لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الدولة
الامة تصبح ذاتا ذات كيان يمثلها هو الدولة التي تتألف من جماعة تملك أحيازا (الخمسة) تستمد منها شروط قيامها رعاية وهي تكون سيدة إذا كانت قادرة على حمايتها دون تبعية لغيرها. وإذن فالأمة ذات السيادة من حيث هي ذات سياسية لا تتحدد بما في داخلها فحسب بل بما لها من منزلة في نظام العالم.
وهذه المنزلة هي معنى القوة السياسية في العالم إذا اعتبرناه واحدا يحيط بما فيه من أمم متعايشة فيه سلما وحربا على حظها من شروط بقائها المستمدة منه بوصفه أحياز وجودها ومصدر قيامها المادي(الانتاج المادي او الاقتصاد) والروحي (الانتاج الرمزي او الثقافة) وكل منهما شارط ومشروط للثاني.
وبهذا المعنى فالدول هي ذوات الامم وبهذه الصفة هي قوتها السياسية المؤلفة مما تستمد منه القوة بمعانيها الخمس: قوة إرادة وقوة معرفة وقوة قدرة وقوة حياة أو ذوق وقوة وجود او رؤية للعالم وخاصة لذاتها في منازل الامم أو في نظام العالم خلال التاريخ نزولا وصعودا في المراتب السيادية.
ولو افترضنا أن الإنسانية أمة واحدة (غاية يسعى إليها الإسلام النساء 1) لكانت سياسة العالم من جنس سياسة اي أمة: كل دولة فيه ذات سياسية تسعى لحيازة أكبر قدر من الاحياز باعتباره شروط قيامها ولو على حساب غيرها من الأمم (الأمر الواقع) ولكان الهدف الخلقي أخوتها (الأمر الواجب) شرطا للسلم.
وطبعا فهذه المقابلة بين الأمر الواقع والأمر الواجب في عمل القوى السياسية لا يعني أنه يمكن أن توجد سياسية خالية من أحدهما بل هو يعني أن حضورهما يمكن أن يكون حقيقيا ويمكن أن يكون للخداع: فقل أن تجد قوة سياسية أفعالها مطابقة لأقوالها وذلك سواء كنا في الداخل او في الخارج. كلها تتخادع.
وغالبا ما يكون الحاكم أصدق من المعارض لأن الاول يسهل مقارنة أقواله بأفعاله والثاني ما ظل معارضا من العسير أن تقارن أقواله بأفعاله لأنه يوغل في الكلام على الأمر الواجب ويتجاهل ما يحول دونه لجهله بعقبات الأمر الواقع. لكن وجودهما مشروط في امتناع تجاهل الأمر الواقع.
وإذن فلا توجد امة ليس فيها هذان البعدان من الرؤية السياسية حكما ومعارضة بل ضمن الحكم وضمن المعارضة أيضا ومن ثم فالمقابلة بين الرؤية القولية والرؤية الفعلية تجعل الحكم والمعارضة كلتاهما في الحقيقة مؤلفة منهما: المقابلة بين التصور والانجاز من مقومات الفعل عامة والفعل السياسي خاصة.
ولهذه العلة فكل قوة سياسية هي شبه دولة فيها حكم ومعارضة وفي تصور وإنجاز والتصور ينتسب إلى نخبة العلم والإنجاز إلى نخبة الإرادة. لكن النخبتين تبقيان رهن نخبة القدرة لأن للإنجاز والتصور كلفة يدفعها من يستطيع تمويلها وتوظيفها في خطة القدرة. وهدف العمل تنتسب إلى ذوق الحياة أو الفن.
ولهذه العلة فإن القوة السياسية تتألف دائما من خمسة فروع: قوة سياسية حاكمة مزدوجة تتألف من اصحاب التصور وأصحاب الإنجاز لكأنهما حكم ومعارضة. وقوة سياسية معارضة مزدوجة تتألف من تصور التصور واصحاب الإنجاز لكـأنهما معارضة وحكم. ولنستعمل التنزيل المكاني السائد في التصنيف لفهم ذلك.
فلنفرض على سبيل المثال:
القوة الحاكمة من اليمين لا بيد أن يوجد فيها من يميلون في الحكم إلى يسار اليمين خوفا من فقدان البعد الاجتماعي من سياستهم الاقتصادية.
القوة المعارضة من اليسار ولابد أن يوجد فيها من يميلون إلى يمين اليسار خوفا من فقدان البعد الاقتصادي من سياستهم الاجتماعية.