1-سألنا أستاذنا: كيف تفهم الحلف بين نظام بقايا الكاجي بي في روسيا وبقيا نظام الباطنية في إيران؟ وهل حلفهما يهدد مشروع الاستئناف أي قيادة العرب للأمة الإسلامية من جديد ؟
2-فأجاب: ألاحظ أن وصفكم للنظامين يعبر عن موقف ينسب النظامين إلى الماضي لا إلى المستقبل. وإذن فسؤالاكم فيهما بعد بداية الجواب بخصوص طبيعة الحلف ومدى خطره على رسالة الأمة بقيادة العرب السنة.
3-فبقية الكاجي بي يظن أن خردة الاتحاد السوفياتي قوة كافية ليحافظ على دوره العالمي دون شروطه الفعلية. ونسي أن نظامهم سقط ليس بسبب ندرة السلاح بل بظن القوة العسكرية كافية.
4-ولعل بوتين بدأ يفهم بعد أزمة أكرانيا وسيفهم أكثر إذا طالت أزمة أسعار البترول. فروسيا من العالم الثالث مهما تعنتر بوتين مع فقدان الروحين: روح ماض لن يعود وروح مستقبل بعيد بعيد.
5-ذلك أن بوتين يواصل دبلماسية القوة من دون شروطها. ويحالف نظاما قروسطيا وفاشيا لا يمكن أن يحرك شبابه لا الماضي ولا المستقبل. وإذن فالحليفان كلاهما يحول بخصائصه دون عودة الماضي وبناء المستقبل فيصبح حربا على شبابه.
6-فالماضي الميت لا يمكن أن يعيد الروس بقيادة بوتين إلا إلى ما قبل السوفيات أي القيصرية المتخلفة لا التنويرية. ذلك أن الحليف الباطني من جنس ما قبل قيصرية الإصلاح في عصر التنوير. كلاهما إذن يلتفت إلى القرون الوسطى.
7-والحليف الباطني حرق كل أوراقه. فهو فقد ورقة الحداثة الشاهنشاهية المماثلة للأتاتركية بحربه على نخبه العلمانية والليبرالية والاشتراكية. وهو بالغ في توظيف التشيع واستثماره فاستفذ كل قواه ولم تعد دعايته تنطلي على أحد عدى مليشياته العربية.
8-والمعلوم أن السلاح الرمزي (التشيع) مثل السلاح المادي (القوة العسكرية) يفقدان فاعليتهما بمجرد الإفراط في استعمالهما. وسنة العرب قوتهم شبه لامتناهية لأنها هي الإسلام نفسه الذي هو إصلاح الدين عامة (فليس القرآن إلا إلاصلاح الخاتم لتجاوز تحريف الأديان السابقة. فهو الدين عند الله وهو يتأسس على مبدأ وحدة الدين السوي معتبرا التعدد تحريفا إذا لم يكن سعيا للكمال في التربية والتحقيق وليس في المضمون القيمي الذي هو عين الفطرة التي هي منظومة سنن الله متعينة في الإنسان سننه التي لن تجد لها تبديلا أو تحويلا).
9-لايصدق عنتريات إيران إلا جاهل بهذه الحقيقة. فإيران قزم لا تخافة إلا الأنظمة غير الشرعية. لكن الشعب العربي يملك من الطاقات ما يجعله يُخيف ولا يَخاف يُهاب ولا يَهاب إلا الحق والعدل لإيمانه بقيم القرآن ولاتباعه تربية الرسول الأكرم والسلف الصالحين.
10-والدليل أن بلدا عربيا واحدا بمجرد أن وجدت فيه قيادات شابة وطموحة قيادات فهمت الخطر الحقيقي فعدلت الوجهة (بدل الحلف مع الانقلابيين والثورة المضادة تحررت من ذلك) وعزمت فحزمت فأطلقت عاصفة كذبت كل العنتريات السابقة. وستنفجر الفقاعة الإيرانية لئلا تخرج إلا الهواء والكذب والتهريج لدى مليشياتها العربية بصنفيها: القلم والسيف.
11-ليس ضروريا أن يتدخل باكستان ولا تركيا ولاخاصة أكبر خائن للعروبة والإسلام السيسي وقيادات الإنقلاب. قوة إيران الوحيدة هي مليشياتها العربية بصنفيها الدعائي (مرتزقة الإعلام والحرب النفسية) والادعائي (مرتزقة القتال والحرب الفعلية): وكلاهما هُزم. الأولى فضحتها الثورة في الوطن والثانية هزمتها المقاومة في الشام والعراق حتى صاروا يحتمون بالطيران الأميركي بل وبأضعف جيش عربي جيش لبنان المسكين.
12-فالمعلوم منها ثلاثة: إثنتان هزمتا بعد من قبل المقاومة السنية في العراق والشام ولم ينجهما إلا الطيران الأمريكي وخوف السنة من تحمل مسؤولية الحرب الجارية تبرؤا من المقاومة للخوف من تهمتي الإرهاب والتكفير من أصليهما (أمريكا أصل الإرهاب وإيران أصل التكفير) والثالثة أي الحوثية توجد الآن في عين العاصفة.
13-تبقى الخلايا النائمة-وهي كثيرة-وقد ذكرتها الآية 60 من الأنفال (وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم): وهؤلاء تردعهم يقظة الشعب لا الجيش. وهم يمثلون أخطر أسلحة إيران بسبب التقية والاندساس في نسيج المجتمع المدني وأجهزة الدولة للخيانة الاستعلامية وللضرب عند الطلب من مستخدمهم: وبهم هدد أحد جنرالات إيران السعودية متكلما على التفجيرات في الرياض.
14-لكن الأهم من كل ما ذكرنا هو أن حليف العرب السنة الحقيقي سيكون شعبي بوتين وخامينائـي. فلا الإيرانيون ولا الروس يقبلون بفاشيتيهما البينتين وهم يسعون إلى التخلص من نظاميهم الفاشيين ما يجعلهما أكثر هشاشة مما يظن بعكس ما تبديه عنترياتهما.
15-وهذا دليل على حقيقتين: أولاهما أننا ندافع عن قضية عادلة والثانية هي أننا بمقاومتنا لا نتحرر وحدنا بل نحرر شعبـين كريمين من فاشيتي التخلف الحضاري فنكون في الحقيقة أصدقاء للشعوب ولا نعادي إلا من يستعبدهم ويسعى لاستعبادنا.
16-وما فعله تشييع إيران في القرن السادس عشر فعلته “سفوتة” روسيا في القرن العشرين. كلاهما يريد اخراج شعبه من النور إلى الظلمات ومن الحرية إلى العبودية فيعيده إلى القرون الوسطى: الأول يعود إلى كنسية الدين المتحيل أو الباطنية والثاني يعود إلى كنسية القيصرية القروسطية المتقدمة على حركة التنوير الروسية.
17-لكن فهم هذه المعاني يقتضي أن تتخلص الأنظمة العربية أو على الأقل التي تعتقد أن مصيرها مرتبط بمصير الإسلام السني وعزته أن تتخلص من الانحطاطين المكبلين لإرادة الشعب والأمة ولقوتهما المادية والروحية.
18-فحتى يصمد الخليج لا بد أن يتخلى عن الحلف مع الثورة المضادة وأن يساند الثورة أولا وأن يحقق أهدافها في أقطاره بمنطق بيدي لا بيد عمرو ثانيا لأن إيقاف أفكار الثورة وقيمها ومطالبها المشروعة أمر مستحيل. والحل هو أخذها بمنطق الإصلاح والتغيير السلمي.
19-وبذلك سيكون الخليج عامة وبلد الحرمين خاصة جامعا بين القوتين المادية والروحية لأن الله من عليهم بهما فتصبح الشرعية الشعبية قوة لا تقهر. وحينئذ لا يمكن لا لإيران ولا لروسيا أن تحرك شعرة من صمودها وبطولة رجالاتها خاصة إذا تنافست القيادات الشابة في أغنى أقطار الخليج (بلد الحرمين وقطر والإمارات والكويت) ومكنت بقية أقطاره من التنمية المتضامنة (البحرين وعمان مع إضافة اليمن والأردن إلى الخليج).
20-وبذلك يتحقق القطب العربي القاطر لبقية بلاد العرب وخاصة لمجموعات الهلال والنهر (مصر والسودان) والقرنين (قرني الجزيرة وافريقيا) والمغرب العربي. حينها سيتبخر حلم بقية الكاجيبي وبقية الباطنية في استعادة الامبراطوريتين والوصول إلى البحار السخنة التي هي بممراتها عربية سنية بالأساس.
21-أرى الكثير متخوفا من معركة اليمن ظنا منهم أنها قد طالت مستنتجين العجز وقوة العدو. وهؤلاء يتناسون أن أمريكا مع 60 دولة تحارب داعش منذ شهور وقدرت قياداتها أن هذه الحرب قد تطول على الأقل ثلاث سنوات.
22-ويغفل المشككون في الحملة أن أمريكا تتوقع لمعركتها على الأقل 3 سنوات ليس لعجز ولكن لطبيعة المعركة وتعدد وجوهها. وقد نبهت إلى أن العاصفة ستكون حرب مطاولة لا مناجزة. كما بينت أنها في الحقيقة حربان متداخلتان.
23-وقد نصحت بالحرب الخاطفة والحاسمة في أولاهما أي حرب صعدة والحدود السعودية لأن الإطالة فيها خطيرة على الأمن السعودي. ثم التفرغ للحرب الطويلة لاسترداد الشرعية اليمنية بتوحيد القبائل والإصلاح وجعل الدور الأول فيها لليمنيين مع المساعدة الجوية والمالية واللوجستية.
24-ذلك أن الحرب لو ركزت على صعدة بالطريقة الخاطبة والمكتنزة والحاسمة ستضطر الحوثيين للرد هنا بكل قواهم التي سيجمعونها لحماية جحورهم. فيحصل هدفان: 1-تجميعهم لتيسير محق قوتهم 2-ثم عزل صالح في معركة مماثلة للتي أطاحت به أول مرة.
25-فتكون حرب استرداد الشرعية مناسبة تستمد منها الحرب الأولى الغطاء الدبلوماسي لحسم الدمل المديد الذي يعد للهجوم على بلد الحرمين بكماشة من تحت (اليمن) ومن فوق (العراق): وتلك هي الحرب الأساسية في عاصفة الحزم.
26-ولما كانت أفضل طرق الدفاع هي الهجوم وجاءت فرصة جعل الهجوم وكأنه دفاع فإن التفريط في الفرصة ليس من الحكمة فضلا عن الفصل بين العدوين في آن.
27-باكستان وتركيا رصيد استراتيجي لمنع تهديد الأرض السعودية وهذا كاف لردع إيران عن تهديد السعودية. والسعودية قادرة على الحسم في صعدة والحدود. علما وأن إيران لن تتدخل مباشرة لعلتين.
28-العلة الأولى هي حاجتها للتهدئة حتى يتم إمضاء الاتفاق النووي. فهي لا تريد أن تضيف حججا لإسرائيل والكنغرس فيعطل الاتفاق الذي هي بحاجة ملحة إليه لأسباب اقتصادية خانقة.
29-والعلة الثانية هي الرصيد الاستراتيجي. فاستحالة سماح باكستان وتركيا التدخل الإيراني ليس لمنزلة أرض الحرمين لدي شعبيهما فحسب بل لئلا ينتهي دورهما في المنطقة : إذ لو سيطرت إيران على الخليج فالمنطقة تصبح تحت سلطان إسرائيل شرطيا وإيران مساعدا للشرطي.
30-ومع اطمئناني بعون الله وتوفيقه أن النصر آت لا ريب فيه فإني أريد أن أدلل على أن إيران وحتى روسيا لا يمكن أن يعدا من حجم العرب سنتهم إذا وجدت القيادات الحكيمة ذات الدهاء الاستراتيجية والطموح الرسالي.
31-ولست أغالي: فلو كانوا من حجم العرب سنتهم لما هادنهم الغرب وجاراهم ليفرغ لنا بل وليستعملهم ضدنا منذ قرنين. فالغرب يميز بين القوة الحقيقية حتى لو بقيت بالقوة وادعاء القوة الوهمية. الغرب يعلم معنى ثورة العرب الأولى : الإسلام ويخشى الاستئناف.
32-وذلك معنى الحرب على الإسلام بصنفي الحيل الحربية: التهديم والتشويه بما بحرب بايولوجية تمثلها نخب جرثومية والحرب العلنية لأجهاض النهوض.
33-نحن في المغرب العربي عانينا من ظاهرة اسمها “الحركيين” اي المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي لمحاربة ثورة التحرير. وطنناهم رحلوا معه.
34-وليكن مثالنا إيران: فهي تريد استرداد مجدها المتقدم على الإسلام باسلام باطني يخادع شيعة العرب حتى يكونوا معولا لثورة أمتهم المحررة للبشرية. وكنت أخشى نجاح إيران في جعل حيلها وحيل مليشياتها تنطلي على الشعب العربي. وكادت تنجح لولا الثورة العربية : فهذه فضحت صنفي المليشيات العربية التي تخدم المشروع الإيراني : فضحت الحرب النفسية (مليشيا القلم) والحرب الفعلية (مليشيا المقاومة المزعومة). تبين للجميع أنهم حلفاء الاستبداد والفساد ومن ثم الاستعمار وممثلته في المنطقة (إسرائيل).
35-أما ثمالة الاتحاد السوفياتي الخاوية فإنها تعيش في رعب من الحزام الإسلامي السني المحيط بها وحتى الشيعي لعلمه بما تكنه إيران من عداء. والمحرك المشترك مع إيرانه هو الخوف من الإسلام السني والطمع في البحار السخنة.
36-لكن بقية باقية منهم هي العمود الفقري للثورة المضادة وللحرب على العروبة والإسلام : أعني الطوابير الخامسة في أقطارنا. وأكثرهم خبثا الطابور الذي يدعي تحضيرنا بالقطع مع ماضينا بمنطق تجفيف المنابع. فهؤلاء هم أبواق الغزو لدى الغرب.
37-وكنا نظن الظاهرة مقصورة على المغرب العربي. لكن الخبث الإيراني خلق “حركيين” في المشرق العربي. والثورة بحمد الله فضحت دور الطابور الخامس الغربي والإيراني.
38-وهم جميعا قد هزموا سلميا (هزموا بالصناديق الديموقراطية) وحربيا (مقاومة السنة في الشام والعراق دحرتهم) ثم هزم رمز عنترتيهم: العاصفة التي أرجعت التدخل الإيراني الذي كانت تحلم به المليشيات إلى حجمه الحقيقي جعجعة بلا طحين.
39-ويبقى مع ذلك أن ثورة السنة الحالية الساعية للتحرر (ثورة الحرية والكرامة) واستفاقتهم الساعية للتحرير (عاصفة) لم تتحدا بعد لعسر التحول في أنظمة الخليج التي توهمت الثورة عدوة فحاربتها وحالفت الانقلابيين إلى أن فهم العهد الجديد في بلد الحرمين حقيقة الانقلابيين وما يضمرونه لهم.
40-ومن حسن الحط فإن غباء قادة العدوان على العروبة والإسلام ساعد في هذا التحول لأن الخائن السيسي وأمثاله داخليا وإيران وأمثالها خارجيا بظنهم النجاح السريع فضحوا أنفسهم. وهو ما سيفرض على سنة العرب توحيد الثورتين : ثورة التحرر من الاستبداد والفساد (الربيع العربي) وثورة التحرير من الهيمنة الإيرانية بضوء غربي أخضر (عاصفة الحزم).
41-وهذا هو هدفي من كل هذه المحاولات التي لم تمنعني من مواصلة عملي الفكري بفضل الله مساهمة في شروط النهوض العلمية والفكرية تأليفا وترجمة.
42-والصراع هو إذن ذو بعدين يلغيان نوعي مليشيات إيران وروسيا مليشياتهما العربية : مليشيا القلم ومليشيا السيف المأجورين والمرتزقين في خدمة مشروع الامبراطورية الفارسية والروسية اللتين تحالفتا للقضاء على آخر خلافات المسلمين : الخلافة العثمانية.
43-وهما تستأنفان الحلف للحرب على سعي العرب السنة لتحقيق شروط النهوض واستئناف دورهم التاريخي في تحرير المنطقة من أعدائها الخمسة : الطائفيات الثلاث (بقايا الباطنية وبقايا الصليبية وبقايا الاستعمار الأوروبي الحديث) الخادمة للغرب عامة ولحليفيه الإيراني والروسي ثم قاعدة الغرب (إسرائيل) ومحاولات روما الجديدة فصل المغرب العربي عن المشرق العربي.
44-لكن ذلك كله لا فاعلية له إلا بسبب غياب قيادة لسنة العرب بعد أن أدى صراع الأنظمة القبلية والأنظمة العسكرية طيلة نصف قرن إلى اضعاف الأمة ثم تحالفت على ضعفها ضد الثورة قلبا للأوليات فقدموا حماية الأنظمة على حماية البلدان والشعوب. ولولا التغيير السعيد في بلد الحرمين وإدراك حقيقة الخطر المحدق به وبالخليج لاستفاق العرب بعد فوت الفوت إذ تكون إيران وروسيا وإسرائيل وروما الجديدة قد تقاسمت الوطن العربي تقاسمها إياه بعد الحرب العالمية الأولى لقرن آخر.
الحلف المرذول أو ضديد حلف الفضول – أبو يعرب المرزوقي