لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الذاتية والحداثة
تسجيل المحاضرة في أسفل الصفحة
محتويات المحاضرة
مدخل وجيز: علاقة البحث بإشكالية الليبرالية والإسلام
مستويات الذاتية
إشكالية الذاتية
المستوى المنطقي
المستوى الوجودي في الدين والفلسفة
المستوى الإبستمولوجي
المستوى السياسي
المستوى الإيديولوجي: تشاجن المستويات كلها
الخــــاتمـــــــة
مدخل وجيز علاقة البحث بإشكالية الليبرالية والإسلام
لا توجد علاقة مباشرة بين الإسلام بوصفه رؤية دينية عامة والليبرالية بوصفها رؤية فلسفية بصورة عامة ما لم نكتشف الحد الأوسط الذي يجمع بين الديني والفلسفي عامة حدا أوسطا لما بينهما من علاقة في أنظمة حياة البشر[1] وهو ذو وجهين هما عين المنزلة الوجودية للفرد الإنساني:
الوجه الأول نازل من الإلهي إلى الإنساني ومتلفت إلى ما في الديني من علاقة بدور الإنسان التاريخي.
والوجه الثاني صاعد من الإنساني إلى الإلهي ومتلفت إلى ما في الفلسفي من علاقة بما يضفي المعنى على التاريخي.
فيكون الحد الأوسط حقيقة الإنسان أو الذاتية بمعناها الحديث الذي يضفي المعنى على وجوده وما يترتب عليه من حقوق وواجبات هي منزلته الوجودية أولا وكرامته في الجماعة خلقيا وسياسيا ومن المنظور الفلسفي. ويناظرها من المنظور الديني مفهوم التكريم الاستخلافي الذي يحدد منزلة الإنساني بوصفه كائنا حرا ومسؤولا (مفهوم التكليف).
وهو المعنى الذي يترتب على تحرير الإنسان من السلطانين الوسيطين بين الإنسان وربه أعني سلطان التربية الكنسية[2] وسلطان الحكم بالحكم الإلهي[3].وتلك هي ثورة الإسلام التي تحرر نظام التربية (المحرر من سلطان العلماء) ونظام الحكم (المحرر من سلطان الأمراء). والتحرير الأول ينتج عنه تحرر الفرد الإنساني من سلطان التقاليد الاجتماعية (سلطان الجماعة) والتحرير الثاني ينتج عنه تحرر الفرد من سلطان التقاليد السياسية (سلطان الحامية). فيكون متحررا روحيا وسياسيا.
ذلك أن سلطان الجماعة الروحي على الفرد تمثله الكنسية والمجتمع وسلطان الحامية السياسية على الفرد يمثله حكم الحق الألهي والدولة في الحضارات التي حاول الإسلام تحرير الإنسان من أداتي الاستعباد الذي يجعل الناس بعضهم للبعض أربابا بحلف بين الطبقة التي تتحكم في الأذهان (التربية الكنسية) والطبقة التي تتحكم في الأبدان (الحكم السياسي) وتحريفا للدين (آل عمران).
لكن ذلك لم ينجح إذ نكصت الأمة فأعادت الكنسية في الحضارة الإسلامية بشكليها الفقهي والصوفي وأعادت الحكم بالحق الإلهي بالوصية (عند الشيعة) وبالتغلب (عند السنة) فنكص المسلمون إلى قانون التطور التاريخي الطبيعي وغاب قانون التطور الخلقي وسقط مفهوم الفرد الحر والمسؤول[4].
فإذا ميزنا بين الإسلام وما نكص إليه المسلمون أمكن البحث عن مشتركات أو اختلافات بين رؤية الإسلام ورؤية الليبرالية لهذا الحد الأوسط بوجهيه -الفرد الإنساني الحر والمسؤول في النظامين الروحي والسياسي- أمكن الكلام على علاقة حقيقية بين الليبرالية والإسلام.
وحقيقة الذات الإنسانية يمكن تعريفها بحرية صفاته المقومة الـخمس أي بحرية الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود. لذلك فسأبحث في المسألة من منطلقين:
1-فلسفي في تكون مفهوم الذاتية التي تجعل الفرد مشرعا لذاته أي صاحب الحرية الخلقية والسياسية.
2-ديني في تكون مفهوم الذاتية أو الفرد المتحرر من الواسطة بينه وبين مثاله الأعلى أو ربه شرطا في حريته الخلقية والسياسية.
وبذلك يمكننا أن نبين أن الإسلام له رؤية توافق أو تخالف الليبرالية وبأي معنى لأننا نعرفها بخمسة مستويات:
وما يترتب على الحرية في هذه المستويات هو مقومات الذاتية بصفاتها المتعلقة:
مستويات الذاتية
ولكن لا ينبغي أن نخلط بين علاقة الليبرالية بالإسلام وعلاقتها بالأنظمة التي تدعي الإسلام مرجعية لها (الانظمة القبلية) تماما كالحال في التي تدعي العلمانية مرجعية لها (الانظمة العسكرية). ذلك أننا سنبين أن الإسلام -وهو مدار بحثنا-لا يتنافى مع أي من مستويات الليبرالية. لكن الأنظمة التي عرفتها حضارتنا والتي بررها الفقهاء بالإسلام تحول دون إمكانها.
وللقول بالليبرالية التي نطلب تحديد علاقتها للإسلام دافعان اقتصادي وسياسي يؤثران في تصور دور الدولة في حماية الحريات ودور الأفراد في الدولة
والأول مداره الحرية الاقتصادية. وهو دافع مضاعف:
والسؤال هو: إذا كان هذا الدافع هو شرط فاعلية الأفراد المادية وكان متعلقا بحق الملكية الخاصة فهل هي محمية أم إن الدولة يحق لها مصادرتها والعدوان عليها. ولهم فتاوى تؤيدهم في ذلك؟
2- والثاني مداره الحرية السياسية. وهو دافع مضاعف:
والسؤال هو: إذا كان هذا الدافع هو شرط فاعلية الأفراد السياسية وكان متعلقا بحق الحرية السياسية الخاصة فهل السلطة العامة محدودة أم إن الدولة مطلقة السلطة ولهم فتاوى تؤيدهم في ذلك؟
وهذان الدافعان يفترضان قضية خلقية تنتج عن الضدين سواء افترضنا إطلاق سلطة الدولة أو سلطة الأفراد. وهذه القضية تؤلف بين العناصر الاربعة وبصورة أدق من توليفات واحدة منها فقط تجعل الليبرالية التامة ممكنة إذا جمعت بين الحرية الأولى والحقوق الاجتماعية لتعديل الدافع الاقتصادي والحرية الثانية والحقوق الثقافية لتعديل الدافع السياسي (بلغة حقوق الإنسان).
أما عندما يغيب هذان النوعان من الحقوق فإنها تكون منافية للإسلام. والتوليفة التي تجعلها ملائمة للإسلام مستحيلة في نظامي المسلمين الحاليين (القبلي الذي يدعي الحكم بالإسلام والعسكري الدي يدعي الحكم بالعلمانية) خاصة وفي كل التاريخ إذا ما استثنينا المرحلة الراشدة. بسبب النكوص عن الحريتين الروحية (عودة الكنسية) والسياسية (عودة ما يشبه الحق الإلهي في الحكم)
إشكالية الذاتية
تبرز إشكالية الذاتية في مستويات خمسة آلت جميعا إلى تحديد دورها في أسس القول في الحقيقة وفي مقومات الكيان وفي نظرية المعرفة وفي المنازل السياسية وكلها تحولت إلى موضوعات ايديولوجية تصلها بالكلام في الحداثة كإيديولوجيا تمجد سلطان الإنسان على العالم:
1-منطقي
2-ووجودي
3-وابستمولوجي
4-وسياسي
5-وإيديولوجي
المستوى المنطقي
لا يظهر هذا المستوى في عبارة القضية المنطقية العربية. لكنه قائم في عبارتها بالألسن الغربية الحديثة. فالعلاقة بالمنطق هي ما يتجلى من مسألة تأليف القضية المنطقية من الموضوع والمحمول والرابطة الوجودية بينهما الرابطة التي تخلو منها العبارة العربية واضطر الفلاسفة العرب الاول محاكاة للفلسفة اليونانية أن يبتدعوا وصلا بكلمة «هو» أو بكلمة «موجود» بين الموضوع والمحمول. ومثلما تغيب الرابطة الوجودية فإن كلمة الذات لا توجد في عبارة القضية. وما يعوضها صار لاحقا مقابلها أي “الموضوع” الذي يسمى في اللغات الغربية ذاتا: سابجكت. ما نترجمه بذات لغويا هو الموضوع منطقيا ومن ثم فالقضية المنطقية تتألف من موضوع ومحمول في لساننا ومن ذات ومحمول في اللغات الغربية.
لكن الذات في هذه اللغات كانت لها دلالة شبيهة بدلالة الموضوع في العربية ولم تكن لها دلالة الذات الحديثة. والمقابلة بين الدلالتين القديمة والحديثة كانت أساس إشكالية العلاقة بين الذاتي والموضوعي أو اشكالية الانقلاب بين المعنيين في اللغات الغربية الحديثة. فالعلاقة بالمنطق في مسألة الموضوع والمحمول تتأتى من كون ما نسميه في العربية موضوعا يسميه الغربيون ذاتا: سابجكت. وهو الموضوع في القضية المنطقية.
وهذا التطور الذي حصل في دلالة الذات (سابجكت) لم يقتصر على المنطق بل حصل ما يناظره في السياسة بمعنى الانتقال من انفعال الإنسان إلى فاعليته. ذلك أن دلالة سابجتك الأولى انفعالية وتعني أحد أفراد رعية الحاكم بالحق الإلهي في الملكيات الأوروبية سابقا. لكنها صارت بعد تجاوز الحكم بالحق الإلهي صار المدلول الإنسان المشارك في السلطة أو المواطن. فكيف حصلت هذه النقلة؟
أما في ثقافتنا الفلسفية والكلامية فإن الذات تقابل الصفات عند الكلام في المسألة الإلهية. فإذا اعتبرنا الصفات محمولات كانت الذات موضوعا فتكون الذات فيها ذاتا وموضوعا في آن. لكن ذلك لم يحصل فلم يقع الوصل بين الموضوع في القضية المنطقية (موضوع محمول) والذات في القضية الوجودية (ذات صفات).
المستوى الوجودي في الدين والفلسفة
فما طبيعة العلاقة بنظرية الوجود في مسألة الذات والصفات. فالذات هنا موضوع للصفات التي تحمل عليها. لكنها في ثقافتنا الفلسفية والكلامية لم تستعمل في الكلام عن الموضوع والمحمول عامة ولم تستعمل حتى للكلام على الذات والصفات الإنسانية بل كانت مقصورة على الكلام على الذات الإلهية وصفاتها.
العلاقة بنظرية الوجود في مسألة الذات والصفات دينيا. والعلاقة بين مقومات الماهية أو ما يسمى بالجواهر الثواني والأعراض بنوعيها الذاتي والعام فلسفيا. وتلك هي المعضلة التي حاول ابن تيمية تجاوزها برفض الفصل بين الماهية والوجود في الأعيان وقصرها على المقابلة بين ما في الأذهان وما في الأعيان. وحاول هيجل علاجها بالجدل وبيان أن الموضوع يتعين في محمولاته والذات في صفاتها. فالذات هنا موضوع للصفات التي تحمل عليها.
ولعل كل الفلسفة الهيجلية ترد إلى هذه العلاقة: كيف يلغي المقابلة بين الذات والموضوع بعملية تحصل في تطور الذات إلى أن تصبح موضوع ذاتها ويحصل في الموضوع إلى أن يصير ذاتا وتكون الصفات هي عين صيرورة الذات وتعينا في صفاتها التي هي عين تجلي ذاتها في صيرورتها وقيامها.
وهو بهذه الصيرورة يصل بين فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة وفلسفة الدين ودين الفلسفة أعني ميتافيزيقاها أو المنطق الجدلي الذي وضعه قلبا لكل فلسفته الذي يجري في فينومينولوجيا الروح التي تجمع الفلسفة وتاريخها والدين وفلسفته
المستوى الإبستمولوجي
دور الذات في نظرية المعرفة (كنط) لم يبرز إلا بفضل تخليص نظرية المعرفة من القول بالمطابقة بين العلم بالموضوع (معرفة) والموضوع (وجود) واليأس من القول إن العلم بالشيء هو علم به على ما هو عليه. صار وجود الموضوع الخارجي من المتعاليات على كل علم وهذا هو المفهوم الفينومينولوجي للمتعالي.
لكن الغزالي[5] وابن تيمية[6] وابن خلدون[7] قبل ذلك بقرون توصلوا إلى نفس النتيجة مبينين أن العلم العقلي وإن تجاوز العلم الحسي فهو لا يحيط بالموجود ومن ثم فلا بد من التخلي عن القول بالمعرفة المطابقة المحيطة بالموضوع على ما هو عليه. والعلم المحيط الوحيد ينسب إلى الله دون سواه.
وكان ابن رشد[8] قد ميز بين علمين متقدم على الموضوع وهو علم الله ومتأخر عنه وهو علم الإنسان. لكنه بقي قائلا بالمطابقة وبعلم الأشياء على ما هي عليه لكأن علم الراسخين في العلم مماه لعلم الله وذلك هو تعليل قوله بأن “واو” سابعة آل عمران للعطف وليست للاستئناف.
أما في الفلسفة الغربية فالمسألة هي جوهر معركة كنط مع نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة وتأسيس الذاتية في المجال الابستمولوجي. لكن المثالية الألمانية وخاصة في الهجلية نكصت إلى القول بالمطابقة وإن بصورة جدلية ليصبح القول بأن الذاتية لا تكتمل إلا عندما تصبح موضوعية لذاتها فيكون الإنسان بما هو ذات موضوعا لذاته وتكون الذاتية عين الموضوعية.
المعركة في المثالية الألمانية المتأخرة بين فشته وشلنج وخاصة بين الكنطية الهيجلية بتوسط مرحلتين هدفتا إلى تجاوز المقابلة الكنطية بين الفينومان (المعلوم من الوجود الخارجي) والنومان (اللامعلوم منه أو الشيء في ذاته):
مرحلة فشت ونظرية العلم [9]
دور الذات في نظرية المعرفة التي صارت شبه مقصورة على فاعلية الفكر الإنساني في معرفة الوجود (كنط): فـ”الأفكر” شرط كل علم وهو حضور الذات في كل أفعال العقل الإنساني لكأنها رمز الوعي بالذات المصاحب لأفعالها المعرفية والخلقية. ولعل التطور السياسي الناقل من الذات التابعة للحاكم (رعية) إلى الذات المشاركة في الحكم (المواطن) نتيجة لهذه التطورات الثلاث المنطقية والوجودية والإبستمولوجية.
المستوى السياسي
لكل ما تقدم من المستويات (دور الذات في التشريع والسلطة أو الوعي بالذات شرط الشخصية) له صلة بفلسفة الدين وبفلسفة التاريخ من منظور هيجلي.
دور الذات في التشريع والسلطة مشروط بثورتين من جنس ثورتي الإسلام تحرران الإنسان روحيا بالحد من سلطان الوساطة الكنسية وسياسيا بالحد من سلطان الوساطة السياسية (الحكام). ولا يمكن لذلك أن يتقدم شرط الوعي بالذات الذي ينقل الإنسان من الفردية إلى الشخصية خلقيا ومن الشخصية إلى المواطنة سياسيا الشخصية وللنقلتين علاقة وظيفة بفلسفة الدين وبفلسفة المعرفة اللتين تجتمعان في فلسفة التاريخ والسياسة.
وقد تقدم إلى ذلك ابن خلدون في محاولته بيان دور التربية والحكم في تنمية معاني الإنسانية إن كانا تحرريين يتبعان الوازع الذاتي الذي هو خلقي ودورهما في افساد معاني الإنسانية إن كانا يتبعان الوازع الأجنبي الاستبدادي والفاسد والمنافي للوازع الذاتي.
المستوى الإيديولوجي: تشاجن المستويات كلها
إن دعوى قصور بعض الجماعات الخالية من الذاتية ومن ثم غير المدركة لمفهوم الحرية بمستوياتها الوجودية والدينية والسياسية في فلسفة هيجل وضم المسلمين إليهم دليل الجهل بما بينته في المسائل السابقة وطغيان المقابلة العنصرية بين الغرب والشرق.
لكننا دحضنا هذه الخرافة التي تقابل بينهما فبينا كيف انقلبت العلاقة فأصبحت الذات تعني الذات الإنسانية حصرا وصار ما كان دالا على الموضوع دالا على الذات؟ وكيف اصبحت الذاتية موضوع اهتمام الباحثين في الحداثة باعتبارها من علاماتها الأساسية؟ كيف حدث الانتقال من المفهوم العام للقائم بذاته إلى الذات الإنسانية؟
وهذا الانتقال يناظر انتقال عبارة دازاين من العين بمعنى الوجود المتأنن أو المشار إليه إلى عين متميزة هي ذات الإنسان. وهذا الانتقال في دلالة الاصطلاح توخيناه للوصول إلى دحض دعوى قصور بعض الجماعات الخالية من الذاتية ومن ثم غير المدركة لمفهوم الحرية بمستوياتها الوجودية والدينية والسياسية.
الخــــاتمـــــــة
وفي الختام لا بد من ملاحظة أن سلوك هذا المسار الذي أنتج الذاتية أو الوعي الفردي الذي تنبني عليه الشخصية والمواطنة ليس واحدا رغم وحدة المسار. فالفكر الفلسفة قطع بالتدريج نفس المسار الذي قطعه الفكر الديني ولكن في الاتجاه المقابل. وهو مسار التشكيك في الإطلاق الإيديولوجي والسياسي والمعرفي والوجودي والمنطقي للوصول إلى وضع حد لجعل الإنسان مقياس كل شيء واعتبار الوجود غير قابل للرد إلى الإدراك بمصطلح ابن خلدون.
والعلة في مسار الفكر الديني هو الإيمان بالغيب أو السر المحجوب. وحتى نفهم دور هذا الإيمان في تغير مستويات الذاتية المنطقي والوجودي والابستمولوجي والسياسي لا بد من وضع المسالة بعمقها الفلسفي: فهل توجد ذوات ذات قيام مستقل وتحمل صفات أم هي ملتقى علاقات بين ظاهرات متقاطعة مجهولة الطبيعة في بؤر تتجلى فيها الخصائص وكأنها متحدة في حيز مكاني وزماني معينين لإدراك معين؟
فلنا مثال حدود السمع أو حاملية الكهرباء وحوائل انتقاله. كيف تجمتع الأمواج الصوتية والصور في الجهاز اللاقط بإحداثيات معينة فتسمع وترى؟ وكيف يمكن الكلام على عالم أخروي أو عالم الغيب لا شيء مما نعلمه من العالم الدنيوي أو عالم الشهادة؟ أليس بعض ما نراه حتى في عالم الشهادة يحول دون أساس كل العلوم الزائفة التي تطلق الإدراك المنطقي والوجودي والأبستمولوجي والسياسي فتجعل هذا الإدراك الوهمي سر تأليه الإنسان وتأسيس الطغيان؟
وبذلك يتبين أن مناط العلاقة بين الزوجين الاثنين الاولين (الليبرالية والإسلام) وبين الزوجين الاثنين الأخيرين (الذاتية والحداثة) واحد: إنه منزلة الفرد الإنساني. وإذن فهي التي تحدد الوصل بين هذه العناصر الاربعة الليبرالية والإسلام والذاتية والحداثة. والسؤال ما طبيعة هذا الوصل؟
فكانت فرضيتي هي أن الوصل بين الزوجين الثانيين شرط إمكان الوصل بين الزوجين الأولين رغم أن الغالب على تحديد العلاقة بين الليبرالية والإسلام الانطلاق من منظور سياسي. فالسياسي يحتاج إلى تأسيس متجاوز للسياسي لئلا يبقى سياسويا.
لا بد من منطلق وجودي وخلقي (انطولوجيك وأكسيولوجيك) يؤسس السياسي. وهذا المنطلق يتعلق بالمناط المشترك بين علاقة الليبرالية والإسلام وعلاقة الذاتية والحداثة. والمقدم على الشرط السياسي في هذه الحالة هو الشرط الوجودي (تحديد المنازل الوجودية) والخلقي (تحديد سلم المنازل): منزلة الفرد الخلقية (الحرية الروحية) والسياسية (الحرية السياسية) ومحدداتهما الموجبة والسالبة تتأسس على هذين الحريتين اللتين اعتبرهما ثورة الإسلام:
تحرير التربية من سلطان كنسي وسيط بين الله والإنسان.
تحرير الحكم من سلطان حاكم وسيط بين المواطن والوطن.
ويبقى البحث لمزيد التحليل للبرهان الدقيق على هذه الفرضية. لكن هذا كاف لأن اللقاء لم يكن أكاديميا صرفا بل كان حوارا بين نخب تبحث عن فهم لعلاج قضايا عملية لم تنضح حلولها الخلقية والسياسية بعد.
[1]الحد الاوسط بينهما يتعلق بما بينهما من مشترك في تنظيم حياة البشر أعني نظرية الإنسان منزلته في الجماعة خلقيا (الحرية الروحية) وسياسيا (الدور السياسي في كل ما له علاقة بقيام الجماعة موضوعا لما يسمى سياسة ويعتبر من رجالات السلطة السياسة الشرعية في الدولة).
[4]الغزالي فضائح الباطنية وابن تيمية منهاج السنة وابن خلدون المقدمة فصل الكلام من الباب السادس
[5]وضع مفهوم “طور ما وراء العقل” في المنقذ من الظلال.
[6]وضع مفهوم لا تناهي التصورات الممكنة وراء كل تصور لأن المطابقة بين التصور وموضوعه مسحيلة
[7]رفض رد الوجود إلى الإدراك الذي يفسر به وهم الكلام والفلسفة القائلين بنظرية المعرفة المطابقة.
[8]عرض هذا التمييز في ضميمة كتابه فصل المقال.
[9]في نظرية العلم والمقابلة بين الأنا واللاأنا من وضع الأنا فيكون الأنا واضعا لنفسه ولضديدها. والأنا الواضعة لنفسها ولضديدها تلغي مفهوم الشيء في ذاته وتوحد بين الموضوعي والذاتي
تسجيل المحاضرة
الكتيب