لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الدولة
وختام البحث في مقومات الدولة بوصفها ذاتا تعبر عن أمة ذات سيادة حماية ورعاية لكونها امة افراد يتمتعون بالحريتين الروحية (لا وساطة)والسياسية (لا وصاية) بمقتضى المرجعية القرآنية التي بينّا دلالتها في ما تقدم من البحوث سيكون ثالث المقومات في المخمس: الدستور في المرجعية القرآنية.
وأول خاصية للدستور أي دستور سواء نتأت هذه الخاصية فصرحت أم بقيت مضمرة فيه هي كونه النظام الفاعل -نصا أو عرفا-بين المقومين المتقدمين عليه في عرضنا والمقومين المتأخرين. والأولان هما:
والثانيان هما:
المرجعية في صوغها الفعلي في الأعيان إرادة معبرة عن الجماعة أو الهيئة الحاكمة والمعارضة.
التطابق بين القوى السياسية في حياتها المدنية وصورتها السياسية كوظائفها ذاتا بدنها الجماعة وروحها منظومة وظائف الدولة العشر التي شرحنا في في الفصل الاخير.
والدستور أي دستور صراحة أو ضمنا هو النقلة مما يشبه الفوضى الخلاقة إلى النظام الناتج عنها: فمن المرجعية وغموضها وتأويلاتها في القوى السياسية ينقلنا الدستور إلى الهيئة الحاكمة والمعارضة وتعينات الإرادة في وظائف الدولة العشر حماية ورعاية وذلك هو كيان الدولة الفعلي في كل أمة سيدة.
وما حول الدستور قبله وبعده مباشرة هو نفس الشيء: القوى السياسية في تنافسها الساعي للانتظام مصدرا والقوى السياسية في تنافسها المنتظم. وللدستور فاعلية ذات اتجاهين. فهو يحاول تنظيم ما تقدم عليه لتحديد شروط الانتقال منه إلى ما تلاه وهو يحاول الابقاء على حيوية ما تقدم عليه في ما تلاه.
لذلك فهو ينظم القوى السياسية التي ينتج عنها (حركية داخل الأحزاب للتأهل إلى الحكم) والقوى السياسية التي تنتج عنه(حركية بين الاحزاب للتنافس عليه):ما قبل الدستور حركية في القوى السياسية لتشكلها وسيطا بين الجماعة والدولة وما بعده حركية بين القوى السياسية للتداول على إدارة الشأن العام.
ومدار الحركية الأولى هو التنافس على تمثيل المرجعية الذي تتكون القوى السياسية بمقتضاه وتتمايز بتأويلاتها التي تعتبرها ما يرضى عنه الشعب (حتى في الدكتاتوريات) ومدار الحركية الثانية هو التنافس بين الحاكم والمعارض في الاستجابة للحاجيات المباشرة للجماعة لنيل رضاها عن اهليتها لحكمها.
وبذلك فالمقومات الخمسة حاضرة في الدستور لأنه هو ذاته حاضر في ذاته إذ كل دستور يتكلم على ذاته أيضا كلاما يحدد طبيعته ومصيره وشروط تعديله وتغييره بالاحتكام إلى ما يطرأ في ما قبله أي علاقة القوى السياسية بتأويلات المرجعية وإلى ما يطرأ في ما بعده أي علاقة القوى السياسية بوظائف الدولة.
ولو طبقنا ذلك على ما يجري في الإسلام لكانت بعض صيغ الدستور الأحكام السلطانية (الماوردي مثلا) ولكان ما قبلها القوى السياسية وهي بالأساسي فرق مذهبية نتجت عن تأويل القرآن والسنة. وبمقتضى الاحكام السلطانية من المفروض مبدئيا أن تتكون الهيئة الحاكمة والمعارضة لتشرف على الوظائف العشر.
وكل ذلك مسطور في الأحكام السلطانية وقد وصف ابن خلدون الشكل النهائي في عصره محددا دور الخليفة كسلطة رمزية في البعد الروحي من الوظائف ودور السلطان في البعد المادي كسلطة فعلية: بحيث إن للدولة رئيسا سلطته رمزية (الخليفة) وحكومته سلطتها فعلية (السلطان) إن صح التعبير.
وإذا ما استثنينا النظام الرئاسي -وقد حصل عندما كان الخليفة سلطانا في نفس الوقت-فإن كل دستور حديث اصبح مؤلفا من رئاسة رمزية للدولة ورئاسة فعلية للحكم وهذه تتداول عليها القوى السياسية وتلك تحصل بما يشبه الاجماع بين القوى السياسية لتمثيل الدولة في الرسميات.
لكن هذه الدساتير يمكن أن تكون معبرة بحق عن أنظمة الدولة بمقوماتها الخمسة ويمكن ان تكون حبرا على ورق كالحال في جل الانظمة العربية إن لم يكن الامر كذلك فيها كلها. فلو قرأت أي دستور عربي لوجدته أكثر تقدما وحداثة من أحدث دول الغرب: لكنه في الورق دون سواه. والجاري هو نقيضه تماما.
القوى السياسية تتحدد برؤاها لدلالات المرجعية-والمرجعيات خمس لا غير:
ما بعد طبيعية
وطبيعية في الفلسفة (سقراط وكاليكلاس)
ما بعد تاريخية
تاريخية (هيجل وماركس)
والاديان تجمع بين هذه الاصناف الاربعة أي إنها مابعد الطبيعة وما بعد التاريخ والطبيعة والتاريخ بأسقاط متبادل.