الحزم القادر هو شرط الإرادة السيدة

تونس في 07 – 05 – 2015

1-نجران ونداء الاستغاثة الذي صدر عن السلطة الشرعية في اليمن للتدخل البري السريع من أجل إنقاذ عدن وغيرها دليل على خطأ ما في استراتيجية عاصفة الحزم.

2-وقد سبق لي أن اشرت إلى أن الأمر يتعلق بحربين: 1-حرب للقضاء على القاعدة الإيرانية في صعدة وحماية الحدود السعودية 2-وحرب لاستعادة الشرعية اليمينية. وبينت أن 2 تغطي دبلوماسيا على 1.

3-كما نبهت إلى ضرورة الحسم السريع في الحرب الأولى للقضاء على قاعدة إيران في صعدة لأن حرب الشرعية ستطول. لكن التغطية الدبلوماسية لن تطول مثلها.

4-ولو طبقت الخطة فركزت الحرب في بدايتها على صعدة لاضطر الحوثيون للعودة إليها لحمايتها فيبقى صالح فريدا في بقية اليمن والحصار يحول دون قدوم المدد جويا وبحريا. كما نصحت بالتفريق بينهما وتطميع صالح بحل مرض.

5-فالحرب خدعة وتمزيق صف العدو ميسر للنصر. لكن بما أن ذلك كله لم يحصل وحصل ما نرى في نجران ونداء الاستغاثة فما الحل وكيف يمكن التدارك؟

6-رأيي أن أخطاء الحوثيين في مهاجمة نجران كافية لغطاء دبلوماسي جديد: ذريعة الدفاع عن النفس بكل الوسائل حق يمكن من الضرب الحاسم في صعدة:حرب هجومية خاطفة لمنع الاستنزاف.

7-وينبغي تجنب التدخل البري في الحرب الثانية المتعلقة بالشرعية. ففيها يكفي تسليح من مع الشرعية وتمويلهم بالعدة والعتاد واللوجيستيك الضروري ومواصلة الحصارين الجوي والبحري.

8-كما ينبغي عدم الوقوع في فخ المسألة الإنسانية. فهذه مهمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية (مع الحذر من التبشير المصاحب). يكفي تمويل المساعدات. ومواصلة الحصار الجوي والبحري وخاصة التدخل الجوي إن استدعى ذلك الوضع. بعض الإنزالات للنخبة العسكرية في المواقع الحساسة التي تشتت صف العدو ضرورية.

9-ومسألة الإعلام بقيادة ممثلين أكفاء للرأي العام اليمني من جميع الأحزاب وخاصة ممن يتقنون اللغات الأجنبية والأفضل من الشباب بجنسيه مع الحرص على المظهر والأناقة.

10-لابد من عودة حكومة مصغرة إلى اليمن وأن تكون على قطعة من أرضه حتى لا يصبح محتل الأرض هو الوحيد الممثل للحوز في غياب الشرعية المتواصل.

11-وآخر قولي هو أن يتعلم المشرفون عن الحرب القراءة وعدم الاقتصار على شهرة الخبرة. فأغلبها دعاوى. وينبغي ألا تأخذهم في الحسم رأفة. فالحرب حرب. ليس فيها أنصاف الحلول والمواقف. والقتال قتال وله كلفة في الجانبين.

12-ولما كان العدو يريدها حرب استنزاف فلا بد من منع ذلك بكل الطرق. فالعاصفة ينبغي أن تكون كما يقتضي اسمها حربا خاطفة وحاسمة وصاعقة. يكفي وضع ما يلزم من الإمكانات: فمهما كلفت قصرها يعوض.

13-أي اقتصاد في الحرب يقاس بمدتها وليس بكلفة الحسم السريع. فكلما طالت الحرب تعذر الحسم وباتت الكلفة ضعف ما كان يمكن أن تكون لو حسمت سريعا.

14-وكما وعد مدير الصفحة فستنشر بعض كتاباتي في مجريات المعارك كيف تكون وما الذي ينبغي أخذه في الحسبان بعد الكلام على استراتيجية العدو: أمس حلقة 1 من 4. واليوم الثلاث الباقيات.

15-آخر ملاحظة: كثرة السلاح وتوزيعه في اليمن ليس مصادفة بل سببه أن الحوثي كان ينوي القضاء على صالح بعد النجاح. والعكس بالعكس. لهذا تم توزيع السلاح في كل مكان استعدادا للمتوقع.

  1. 16-كلاهما كان يخادع الثاني وينوي الإجهاز عليه بعد إتمام المهمة. وكان ينبغي استغلال هذه الحقيقة بتشجيع صالح ليحارب الحوثي. لكن ما حصل حصل.

17-النجاح في العاصفة مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الخليج والعرب: إن حصل انتهت كل خطط إيران بمفعول الدومينو. وإذا تعثرت فالصراع سيطول. ولا ينبغي ضم اليمن للخليج قبل حسم الحربين: تمدد إيران عن طريق الحوثيين وتعطيل مطالب الثورة في اليمن عن طريق صالح.

18-لكني متفائل: فأبطال الشام والعراق سيحسمون الحرب إذا تواصل الحلف بين السعودية وقطر وتركيا وتشجعت القيادات فأمدتهم بالمضادات الجوية دون إذن من أوباما.

19-لماذا إيران لا تخشى أحدا في تسليح مليشياتها والعرب وتركيا تستأذن أوباما؟هل دولهم ذات سيادة أم هي دول موزية؟ لو ثبتوا لأذعن أوباما.

20-لو أمدوا الثوار بالسلاح المناسب وبالمضادات لكان الحسم سريعا ولانتهت اسطورة إيران ولعومل العرب باحترام حتى من إسرائيل وعملائها.

21-أعلم أن الكثير سيلومني لكلامي في أمر يعتبرونه خارج مشاغل الفكر الفلسفي. لكن الحرب والاستراتيجيا جزء رئيس من فهم المجتمعات التي كما هو معلوم كل مسعاها البحث عن شروط السلم بالاستعداد لمنع الحرب (الآية 60 من الأنفال): وهذا همي الأول.

22-فالحرب جزء من درسي فلسفة اليونان والألمان ثم خاصة من علم الاقتصاد (الذي هو حرب باردة) والقانون (الذي هو تهدئة للحروب) أي العلمين اللذين هما ما اشتغلت عليه طيلة حياتي لفهم علل انحطاط الأمة وسر نهوضها.

23-هذه التغريدات حول الحرب متممة لتغريدات الصباح حول لقاء أوباما بزعماء الخليج ومفارقاته. فالحسم في العاصفة سيغير ما تفيده من المعاني التي أولنا. أما انتظار الموافقه على مسارات قيادتها وذهابها إلى غاياتها فهو حائل دون الحسم ومفقد لزخم التوجه الجديد لاستقلال القرار العربي.

24-وكل من يتصور إيران قوة فيخشاها لا يفهم معنى القوة: فهي قوة دعاية اعتمادها كله على خوف العرب وتشتت صفهم بل وتآمرهم بعضهم على البعض لخدمة إيران وإسرائيل. نظامها أفسد من أي نظام عسكري مستبد ومن ثم فهو متعنتر لكنه فاقد لشروط القوة الحقيقية.

25-فسلطان حرس الثورة لا يختلف عن سلطان أي جيش من جيوش الدكتاتوريات العربية. إنه يشترك معها في الاستبداد الفساد بثروة البلاد ورزق العباد. وهو إذن جيش احتلال لشعبه. وكذلك يراه خاصة الشباب بجنسيه.

26-ومن يطلع على آمال الشباب الإيراني بجنسيه وحالة الحرمان التي يعيشها لا يمكنه أن يصدق أن هذا البلد يمكن أن يصمد في حرب ضد مؤمنين بقضيتهم كالحال في الشام مثلا حيث صمدت الثورة صمودا يلامس الإعجاز.

27-فلتترك الأنظمة العربية الخائفة الحرية للشباب المقاوم بجنسيه وسترى أنه قادر على تمكينها باجتهاده وجهاده من تحقيق شرعيتها: حماية الوطن ورعاية المواطنين.

28-ولا داعي لخوفها من شبابها فالله قد أمدها بإمكانيات تسهل عليها الاستجابة لشرطي العدل والمساواة فتصبح نموذجا يحتذى يحافظ عليه الجميع. وعندئذ لن تجد من الشباب إلا الخير.

29-وكيفما كان الأمر فلا يمكن لأمة أن تدخل في حروب مصيرية تحدد شروط سيادتها من دون أن تمتن جبهتها الداخلية: والملك الحكيم لا يغفل عن ذلك وما أظن الشباب في القيادة بغير مدرك لهذا الشرط.

30-لذلك فالمنتظر أن يحسم الأمر بعاصفة العزم لإتمام عاصفة الحزم و في ما يخص الانحياز لقيم الربيع العربي: فالحرية والكرامة للمواطن والحماية والرعاية للأمة كلاهما شرطا التحول الحقيقي الذي يختلف عن نار الهشيم.

31- ولا بد هنا من طرح سؤال محير: إذا كان اللقاء بملوك وأمراء الخليج للتشاور بين حلفاء فلم لا بد أن ينتقل الكثرة للواحد؟ أليس الأيسر أن ينتقل الواحد للكثرة؟

32-وإذا كان القصد بيان التفاضل بين الآمر والمأمور فإلام يظل العرب قابلين للإهانات؟ هل يعقل أن تكون المساندة ضد إيران بما لا يعمل معها؟

33-أليس هذا من جنس لبس ممثلات الغرب لغطاء الرأس في إيران وزيارة الخليج بالتنانير القصيرة؟ بكلمة واحدة: لا يُحترم من لا يفرض احترام ذاته.

34-لا تقولوا لي المسألة مسألة أوزان: أمريكا تزن أكثر. جوابي أن الوزن لا يقاس بهذه الطريقة: إذا حققت الأنظمة العربية ما يجعلها حاصلة على ثقة شعوبها فسيتغير المعيار.

35-فعندئد يكون المعيار: من يحتاج أكثر إلى الآخر العرب أم أمريكا؟ العرب يحتاجون لأمريكا لسبب ذاتي هو خوف الحكام من بعضهم البعض ومن شعوبهم. وأمريكا تحتاج العرب لسبب موضوعي هو ضرورة ما لدى العرب لبقائها قوة عظمى: فإذا علمت أن أخذه عنوة بات مستحيلا فإنها ستقبل بالمعاملة الندية . فالاستغناء عن الذاتي أيسر من الاستغناء عن الموضوعي.

36-ذلك أن السبب الموضوعي لا يمكن تغييره بإرادة المحتاج إليه إلا في أمد طويل. والسبب الذاتي يكفي أن تكون للمحتاج إرادةٌ خاصةً إذا بات عدمُها بدايةً للزوال نظرا إلى العدوانين الإيراني والإسرائيلي الساعيين للقضاء على شروط البقاء: فلو لكان للعرب إرادة التحرر لعوملوا باحترام.

37-ما الحائل دون هذه الإرادة؟عدم ثقة العرب بعضهم بالبعض وبشعوبهم خاصة حماية لامتيازات مشروطة بالذل أمام الحامي فضلا عن كونها غير مطابقة للحكم الرشيد. لو كانوا بحق على قلب رجل واحد وطبقوا شروط الشرعية لكان أوباما هو الذي يأتيهم للتشاور معهم لا العكس.

38-وختاما فالأمر في الدعوة إلى مخيم داود ليس شكليا خاصة والمكان له دلالة معلومة إذ هو كان مكان القضاء على استفاقة 73 ويراد له أن يكون مكان القضاء على الحزم العربي الجديد: إنه جوهري. إنه من المؤشرات الدبلوماسية ذات الدلالة على درجات التبعية: المدلول معاملة حكام العرب كولاة لأمريكا وليس كممثلين لدول ذات سيادة.


الحزم القادر هو شرط الإرادة السيدة – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي