السكوت عن الاهانة، ما تفسير قبول نواب الشعب به؟


ما تفسير قبول نواب الشعب به؟

هل كل النواب صاروا كما يروج الكثير لتعليل هوانهم في نظر رئيس الدولة ومن عينه لتشكيل الحكومة وأخوه، ومن يعتبره جزءا من مشروعه، هل هم حقا أهل للاستهانة بهم لخوفهم من فقدان الحصانة التي من اجل الحصول عليها، دخلوا المجلس لحاجتهم اليها باعتبارهم كلهم “مسخين” وليس لخدمة الشعب وحماية الدستور المعبر عن إرادته؟

لم أفهم علة سكوتهم عن الطريقة المهينة التي فرضها عليهم الرئيس في عملية التشاور معهم كما يوجب الدستور، فجعله مجرد استشارة عن بعد وعبر عن القصد من ذلك تعليلا له فقيه السلطان بن مبارك الذي أفتى بحماسة منقطعة النظير فائيا إنه من حق الرئيس أن يعين من يريد ليلائم برنامجه “الثوري” وأنه ليس ملزما بنتيجة التشاور.

وطبعا فمهما كان ابن مبارك فارغ الوطاب من “جوهر” العلمي -لأن الألقاب ليست دائما دالة على الاهلية -فهو لا يجهل أن ذلك ينقلنا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بانقلاب مسكوت عنه والجميع يصدق أكاذيب تصريح الرئيس عندما يدعي أنها حكومة المجلس وليست حكومته.

وجوهر مثله مثل رئيسه يكذب في ادعاء الاستاذية -التي لا يعنيني منها الرتبة الجامعية بل الأهلية في الاختصاص لأن الاستاذية بمعناها الحقيقي هي أن يصبح المرء سلطة علمية معترفا بها في المجال وليس الدكتوراه أو الرتبة.

وهذا أمر ممتنع على من لم يكتب حرفا عدا بعض المحفوظات للتدريس وخاصة لخدمة النظام الذي من مزايا سكوته على مظالمه نال ما نال منه.
فلا يمكن لمن قضى ثلاثة عقود ونيف في التدريس ألا يجد الوقت حتى لنشر دروسه إذا لم يكن له ما يقول عداها.

ولم أفهم علة “طرد” المكلف بتشكيل الحكومة النائب دغيج.
فهو لم يكفه اختيار مع من يتعامل من الكتل النيابية أراد كذلك أن يختار من يمثل الكتل التي يتعامل معها.
ولما كان الرجل خالي الوطاب من كل ما يؤهله لهذه المهمة فاختياره من قبل الرئيس اهانة للدستور.
لا شيء يؤهله ليكون في ذلك الموقع.
فهو ليس منتخبا.
وليس لحزبه الميت سريريا قاعدة حزبية.
وليس له ما يثبت خبرته في أي مجال إذ ليس له انجاز حتى خارج السياسة ناهيك عن الانجاز في السياسة.
من اختاره يحتاج إلى دمية: إذ الرجل صار تابعا لمشروع ترشح ضده في الرئاسة.
فهو إذن كاذب في احدى الحالتين: لما عرض برنامجه أو لما أصبح تابعا لبرنامج الرئيس.
وهما مطلقا التناقض كما هو معلوم.

ولم أفهم كيف يمكن لأخ الرئيس -حتى لو برر ذلك بحقه في إبداء رأيه في دولة ديموقراطية (إلى حين حتى يحقق أخوه مشروعه) -أن يدعي أن الحكومة ينبغي ألا تحتاج إلى ثقة مجلس النواب الفاسد ويكفيها شرعية قرار الرئيس.

ولست افهم كيف تقبل نخب البلاد -وليس النواب فحسب- أن يزعم الناطق الرسمي بصورة غير رسمية في حواره المتلفز الأول -برنامج للتاريخ- تعليقا على رأيهم في مشروعه باستهزاء وصلف يتجاوز صلف المكلف برئاسة الحكومة وصلف رئيس الدولة في التعامل مع النواب فأجاب بأنه “سيلمدهم” في ثلاث حافلات.
وطبعا هو يقصد كميونات زبلة لرميهم في الجولاج.
ولا يستحي فيتكلم عمن يطلب من الرئيس أن يحدد صفته أو أن يتبرأ مما يقول بأنه يعبر عن حقد دفين إزاءه لكأنه أهل للاعتبار بحيث يحب أو يكره وهو ما لقب بهذا الاسم إلا ممن هم أكثر منه حمقا عندما كانوا “مكركين” في الجامعة “يكمبنون” لكتابة تقارير الصبة كجل من يسمون أنفسهم يسارا وهم سينيسرا بأتم معنى الكلمة: واستعمل المظلومية مستشهدا على صحة دعواه بأكبر دجال في مقارنة الأديان وفقهها.

ولو حاولت الآن أن أنظر في “بيلان الرئيس” صاحب المشروع أو دمية المشروع الذي ما يزال البعض ينتظر الدليل عليه حتى يسبق السيف العذل لتبين أنه دون الصفر.
ففي أكثر من مائة يوم لم نر إلا البوس والتعنيق والتعازي والكلام الحربي حتى على الرياضة-درع وسيف- وزيارات الليل لقراءة الدستور الحائطي وشرب القهوة في المنيهلة. والغياب المطلق في كل اللقاءات ذات الدلالة السياسية حول ما يجري حولنا.

والعلة حسب رأيي مضاعفة: فهو بذاته لا يبل ولا يعل.
ولما كانت إيران منشغلة بما هو أهم الآن لأن “الدق صار في الدربالة” فإنه اصبح ذهولا مقيما لا يدري ماذا يفعل: فهو يستهين بالنواب فلا يلتقيهم للتشاور بل تكفيهم الجاريته وهو يختار بخيانة نص الدستور الصريح.

وما ذلك إلا للإشارة إلى موقفه من البرلمان تبشيرا بمشروعه المجالسي الذي سيكون فيه دمية لمن لم يخف في حواره الأخير بأنه مجرد عنصر في المشروع: وإذن فالمشروع هو مشروع وافد وهو عين مشروع إيران في تأسيس لبنان ثانية في المغرب الكبير.

ولعل الأخت الجزائر على علم بما قد يفيد التوجس.
وتلك هي علة عدم الترحيب بالدمى. نحن الآن في عهد دون كيشوت. لكن النواب يتحملون مسوؤلية تاريخية لأن سكوتهم على الاستهانة بهم فيه شبه اعتراف بأنهم مستعدون للتنازل لمن يستهين بهم ومن خلالهم بالشعب وبالدستور.

لكني رغم أني عندي ما أعيبه على الدستور وخاصة على نظام الانتخابات ولم انتظر إلى الآن لأعبر عن الرأي فيهما لكني أومن بوجوب احترامهما حتى يقع علاج ما فيهما من عيوب لأن تغير المؤسسات الدستورية لا يكون إلا بما حددته هي من اجراءات لتغييرها دون مخاتلة وخيانة للأمانة.

وعندي أن الرئيس بهذا السلوك خان الأمانة وخان قسمه على احترام الدستور وحمايته.
ولو كان النواب حقا حريصين على حماية الدستور والبلاد لحاكموه.
لكن صراعاتهم الصبيانية تجعلهم يغفلون عن الأمور الجوهرية والغرق في التوافه والسكوت خاصة على من سميته بعد منذ انقلابه على السبسي بكونه ابن علي الثاني إذا واصلوا التغافل عما يفعل، أقصد من عرف نفسه بخاله.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي