الحمقى عندما يهددون أسيادهم

ه

قرأت لأحد الأدعياء تغريدة يمن فيها على الدكتور الزبيدي تأييد ترشحه المشروط بالانتقام لعملاء النظام القديم وصبابته.
إنه يطلب منه الانتقام ممن اختارهم الشعب بإرادته الحرة لأنه يعتبر ما نسميه ثورة ثمرة مؤامرة اميركية قطرية تركية.
إذن فهو يدعوه لمحو كل آثار الثورة لأنها ليست “يسارية”. وإذن ففي تغريدته اتهام للثورة بأنها مؤامرة وليست ثورة الشعب التونسي بعد أن كانوا قبل نبذ الشعب لهم يدعون أنهم هم الذين فجروها معتبرين ارهاصاتها هي ما حصل في المناجم وناسبين إياها إلى الاتحاد الذي هم يعيشون في أكنافه توابع لمافياته.
• فبماذا يريده أن ينتقم؟
• وممن؟
• ولم؟

أما بماذا، فبملف يدعي أن السبسي تركه للزبيدي.
وأما ممن، فالقصد واضح لأن الملف حسب رأيه يتعلق بالجهاز السري.
وأما لم، فلأنه يتهمهم باغتيال من يعتبرهم زعيمين.
والزعيمان المزعومان هما في الحقيقة مجرد “أصل تجاري” ربما لمن اغتالوهم ليحتلوا مواقعهم. فلا أحد منهما كان يمثل وزنا سياسيا يمكن لأحد أن يفكر في اغتياله لفتح الطريق خاصة إذا كان قد اختاره الشعب ليحكم في انتخابات ديموقراطية وبين فشل خصومه.
فمن يحكم ليس من فائدته اغتيال أحد وخاصة إذا كان عديم الوزن السياسي. فأكثرهم دعوى، أعني شكري بلعيد، شارك معي في دائرة تونس الأولى ولم ينجح حتى بالفضلات والبقايا.
ومن ثم فزعامتهم من جنس ما يزعمونه لأنفسهم من زعامة وليس من جنس ما يعترف به الشعب إذا كان حرا.
زعامتهم هي ترشحهم للنظام السابق لعله يستخدمهم لا أكثر ولا أقل.

لماذا اعتبر هذا التهديد دليلا على الحمق؟
فأولا فيه استنقاص لشخص الدكتور الزبيدي – وما اعرفه عنه أنه رجل نزيه ولا أظنه يكون دمية لأحد- لأن فيه اعتقادا بأنه مجرد دمية وأداة لتحقيق ما فشل فيه السبسي أو ما لم يجد فيه السبسي أكثر مما استفاد به منه أعني ابتزاز إيهامي لمن يتهمون بما فيه.
وأنا شخصيا لا يعنيني وجود الجهاز السري من عدمه حتى وإن كنت أميز بين حاجة أي حزب في ظل الاستبداد لنظام جمع المعلومات حتى يحمي نفسه وليس للسيطرة على الدولة إذ كلنا يعلم أن أي حزب مهما كان قويا ليس له ما يمكنه من ذلك.
لكن ما يعنيني هو أن ما يدور حوله الكلام، ملف يراد من الزبيدي تنفيذ ما فيه كما يتصوره هذا الأحمق الذي لم ير له أحد عملا يمكن أن يباهي به عندما يزعم مباهيا أنه استاذ جامعي فيه اتهام للسبسي بالخيانة العظمى وللزبيدي بكونه دمية جيء به لتنفيذ وصية المتوفى أكثر من اتهام من يظن أنهم أصحابه حتى لو صح أن لهم نظام استعلامات لحماية أنفسهم من أفعال نظام مستبد وظالم الكل يعلم أنه إلى الآن ما يزال ذا سلطان لا يستهان به على خيوط اللعبة في الدولة العميقة.
فالسبسي حكم خمس سنوات وهذا الملف في حوزته ووعد في حملته بالحسم فيه لكنه لم يفعل. فيكون الأمر بين فرضيتين:
• إما أن الملف كان فارغا لكنه استعمله كـ “خويفة” جوفاء.
• أو كان مليئا حقا بما يمكن أن يؤدي بأصحابه إلى داهية لأن فيه أكثر من استعلام للحماية الذاتية.
وفي هذه الحالة يكون قد سكت على مؤامرة ضد أمن الدولة. وسكوته عنها كما زعم صاحب التغريدة مشاركة فيها أو حماية لأصحابها لأنه يأتمر بمن فوقه كما جاء في التغريدة: لم يخف أنه يتهم السبسي لعدم الوفاء بالحسم فيه بأنه لم يكن سيد قراره ويحذر الزبيدي من الوقوع في نفس الجرم.
وهذا هو دليل الحمق من صاحب التغريدة.
فهو يتهم السبسي بما هو “خيانة عظمى موصوفة” ويحذر الزبيدي من تكرارها: فبحسب هذا الرأي لم يكن السبسي رئيسا بحق يحمي أمن البلاد بل كان- وهنا يمكن أن نجد تأييدا في تصريح الرئيس نفسه- تابعا لمسؤول كبير يستعمله مجرد واجهة لحكم خفي هو حكم المافية التي عينته وهو يحذر الزبيدي بأن يتبع نفس المسار.

صحيح أننا إذا جمعنا ذلك مع كيفية تعيينه بعد القصبة 2 تبين أن من كان يحكم تونس وأوصى الزبيدي حسب صاحب التغريدة لم يكن وطنيا بل كان مجرد دمية بيد من عينه بنصيحة من الشابي الدليل السياسي لكلبيه على شاطئ المرسى (راجع شهادة كاتب الدولة للأمن في حكومة السبسي بعد القصبة 2).
صاحب هذه التغريدة لو كان في دولة تحترم نفسها وتطبق القانون لسُئِلَ من القضاء حول اتهام رئيس الدولة السابق بأنه كان خائنا للوطن خيانة عظمى وتحذيره الزبيدي من أن يكون مثله فضلا عن اعتباره مجرد موصى به من خائن حسب وصفه وأنه سيفقد تأييد هذا العلامة إذا لم يحقق ما يعتقد أن الملف الذي تركه له السبسي يتعلق بالجهاز السري وبالطابع التآمري للثورة التي آلت إلى تعيين الإسلاميين في الانتخابات التي أشرف عليها اليسار ووضع قانونها اليسار الذي كان يدعي تفجيرها ولما خسرها صار يعتبرها مؤامرة أمريكية.

والآن إذا لم يكن هذا هو عين الحمق، فما الحمق إذن؟
وآمل ألا يكون هذا الحمق قد أثر في المرشح الزبيدي إذ أنا لم أستثن أن التأويل الإيجابي بدلا من التأويل السلبي ممكنا عندما تكلمت على النقاط الخمس في برنامجه مع ترجيحي التأويل السلبي لعدة قرائن زادها متانة ما أشيع من تعيين من سيشرف على حملته ممن يكنون للثورة ما نعلم من “حب”.
أما لماذا قلت “أسيادهم”؟
لست من الحزب الذي يتهمونه. والكل يعلم موقفي النقدي من كثير من سياستهم. لكنهم مع ذلك ورغم كل ذلك يبقون أفضل ما يوجد في تونس على الأقل قبل أن يضطرهم الحكم إلى الانتقال احيانا من “الحل الوسط” مع بقايا النظام إلى “التبعية” لخياراتهم ربما بسبب الوضع الإقليمي وذكريات التجارب المرة التي مروا بها لكنهم يبقون أفضل نخبة حازت على الثقافتين الأصلية والحديثة وليسوا بحاجة إلى من يدافع عنهم لكنهم بالمقارنة مع صبابة ابن علي وجواسيسه ممن يدعون تمثيل الحداثة يعتبرون الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ تونس من مثل هذه القاذورات التي ليس لها من الحداثة والتقدمية إلى العمالة والنفعية المباشرة لأنهم مخلدون إلى الارض هم في تونس من جنس الحركيين في الجزائر.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي