ونعيد نشره بمناسبة النطق بالحكم الجائر في ما لفق له من تهم آملين أن يواصل شباب الثورة سعيه لتحرير مصر من نكبتها التي أخرجتها من كل دور في المنطقة والعالم لأنها هبطت بها إلى أسفل سافلين بأن جعلت الكلمة العليا فيها لأسفل السفلة عملاء شرطي الغرب (إسرائيل) ومساعده (إيران).**
مقدمة
أريد قبل ختم محاولاتي حول الربيع العربي في موجته الثانية وقبل العودة إلى عملي أن أصف ما أشعر به إزاء ما يتصف به الرئيس مرسي فجعله يصبح نموذجا ذا دلالة رمزية تحتاج إلى تحديد يصل المثال الأعلى في أذهاننا بإرادة التخلص من الانحطاط في أعياننا تحقيقا لأهداف الربيع العربي. فهذه الصفات هي:
- نظافة اليد
- وأمانة رعاية البلد
- وكفاءة التكوين
- وعزم القائد السياسي
- والدراية بالمصالحة بين الأصيل والحديث
ورغم أن هذه الصفات كان يمكن أن تمر مر الكرام لو لم يحصل الانقلاب وما قابله من صمود بطولي للشعب المصري ولرمزهم الحي فإني اعتبر تعينها في ذات حقيقية تصل بين مقومي الربيع العربي أعني المصالحة بين قيم الأصالة وقيم الحداثة بداية الموجة الثانية من الربيع العربي. لذلك فقد أصبح الرئيس مرسي برمزيته في هذا الجهاد بمعناه القرآني نموذجا لإصلاح الوجود الدنيوي بمعناه غير المخلد إلى الأرض ومن ثم الساعي إلى تحقيق حرية الإنسان وكرامته شرطين ليكون جديرا بالاستخلاف والمسؤولية اللذين كرمه الله بهما.
إنه إذن التعين الشخصي لعودة المثل العليا في حياتنا الجماعية بفضل الربيع العربي الذي هو ثورة للتحرر مما فرض علينا من أضداد هذه المثل طيلة عصر الانحطاط وعصر الاستعمار المباشر وعصر الاستعمار غير المباشر بوكلائه من الدكتاتوريات العسكرية والقبلية العربية وبالمقابل مع الشروط التي يشترطها الفكر الإسلامي في القيادة السياسة بالإضافة إلى الشروط العضوية التي لا فائدة من ذكرها.
ما سيتحرر منه الشباب بفضل هذا النموذج
فمقارنة سريعة بين هذا الرمز الحي في أكبر معركة تمر بها الأمة مقارنته بما عشناه في الأعيان خلال النصف الثاني من القرن الماضي اقتصارا على ما صورت فيه القيادات السياسية نفسها بكونها قيادات إصلاح ثوري للأوضاع وبما بقينا نحن إليه في الأذهان من صفات المسؤول السياسي متجسدة في ما نطلق عليه العهد الراشدي تساعد على إدراك الدلالة العميقة لوجود رجل مثل الدكتور مرسي في الموجة الثانية من الربيع العربي.
فالتناقض بين ما عشناه في الأعيان من واقع مرير كانت فيه القيادات رمز عدم النظافة وعدم الأمانة وعدم الكفاءة وعدم العزم وعدم المعرفة بالعصر الحديث لأنهم كانوا جميعا من جنس السيسي جهلا وغباء وجهالة ولد مناخا روحيا غير سوي خاصة إذا سلمنا بصحة الأثر القائل كيفما تكونون يولى عليكم.
لكن ذلك لم يكن كافيا بل كان ممثلو هذه العدوم قد أعدوا جوقة من المثقفين والإعلاميين عديمي الذمة لتزيينهم بما ليس فيهم فتضفي عليهم أضداد صفاتهم الحقيقة. وقد لازم هذا التزييف النسقي أمر آخر أخطر تمثل في الدور المشبوه لشهود الزور من جنس محمد الطالبي الذي أضاف إلى هذا التزييف جعله قانونا تاريخيا نافيا كل وجود للمثل العليا بما حاول فرضه من قياس بين حكام اليوم وحكام العهد الراشدي فلم يبق عنده فرق بين ابن علي والفاروق.
وإذن فبالإضافة إلى هذا التزيين المشين لحكام اليوم يقدمون تشكيكا مهينا في مثل شبابنا العليا من قيادات الصدر وذلك بنبش مغرض يدعي العلمية للتاريخ حتى يجعلوا التعاكس بين صورهم في أذهان ومحاولات تشويههم في الواقع التاريخي قانونا عاما لكأن الانحطاط هو القانون المطلق في التاريخ الإنساني. لذلك تراهم يحاولون فرض هذا التشويه فيزول الفرق بين ابن علي والفاروق وبين ليلى ابن علي وأم المؤمنين عائشة: كلاهما دكتاتور عند الدكتور الخرف وكلتاهما ….عنده.
يقيسون أحداث الماضي التليد على أحداث الواقع العربي بسخفهم البليد حتى يقتلوا كل طموح لدى الشباب ويجعلون الانحطاط قانونا ساريا على الجميع قيسا للعظماء بالحقراء. ولعل الكثير من الناس قد شك في إمكان أمر من جنس ما تصفه أحاديثنا عن مثلنا العليا المستمدة من الحكم الراشد. لكن التحليل العميق لهذه النماذج يبين أنهم كانوا في آن حكاما راشدين ورموزا لتعين الفروض الإسلامية الأربعة التي تلي الشهادة. والمعلوم أن رمز تعينها جميعا في الحكم وفي الإيمان مع تقديم أولها هو الرسول الأكرم نفسه. ولهذه العلة توالى تشكيك المزيفين للتاريخ وللوعي خدمة لمشروعات الاستعمار والدمار التشكيك في هذه المثل العليا والرموز السامية إلى أن تركز على أصلها جميعا قصدت الرسول الأكرم نفسه في حملات التشويه الداخلية والخارجية صلى الله عليه وسلم:
التشكيك في الصديق رضي الله عنه
فقد شككوا الكثير من ضعاف الإيمان والحصانة الروحية في أن أبا بكر كان يمثل دور التقوى ذات العزم المؤمنين بشروط الاستخلاف الممكن من استعمار الإنسان في الأرض استعمارا محققا لشروط الحرية والكرامة كما ترمز إلى ذلك إمامة الصلاة خلقا للنبي صلى الله عليه وسلم فكان الموطد لأركان الدولة بالموقف الحاسم من رافضي شرط الانتساب إليها ومن التوصية بتأمير الفاروق.
التشكيك في الفاروق رضي الله عنه
وشككوا الكثير منهم في أن واضع أساسي وحدة الأمة أي وحدة زمانها ومكانها الفاروق كان يمثل العدل ذا العزم كما ترمز إلى إمامة الزكاة وثروة الأمة إلغاء لمبدأ تأليف القلوب بالمال ولمبدأ توزيع الثروة على الجنود ومن ثم وضع مفهوم ثروة الأمة بكل أجيالها مع وضعه لمبدئي قيام الدولة. فهو الذي ضبط الزمان (وضع بداية للتاريخ الإسلامي) وهو الذي ضبط المكان (وضع النظام الديواني).
وهو الذي غير قواعد التداول على الحكم بعد نظام الوصية العينية الصريحة لئلا تتناقض مع قواعد الديموقراطية الصحيحة التي وضعها الرسول الأكرم (معيار الاختيار الأساسي الصدق والتقوى) فوضع الحل الوسط بينهما بأن كون مجلسا ضمانا للشرطين دون تعيين للشخص لا تصريحا ولا تلميحا كلف بانتخاب من سيعرض على أهل الحل والعقد للبيعة العامة.
التشكيك في شهيد الحرب الأهلية الأول
وشككوا الكثير منهم في أن عثمان رضي الله جامع القرآن كان يمثل العلم ذا العزم كما ترمز إليه إمامة الصوم الذي هو السلطان على الذات بدنها ومالها أساسا لكل معرفة والانتقال من سياسة الدولة المقتصرة على العرب إلى الإمبراطورية العالمية وما تقتضيه من سياسة مختلفة عن سياسة الخليفتين السابقين باستعمال أداتي القوة أعني الاقتصاد ورمزه المال والجيش ورمزه تنظيم العصبيات المتداولة على الحكم مركز ثقل لئلا ينفرط عقد الأمة بسبب التوسع السريع. لذلك كان أساس كل هذه العناصر توحيد نسخ القرآن الكريم حتى يكون أساس الوحدة هو بدوره واحدا مع رفض التداول العنيف للحكم والموت دفاعا عن الشرعية.
التشكيك في شهيد الحرب الأهلية الثاني
وشككوا الكثير منهم في أن عليا رضي الله عنه كان رمزا للحج أعني للتوجه التام إلى سيادة الدنيا من منطلق سيادة الآخرة وتقديما وإخضاعا للسياسي للديني حتى لا تتحول السياسة إلى نجاسة ودناسة في حين أنها ينبغي أن تجمع كل الصفات التي تقدمت في كلامنا على الخلفاء الثلاثة الأول مع كونهم جميعا يشتركون في الأساس الموحد أعني الشهادة طاعة لله ورسوله.
النماذح الفعلية تقوي الإيمان بالمثل العليا
لم يعد الكثير من ضعاف الإيمان والحصانة الروحية يصدق بوجود نماذج تقوي الإيمان بالمثل العليا في الحكم الراشد الذي صوروا ما قدمته من نماذج عن هذه المثل على أنه من الخرافات ممتنعة الوقوع في الأعيان إلى أن جاءت الموجة الثانية من الربيع العربي. عندئذ تبين أن هدف الثورة الأساسي عند النظر إليها من مستواها السياسي هو الحلم بتحقيق شيء من هذه المثل في الواقع والحلم بالتخلص الجذري من واقع الحكم الذي عشناه طيلة النصف الثاني من القرن الماضي.
وما رمزية الرئيس مرسي الحقيقية إلا في كونه إحياء فعليا لتعين محسوس لهذه الحقيقة: يمكن أن يوجد حكام نظاف وأمناء وأكفاء وذوو حزم وعلى دراية بحاجات العسر فلا يكونوا دمى في يد المستعمر الذي يريد أن يبقي على شعوبنا خاضعة للتبعية في شروط بقائها وحريتها وكرامتها. وهو إذن قد ألغى بوجوده كل تلك الشكوك فوفر للشباب مثالا حيا من هذه الحقيقة عيانا وخاصة منذ أن وقع عليه الانقلاب رغم أن ما تقدم على الانقلاب من تصرفاته كان بالذات تذكيرا بما يجانس صفات الخلفاء الراشدين دينا وسياسة:
- فهو تقي لأن مثاله الرسول الأكرم فكان لذلك تذكيرا حيا بالصديق
- وهو قوي لنفس التعليل فكان تذكيرا حيا بالفاروق
- وهو عالم بالقرآن لنفس التعليل فلم يقبل الانقلاب على الشرعية.
- وهو ساع لجعل الدنيا مطية الأخرة ففضل الصدق على المناورة.
واجتماع هذه الخصال هو الشرط الضروري والكافي للقائد الذي يحفظ رسالة الأمة بعد الله وبعونه لتكون شاهدة على العالمين. وإذن فيمكن القول إن دوره التطهيري بالمعنى النفسي والتوحيدي بمعنى التحرير الأمة من الفصام بين فضيلة المثال في أذهانها ورذيلة الواقع في أعيانها ليعيد إلى الشباب الأمل في واقع متحرر من الرذيلة بقدر مستطاع البشر الذين لا ينسون برهان الرب.
وهذا هو معنى التطابق بين المطالبة بالشرعية والمطالبة بالشريعة.
فليس القصد بالشريعة الحدود بل هذه الصفات التي تجعل الحكم يوصف بكونه راشدا.
فالرئيس الرمز مرسي قد أعاد بصموده بعد الانقلاب وقيادته قبله إلى الواقع الفعلي الرموز التي ظلت تملأ وجداننا من خلال ثقافتنا الإسلامية. ويمكن لنا نقول محقين إنه يمثل التصديق الفعلي لما كان يمكن أن يتصور محض خيال نتج عن التجميل التقديسي للتاريخ الديني المقدس الذي غالبا انحصر في الأحاديث الموجودة في الأذهان لأن الإيمان يغني عن التفتيش في أدلة المطابقة مع الأحداث الموجودة في الأعيان.
لذلك فالرجل قد زادنا إيمانا بأن ما ربينا عليه من نماذج رمزية من مجال الممكن ما دام قد أصبح من عالم الحاصل.
والرئيس مرسي قد خلص الوعي العربي والإسلامي مما كان يقدم على أنه ما ليس منه بد أعني رموز القيادات المزيفة التي عرفناها في عهود الاستبداد والفساد بأحداث أفعالهم في الأعيان وما صاحبها من تزييف مطلق لصورهم البشعة بالأحاديث التي يريد الإعلام الكذوب ترسيخها في الأذهان مع ما يصاحبها من حملة مغرضة للتشكيك في الرموز الماضية سحبا لنقائص الأراذل على خصال الأفاضل.
فجزاه الله عنا كل خير وأمد الله في عمره وليكن نموذجا للقيادات الشابة جمعا بين مثل الماضي ومثل المستقبل في استئناف الأمة لتاريخها الكوني من أجل فتح آفاق جديدة للبشرية التي صارت السياسة عندها تعرف بكل ما يتنافى مع ما وصفنا من القيم التي يتعطش إليها كل البشر لأن فطرتهم إسلامية بالجوهر.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/