**** السيادة ما شروطها؟ وما علل فقدانها؟ الفصل الثالث
اسقاط المنطق على الوجود في أي مرحلة من مراحل رؤى الوجود، تعني رد الثاني إلى الأول. ويمكن لهذا الرد أن يكون من جنس رد المنزل الذي نريد بنائه إلى الرسم المعماري الذي وضعناه ليكون دليلنا في بنائه: فيكون العمل متعلقا بمرحلتي “خلق” شيء: • أولاهما على الورق • والثانية في الوجود الخارجي.
لو قبلنا بالمنطق الهيجلي، لكان يكفينا موقف المتنازعين المتنافيين ولاعتبرنا الحل في التوليف بين الموقفين وننسى دور القاضي والمرجعية النصية والأحداث المتعلقة النزاع وتحقيق المناط المتعلق بالوصف القانوني للمعطيات الوجودية التي يتعلق بها النزاع، ولاستحال فهم أي حكم قضائي أو علمي. فكل هذه العوامل تكوّن شبكة من العلاقات هي البنية المحددة للحكم والمحددة، خاصة لما يعتريه دائما من عدم مطابقة تحول دون القطع والبقاء اجتهادا بحسب المتوفر من شروط الإدراك الذي هو دائما دون الإحاطة بالموجود في أي نازلة مهما كانت بسيطة، ناهيك عن الحكم في محددات ظاهرات الطبيعة والتاريخ. ولا يستقيم ذلك من دون أن نميز بين ما في العلم وما في الوجود لاستحالة الإحاطة المشروطة في رد الوجود إلى الإدراك. فكلما تطورت وسائل الإدراك كلما تعقدت العلاقات التي كانت خفية في المراحل السابقة من علمنا، وبدأت تتجلى لنا بالقدر الذي يسمح به تطور إدراكنا وتعين الفواعل الخفية. وأقصى ما يمكن نسبته إلى المنطق، هو مناهج تنظيم العمل الإدراكي ومراحله، وهي تنقسم إلى نوعين يشبهان المنطق الصوري والمنطق المطبق. • فالأول هو منطق التقدير الذهني، وهو إبداع في مستوى الأنظمة الرمزية • والثاني هو منطق التحقيق التجريبي، وهو إبداع ما يناظرها من عناصر مؤثرة في موضوع البحث فيكون المنطق بهذا المعنى أداة من أدوات تيسير الإدراك أو نقل “ما اعتبرناه صوار مؤقت” من المقدمات إلى النتائج والعكس أي نقل “ما اعتبرناه خطأ مؤقت” من النتائج إلى المقدمات بعملية مراجعة دائمة للنسق الرمزي الذي يعبر عما أدركناه بأدوات إدراكنا من الموضوع الذي يبقى مليئا بالأسرار. ومن دون هذه الرؤية للعلاقة بين المنطق والوجود، يمتنع أن تتكون الجماعات البشرية أولا وأن تكون مقوماتها هي النخب التي تمثل أعضاء كيانها بنفس المنطق، أعني ليس بمنطق الصراع الجدلي في أي منها الإرادية والعلمية والقدرية والحيوية والرؤيوية وإلا فلن تتكون السمفونية بل النشاز المطلق.
وهذا المنطق سماه القرآن بصيغ المشاركة: التواصي بالحق والتواصي بالصبر. ومعنى ذلك، أن الجماعة لا يمكن أن تتعايش بالصدام الجدلي، ولا يمكن للنخب فيها أن تتعايش به بل لا بد من التواصي بالحق في طلب النظر (الكفاءة التقنية) والتواصي بالصبر في طلب العمل (السلامة الخلقية). وهذا يقتضي أن يكون الفرد متصفا بصفتين، من دونهما يمتنع أن تتكون نخب وجماعات بالصفات التي ذكرت: فلابد أن يصدق إيمانه ويصلح عمله. وبذلك يتبين أن معايير التكوين والاستعمال قد تحددت للفرد وللجماعة في سورة الاستثناء من الخسر (العصر)، وهو ما يعني أن معيار المعايير هو الوعي بشروطه. والوعي بشروطه، هو عين الحاجة للجمع بين الدين والسياسة رمزا لمحدد الغايات (الدين) ولمحدد الأدوات (السياسة)، والسياسة تتعلق بمعياري الانتخاب التأهيلي كفاءة والتأهيلي اخلاقا في مستوى الفرد، وفي مستوى الجماعة، ولذلك فسورة العصر تحتوي على كيفية اكتشاف الانتحال والفساد في النخب.