الخصم الصادع أفضل من الصديق المخادع

تمثلت خطة السبسي في تقديم نفسه بصورتين تستغلان الظرف والتراكب بين معركتين سياسية بين الثورة والنظام القديم وحضارية بين الأصالة والحداثة المشوهتين في قالب كاريكاتوري هو اقصى ما بلغ إليه فهم النخب المغتربة والمستلبة والمستعمرة ذهنيا:

  1. إحداهما تخاطب الرأي العام المحلي خاصة.
  2. والثانية الرأي العام الإقليمي والدولي وخاصة.

لكن الصورتين تخاطبان كلا الرأيين العامين بما تتقاطعان فيه أعني دعوى تحقيق أهداف الثورة السياسية والاجتماعية متحررة من إشكاليات تحرير الهوية والتبعية أعني ما ينفر النخب والبرجوازية فيمكنه من توحيدها حوله بوصفه المنجي.
وقد نجح في الصورة الأولى لأنه قضى تقريبا على كل الأحزاب التي تدعي الحداثة والعلمانية (الشابي وفروع حزبه والمرزوقي وفروع حزبه وابن جعفر وفروع حزبه) فأخذ منها قواعدها التي انضمت إلى الحزب الذي وقعت عليه الثورة في ثوب جديد.
وفشل في الصورة الثانية أولا لأن الإسلاميين في تونس أقل سذاجة من الإسلاميين في مصر فلم يمكنوه من فرصة الخلط بينهم وبين بعض المتطرفين من الإسلاميين وثانيا لأن الغرب كان بحاجة إلى بعض المصداقية في لعبة تشجيع الديموقراطية بين المسلمين.

لكن محاولات إعادة الاستقطاب الثنائي من اليسار الذي انضم إليه بعد أن أصبح له وجود في النبابية وما سيؤول إليه توظيف المرزوقي للقاعدة الإسلامية قد يمكنه من التدارك في الصورة الثانية فيجد ما يمكنه من لعب لعبة الإقليم ضد الثورة دون حاجة إلى الحل المصري بل يكفيه استعمال أدوات الدولة السوفت:

  1. أراد السبسي في الصورة الأولى أن يظهر بمظهر من هو قادر على توحيد صف الديمقوقراطيين والتحديثيين المزعوم وبها جمع كل الأحزاب التي كان ينوي القضاء عليها وليس توحيدها: وقد نجح في ذلك كما بينت الانتخابات التشريعية. ولعل ذلك مفيد لتحقيق شروط التداول إذا لم ينقلب إلى استقطاب من جنس ما سعى إليه الحلف بين ابن علي واليسار وهو حلف مؤهل للعودة بصورة أكثر قوة نظرا لحال الأقليم والثورة المضادة والحلف الغربي الذي يعلن أنه ضد الإرهاب وهو في الحقيقة ضد استئناف المسلمين دورهم في التاريخ الحالي بالتحرر من الاستبداد والفساد والتبعية.
  2. وأراد السبسي في الصورة الثانية أراد أن يظهر بمظهر من هو قادر على صد ما يزعم من هجمة ظلامية إرهابية تكفيرية أي بلغة مشفرة كل الإسلام السياسي الذي لا يريد له الغرب قومة: وقد فشل في ذلك كما بينت الانتخابات التشريعية لأن الإسلاميين احتلوا الوضع المريح: الرتبة الثانية ولم يتمكن من الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تعميق الاستقطاب والشروع في الاستئصال ما لم يلجأ للحل المصري. وهو ما لا تتوفر له شروطه.

لذلك فالحملة الانتخابية كان فيها السبسي حذرا بل ولمح حتى لضرورة التعاون مع الإسلاميين محاولا التخلص من الصورة الثانية لعلمه أن نتائج الانتخابات التشريعية ستضطره إلى تعامل ما مع الإسلاميين ولعلمه باستحالة الحل المصري في تونس.

لكن تردد قيادة الحركة والخداع الذي تعاني منه قواعدها التي أسيء توجيهها بخطاب لا معنى له (لأن المرزوقي لا يمكن أن يضمن الحريات والديموقراطية وأهداف الثورة إذ هو إن نجح سيكون أكثر طرطرة مما هو الآن لما هو معروف عنه من تشبث بالكرسي ومن طمع في وراثة حكم السبسي الذي قد لا ينهي المدة بسبب السن). ثم إن من يدعي حماية الثورة بأكبر الأخطار عليها أي بإحياء كل النعرات الجهوية والطبقية ويخلط ذلك كله بأخطر ما تعاني منه الحركات الإسلامية أعني جعلها تظهر بمظهر من له نفس أجندة الشق المتطرف (نوع المشاركين في حملته والتفوه بما لا يقبل من أي سياسي يسعى لتوحيد الوطن) أعاد تونس إلى الاستقطاب الثنائي الذي ينبغي بكل الوسائل منع عودته.

لذلك فالحل الوحيد الذي بقي لقواعد الإسلام السياسي الذي اختار النهج السياسي السلمي والحل الديموقراطي الذي يكون فيه الحكم المطلق هو الصندوق وإرادة الشعب الحل الوحيد هو الصندوق: وهذا لحسن الحظ ما يزال ممكنا. ففي الدور الثاني ينبغي التصويت بكثافة ولكن ببطاقة بيضاء ترفض الصفين اللذين يريدان ما لا يرضاه للثورة وللشعب أي تونسي يؤمن بضرورة تحقيق المصالحة الحضارية وقصر الأمر على المعارك السياسية السوية.

فينبغي أن يكون كل وطني ضد عودة النظام القديم. لكنه كذلك ينبغي ألا يحيي النعرات القديمة. لذلك فلا بد من الوقوف ضد الدجل والخداع باسم الثورة: فالمعركة بعد الانتخابات ينبغي أن تكون معركة تنمية وعدالة اجتماعية لا شعارات ثوروية خاوية بدليل الفشل الذي تبين بالتجربة من قبل هؤلاء الأدعياء. أعني أن كل تونسي عليه أن يقف ضد إعادة الاستقطاب بين التونسيين في خياراتهم المجتمعية والقيمية الخيارات التي لا يكون علاجها بالصدام بل بالحوار والتفاهم والتطور البطيء كالحال في كل تغييير للذهنيات حتى تصل تونس إلى مصالحة حضارية فلا تقع في صدام الحضارات الداخلي بين خيارات قيمية ومجتمعية قادرة على التعايش والتعاون في حدود الاحترام المتبادل.

نقوم بما علينا ضد الاستقطاب وضد عودة النظام القديم بالحل الديموقراطي وإذا حصل انزلاق فينبغي أن يكون صاحبه مسؤولا عنه لا أن يورط الإسلاميين في غفلة منهم. فإذا أعاد النداء واليسار سلوك النظام القديم ولم يلتزموا بالدستور ودولة القانون فهم الذين ينبغي أن يتحملوا المسؤولية التي سيقدرها الشعب في الانتخابات المقبلة سواء في أجلها القانوني أو قبل ذلك لطارئ يطرأ.

وكل ما يعمله المرزوقي وخداع دعايته في الحملة الانتخابية يعيد الاستقطاب ومن فهو سيعيد تونس إلى وضع أسوأ مما كان عليه وضعها قبل الثورة بل هو سؤدي إلى حرب أهلية تكره الشعب في كل كلام على الثورة تماما حصل للشعب السوري مثلا أو كما بدأ يحصل للشعب الليبي.

أعقتد أن الحملة الانتخابية النيابية خاصة وبدايات الرئاسية في الجملة بدأتا ترأبان الصدع بين الصفين. وكنا نأمل خيرا من الكثير من القيادات في جل الأحزاب ذات الوزن وفي المنظمات الوطنية بأن التونسيين بدأوا ينضجون للعلاج السياسي المتحرر من الصراع الحضاري. لكن حملة المرزوقي الأولى ونتائجها الحالية أعادت الكثير من علل الاستقطاب وحرضت أعداء المصالحة في الصفين المتصارعين.

لذلك فإنه ينبغي أن تكون نتائج الحملة الثانية نسخا لنتائج الحملة الأولى وإلغاء لما يجعل أحد الصفين هذا أو ذاك ينبني على الاستقطاب: لا بد من إبراز صف ثالث لطريق ثالثة ضد العودة إلى الماضي (الحلف بين النظام القديم واليسار مع دور أكبر لليسار) وضد إحياء الحزازات لعود الاستقطاب (الحلف بين المرزوقي ومن يريد أن يورد الإسلاميين).

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي