لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الدولة
قوة أي أمة السياسية حصيلة هذه القوى الخمس: حصيلة إيجابية لفعل ممثلي إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها أي لفاعلية ساستها(حكما ومعارضة) وفاعلية مبدعيها من علماء الطبائع والشرائع وفاعلية اقتصادييها وفاعلية فنانيها وفاعلية أصحاب الرؤى فيه من الدين والفلسفة: توحدهم مرجعية قيمية.
وهي توحدهم لأنها سر وحدة أحياز وجودهم الخارجية بالنسبة إلى أفراد الجماعة ووحدة انعكاسها في أحياز كيان كل فرد (بدنه هي جغرافيته وروحه هي تاريخه وزاده العضوي هو ثروته وزاده الرمزي هو تراثه ورؤاه للوجود والعالم هي منظوره الذاتي للمرجعية المشتركة) فتكون الجماعة وكأنها ذات طبيعية.
ومعلوم أن الجماعة ليست ذاتا طبيعية بل هي ذات معنوية لكنها تجسدها في دولة يجعلها بالقياس إلى غيرها ذات شبه طبيعية وكأنها فرد في جماعة أعلى هي الإنسانية كلها بأبعاد زمانيتها المخمسة: فكل جماعة ممثلة لكل ماضي الإنسانية أحداثه وأحاديثه ولكل مستقبلها أحاديثه وأحداثه في حاضرها بؤرة لها.
ومن مميزات رؤية القرآن أن أفق هذه الوحدة المرجعية لا يقتصر على الانتساب إلى العقيدة بل يتعداه إلى الانتساب إلى الإنسانية (النساء 1) وصلا بالربوبية ودونها الانتساب إلى العقيدة وصلا بالألوهية تقديما لتلك على هذه وكأن هذه مشدودة إلى تلك كعلاقة بين رحمين جزئي (الجماعة) وكلي(الإنسانية).
لذلك كان نكوص الأمة بالقياس إلى مرجعيتها الإسلامية مضاعف. فهو نكوص دون الإنسانية ودون الجماعة الدينية إلى العرقية القبلية ما جعل التفتيت فيها أهم علامة على أنها حرفت الدستورين القرآنيين مقومي السياسة أعني دستور التربية والنظر ودستور الحكم والعمل. وذلك بسبب الحرب على الإسلام.
ومفهوم الحرب على الإسلام مفهوم غامض: فالحرب ليست عليه بصورة مبهمة أو ملتبسة بل هي عليه كسياسة تربية وسياسة حكم أساسهما الثورتين الروحية والسياسية أي الحرية الروحية (لا وساطة بين المؤمن وربه: الكل يلقى ربه فردا) والسياسية (لا وصاية بين المؤمن وأمره). وهذا هو النكوص بالانقلاب.
وبالانقلابين على الدستور التربوي في النظر والعقد والدستور السياسي في العمل والشرع فقدت الأمة سر قوتها. لم تبق جماعة من الاحرار الذين يؤمنون ويعملون صالحا ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر بسبب نكوصهم إلى ما دون مفهوم الامة فصاروا أعراقا وقبائل يحكمها قانون الضرورة الطبيعية لا غير.
فالقوى السياسية في الداخل وفي الخارج هي التي تمثل كيان الامة الذي صار ذاتا في تعينه كدولة ذات سيادة هي ما به تكون الدولة ذاتا متفاعلة مع الدول الاخرى بوصفها إرادة ذات علم وقدرة وحياة ووجود تميزها عن غيرها بأهدافها وبأدوات تحقيقها الراجعة إلى صفات الخمس هذه في تقاسم احياز الوجود.
أحياز الوجود واحدة لجميع البشر: المكان والزمان وفعل الاول في الثاني هو التراث(الجماعة المشتركة في المكان خلال الزمان تتواصل فتنتج تراثها)وفعل الثاني في الاول هو الثروة(الجماعة تتعاون وتتبادل فتنتج الثروة بأثر مدة الزمان في امتداد المكان من أجل مدد الحياة):تنافس عليها شروط بقاء.
وهو ما يعني ان كون الامة ذاتا متعينة في دولة تمثل إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها مشروط بكون أفرادها ذوات لها هذه الصفات بفضل الحريتين الروحية (المستجيب للرب هو الذات) والسياسية (علاج الشأن العام فرض عين ينيب من يقوم به فرض كفاية بمراقبة كل افراد الجماعية بجنسيهم).
وللمراقبة معنيان:
تحديد الاهلية لمن ينوب خلال الانتقال من الدور السياسي كفرض العين إليها كفرض كفاية وذلك هو مفهوم الانتخاب.