السيادة أو ضرورة الصلح بين ثورتي التحرر والتحرير

السيادة – ضرورة الصلح بين ثورتي التحرر و التحرير – أبو يعرب المرزوقي
تونس في 15-04-2015

1-اليوم عرضنا على الأستاذ أخطر مشكل تعاني منه الأمة وهو مضاعف:هل من منهج يحسم سلميا خلافات العرب أولا؟ وخلافات المسلمين ثانيا ليتحقق الاستئناف؟

2-فعجبنا لجوابه لأنه وضع سؤالا ظنناه للمزاح. قال كيف تميزون بين الحروف في أي منظومة لغوية لتأليف المفردات؟ وبين الدلالات لتأليف المعاني؟

3-أليست الحروف تتحدد بالتقابل ضمن المنظومة التي يحددها التأثير المتبادل بين تغيراتها المتضامنة أولا؟ وبالمجرد لإغفال الفروق العينية غير الدالة؟

4-قلنا هذا صحيح في اللسانيات. فما علاقة ذلك بمشكلنا لحل مشكل الصراعات في مستوييه بين العرب أولا؟ وبين المسلمين ثانيا؟ فبدأ يشرح لنا كيفية البحث عن الحل السلمي بين العرب أولا وبين المسلمين ثانيا.

5-قال: أليست الخلافات داخل نفس الجماعة أسماها يلغي أدناها أو يهدئه ؟ففي المدينة الواحدة يتصارع شباب الأحياء المتنافسة في الرياضة مثلا وفي صراع المدن يغيب صراع الأحياء وفي صراع الدول يغيب صراع المدن؟

6-أليس ذلك دالا على أن الهويات المتوالية تتحدد مثل الحروف بالتقابل وأنها تفيد بالتجريد وليس بالتعيين؟ مثال التنافس بين شباب الرياضة يصح على التنافس بين الأمم.

7-وهذه القاعدة تستعمل دائما وإن بغير وعي في الخطط التي تجعل الدهاء السياسي يلغي الفروق الداخلية بتقوية الفروق الخارجية فيخلق عدوا للضرورة لتقوية اللحمة الداخلية.

8-فالتقابل مع العدو الخارجي يضعف الصراع الداخلي فتسمو العلاقة في التجريد وتقل الخلافات الدنيا : فيتجاوز العربي مثلا القطرية إلى العروبة ويتجاوز المسلم الشعوبية إلى الأمة.

9-والمقصود أن قانون المعاملات الإنسانية مصدره حقيقة الإنسان: وتلك علة القيس على علم اللسان. فالإنسان خليفة مبين ومسمٍّ دينيا وحيوان ناطق فلسفيا : قانون اللسان يجعله مفيدا بالمقابلات وذلك هو قانون الوجود الإنساني في كل شؤونه.

10-وقانون الوجود الإنساني هو مميز الإنسان عن غيره من الموجودات وهذا القانون هو تمييز المعاني بعضها عن البعض بالمقابلات وبالتسمية(قصة الاستخلاف).ف الأمم حروف في الوجود الحضاري للإنسان والقرآن يعتبر كل الموجودات كلمات وآيات أي محكومة بمنطق الرمز.

11-لذلك كانت معجزة الرسالة الخاتمة القرآن الذي تحقق فيه غاية منطق الرمز بما هو حدث تاريخي وحديث يصنعه . وللتذكير بهذه الحقيقة الحروف المقطعة خاصة في السور التي بدايتها كلام القرآن على نفسه وخصائصه.

12-ومثلما أن الحروف مواضع مجردة معينة من الصوت –وهي غير الأصوات الفعلية : الفرق بين الأصوات العينية والحروف التي وراءها هو الفرق بين موضوع الفونتيكس (الصوتيات) والفونولوجي (الصواتة)-. فمستويات الاجتماع الإنساني مواضع مجردة من الوحدات الرمزية الروحية للواحم البشر الحضارية.

13-وقد جمع ابن خلدون أصناف اللواحم في أي منظومة حضارية توحد جماعة بشرية تحت جنس واحد سماه لحمة العصبية. وقارن فيزياء قوتها بفيزياء قوة حركة الأمواج في ماء البرك عندما نلقي فيها حصى فتتلاقى وتتراكب وتتقاطع.

14-ففيزياء تلاقي الأمواج وتصارعها وتراكبها قارنها ابن خلدون بفيزياء العصبيات اللاحمة لحما متدرجا بحسب الجماعات في الأمة وبحسب الأمم في البشرية: وهي من جنس ما أشرنا إليه في مثالنا الرياضي

15-وقد ميز ابن خلدون في جنس العصبية بما هي لاحم للجماعة خمسة أصناف هي مستوياتها وبين كيف يتولد الأسمى من الأدنى خلال صراع داخلي موجب أدنى يتم تجاوزه بصراع خارجي أسمى يوسع مجال فاعلية اللحم .

16-وأول مستويات العصبية عصبية الدم. وهي قبل غلبة إحداها تؤدي إلى ما يسميه العصبية المفضية للهرج. فعنده أن كثرة العصبيات في الشعب الواحد حائلة دون تكوين الدولة وإذا تكونت دون استقرارها (في فكره صراع القبائل في جاهلية العرب الأولى وفي الثانية بعد النكوص عن قيم الإسلام بسبب الانحطاط).

17-ويتم تجاوز عصبية الدم بغلبة إحدى عصبيات الدم بتكوين عصبية الولاء المصلحي الدنيوي التي تضيف إلى اللحم العصبي اللحم الوظيفي لمهام الدولة.وهي عصبية وظيفية تبدو ضد عصبية الدم لكنها في الحقيقة شرط متمم يوسعها بإضافة ما تحتاجه الدولة من موظفين ليس لهم “دالة” على العصبية الحاكمة : فتستقر الدولة.

18-لكن عصبية الولاء المصلحي لا بد من تجاوزها لما تمتد يد الموالي للحكم وتسعى لإزاحة العصبية المؤسسة للحكم (في ذهن ابن خلدون حادثة البرامكة). عندئذ تعود عصبية دم أوسع وهي في الحقيقة رمزية وليست نَسَبية سلالية: إنها القومية.

19-فينشأ عندئذ صراع القوميات أو الشعوبيات في نفس الحضارة وهي عصبيات دم رمزي لا فعلي أعني أنها عصبيات ثقافية اجتمعت في نفس الامبراطورية بحضارة أوسع: في ذهن ابن خلدون العرب والفرس والأتراك مثلا .

20-وحينئذ لا يكون الجامع إلا عصبية رمزية أعلى هي عصبية الولاء العقدي المشترك: كل مؤسسات الخلافة تعمل بالشريعة رغم تداول القوميات عليها. ولا يسمو على هذا المستوى اللاحم إلا الأخوة البشرية كما تحددها الآية الأولى من سورة النساء.

21-ومعنى ذلك أن الرسالة الخاتمة حصرت كل اللواحم في إطار لاحم حده الأعلى عقدي (كل البشر من نفس واحدة) وحده الأدنى دموي (الأرحام) فتكون وحدة البشرية مجال غاية تطور اللحم الجمعي البشرية من حيث هي مستعمرة في الأرض بقيم الاستخلاف وتلك هي قيم القرآن الكريم.

22-وانطلاقا من هذين المبدئين الصوري (قانون المعاملات بين البشر هو قانون اللسانيات) والمادي (غاية تطبيقه الآية 1 من النساء) للتآخي البشري يمكننا أن نقدم علاجا للمشكل الذي وضعتموه.

23-فغاية الفروق بين اللواحم ليست لتوظيف التوحيد من أجل العداء بين المنتسبين لمستوياتها والعدوان المبتادل بينهم بل التوحيد يصبح غاية وأداة لمنع العدوان بين البشر داخليا وخارجيا : لذلك اعتبره ابن خلدون من أجل التعاون لسد الحاجات المادية ومن أجل التآنس لسد الحاجات الروحية.

24-ولأجل ذلك يعتبر القرآن الكريم الفروق آية من آيات الله لأنها شرط التنوع والمزاج المعتدل في الجماعة سواء كانت فئوية أو عرقية أو ثقافية أو حتى فروق تقسيم العمل. وقانونها بين البشر: جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..بمعيار وحيد: أكرمكم عند الله أتقاكم.

25-لهذه العلة سمينا تفسيرنا الفلسفي للقرآن الكريم والذي أقدمنا عليه إسهاما في فهم الرسالة للتخطيط من أجل تحقيق ما توصي به المسلمين بما هم شهود على العالمين: “استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية”. فالرسالة تحدد معاني الاستخلاف العام غاية للوحدة البشرية بمعيار الأخوة إذ كلهم من نفس واحدة.

26-ومن شروط الاستخلاف العام بما هو استعمار للإنسان في الأرض ألا يبقى تمييز عنصري أو طبقي بل لن يتمايز الناس إلا بالتقوى أي قيم القرآن. وطبعا فهذا لا يكون بمجرد التمني بل لا بد من ثقافة وتربية تجعلان هذه الحقائق غايات للجميع وليس مجرد معتقدات للبعض.

27-ولا يكون المسلمون شهودا على العالمين إلا بهذا المعنى.وهذا هو المنطلق لجوابكم عن سؤالكم حول التوحيد السلمي للعرب أولا وللمسلمين ثانيا. أما الإشارات اللسانية فلفهم علاقة ذلك باللسان وبالقرآن وبتعريف الإنسان.

28-ولنبدأ فنسأل في أي مرحلة من مراحل العصبيات يوجد العرب أولا ؟ والمسلمون ثانيا ؟ حتى نبحث في شروط تجاوزهما للمرحلة سلميا إلى ما هو أسمى منها بحق؟

29-ألستم ترون أن العرب أسسوا دولا قطرية نكصت إلى الأدنى بعد انفضاض عقد الخلافة وبسبب تقسيم الاستعمار لدار الخلافة؟ فهم إذن عادوا إلى نهاية المرحلة الثانية (عصبية الولاء) من العصبية اللاحمة.

30-ألستم ترون أن المسلمين أسسوا مجموعات قومية بدم رمزي نكوصا من وحدة الأمة العقدية إلى ما قبلها على أساس شعوبي ينافي الجوامع الإسلامية؟ وهم إذن قد عادوا إلى نهاية المرحلة الثالثة (عصبية القومية).

31-وحدة العرب الحالية في نهاية مرحلة الولاء المصلحي لأن يد الموالي امتدت على العصبية الأصلية في شكل برمكية جديدة. فكل قطر عربي أصبح بحاجة إلى الملجأ القومي ليتجاوز سلطان الموالي المعادين للهوية والمستعدين للحلف مع أعداء العصبية التي وظفتهم.

32-ووحدة المسلمين الحالية في مرحلة الولاء العقدي المهدد داخليا وخارجيا. بإيديولوجيا القومية. فقد أصبحت قوميات الأمة عائقة لشروط قوتها واستقلالها. والشباب الأكثر فهما للعصر يشعر بالحاجة إلى الملجأ الإسلامي الواحد رغم اتهامهم بأنهم ضد العصر: هم أقرب لفهم منطق العولمة والحاجة إلى تكوين قطب عالمي من النخب التي تتهمهم بالتخلف.

33-عندنا إذن كشفان للحالة العربية والإسلامية يعبران عن توقين يبدوان متناقضين رغم أن الحاجتين اللتين تقتضيهما لا تتحققان إلا بالوحدة بينهما: 1-إحياء القومية العربية بمعناها الأول الذي انطلقت منه ثورة الإسلام 2-وإحياء العروة الإسلامية التي تجمع باللاحمة العقدية كل القوميات والأعراق في منظومة قيمية وقانونية واحدة (وذلك هو جوهر الخلافة).

34-فالإحياء الأول هو هم الأنظمة المهددة قبل الشعوب من قوميات تريد أن تمحو تاريخ الإسلام ربما بسبب عدائها للعرب. والإحياء الثاني هو هم الشعوب قبل الأنظمة التي ما يزال المثال الإسلامي الأعلى محركا لوجدانها .فالإحياء الأول لحماية الأنظمة. والاحياء الثاني لحماية الأمة مباشرة والأنظمة بصورة غير مباشرة لأنه يمكنها من شرط الاستقلال في عصر الأقطاب والعولمة.

35-هل فهمتم الآن تساوق المعركتين المتنافيتين في الظاهر وهما في الحقيقة معركة واحدة ذات مستويين لا معنى لأي منهما دون الثاني؟ فالشباب يعمل بفوضى لكنه مدرك للإطار الأوسع الذي يحرر الأنظمة والشعوب في آن: إطار الأمة. والأنظمة تعمل برجعية في إطار القوم دون أن تدرك أن ذلك لا يضمن السيادة لأنه لا يحقق شرطي الحماية والرعاية.

36-إذا وجدنا حلا لفوضى الشباب في مسعاه المتجاوز للأقطار ولرجعية الأنظمة في مسعاها الناكص للأقطار تمكنا من تحقيق المطلوب فنوحد العمل الساعي لإحياء وحدة الأمة ووحدة القوم بالثورة ذات الاستراتيجية البناءة وبالنظام الباحث عن شروط الحماية والرعاية غير التابعتين.

37-أعلم أن ذلك يبدو شبه مستحيل: فالشباب يكفر بالأنظمة والأنظمة تكفر بهم. كلاهما أصبح يعتبر الآخر عدوا ونسي العدو الحقيقي. لكن من يقرأ القرآن ببصيرة ويتدبر السياسة المحمدية وسياسة الخلفاء الراشدين يدرك بياننا امكان ذلك بعونه تعالى: فالخلافات العربية ليست أكبر من خلافات قبائلهم قبل الإسلام والخلافات الإسلامية ليست أكبر من خلافات أقوامهم قبل الإسلام كذلك.

38-ولنبدأ بالسلبي: فقد قابلنا بين فوضى الشباب الذي يعمل بعصبية العقيدة الإسلامة ورجعية الأنظمة التي تعمل بعصبية القوميات. فهل من علاج شاف؟ يكفي أن يفهم الصفان أن صراعهما ليس لصالح أي منهما وأنهما في الحقيقة لا يكون مسعاهما ذا معنى من دون التكامل بينهما.

39-وإذن فالعلاج الشافي يتمثل في التحررمن المنطق الجدلي المبني على التناقض. يكفي أن يتحرر كلا الصفين من العمل بالمتنافيات لأن المتقابلات للحصر وليست للنفي كما في نظام اللسان: فشباب الثورة والأنظمة التي تخافهم عملهما بالتنافي وليس بالتكامل.

40-فالشباب الساعي لوحدة الأمة بدلا من التعبير عن هذا الهدف يقدم الصراع مع الأنظمة على التكامل لظنه أنها متنافية معه: وهو مفهوم زائف عن الوحدة الحية للامة. فتعدد شعوبها وقبائلها ودولها يمكن أن يكون عامل إثراء إذا لم يلغ التكامل.

41-والأنظمة العاملة بوحدة القوم والقطر بدلا من التعبير عن هذا الهدف تقدم الصراع مع الشباب رفضا لحلمه بوحدة الأمة الجغرافية والتاريخية وشرطي سيادتها حتى وإن كان بحاجة للترشيد والتوعية.

42-وبذلك أصبحت الحرب بين مطلبين مشروعين لا يمكن أن يتحققا إلا معا : فمن دون وحدة الأمة تفقد الأقطار شروط قوتها المادية والروحية وتكون تابعة للغير.

43-ومن دون حيوية الأقطار والقوميات يزول التنافس في الخيرات التنافس الذي اعتبره القرآن الكريم شرط قوة الأمة : جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا

44-لذلك فينبغي لمن يسعون لتوحيد الأمة إذا كانوا صادقين أن يقصروا مقاومتهم على العدو فلا يوجهوا سلاحهم لشعوبهم وأنظمتها مهما عابوا عليها وإلا فإن الأمة سيردها العدو بحرب طاحنة إلى حال البداوة كالصومال.

45-وينبغي لمن يسعون لتنمية شعوبهم ألا يجعلوا ذلك معاديا للأمة فيؤسسوا شرعية على نفي وحدة الجغرافيا والتاريخ شرطي القوة المادية والروحية بمحاربة اللاحمة الموحدة أعني الإسلام وقيمه بدعوى التحديث.

46-وبذلك يكون الشباب ممثلا للمستقبل إذ هو يسعى لتحقيق شروط القوتين المادية والروحية اللتين من دونهما لا معنى لسيادة محتاجة للحامي والراعي. كل الدول العربية والإسلامية توابع في الحماية والرعاية.

47-وتكون الأنظمة ممثلة للحاضر إذ هي تسعى للمحافظة على الشروط الدنيا للنظام السياسي القائم بوظائف تكوين الإنسان وتنمية المناطق التي ستكون أجزاء الدولة الواحدة بمنطق العصر: الدولة المتعضية التي يكون فيها كل قطر منارة في نفس الجسد.

48-فأوروبا الحالية هي في آن أوروبا الرومانية والمسيحية.أعادت نفس الوحدة ولكن بمنطق العصر جمعا بين مواطنتين قطرية وأممية لتصبح قطبا دوليا. وهي فعلت رغم أن أي واحدة منها تفوق كل أقطار الوطن العربي الاثنين والعشرين من حيث القوة والنمو.

49-وكذلك ينبغي أن يكون الشأن عندنا: لا بد من تنمية الأقطار بالأنظمة. لكن الأقطار لا تكفي لتحقيق شروط السيادة أي القوة المادية والرمزية للقدرة على الحماية والرعاية. فكل الأقطار العربية والإسلامية توابع للمستعمر في حمايتها وفي رعايتها. وهي إذن ليست ذات سيادة تامة بل هي جزء من إمبراطورية استعمارية تبتزها بالحماية والرعاية: كلها تحت الانتداب المتخفي وأحيانا العلني.

50-وشروط القدرة على الحماية والرعاية هما مقوما السيادة الفعلية: فتكون الولايات المتحدة العربية قطبا قاطرا للكمنوالث الإسلامي لأن له شروط القدرة المادية والروحية: وذلك هو معنى عودة الخلافة ولكن بمنطق العصر.

51-سيقول المشككون: ما تقترح مجرد أماني وما تبنى الأمور بالتمني.. ويقصدون المنطق الجدلي: تؤخذ غلابا. وسيقول أعداء الإسلام من النخب العميلة إن الخلافة تخلف لأنهم يظنون أنها ستكون بمنطق الماضي وليس بمنطق العصر (هم نفسهم يعجبون بوحدة أوروبا التي هي روما ودولة المسيحية الوسيطة بمنطق العصر). لذلك نعود لبداية الجواب: التقابل الموجب.

52-فالتقابل بين الشباب الثائر بتجاوز القوميات والأنظمة بالنكوص إليها وبهذا المعنى فالشباب المتهم بالرجعية أكثر تقدمية من كل النخب العميلة حتى وإن فقد الحس الاستراتيجي والثقافة الكافية لبناء خلافة بروح العصر. ولا ينبغي أن يكون الحسم بين الموقفين بالصراع. فهذا الصراع ليس لصالح أي منهما بل هو لصالح طرف ثالث يوظفهما فباتا مجرد أداتين في استراتيجيته.

53-وما يجعلني متفائلا هو أن الطرف الثالث انكشف وافتضحت استراتيجيته. فأصبح الصفان يدركان أنه يهددهما كليهما بصورة تجعلهما إن لم يتداركا صراعهما لن يبقيا حتى أداتين له ضد هدفهما بل هو سيقضي عليهما أحدهما بالآخر كما يفعل الآن في الهلال.

54-وهذه الحقيقة هي التي بها نقيس صدق الصفين: فلا دليل على إيمان الشباب الثائر والمقاوم بمصلحة الأمة إلا إذا عبر عن فهمه لما بينا وعمل بما يترتب عليه. وكذلك الشأن بالنسبة إلى الأنظمة فلا دليل على خدمتها مصلحة شعوبها إلا بفهم هذه الحقائق والعمل بما يترتب عليها: الوحدة ضد العدو الواحد

55-والوحدة لا بد أن يتقدم عليها السعي للمصالحة بين الهدفين من خلال تكاملهما ومن خلال وضع استراتيجية تحقق التكامل: فالقطر للتنمية المتعينة والأمة لشروط قوة الأقطار المادية والرمزية شرطي سيادتها الحقيقية.

56-ومعنى ذلك أن أمرين إيجابيين قد حصلا في لحظتنا التاريخية الراهنة فدلا على أن فرصة الاستئناف حانت وأنها من قدر الله وقضائه: عادت الأمة إلى دورها الكوني لتحقيق القيم الرسالة وتعديل مجرى التاريخ الإنساني بصورة تحرره من المافياوية وصراع الكل على الكل في ما يسمى عولمة مادية.

57-فأما الأمر الأول فهو حصول الحرب الأهلية العربية العربية والإسلامية الإسلامية ووصول الجميع إلى قناعة بان مواصلتها هي لصالح العدو الخارجي وأذياله من العرب أو من المسلمين بصنفيهم: مليشيات القلم ومليشيات السيف.

58-وأما الأمر الثاني الذي هو من نعم الله: فهو تسرع العدو ممثلا بأداتية (إيران وإسرائيل) بإعلان الانتصار. فهو بذلك قد أفشى سر استراتيجيته وفضح مليشياته الفكرية والعسكرية.

59-وبذلك تبين أن مخربي حرب التحرر (الثورة ضد الاستبداد والفساد) وحرب التحرير(الثورة ضد الاحتلال والاستتباع) هم نفسهم. إنهم أعداء الثورتين الساعين لهدف واحد: منع العرب من قيادة عودة الإسلام لتكوين القطب المعدل للعالم.

60-وبذلك يجتمع عاملا الصلح والتوحيد:خلافات الصفين تهدأ أمام الخطر الخارجي الذي سيقضي عليهما بالاقتتال ويغلبانه بالتوفيق بين الهدفين والله المستعان.


السيادة – ضرورة الصلح بين ثورتي التحرر و التحرير – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي