الحرب الدائمة وشبكات الإجرام – القسم الثاني



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



مقدمات ضرورية

نظرنا أمس في الشبكات التي تستعمل في الحرب الدائمة بين البشر سواء كان ذلك ضمن الجماعة الواحدة أو بينها وبين الجماعات المحيطة بها تنافسا على أسباب الحماية والرعاية. لذلك فالتداخل بين البشر حتى في أوقات السلم شبه استعداد دائم للحرب بسبب التنافس.
والتنافس بين البشر يدور بالأساس حول خمسة أهداف هي عين موضوعات سورة يوسف عليه السلام في نصها القرآني الذي هو النقيض التام لنصها التوراتي من حيث الوظيفة والعلاج :

  • الحب
  • والاقتصاد
  • والعلم
  • والسياسة
  • والدين.

لذلك فالتاريخ الإنساني ضمن نفس الجماعة أو بين الجماعات المتجاورة يسيطر عليه النزاع حول هذه الموضوعات بسبب مآل التنافس إذا تحرر من احترام القانون والأخلاق حتى في فترات السلم النسبية فنكص إلى الحيوانية الخالصة.
وتلك هي العلل التي يعتبرها ابن خلدون علة وجود الدولة أو الوازع لتحقيق شروط التعاون لسد الحاجات (العمران البشري) والتعايش للاستمتاع بالحياة (الاجتماع الإنساني).
وهذا الوازع يحتاج هو بدوره للوزع أي إن المجتمعات البشرية تحتاج للوازع ووازع الوازع.

  • والوازع هو الدولة أو مؤسسات السلطة السياسية التي تحمي الجماعة داخليا وخارجيا وترعاها.
  • أما وازع الوازع فهو ما تستمده الجماعة من مرجعيتها الروحية من دور يجعلها هي بدورها سلطة فوق سلطة الحاكم كما في مبدأ : لا طاعة في معصية الله.

فهذا المبدأ يجعل السلطة الحقيقية في النهاية هي قناعة الفرد والجماعة بأن السلطة السياسية تحترم جملة القيم المشتركة التي هي مضمون العقد السياسي بينها وبين الحاكم بحيث إنها تحدد مدى شرعيته في ضوء احترامه لوازع الوازع : فتكون الجماعة في النهاية هي ممثلة وازع الوازع.
تلك هي الثورة التي حققها القرآن والتي فهمها ابن خلدون عندما اعتبر وازع الوازع هو ضمير المؤمنين والقيم القرآنية التي بمقتضاها يعير الحكام من قبل المحكومين فيكون المحكوم هو الناطق الحقيقي باسم وازع الوازع أو الشرع الإلهي ومن ثم فمصدر الشرعية هي الجماعة.
وكل غياب لهذا الشرط يجعل الحاكم مغتصبا وليس شرعيا لأنه يكون وازعا بالعنف الطبيعي وليس باللطف الشرعي :
لذلك اعتبر ابن خلدون أي حكم من هذا النوع حكم طبيعي لا يستقر أبدا.
ذلك أن العنف يقابله عنف فتصبح الجماعة في هرج العصبيات غير الشرعية.
وهذا تقريبا تاريخ المسلمين السياسي بعد الخلافة الراشدة.
وحينئذ يكون الإنسان قد نكص إلى التاريخ الطبيعي الكامن في كيان الإنسان الحضاري.
فالإنسان مهما تحضر يبقى حيوانا مشكله أسباب العيش والمجال الحيوي وهو عندما يتردى يقدمهما على كل المشاكل الأخرى.
والإسلام ينطلق من هذه الحقيقة -التي لم ينفها في قصة استخلاف آدم عندما ذكرت الملائكة إنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء- ليبنيى عليها دور صورة الجماعة (الحكم والتربية) أو الدولة ناسبا إليها تحقيق الوظيفتين اللتين نسبها القرآن الكريم في كلامه على إيلاف قريس :

  1. الإطعام من جوع
  2. والإيمان من خوف.

عناصر الإشكال

المعلوم أن كل الأقطار العربية شبه عارية أمام ما وصفنا في القسم الأول أعني التدخلات الآتية من الغرب وأداتيه في الإقليم (إيران وإسرائيل) في جل المجالات التي تم غزوها.
فجل المؤسسات صارت بسبب هذا الغزو أدوات خدماتها متجهة لصالح الأعداء أكثر من اتجاهها لصالح الأمة.
وذلك هو الوضع الذي أريد الآن أن ابحث في مسألتين تنتجان عنه.
وهما عين ما طالبت به المسلمين الآية 60 من الأنفال كما نبين بعد أن نعلم أن المسألتين كلتاهما مضاعفة.

  • المسألة الأولى هي ما الذي ينبغي فعله حتى نضمن سياسة دفاعية بمنطق الحرب ذاتها التي هي من جنس الحرب البايولوجية بالغزو الفيروسي. فالسياسة الدفاعية تتضمن :
    1. ممتنات اللحمة (كل سورة الحجرات)
    2. ومعالجات فيروسات التدخل الأجنبي الساعية إلى إضعاف متابة الكيان.
  • والمسألة الثانية هي ما الذي ينبغي فعله حتى نضمن سياسية هجومية بنفس المنطق فنغزو من يغزونا. والسياسة الهجومية تتضمن :
    1. زرع مضادات فيروسية في كيان العدو ليس بمثل إجرامه
    2. بل من أجل تمتين العلاقات بمكوناته من منطلق قيمنا التي تحرر الإنسانية من الاقتصار على الحيوانية.

فالعدو لا يمكن أن يحاربنا بهذه التقنيات إلا لأنه طبع مجتمعه بها بحيث إنها صارت جوهر كيانه حتى مع شعبه.
ومن ثم فدفاعنا وهجومنا كلاهما يخضعان لأخلاقنا وقيمنا وليس لأخلاقه وقيمه. نطببه كما نطبب أنفسنا.
وبذلك فالبحث في القسم الثاني يتعلق بهذه العناصر الأربعة وبأساسها في فلسفة القرآن الكريم أي :

  1. ممتنات اللحمة في الداخل
  2. ومعالجات فيروسات التدخل في الداخل
  3. وزرع المضادات الفيروسية في كيان العدو
  4. وتمتين العلاقات بمكوناته
  5. وأخيرا أساس ذلك كله أي فلسفة القرآن في طبيعة الأخوة البشرية وتكليف المسلمين برعايتها وتحقيق شروطها وذلك هو معنى الشهادة على العالمين.

خصائص الاستراتيجية السياسية

السياسة القرآنية طبية بالجوهر وهي لعلاج أمراض الإنسانية التي هي واحدة في نفس الجماعة وبين الجماعات وذلك هو معنى أن الرسالة الخاتمة كونية تخاطب الإنسان عامة ولا تقتصر على قوم دون قوم.
لذلك فهي تجمع بين الدفاع والهجوم الطبيين لتحرير البشرية من الحرب التي هي بايولوجية بالجوهر

  • وقائية أولا مما يمكن توقعه وكله قابل للتوقع إذا انطلقنا من وصفنا لحلقات سلسلة إجرام المحاربين وكان القصد التحصين ضد الفيروسات.
  • وهي علاجية ثانيا لما نشخصه من أدواء معلومة إذا اعتمدنا الكشف الدقيق على ما يجري في تلك المجالات عندنا وعند العدو والقصد ليس الاستئصال بل العلاج لأن الهدف هو تقليل الأعداء وتكثير الأصدقاء ما أمكن لإيماننا بالأخوة البشرية.

وقد بسطنا هذه السلاسل التي لا تكاد تتناهى فاكتفينا بثلاثين في القسم الأول. وكان من المفروض أن نضاعفها.

  • فوظائف الدولة لو حسبنا المعارضة لكانت ستين.
  • ووظائف المجتمع مثلها ما يجعل المجالات 120.

لكننا فضلنا الكلام على عينة وظائف الحكم دون سواها.
وبذلك فهنا أيضا سنكتفي بخمس مسائل :

  • اثنتين للدفاع
  • واثنتين للهجوم
  • والأخيرة وهي الأساس لتحقيق شروط الاستئناف أو عودة المسلمين لرسالتهم المتمثلة في بناء الاخوة الإنسانية التي هي جوهر استراتيجية الإسلام.

وهذه الاستراتيجية هي السياسة الداخلية والخارجية المبنية على التسابق في الخيرات (المائدة 48) بين جميع الأديان ذات الشرعات والمنهاجات المختلفة والحضارات التي هي تحقيق القيم في التاريخ الفعلي يحصل بالفعل ليختار الناس عقائهم بعد تبينهم الرشد من الغي (البقرة 256).
بذلك فإن القسم الثاني من بحثنا هو المقصود بأن السياسة هي الاستراتيجيا وهي النظر في نقطة اللقاء بين فلسفة التاريخ وفلسفة الدين :

  • فهي تنتسب إلى فلسفة التاريخ لأنها تنظر في آليات عمل التاريخ على علم وذلك هو علم الوازع.
  • وهي تنتسب إلى فلسفة الدين لأنها تنظر في قيم هذا العمل على علم كما حددها القرآن الكريم وذلك هو علم وازع الوازع.

العلاج القرآني للوضع الإنساني

وكان من المفروض أن تتضمن الخطة الجواب عن الأسئلة الثلاثة التالية :

  • ما سياسة الدفاع؟
  • ما سياسة الهجوم؟
  • وما الفلسفة القرآنية التي تنير السبيل لتحقيق الهدف من التطبيب الذي يحرر الإنسانية من الاخلاد إلى الأرض؟

ذلك هو المفروض.
لكن المسائل الثلاث هي في الحقيقة مسألة واحدة. وما التمييز بينها إلا لعلة منهجية هدفها بيان الأهداف المناظرة لما وصفنا في كلامنا على ما يستهدفه المجرمون.
فالمقابلة بين الدفاع والهجوم علتها المقابلة بين الداخل والخارج .
وهي تعني المقابلة بين الدولة الخاصة بجماعة والدولة الشاملة للبشرية.
ولا يمكن للمسلمين أن يحاكوا المجرمين لذلك فعلاجهم للخارج من جنس علاجهم للداخل لأن الرسالة لم تأت لهم وحدهم
فلولا هذه المقابلة بين المستويين الوطني والدولي -وهي مقابلة توقع القرآن زوالها وبنى كل الاستراتيجية على السعي لتجاوزها لكونها مؤقتة- لكان السعي الى هذه الغاية يقتضي العمل بمنطق دفع الله الناس بعضهم ببعض.
ولما بلغ التداخل ما وصفنا في القسم الأول -نحن دون سوانا الذين بقينا مغزوين دون غزو لغيرنا- فإن البحث ينبغي أن يتكلم مباشرة على الدولة الكونية والشريعة القرآنية التي هي في آن مناعة (الدفاع) وعلاج (الهجوم) لنفس الجسد الحي الكوني أعني كل البشرية.
وذلك هو مضمون القرآن الكريم.
فعندما ذكرنا أغراض التنافس ذكرنا الخمس الواردة في سورة يوسف القرآنية. لكنها قابلة للرد إلى مسألتين مضاعفتين هما :

  • علة الوزع وأداته (القوة المادية بمدلوليها السياسي والاقتصادي: الجلال والمال).
  • وعلة وزع الوزع وأداته (القوة الرمزية بمدلوليها المعرفي والديني: السؤال والمتعال).

لذلك كان دفع الناس بعضهم ببعض مقصورا على تحقيق هدفين وجودهما هو علة الفساد في الأرض وسفك الدماء ومن ثم فهما علتي الجهاد الوحيدين:

  • حماية المستضعفين في الأرض أي الدور في منع الشر والظلم في العالم سبب الفساد في الأرض وسفك الدماء.
  • حماية حرية العبادة أي الدور في وزع الوزع جوهر المسؤولية الخلقية في إدارة الشأن العام الداخلي والخارجي.

وتبقى غاية الغايات الجامعة بين الدنيوي والأخروي أعني الحياة والجمال في التآنس الأسري والإنساني لأن البشرية كلها أسرة واحدة ومن ثم فرمزها المتعين هو المرأة التي هي أصل الحياة وغايتها (النساء 1 : البداية نفس واحدة خلق منها الرجال أولا والنساء ثانيا فكانت الأنثى بداية وغاية) ومنتهى الجمال وجزاء الكمال في الدنيا والآخرة.
فتكون الاستراتيجيا التي تحقق الصلاح والسعادة مدارها هذه الأغراض الخمسة في سورة يوسف والتي بها يحقق القرآن الجماعة التي يدفعها لمنع غيرها من استضعاف الناس ومنع حرية العبادة أي منع وازع الوازع الذي هو شرط حرية الإنسان وكرامته من خلال دوره في منع الوازع من الفساد في الأرض وسفك الدماء بالاستبداد والفساد في المجالات التي نبه القرآن أنها ما جاء القرآن لينهي الغفلة بفضل تعليم الإنسان ما ينبغي أن يحصل فيها.

  • الحب والمرأة.
  • والمعايش والمال.
  • والتوقع والعلم.
  • والتخطيط والحكم.
  • وتذكر برهان الرب.

ونختم بالقول إن استراتيجية الدفاع والهجوم التي تعمل بهذه القيم هي جوهر الآية 60 من الأنفال وهي ردعية وقائيا وعلاجيا.
وتتعلق بالقوة عامة (الخلقية والعملية والتقنية والاقتصادية)
وبالقوة العسكرية خاصة.
والهدف هو الردع لمنع الحرب ومن ثم لمنع كل ما وصفنا من القسم الأول من هذه المحاولة.
ومجرد معرفة مجالات الهجوم الفيروسي للأعداء يعني أن علاجها الدفاعي بات ممكنا لأنه يعني دور المواطنين في وزع الوازع يعني أن الجميع يصبح حارسا للجميع ومن ثم فالحصانة تصبح جماعية والاختراق شبه مستحيل.
أما العلاج الهجومي فهو مقابل تمام المقابلة للهجوم العدواني.

كيف الرد على ذراعي أمريكا

وليكن مثالنا البحث في كيف الرد على ذراعي أمريكا :

  • إيران ومليشياتها أو المخرب الداخلي للإسلام وللأمة الإسلامية.
  • وإسرائيل ومليشياتها أو المخرب الخارجي للإسلام وللأمة الإسلامية.

ففي أمريكا ينبغي أن نركز على معرفة آليات القرار في هذه المجالات الخمسة وكيفية التأثير الخير فيها.
وذلك ممكن خاصة إذا عدنا إلى أصول مكونات الشعب الأمريكي وتعاملنا معها من خلال ما يصلنا بها (بيضها وسودها ولاتينيها ومسلميها ويهودها).
وبخصوص ذراع أمريكا للتخريب الداخلي (إيران ومليشياتها العربية اي الباطنية والصليبية) لا بد من محاولة فهم الدوافع المرضية التي تعاني منها الأقليات الشيعية أو ما يسمونه المظلومية الشيعية والفصل بينها وبين الخطة الصفوية التي تريد الانتقام من العرب بسبب حلم الامبراطورية.
فمجرد الفصل بين الأمرين يجعل الصفوية فاقدة لاي قدرة على التخريب.
وبخصوص ذراع التخريب الخارجي (إسرائيل ومليشياتها العربية أي العلمانية والليبرالية) لا بد من محاولة فهم الدوافع المرضية التي تعاني منها الأقليات الحداثية أو ما يسمونه بمظلومية الحريات العقدية والسلوكية والفصل بينها وبين الخطة الإسرائيلية التي تريد جعل اضطهادهم مدعاة للحرب الاهلية.
مجرد الاعتراف بحق الاختلاف لهؤلاء يفقد إسرائيل كل إمكانية للتاثير على المعركة الطبيعية بين التقدم والمحافظة في الجدلية التاريخية للجماعة.

جوهر الإشكال

لكن جوهر الإشكال هو الوازع ووازع الوازع. أو العلاقة بين الحكم والجماعة.

  • فمن هو الوازع؟
  • ومن هو وازع الوازع؟

تلك هي العلاقة بين ممثل حاجة الجماعة إلى الحكم وحاجتهم إلى حكم الحكم.

  • فالوازع ليس أي سلطة سياسية بل هو السلطة السياسية الممثلة بحق لإرادة الأمة التي اختارتها لتكون مشرفة على وظائف الدولة الخمس : أي العدل والأمن داخليا والدبلوماسية والدفاع خارجيا وجهاز الاستعلام والإعلام السياسي لحكم الجماعة خلال مدة معينة يحددها دستورها المكتوب أو العرف.
  • ووازع الوازع ليس أي سلطة معنوية بل هو السلطة المعنوية الممثلة بحق لأخلاق الجماعة التي اختارتها لتكون مشرفة على وظائف المجتمع الخمس : أي التربية والمجتمع المدني والثقافة والاقتصاد وجهاز الاستعلام والإعلام العلمي لتمثيل ضمير الجماعة خلال مدة معينة يحددها دستورها المكتوب أو العرف.

ولكل من هذين السلطتين سطلتان معارضتان تراقبان السلطتين الساسية والخلقية وتسعيان لنيل ثقة الجماعة بما تقدمانه من بدائل هدفها تجويد الحكم السياسي والحكم الخلقي.
تلك هي شروط الوقاية والعلاج الحقيقيين لكل أمة تريد أن تكون بحق حرة وكريمة لأنها بذلك تكون قد عملت بالآية 60 من الأنفال فحمت نفسها ورعتها وساهمت في تحسين حياة الجماعة الأهلية والكونية.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي