الدلالة الحضارية للعلاقة بين النظر والعمل – الفصل الثاني – عقيل الخطيب

ه

الفصل الثاني:مراتب الحضارة وعلاقة النظر بالعمل

عقيل الخطيب

ان المسلمة الرئيسية التي ينطلق منها الدكتور، سواء في هذه الحوارية أو في جل كتبه، هي الوحدة البشرية لجهة انتسابهم الى منزلة يسميها ابن خلدون” معاني الإنسانية”.
هذه المعاني هي مجموع قيم كبرى ذات ابعاد خمسة كبرى، ويرى ابو يعرب ان الحضارة العربية /الاسلامية حاولت واجتهدت في تجسيد هذه القيم لذا لا يزايد أحد عليها في مستوى كونها تجاوزت الخصوصيات الثقافية والعرقية والدينية واستشرفت منزلة الفطرة الاستخلافية بمستوييها النظري والعملي.
صحيح ان هذه الفطرة هي مسار طويل ما حصل منه الا جزء والمشوار ما زال طويلا بل ربما محاولات ابو يعرب انما هي في اتمام هذا المسار الذي انقطع وتوقف على عتبات محاولة بن خلدون.
ان الاستخلاف هو مفهوم قرآني والموضوع المعالج في هذه المناظرة ان صح التعبير يفترضه ويستوجبه ففهم الدكتور له انه مزدوج استخلاف نظري (قيم النظر المجردة والمطبقة) واستخلاف عملي (قيم العمل المجردة والمطبقة).
بالنسبة للاول يسعى فيه الانسان لتحقيق شروط السيادة على الطبيعة بعلم اسبابها وعلى قدر علمه ينال درجة معينة من الاستخلاف.
اما بالنسبة للثاني يسعى الانسان يسعى الانسان لتحقيق شروط السيادة على الشريعة بعلم شروطها المحافظة على ما يسميه بن خلدون “الرئاسة بالطبع”.
إذا جوهر الاستخلاف بنوعيه يتناوس بين قيمتي الحقيقة/الخير …وتاريخ الانسانية الحضاري انما هو التسابق نحو هذه السيادة بما هي “تسابق في الخيرات”.
ان السيادة على الطبيعة ومثيلها السيادة على الشريعة تعني في الاولى علم النظر (علم وعمل) وعلم العمل (عمل وعلم) وحتى تفهم المسالة على مقصد الدكتور يفصل أكثر فيضيف ان العلوم الرياضية/المنطقية والعلوم الطبيعية هي علوم نظرية تتقابل وتتجادل مع علوم التاريخ والسياسة/الاخلاق وإذا تحقق الاقتدار الجمعي في المجالين كان ذالك عنوان السيادة على المصير والحياة.
هذا المعنى الهام للاستخلاف يسمح للدكتور التصنيف التالي للأمم:

  1. صنف الامم السيدة على مصيرها وهي الامم التي حققت شروط التحرر من ضغوطات العاجل في شؤونها نحو آجله فكان النظر عندها استعداد دائم للعمل انها امم ذات الوعي الاستراتيجي فتخطط لذاتها ولغيرها.
  2. صنف الامم المستعبدة ومصيرها بيد غيرها وهي امم شغلها عاجل امورها عن آجله تفتقد النخب التي المتفرغة لتزويدها بالادوات المادية والخطط الاستراتيجية فكان العدم للآجل النظريمناسبة للعاجل فتكثر العواطف وردود الافعال ويقل الاجتهاد وتكون الفوضى والتبعية.
    هذين الصنفين من الامم يجسدان موقفين من التاريخ بحسب ضربي العلاقة بين النظر/العمل:
    • الموقف الاول (وهو تبع للصنف الثاني الآنف الذكر) يرى علاقة الشؤون البشرية بعضها ببعض مجرد توال زماني بين حلقاتها والتي لا حيلة للانسان امامها وليس له الا الاستسلام والخضوع انه موقف ناتج عن الجهل بالعلل والاسباب مما يعني لهم ان المستقبل مستحيل التحديد ولا يعلم الغيب أحد (معنى حق يراد به باطل).
    • الموقف الثاني (وهو ينطبق على الصنف الاول من الامم) فيعتبر العلاقة علاقة توال تعليلي بين الشؤون البشرية في سلسلة الحدوث مما يسمح بالتالي للتدخل الانساني تغييرا او تقليصا وتخفيفا من النتائج.. هنا تفترض هذه الرؤية ابداع الصياغات النظرية والعلم بالاسباب وتقديم النماذج بمعنى الكشف عن نظام الاحذاث وبالتالي التنبؤ بالمستقبل في حدود امتالاك المعطيات.
    نحن ازاء موقفين لمسالة الوقائع البشرية موقف الجهل بما هو عمى البصر والبصيرة وبالتالي العبودية للعاجل اليومي وموقف العلم نور البصر والبصيرة وبالتالي التحرر من هذا العاجل وان كان لابد منه فهو عاجل خاضع للعلم والمعرفة.
    فالعمل يصبح فعلا حرا إذا كان عملا عن علم وبه تقاس انسانية الانسان اي رئاسته بالمعنى الخلدوني وهو معنى لا يمكن ان ينكر مرجعيته القرآنية وهنا يستغل الدكتور المناسبة للإشارة (على ان يفصل المسالة في فصل آخر) للعلاقة بين النظر/العمل في الصورة الدينية من خلال الاسلام فهي علاقة ذات مستويين:
    • واحد نسبي ويتعلق بالماضي النسبي وكذلك المستقبل النسبي في القص القرآني الخلقي فردا وجماعة
    • والآخر مستوى مطلق ويتعلق بدوره بالماضي المطلق والمستقبل المطلق في القص القرآني العلمي والطبيعي
    هذين المستويين يتوسل فيهما بالتربيةالدينية والروحية فردا وجماعة طلبا للاءعتبار بمعنييه الخلقي والعلمي والاول هو السبيل الى الثاني والثاني اعني العلمي /النظري اساس الكل منذ ان اعلن ختم النبوة فالاسلام دين منزل خاتم ولكن اعلن عن نفسه انه الفطرة اي دين طبيعي يذكر بها ولا يشرع ضدها فالفطرة في فهم الغزالي الفيلسوف الاسلامي الكبير هي البراءة الاصلية/النفي الاصلي وهذا ما يفسر لنا كيف ان القص القرآني خلقيا كان ام علميا هو قض روائي يقبل التاؤيل اللامتناهي بدءامن تاريخ الانبياء مع اممهم والصالحين وصولا الى تاريخالاسلام حاضرا ومستقبلا هذا لجهة تاريخ البشر اما الثاني فحكاية الخلق الانساني والكوني وحتى العوالم الاخرى وقصة المستقبل في البعث الطبيعي والبشري.
    ان تعطل ارادتنا وفشلنا حاضرا وبالتالي مستقبلا هو حتمية لفشلنا في ابداع شروط العمل الناجح وهي تعود الى خلل كبير هو توقف الابداع النظري في مجال العلوم الطبيعية وتطبيقاتها والعلوم الانسانية وتطبيقاتها لتوضيفها عند اوان العمل الذي يكون عاجلا دائما وعندما يغيب هذا الشرط يصحبه كدليل علية صحبة العلة للمعلول فقدان بعذ الفضائل الخلقية المصاحب للنظر والعمل على حد السواء.
    بهذا التحليل يشن ابو يعرب حملة على اطروحة كاذبة يرددها اهل العطالة من بني جلدتنا وكأنهم ينتشون بانتصار وهمي لا حقيقة له وهو ان الغرب متقدم في النظر هذا صحيح ولكن في العمل متخلف بينما وضعنا قد يكون لبائسا على مستوى التقدم النظري علما وتقنية ولكن خلقيا وروحيا ليس لدينا أزمتهم ونحن نفوقهم بقيمنا.
    هذه الاطروحة يرفضها الدكتور، بل يعتبر ان التقدم النظري يصاحبه دوما تقدم عملي وكذلك التخلف او العطالة النظرية تنعكس سلبا على العمل والسلوك اذا الغرب متقدم علميا وتقنيا لانه متقدم خلقيا وروحيا وبالعكس عندنا اشباه قيم خلقية كلها قيم ميتة وشكلانية هي للنفاق اقرب فحتى العبادات تحولت الى عادات وطقوس فارغة ولهذا السبب انتبه الغزالي منذ القرن الرابع الى التحذير من فضائح الظاهرية فما بالك ونحن نتقدم القهقرى ومن عاش في الغرب يعلم مدى السلوك الحضاري القيمي الذي وصلوا اليه حتى في تعاملهم مع الحيوانات والبيئة.
    يخلص في ختام هذا الفصل الى ان كل امة لم تتمكن من السيادة على النظر (مجال العلوم الطبيعية والانسانية) للسيادة على العمل فيهما وهو في الجوهر تطبيقاتهما في الممكن من السيطرة بحسب المجال لا يمكن لها ان تكون امة فاعلة وقوية ومؤثرة.
    لابد اذا من تحقيق شروط السيادة النظرية وهي شروط تضمن التاثير الفعلي على الواقع وهذه تؤدي لتحقيق شروط السيادة العملية عندما يحين اوان العمل…ان معركة الرهان الحضاري معركة لا يمكن ان تربح الا بالجامعات القائمة بوظائفها الحقيقية اي البحث العلمي بشروط البحث في مجالي النظر والطبيعة ومجال العمل والتاريخ ان المسالة ليست مسالة مقررات وبنايات وموظفين واصحاب شهائد كما وضع التدريس الحالي حيث الخريجون بالالاف تبعا لما يقدم من الطالب من فروض الطاعة التي لا حدود لها وتبعا لما يمنحه المدرس من ولاءات وطاعات لاولياء خدمتهم هذا هو معنى الازوف العملي الحائل دون العلم والعمل عن علم اي ما يسمى الروية.
    انتهت المقالة الاولى بفصليها.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي