ه
أعلم أنه لا أحد يصدق دعواي أن أحرص الناس في الإقليم على بقاء الأمريكان والروس فيه هم الإيرانيون رغم ما يعلنونه ليلا نهارا من سعيهم لطردهم القوى الأجنبية منه. فهم يخشون حقا منازلة شباب السنة.
هزموا في العراق فاستنجدوا بالأمريكان وأفتوا بعدم التصدي للاحتلال الأمريكي.
وهزموا في سوريا فاستنجدوا بروسيا لم يكونوا بحاجة للإفتاء لأنهم حافظوا على النظام حتى يدعوا أنهم موجودون في سوريا بدعوة من نظام شرعي.
ولا أنكر أن العساكر المهزومة والقبائل المذمومة من العرب مثلها مثل إيران بحاجة إليهما للبقاء. ولست أتحدث عن حاجة معلولة بالتصدي لداعش لأنـها هي بدروها من صنعهم ومعهم أمريكا وإسرائيل من أجل تعليل هذا الاحتلال.
فلا توجد بلاد عربية واحدة مستقلة.
كلها محميات لا سيادة لها بدليل وجود القواعد فيها وتمويلها إياها وبنائها واسعاد الحامية فيها. وهي قواعد تحميهم وتحمي الملالي حمايتها لإسرائيل من ثورة شعوب الإقليم ومنهم شعب إيران.
وإذا كان لما يسمى الربيع العربي فضل على الإنسانية فهو بيان الطريق إلى اخراج الإقليم من الاستثناء الذي فرض على شعوبه ما بحوا دونهم وأن يكونوا أصحاب الأمر ليس لأحد عليهم وصاية سواء كانوا من العسكر أو من المليشيات الطائفية أو القبلية وسواء كان ذلك باسم العرب أو باسم الفرس أو باسم كل محمية بمفردها.
تخيلوا مثلا لو أن طيران روسيا يخرج من المعركة إما طوعا أو كرها- ويكفي لذلك بعد أدوات الدفاع الجوي- فإني واثق من أن كل مليشيات إيران ستفر كـالفئران لأنهم لا طاقة لهم بأسود السنة الشباب الذي لا يحتاج للدعشنة بل سيربح الحرب بقيم الإسلام التي وضعت أول قانون خلقي لحروب الفرسان بلسان الصديق.
فما ربح الفرس حربا قط منذ الفتح لا في أرضهم ولا خارجها رغم تحالف نخبهم وحتى دولتهم الفاطمية مع الصليبية وتحالف بقاياها مع المغول وحثالتها قبل ذلك مع العباسيين لتهديم الخلافة الأموية ثم مع البرتغاليين بهدف تهديم الخلافة العثمانية فهزمتهم شر هزيمة في العراق وفي جنوب الجزيرة وفي ما تسميه الخليج الفارسي فأخرجتها منه دحورة مذعورة.
وما إن يسترد شباب السنة الثقة فلن يستطيع أحد الصمود أمامهم بل هم سيعيدون معجزة البداية فيخرجوا إيران من كل بلاد العرب ويستعيدوا دولة الإسلام التي لا تغيب عنها الشمس من جديد لأن كل شروط هذه العودة متوفرة حاليا ولم يبق إلا اقتلاع بقايا الجيل الذي ربي على الذل والتبعية وقد يكون مثال ثورة الجزائر الحالية البداية المبشرة.
فبعد الحرب العالمية الثانية زالت امبراطوريات أوروبا الغربية وعوضتها أمريكا مع دور ثانوي لفرنسا ومع دور ثانوي لإسرائيل وثمالة من دور السوفيات وثمالة من دور بريطانيا. لكن هذه الأدوار في الإقليم كلها تنحصر في سيطرتهم على من نصبوهم حكاما ومن حولهم من النخب المستلبة هي ذبابهم وطبالوهم. لكن الشعوب مستعدة لحرب شاملة لإخراجهم وهي قادرة.
وإذا كان عندي لوم أو عتاب على الإسلاميين -ويسمونهم إخوان أو إسلام سياسي-فهو عدم الإقدام على سد الثغرة التـي مكنت أمراء الحرب من تجنيد الشباب لدعوشته بدلا من أن يكون جند الثورة ذات الاستراتيجية التي تستكمل ثورة تحرير الإقليم من الماء إلى الماء خلال ثورة التحرر.
جبن قياداتهم وخرافة -سلميتنا أقوى من السلاح- لا تمنع العنف بل هي أصله. فذلك هو ما يجعل بعض الشباب يصبح لحماسة أو لإيمان قابلا للتجنيد من مخابرات الأنظمة وحماتها الاستعماريين في مشروعات إرهابية مشبوهة ليس هدفها التحرير ولا التحرر بل تشويه الإسلام وتشويه الثورة التي تسعى إليهما.
الثورة ليست عنفا ولا إرهابا بل هي مقاومة ذات استراتيجية تستعمل أداتي السياسة أعني الشرعية والشوكة. وكل استراتيجية تجمع بين الدبلوماسية والسلاح. ولا بد من الإعلان الصريح على أن الهدف هو اخراج القوى الأجنبية من الاقليم وإزالة الحدود التي فرضها الاستعمار لمنع التنمية الاقتصادية والثقافية بشروط العصر.
وبعبارة أوضح تكفي كلمة واحدة لتحديد هذا الهدف: التخلص من سايكس بيكو الأولى لـمنع سايكس بيكو الثانية التي يسعون لفرضها لأن الإقليم الجامع بين جناحي الإقليم أي المشرق والمغرب من الماء إلى الماء ومعه تركيا أو حوض المتوسط الجنوبي والشرقي هو هدف الأعداء لإفشال ثورة شباب الأمة ولمنع شروط الاستئناف.
وتركيا فهمت ذلك جيد الفهم. لكنها وحدها في محاولة منع ذلك ولا بد للشعوب أن تقوم بالواجب فلا تبقى تتفرج على أسقاط الثورة وتركيا ثم بعد ذلك تتساءل عن علل التخلف والتبعية وبقاء الاستعباد والاستبداد وسرقة خيرات البلاد واضطهاد العباد.
فلا أحد له أدنى دراية بشروط التنمية الاقتصادية والعلمية والثقافية في عصرنا يمكن أن يجهل أن من أول شروطها الحجم سواء كان لدولة كبرى أو لمجموعة من دول مجتمعة في اتحاد يحقق على الأقل شروط البحث العلمي والتقدم التقني اللذين ينتجان شروط الرعاية وشروط الحماية التي لا معنى من دونهما السيادة.
ما لم أجد له تبريرا مقنعا هو أن الثورة المضادة تعمل اقليميا ودوليا ومن يدعون الثورة سواء باسم قيمتي الحرية والكرامة أو باسم الإسلام أو بهما معا مازالوا أشد تمسكا منها بالحدود الإقليمية.
فهل يعقل أن تتدخل الإمارات في ليبيا وتبقى تونس والجزائر متفرجتين؟ أليست هذه خيانة أم خوف وجبن؟
وعبارة “سلميتنا أقوى من السلاح” لا معنى لها إلا أن الاخوان في مصر كانوا قطريين وكانوا أشد تمسكا بالقطرية والدولة التي يسمونها وطنية وهي في الحقيقة محمية إسرائيلية أمريكية بنظام يعمل مع قوى إقليمية ودولية للإبقاء على تخلف مصر واستعباد شعبها وبتواطؤ أغلب نخبها الدينية والعلمانية على حد سواء.
وبهذا المعنى فالعملاء والثورة الضمادة أكثر وعيا بشروط القيام في نظام العالم الحالي ممن يدعون السعي للتحرر منه فيصبح ما يريدون هم أنفسهم توطيده هو مطلوب المحتل. فما يريد الاحتلال الأمريكي والروسي والفرنسي والبريطاني والإسرائيلي والأمريكي هو ما يلهث وراءه الإسلاميون: بسقف ترضيتهم ليأذنوا لهم بالمشاركة في حراسة المحميات مع العملاء الحاليين فيصبح هم النخب التنافس على ترضية المحتلين.
وحتى يكون كلامي واضحا فلآخذ مثال تونس. فشرط مشاركة النهضة في شبه حكم تونس هو عدم المساس بسيطرة فرنسا على ثروات تونس وسيطرة أمريكا على توجهاتها وأهمها التطبيع مع إسرائيل والقبول بالتبعية التامة للبنك الدولي والمحافظة على سيطرة الثقافة الفرنسية. فيصبح الكلام على الثورة والإسلام كذبتان لم يعد يصدقهما من يتابع ما يجري منذ ثمانية سنوات.
وليس من الضروري أن يكون ذلك بالشعارات والأقوال إذا لم يكن قد تقدم على ذلك تحديد الاستراتيجية التي تجعل الأقوال ترجمانا للأفعال وليس بديلا منها. فحتى استعمال فنيات تشويه الإسلام التي لجأ إليها المستعمر لمنع ذلك تعمل بصورة إقليمية ودولية. إنه التمسك المقيت بالمحلية لطمع غبي في حكم أغبى.
وليس في كلامي أدنى تطرف.
فالوسطية الجبانة هي التي تؤدي الشباب اليائس إلى الوقوع في التطرف. ذلك أن الجهاد المنظم الذي له استراتيجية باجتهاد واضح الأهداف والمراحل لا علاقة له بالتطرف. ولا توجد مقاومة بالأقوال وحدها بل لا بد من الأفعال. وهي غير العنف الأعمى بل هي ما لا بد منه لردع العدوان بالتناسب مع أفعاله وضمن الاستراتيجية التي تحقق أهداف وحدة الأمة شرطا في تحررها وفي أدوات سيادتها رعاية وحماية.
ولا حاجة حينها لا للإرهاب ولا للتهديم الأعمى ولا حتى للخروج على أخلاق الحرب التي وضعها الإسلام. فكل ذلك هو من وسائل تشويه الجهاد أو من عدم وجود قوى سياسية منظمة تقوده بوعي ورشد وأهداف استراتيجية تردع الأعداء دون تشويه القيم الكونية والتي كان الإسلام أول من نادى بها في الحروب.
لو كانت ثورة التحرر قد فهمت أنه مستحيل من دون استعمال التحرير وأنهما كلاهمـا مستحيلان من دون شروط الحجم للتنمية الاقتصادية والعلمية والتقنية كما يقتضي ذلك منطق العصر لفهمت الحركات الإسلامية أن المشكل هو سايكس بيكو الأولى التي أبقت على ضعف الأمة بسبب التفتيت وذلك هو ما سيسهل سايكس بيكو الثانية أي المزيد من التفتيت اللاحق إلى التفتيت السابق.
وعندما يعلم الأعداء وهم كثر-أمريكا وفرنسا في الجناح المغربي وأمريكا وإسرائيل في الجناح المشرقي ومعهم روسيا وبريطانيا ثانويا وإيران فيها جميعا بعمل الجرثومة المتطفلة عليهم جميعا كعادة الفرس-أن شباب الأمة قد قرر خوض المعركة الشاملة من الماء إلى الماء ستتغير قواعد اللعبة وحساباتهم.
فـحينها يمكن للثورة أن تجد منافذ للاستفادة من تعارض مصالح الأعداء في ما بينهم إذ هـم يتعاونون حاليا في غياب صد جماعي فيستعملون الثغرات. ولنأخذ مثال ليبيا: لو فهمت الثورة في تونس وفي الجزائر أن مصير ليبيا استراتيجي لمصيرهم وتصرفوا بمقتضى ذلك فإن فرنسا ومصر مثلا سيحجمان عن الدخول في معركة مكلفة جدا ويعلمون أنهم لن يربحوها.
الاستفراد بليبيا ييسر المهمة عليهم حتى أصبح بوسع بعوضة كـالإمارات أن تصور نفسها دولة وتحارب على حدودنا في حين أنه بوسع كومندوس من جيشنا أو من جيش الجائر أن يحتلها في يوم واحد. كل الأمر هو غياب القيادة في الثورة والرؤية الاستراتيجية في توزيع المهام واقتسام أبعاد التصدي للأعداء.
فيوم تعلم فرنسا أن تدخلها في ليبيا سيجر عليها حربا ليست “قدها” ستفر كالجرذ ومعها جيش السيسي المهزوم. أما خرافة المرتزقة الذين تمولهم الإمارات فأمرهم أيسر. واعتقد أن حسابهم قد حان عن طريق شباب اليمن الذي سيأخذ تحرير بلاده بيده ولن تستطيع لا السعودية ولا الإمارات ولا الحوثي شيئا ضد شعب عريق مثل شعب اليمن.
وأخيرا فنحن لم نذهب لا إلى فرنسا ولا إلى أمريكا ولا إلى روسيا ولا إلى انجلترا ولا حتى إلى إيران. هم جاءوا. وهم المعتدون. ومعهم كلاب العرب السائبة من ا لخونة الذين ينبغي البدء بهم كما فعل الرسول وصحابته: لم تبدأ دولة الإسلام إلا بعد القضاء على حلف الأعراب مع حاخامات الجزيرة بدءا بحرب الأحزاب وختما بإجلائهم مما بات من أحلام إسرائيل الحالية استعادته.