ماذا ستسمع من المعلقين العرب بعد “الرد” الإيراني؟
رد مزلزل حتما.
لكن لو سألتهم هو مزلزل لمن؟ لاحتاروا.
الملالي بحاجة لمواصلة الكذب على شعبهم. والمعلقون العرب بحاجة لمواصلة الحرب النفسية على شعوبهم. لكن الحقيقة هي ما قلته في المعركة بين البدوي والمدني ومثال النتف: نتف الشنب ونتف الجبة.
سنكتشف أن من ضربتهم إيران للرد ليس الأمريكان بل العراقيين.
وسنرى كذلك أن ما يقوله الإيرانيون لو كان المعلقون العرب يفهمون بحق ما يجري لاستنتجوا واحدة من حقيقتين:
1-فإما أن الإيرانيين الذين يزعمون أنهم قادرون على اخراج الأمريكان من الإقليم فعلا ومن ثم فهم كانوا ساكتين عليهم لغاية.
2-وأما أنهم يكذبون على كل أهل الإقليم وأن ما تتمكن منه إيران تدين به للوجود الأمريكي فيه مثلها مثل روسيا.
وأنا شخصيا أعلم أنهم كاذبون. وأعلم أنهم يعلمون أن وجود الأمريكان مفيد لتوجيه الحمقى من العرب من خلال دعاية الحرب على الشيطان الأكبر في الأقوال والحرب على العرب بفضل الشيطان الأكبر. ذلك أنه لولا الشيطان الأكبر لكان بوسع العرب أن يحموا أنفسهم دون حاجة لحماة ولسلحوا الشباب السوري والعراق ليحولوا دونهم ودخولهم ولاخرجوهم حتى بعد أن أدخلتهم أمريكا.
ضربة البارحة هي آخر أوراق العنب الإيرانية: نرد على أمريكا بضرب العرب. فتكون إيران كاذبة على شعبها بالاستهلاك المحلي ومحققة ما تريده أمريكا منها بتخويف العرب الجبناء حتى يحتموا بإسرائيل وأمريكا ويمولوا غزو الوطن العربي. لم يعد أحد يغيب عنه أدوار أحفاد من حققوا سايكس بيكو الأولى دورهم في الثانية: وهذا هو حلف الثورة العربية المضادة البين على ثورة الشباب وعلى تركيا أعني أذيال إيران وروسيا وأذيال إسرائيل وأمريكا من العرب.
لكن شباب الثورة بصمودها في سوريا وبتحرك شباب أحفاد العشرين في العراق وبثورة لبنان وحتى بثورة شباب إيران مع شباب تونس وليبيا والجزائر وقريبا شباب مصر كل هؤلاء هم المستقبل. ولم يعد أحد منهم ينطلي عليه أكاذيب التخادم الإيراني الروسي والإسرائيلي والأمريكي: لن تمر سايكس بيكو الثانية والصفقة الكبرى ولن يتوقف الاستئناف الإسلامي البطيء حتما لكنه الأكيد والذي لا مرد له لأنه قدر إلهي كلف به المسلمون لتحرير البشرية من دين العجل وحكمه بالخوار وبالدولار.
وحتى يتأكد ما توقعته سيتبين أن ما حدث البارحة لم يمس شعرة من الأمريكان. أما إذا حصل فمات بعضهم-وهو ما أشك فيه بإطلاق-فذلك ليس بقصد من النظام الإيراني بل هو دليل على حماقة ناتجة عن خلافات في الصراعات في إيران نفسها. وستكون نكبة عليها لأن أمريكا هي التي سترد ردا مزلزلا بحق لأن الظرف لا يسمح لترومب بعدم القيام بما هدد به مكره أخاك لا بطل في سنة الحملة الانتخابية للدورة الثانية.
وما اعتقده بصورة شبه جازمة هو أن الضربة حصلت باتفاق تخادمي بين إيران وأمريكا وخاصة إذا تبين ما اعتقده أن الضربة لم تمس شعرة من الأمريكيين وان الضربة كانت في حمقى العرب من العراقيين. فلو مس الأمريكان حقا لما عاد ترومب إلى النوم ولكان الرد مباشرا لأن الأمر هو تحقيق شروط الحرب في الديموقراطيات.
فالمعلوم أن الحرب في الديموقراطيات شرطها هو أقناع الشعب بضرورتها. ومعنى ذلك أن مس الأمريكان هو ما يعلم الإيرانيون أنه اعطاء ترومب هدية سيفرح بها. ولا أعتقد أنهم يجهلون هذا المبدأ لأن أمريكا لم تنهزم في فياتنام عسكريا بل اعلاميا في رأيها العام وليس في العالم. ونفس الأمر هنا: لابد من اقناع الناخب الأمريكي بضرورتها وبأنه اجبر عليها ولم يطلبها حتى لو كان فعلا يطلبها.
ولست أزعم أني اعلم من غيري بمجريات الحرب في الديموقراطيات. لذلك فغالبا ما يفتعل النظام الديموقراطي أحداثا “مصطنعة” لأحداث صدمة في الرأي العام الوطني دائما حتى يصبح الشعب مقتنعا بالحرب وحينها تبدأ “الماكينة” في العمل الطاحن للعدو: كذلك فعلوا مع ألمانيا ومع اليابان ومع السوفيات وربما معنا في 11 سبتمبر.
ولما كان الإيرانيون وخاصة من ينصحونهم في التعامل مع الأمريكان-وهم إما ألمان أو فرنسيون وخاصة الألمان لما يشتركون فيه معهم من نسب آ ري لإيمانهم العميق بخرافة التفوق العرقي-لن يغامروا بالخطأين اللذين إن حصلا فهما من نتائج الصراع بين القوميين والملالي في النظام:
1-ضرب الأمريكان أولا
2-العودة إلى التخصيب.
وخاصة إذا كان بالحد الذي يوجب الحرب في الرأي العام الأمريكي ما سيؤدي حتما إلى اسقاط النظام.
ودون فخر فقد شاب رأسي في فهم “الروح” الحاكمة في اللاوعي الغربي الذي لم يتخلص بعد من العقد على المسلمين وخاصة على العرب والأتراك وفي ما يترتب على الحيل السياسة في الأنظمة الديموقراطية الغربية واستراتيجياتها في ضرب أعدائها. فبخلاف الأنظمة المتخلفة في بلادنا لا بد من أقناع الراي العام الوطني بالحرب لعلمهم بكلفتها وليس معنى ذلك أن ذلك يقع بصورة صادقة بل هو في الغالب مفتعل من مافية مسيطرة.
وكلنا أو على الأقل من هم من جيلي قد عاشوا ما فعلته المسيحية الصهيونية في أمريكا لإسقاط النظام العراقي مثلا وقبله كل محاولة للبناء بدءا من سايكس بيكو إلى اليوم ناهيك عن تاريخ الصليبيات والاستردادات ولا كيف أتوا بالخميني من فرنسا ومثله في نفس الوقت تكوين القاعدة ولا استعمال إيران وداعش معا وهلم جرا لتحقيق استراتيجية الفوضى الخلاقة التي هي اسم جديد لسايكس بيكو الثانية.
ولذلك فلا أمل لي غير ما سماه ابن خلدون بحرب المطاولة. وهذا من حظنا لأن كل شروطها بدأت تتحقق بفضل ظاهرتين:
1-الأولى هي ثورة الشباب في مجال جغرافي لا يمكن لأي قوة في العالم السيطرة عليه وهو دار الإسلام وقد بدأت من قلبها أعني أرض العرب والأتراك والأكراد والأمازيغ والأفارقة.
2- والثانية عامل المدد الممكن الذي هو حائز على قدر لا بأس به من أدوات الحرب الحديثة التي تمكن من تحقيق ضربات موجعة بتسريب محدود منها لحرب المطاولة وأعني ما كانت آخر رموزه ما يسمى بلقاء كوالالمبور. وقد فرحت أيما فرح لعدم تحققه بشكل ظاهر. فشله الظاهر لا يعني فشله الباطن.
فلو تحقق مشروع كوالالمبور لسهل ضربه خاصة وله قدم أخيل كان رمز المكر الإلهي الخير فيه غياب القوتين الأعظمين فيه أعني باكستان واندونيسيا بفضل حمق من هددهم بطرد عمالتهم وسحب أرصادهم في بنوكهم. فضرب هذين العملاقين لو دخلا إلى المشروع كان سيعيد الأمة إلى ما قبل شرطي المناعة عند الحاجة القصوى بأن تطلق يد الهند مثلا ضد باكستان.
لم يحن وقت دخولها. فحرب المطاولة سر نجاحها هو منع المناجزة التي يقدر عليه الأعداء وما زلنا بعيدين عن شروطها. وكل هذه القوانين لم تنتظرني بل وضعها ابن خلدون. فلا يمكن إظهار القوة الحاسمة قبل أن يستكمل الاستنزاف تحقيق غرضه. وإذن فثورة الشباب هي أداة الاستنزاف وفي نفس الوقت هي أداة تحقيق قيم الحرية والكرامة واستئناف دور الرسالة الإسلامية الكونية للجميع.
وأعداء الأمة يعلمون أن إيران-والفرس منذ اغتيال الفاروق إلى اليوم-هما داعش الأبدية التي اعتمد عليها الصليبيون والمغول والاسترداديون والاستعمار الأوروبي ثم السوفيات والأمريكان لمنع الاستئناف الإسلامي. والهدف ضرب عواصم الخلافة السنية الاربع: المدينة فدمشق فبغداد فاسطنبول. ولن يفلحوا.
يظن الكثير أن دراستي في الغرب غربتني وخاصة في رأي حمقى الدجالين من رجال الدين في الظاهر وأعداءه في الباطن. لكن لحمي ودمي لم يتغيرا: فقد وعدت والدي رحمه الله ذا التكوين الإسلامي التقليدي بأن تكويني الغربي لن يضر بما أومن به وربيت عليه وسيكون في خدمة أهداف الأمة البعيدة بما أستطيع.
فأكبر أدواء النخب العربية كان ولا يزال تقديم العاجل على الآجل لعدم النفس الطويل في استراتيجيا بناء الحضارات وفي صراع من لا يؤمنون من أصحابها بالقيم الكونية التي هي جوهر الإسلام (النساء 1 والحجرات 13).
فمن لم يفهم علة بقاء الرسول الخاتم ثلاث عشرة سنة لتكوين الإنسان قبل أن يمر إلى تكوين الدولة في السنوات العشر الأخيرة من استراتيجية الثورة التي كان هدفها تحرير الإنسانية من الوساطة بين المؤمن وربه ومن الوصاية بين الجماعة وشأنها أي سياسة دنياها لا يمكن أن يفهم فرق الآجل والعاجل في التاريخ (الغاشية 21-22 والشورى 38).
ولعل سر ثورة ابن خلدون- الذي هو بالقياس إلى تأسيس علوم الإنسان ومنطقها مثل ارسطو بالقياس إلى تأسيس علوم الطبيعة ومنطقها هو اكتشاف الفرق بين التاريخين المديد والقصير حتى إن مؤسس فلسفة التاريخ الحديث في أوروبا -برودال-اعترف بأنه مدين له بهذا التمييز الثوري في فهم تاريخ الحضارات الإنسانية حول الابيض المتوسط.
وختاما فبعد هذا الرد المسرحي للاستهلاك المحلي سيبدأ التفاوض على الأمرين اللذين أشرت إليهما في ما تقدم من التغريد:
1-التخلي عن النووي.
2-ضمان بقاء النظام.
والنظام سيفي بالأول حتما حتى يحصل على رفع العقوبات وانهاء الحصار. لكن النظام سيسقط ب”ربيع” عربي لأن الشعب الإيراني لن تنطلي عليه المسرحية.
فمهمته التي من جنس مهمة القاعدة وداعش انتهت وأمريكا وإسرائيل ينويان الالتفات إلى ما يخيفهما حقا لأن إيران وداعش لم تكونا في خطتهما إلا أداتين وليستا هما الهدف الحقيقي في ما يتظاهران به من حرب عليهما: ما سيلتفتان إليه الآن ومعهما عملاؤهما من العرب هو عينه ما من أجله أتيا بالعملاء إلى العراق على ظهر الدبابات وسلماه إلى إيران وحموا حشودها بالطائرات للمرحلة التمهيدية إذ لم يكونوا جاهلين بمقام زعماء القاعدة ولا بمن يقود الحشد الشعبي.
والآن أمريكا وإسرائيل ومعهما روسيا يتصورون الطبخة قد نضجت للشروع في سايكس بيكو الثانية بعد أن تصوروا الفوضى الخلاقة قد بدأت تؤتي أكلها من خلال الحروب الأهلية التي يشعلها عملاؤهم في كل قطر من أقطار شعوب الاقليم. لكني اعتقد أن الأحداث ستسقط في أيديهم ويعيد الله مكرهم في نحورهم: صحيح أنهم أحدثوا فوضى هدامة لكنها هدمت حدود سايكس بيكو الأولى فأعدت موانع للثانية لن يستطيعوا التغلب عليها.
وقد توقعت ذلك منذ كنت في ماليزيا. فبينت أن الفوضى الخلاقة الهدامة ينبغي أن نستغلها لنهدم بها سايكس بيكو الأولى. والحمد لله فهي قد هدمت كل ما بواسطة الفوضى الخلاقة لسايكس بيكو الأولى إذ هي أزالت الحدود بين الاقطار وعلامة ذلك انتشار ثورة الشباب كالنار في الهشيم. فكل شباب الإقليم تجاوز العرقيات والطائفيات ولم يعد العربي والتركي والكردي والأمازيغي والأفريقي يجهل أن المستقبل والمصير واحد.
ومن مكر الله الخير عند المؤمنين-أو من مكر التاريخ عند الملحدين-صار الأعداء بغير قصد منهم هم من يعطي المثال للشباب: فما بين الأوروبيين من الحروب والأحقاد لا يقاس به ما بين شعوبنا منها فضلا عن كون ثقافتنا ولغتنا الحضارية واحدة وثقافتهم متعددة.
فإذا استطاعوا هم القيام بالعمل الجماعي فمن باب أولى أن نستطيع نحن مثله وأكثر منه. لذلك فأنا متفائل وأن الاجيال الصاعدة سيكون فيها الكثير من عمالقة تاريخ الأمة المجيد يكونون بحق أحفاد بناة دولة الإسلام الكبرى من اندونيسيا إلى المغرب وأكثر.