السيادة، ما شروطها؟ وما علل فقدانها؟ – الفصل الخامس

**** السيادة ما شروطها؟ وما علل فقدانها؟ الفصل الخامس

من يقرأ وصفي للنخب التي بيدها الحل والعقد في بلاد العرب، بالقياس إلى الشعوب لكنها لا تحل ولا تربط بالقياس إلى من نصبها ما يجعلها مجرد أدوات تنفيذ مافياوية لمافيات خارجية، سيتهمني بالمبالغة: حسن. هل يوجد حكام عرب عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية؟ وهل هم قلة؟ هل رأيت بين المستبدين بالجامعات العربية علماء مخلصين للعلم أم هم خدم النخبة السابقة التي نصبتها فيكونوا منصبي المنصبين؟ وهل رأيت منهم من له مواقف ذات صلة بحاجات الجماعة التي من المفروض أن تكون الجامعات مراكز بحث لعلاج قضيتي الرعاية والحماية بالعلم المبدع والمنتج؟ هل رأيت في نخبة القدرة -الاقتصادية والثقافية-من يمكن أن يعتبر فعلا نخبة ذات قدرة حقيقية؟ أم هم مجرد تجار يروجون لفضلات الجماعات المنتجة الأخرى التي يتعاملون معها والتي هم مجرد أدوات بين يديها؟ ففي تونس مثلا هم ممثلون للمصلحة الفرنسية خاصة والمثال حربهم على دخول تركيا لسوق تونس. هل تجد في نخبة الفنون من يمثل حقا الذوق والتراث الفني الذي يعبر عن استقلال روحي للجماعة إذا ما استثنيت فلكلور الانحطاط الصوفي أو الذوق والتراث الإنساني الكوني، وإذا ما استثنيت فلكلور الانحطاط التخديري للفنون الهابطة التي تخلط بين دور الحب والجنس في الأدب ودور البورنو؟ وأخيرا هل يمكن أن نسمى ما ينتجه “علماء” الدين التقليديين و”علماء” الإنسان الحديثيين شيئا يعتد به ناتج عن دراية بمعنى الدين وبمعنى الفلسفة؟ أم إن النوعين لا يتجاوز كلاهم الحرب المتبادلة بينهم حول كاريكاتورين من الفكرين الديني والفلسفي وخاصة عند الدعاة الجدد تلاميذ جوجل؟ هذه هي الحال التي أردت أن أصفها بكلمة واحدة: انتحال الصفة في مستوى الكفاء التقنية والدجل في مستوى السلامة الخلقية. واجتماع الصفتين هو ما يسميه ابن خلدون بـ”فساد معاني الإنسانية”. لذلك فسأختم هذه المحاولة بنص ابن خلدون الذي شرح فيه هذا المعنى الذي هو داء راهننا الروحي والسياسي. وسأكتفي بالتقديم له بملاحظتين: 1. المجال الذي شخص فيه ابن خلدون هذا المعنى الثوري هو مجال الانتخابين مجتمعين: • الانتخاب التكويني او التربوي (التكوين الروحي) • والانتخاب الاستعمالي الاقصى أو الحكم (الاستعمال الفعلي). 2. كل إصلاح ينبغي أن يبدأ بهما شرطين لاستئناف الأمة دورها.

وطبعا فما يترتب على ذلك أمر خطير جدا وعسير التحقيق: كيف يمكن أن تحرر أمة من نخبها السائدة؟ بمن ستفعل ذلك؟ كيف تصلح انتخاب التكوين وانتخاب الاستعمال في عملية تداول الاجيال بمعياري: • الكفاءة التقنية (التمكن من العمل الذي يعد إليه الإنسان) • والكفاء الخلقية (القيام به دون انتحال وغش)؟ بعبارة وجيزة كيف نستطيع التغلب على تبعات فساد معاني الإنساني التي أشار إليها ابن خلدون: 1. النفسية 2. الخلقية الانفعالية 3. الخلقية الفعلية في شكل رد فعل 4. وفساد معاني الإنسانية الاجتماعية والمدنية في الحماية والرعاية والتحول إلى عالة 5. فقدان إرادة الفضائل والعودة أسفل سافلين وهذه المعاني المفقودة في الفرد وفي الجماعة هي عينها الخسر الذي حددت سورة العصر المعاني التي تخلص منها في مستوى تربية الفرد وحكم الجماعة: فالوعي بفقدانها خسرا هو العلم الذي يقدمه ابن خلدون، وشرطا تربية الفرد هما الإيمان الصادق والعمل الصالح وشرطا حكم الجماعة بأفراد مثلهم هما التواصي بالحق في طلب الحقيقة والتواصي بالصبر في تحقيق الحق. ومعنى ذلك أن الجماعة في هذه الحالة إذا استعادت ما فقدته نفسيا وخلقيا انفعاليا وفعليا ومعاني الانسانية تخرج من الرد أسفل سافلين فتصبح مستثناة من الخسر وتسترد معاني الإنسانية التي تجعلها أمة حرة سياسيا وروحيا. فلا تكون الأمة حينها عالة في الرعاية ولا في الحماية فتمد يدها أو تحتمي بغيرها، بل هي تكون أمة ذات سيادة فعلية لأن نخبها تعبر عن إرادتها وعن علمها وعن قدرتها وعن حياتها وعن وجودها لوعيها بعلل الخسر وشروط الاستثناء منه بالانتخاب التكويني والانتخاب الاستعمالي لأفراد الجماعة السيدة. أعلم أن كل هذا الاستدلال يبدو بلغة شعبية من جنس “أين اذنك”. لكن من لا يقتص مراحل تكون الظاهرة ليشخص عللها لا يمكنه أن يتكلم على علاجها. صحيح أن القارئ يريد الحل ولا يهتم الطريق التي توصل إليه. لكني أفضل بحث الاطباء على دجل الدعاة: تشخيص الداء أول عمل مخلص للأمة. فإذا جمع الشباب بجنسيه بين الاستراتيجية السياسية الخلدونية والاستراتيجية الروحية الشابية -وكلاهما من أبناء الامة ولا يعترف بالحدود التي وضعها المستعمر ليفتت الجغرافيا منعا للثروة المستقلة والتاريخ منعا للتراث غير التابع لصلتهما كليهما بما في المرجعية من لباب متحرر من القشور.

تلك هي شروط السيادة وتلك هي معوقاتها. فمن أراد أن يخاطب الشباب بجنسيه خطابا يكمل حماستهم الشبابية ببعض حكمة الشيوع فليقرأ استراتيجية ابن خلدون السياسية واستراتيجية الشابي الروحية ليفهم أن الثورة ليست فزة بدوية، بل هي عود الوعي للأمة انطلاقا من روحها القرآنية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي