطق من حيث هو علم، وبين ما يشبهها في الظاهر ويسمى “نزعة نفسانية Psychologism” أو الوهم بأن العمليات المنطقية عملية نفسية تواردية من جنس الخواطر وليست خاضعة لقوانين موضوعية هي على الاقل “ما بين النفسيات” الشارط لتواصلها.

وبذلك تمتنع مسألة الرعاية فيصبح الجميع متسولا: إذن تفتيت الجغرافيا ينتج عنه التبعية في الرعاية المباشرة وفي أدوات تحقيقها غير المباشرة (البحث العلمي). يتلو ذلك تفتيت التاريخ. فلا بد لكل محمية من هذه المحميات من التأسيس على شرعية تاريخية. فتجري حرب على التاريخ المشترك. فيكون مآل التراث مآل الثروة. ويتبع الفقر الروحي الفقر المادي. فلا يمكن لقبيلة أن تصبح دولة تنتج ما يسد حاجتها المادية والعلم الضروري لذلك أو أمة تنتج ما يسد حاجتها الروحية والعمل الضروري. تلك هي العملية العميقة التي تسند ما تقدم من تنصيب حثالة النخب. ويبقى الأمر الأساسي.

الامر الأساسي هو الحرب على المرجعية الروحية والحضارية المشتركة بين هذا الفتات الذي أنجزوه بواسطة حثالة النخب التي تدعي تمثيل الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود. وهذه الحرب هي ما نعيشه الآن: الحرب على الإسلام من الحثالة المسيطرة على هذه المجالات كلها.

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي