لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الدستور يعلى عليه مرتين
بارادة الجماعة
و بمرجعيتها
خطب السبسي في قاعدته الانتخابية المزعومة -النساء-وظن أنه ينصفهم بتطبيق طلبين لم يستشر فيهما النساء ولا الرجال بحجة أوهى من بيوت العنكبوت. سبق ان كتبت في مسألة المساواة في الإرث ولم اعالج قضية زواج المسلمة من غير المسلم. وقد احتج في الحالتين بعلوية الدستور في المدنية وحرية المعتقد. وإذا كنت اعتقد أن حرية المعتقد يمكن أن تعلل الأمرين بمعنى أن من يختار مخالفة تعاليم الإسلام الصريحة فيهما له ذلك بمقتضى حرية المعتقد. علوية الدستور لا تمنح هذا الحق حتى لو سلمنا بها تصح في حله وفي ضده وخاصة في مسألة الإرث: فالوارث لا حق له في تحديد إرادة المالك الموروث. فتبقى حرية المعتقد صالحة للزواج من غير المسلم لأن المرأة لها حق اختيار ممن تتزوج بمعيار المعتقد بمعنى أنها تقرر التخلي عن المعتقد الإسلامي. فيكون التأسيس الذي اعتمده مقبولا في حالة، مرفوضا في الأخرى وكل ذلك بالتسليم الجدلي أن الدستور لا يعلى عليه. وهذه الدعوى التي أريد مناقشتها. فالدستور يعلى عليه مرتين: – الإرادة التي تضعه بوصفها السلطة التأسيسية – والمرجعية التي تنطلق منها هذه الإرادة التي اختارت السلطة التأسيسية. وبهذا المعنى، فكل الدساتير العربية الحديثة لا تعبر عن إرادة الجماعة لأنها تعبر عن الاقلية المفروضة عليها بأسلوبين: احتلال مباشر (العراق). أو احتلال غير مباشر: كل الحكومات العربية التي نصبت والتي ترضي منصبها وحاميها من إرادة شعوبها حتى لو كانت دعايتها تزعم انها تقاوم منصبها. ومشكل المشاكل هو أن هذا التدخل يريد من هذه الحكومات ما فرضه مباشرة على حكومة العراق: أن يفرض عليها ما يريد السبسي تمريره باسم علوية الدستور. ولكن فرضه في هذا الحالة أبشع من فرضه في حالة العراق: ذلك أنه في حالة العراق وجد مقاومة سنية وحاجة شيعية للأساس الطائفي الذي فرضه عليهم. بمعنى أن الأمريكي الذي وضع الدستور العراقي وضعه ليلائم الغرض من الحرب على الإسلام بإحياء طائفية الفتنة الكبرى التي تمكن لإيران وإسرائيل. ما يسعى إليه الغرب وعملاؤه- من جنس السبسي في هذه المحاولة-هو طائفية الفتنة الصغرى: الدولة المدنية بمعنى إلغاء دور إرادة الجماعة والمرجعية. لو كان حقا يؤمن بالدولة المدنية وبفرض تسليم علوية الدستور، فإن تغيير نظام الإرث في الإسلام يقتضي استفتاء الجماعة: فهذا ليس قانونا عاديا. ومعنى ذلك أن مدنية الدولية من شروطها أن يكون دستورها خاضعا لأساس تشريع الجماعة لذاتها وهو حقها في أن تكون مصدر قيمها الروحية والمدنية. لذلك فالسبسي في محاولته تغيير نظام الإرث يوجد بين أمرين: – إما جاهل يتفلسف في القانون – أو متحيل يغالط الشعب. وأنا أميل إلى جمعه بين الامرين. هو متحيل ليس في ذلك شك. ويظن أنه يفهم في فلسفة القانون وبذلك فهو جاهل. دستور تونس القديم والجديد لا يمثل إرادة الشعب بل تغول العملاء. عندما يمثل الدستور إرادة الشعب لن أقول شيئا ضده فمن حرية المعتقد تغيير مرجعيته الروحية. ولكن حينها يمتنع تغيير نظام الإرث حتى بالاستفتاء. لماذا؟ لأن ذلك يناقض حقين من حقوق الإنسان في حالة مدنية الدولة: 1- حق المالك لا الوارث في اختيار نظام الإرث 2- وحرية المعتقد بالنسبة للمسلم يا سبسي: الدستور المدني لأنه مدني يمنعك من العدوان على حقين من حقوق الإنسان. يمكن أن يختار المالك نظام التوريث ولا يمكن للدولة أن تفرضه. لكنه يستطيع أن يفعل ما يريد لاطمئنانه لما سميته تغول عملاء القوة الحامية وجبن القوة المعارضة: فالقوة الحامية هي حزب فرنسا وأدعياء الحداثة، والقوة المعارضة خوفا أو طمعا لا تستطيع غير المهادنة. ولست أعيب عليهم أمرا حصل بعد: فالدستور الذي يحتج به السبسي ينسب إليهم باطلا. تلكأوا وطالبوا بالشكليات فانتهوا إلى النقيض لأن كتابته تمت بعد أن فقدوا كل سلطان على مجرى الاحداث. ولا يمكن للمغلوب أن يعبر عن إرادة الشعب. ختاما: كل دساتير العرب كتبها الاستعمار أو عملاؤه إما مباشرة أو بصورة غير مباشرة بتأثير من الفتنة الكبرى (العراق) والفتنة الصغرى (البقية).
الكتيب