لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالثورة لماذا تغير موقف نخب الحداثة منها؟
في الفصل الخامس والأخير نعود إلى نقطة البداية: اصحاب السلاح اللطيف أو النخب التي تدعي العلمانية والليبرالية والقومية وحلفها الذي يبدو مناقضا لطبائع الأمور لو كانت الأمور تجري بمقتضى طبائعها بمعنى أنه لو كان العلماني والليبرالي والقومي على ما يدعونه لكان حلفهم الحالي غير طبيعي. -لا أحد مهما قال احتكم إلى المصالح والبرجماتية وحتى الكلبية يمكن أن يحالف الأنظمة القبلية والعسكرية العربية والملالية الإيرانية والكا جي بائية الروسية والمافيات الصهيونية والأمريكية ثم يزعم أنه مؤمن بقيم الحداثة إلى بمعناها الاستعماري: هم إذن يعترفون بأنهم موظفون عند خدم الاستعمار. وما يتقاطر من أقلامهم من ضغينة وسموم علته ظنهم أنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ما لأجله رحب الغرب في البدء بالثورة وما جعل الشعوب تبين أن ظاهر الامر الذي خدعهم كان فرصة فرض الشعب إرادته بمجرد أن توفرت له فرصة الاختيار الحر رغم كل الحيل التي استعملوها. ولأتكلم على تونس التي أعرفها جيد المعرفة بل وشاركت في التجربة خلال السنتين الاوليين منها. فقد حكموا سنة كاملة بعد الثورة ولغموا الساحة بكل ما يستطيعون وفصلوا نظام انتخابات تحول دون وصول الإسلاميين وشوشوا على حكم الترويكا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وابتز حماتهم الشعب ابتزازا. واستعملوا المال القذر والترهيب والاصطناعي والتقييم السيادي وتهريب كل العملة التي تحصل في البلاد ومع ذلك ما يزال الشعب يرفضهم فلجأوا أخيرا إلى التهديد بالسيناريو المصري. والسيناريو المصري هو نفسه فشل فشلا ذريعا: فموجة الثورة الثانية الآتية حتما تسنهي حكم العسكر والقبيلة في آن. فصحيح أن الشعوب صبورة بطبعها لكن كما تقول فنانة العرب إنما للصبر حدود. الموجة الثانية في مصر لن تبقي ولن تذر. وهي قريبة لأن كل الخيانات التي يمكن تصورها حصلت في حكم السيسي: فرط في الارض وفرط في شريان الحياة وجوع الشعب وجعل قلب العروبة دمية إسرائيلية وشباب مصر بجنسيه لن يقبل. لعل الشعب المصري بسكوته قد ساهم فيما حل بالثورة من نكبات وخاصة في سوريا وليبيا واليمن والتهديد الموجه لتونس. لكنه سيعوض الثورة فيكون هو منطلق الموجة الثانية التي ستنهي قرونا من إذلال الشعوب بالعسكر والقبائل التي هي علة تخلف المسلمين وتمزق صفهم وخمود طموحهم. وهكذا أعود إلى موضوعي: الشعب المصري هو الذي سينهي الحلف بين النخب الفاسدة التي وصفت والقوتين اللتين جعلتا الدولة المخترقة تقلب كل وظائفها من حامية وراعية لجماعتها إلى مستبيحة ومهملة لجماعتها من أجل الجماعة التي سيطرت على جهازي عصبها: المخابرات والنخب بكل اصنافها. وما أقوله عن مصر ليس خاصا بها بل لأن حجمها يجعل الظاهرة العامة تبرز فيها بالحجب المناسب له فتكون هي المسيطرة في الإقليم العربي حتى إن مرض خرافة ام الدنيا جعل هذه النخب العميلة لا تقبل أن تكون الثورة المصرية قد تلت الثورة في تونس لأنهم ما زالوا لا يؤمنون بوحدة الأمة فرعنة كاذبة. فالشعب المصري بدأ يكتشف مقدار ما زرعوه في وعيه من أكاذيب تبين أنهم في النهاية جعلوا مصر الكبيرة شبه حقيرة لأنها بدلا من أن تكون قائدة للرياضة صارت تابعة للبيادة التي هي تابعة لأمير قبيلة يشتري المستبدين عليهم بالرز ويجعل مصر ذيلا لأمراء الرذيلة بدلا من شعب الفضيلة. وبسقوط العسكرية في أعين الشعب ومعه المخابرات كما يحدث في سوريا وفي مصر وفي ليبيا فستتبعها القبلية وتصبح كل الشعوب العربية في الاقليم شعوبا حرة لا يقيدها قيد داخلي ولا يمكن للقيد الاجنبي أن يسيطر من دون عمالة النخب التي تزين أعمال العسكر والقبيلة وسلطان العنف والرذيلة. مصر القادمة تجاوزت خرافات أم الدنيا والقضاء الشامخ وخير الأجناد لأنها تأكدت أن العظيم الوحيد بعد الله هو الشعب والشعب عرف الحقيقة في هذه السنوات العجاف ولم يعد يصدق هذه الأكاذيب لذلك فهو سيؤسس لمصر يمكن أن تستعيد دورها قلبا للعروبة والإسلام المتحررين من العنصرية والعنترية. وهذا هو الغنم الكبير لهذه السنوات العجاف. كما ان صمود شباب سوريا اعتبره من جنس ما حصل قبيل الإسلام من تكون أجيال من الشباب العربي كانوا الحملة للرسالة لأنهم ربوا على الشهامة والبطولة وتفضيل الموت على العبودية والذل وفقدان شروط الحرية والكرامة الإنسانية. وما أقوله هنا ليس أخلاقوية بل هو بكل دقة ما قصده ابن خلدون بـ”معاني الإنسانية” التي لسوء الحظ عصر الانحطاط والاستعمار والاستبداد والفساد كاد يقضي عليها في شعوبنا وما كان لاستردادها أن يحصل من دون ثمن وثمن باهض وهو ما ندفعه منذ سبع سنوات لكن الفجر بدأ يلوح في الافق. ولعله من سعيد الصدف أن يكون آخر فصل من هذه المحاولة يكتب يوم تم تحرير عفرين التي كتبت فيها نصا قصيرا لبيان دلالتها. فهذه بداية آمل أن تتواصل وأنصح بنقل السلاح الذي وجده الجيش الحر لحمايته إذ قد تقذفه أمريكا لأنها تخشى من وقوعه بين أيدي الثوار وقد زودت بها أعداءهم وأعداء تركيا. إن أمة استردت أهم فضيلة ملازمة لكل تاريخها بعد أن فقدتها في عصر الانحطاط أعني فضيلة تفضل الموت على العبودية وقبل الشهادة من أجل الحرية والكرامة لا يمكن الا تنتصر في اي حرب تخوضها لأنها بنسائها وأطفالها وليس برجالها وشبابها فحسب تؤمن بالجهاد فرض عين. وأول عملية جهادية للدفع وليست للطلب انطبعت باستعادة ما فقد: فهي عملية جمعت بين شباب الشعب الذي أنشأ دولة الإسلام (العرب) وشباب الشعب الذي حمى دولة الإسلام (الاتراك) قبل أن تدخل بينهما فتنة الانجليز فتجعلهما أعداء وهم صاروا أصدقاء ولا يعادون الأكراد بل العملاء منهم للاستعمار. إن أمة استردت أهم فضيلة ملازمة لكل تاريخها بعد أن فقدتها في عصر الانحطاط أعني فضيلة تفضيل الموت على العبودية وقبول الشهادة من أجل الحرية والكرامة لا يمكن الا تنتصر في اي حرب تخوضها لأنها بنسائها وأطفالها وليس برجالها وشبابها فحسب تؤمن بالجهاد فرض عين. وأول عملية جهادية للدفع وليست للطلب انطبعت باستعادة ما فقد: فهي عملية جمعت بين شباب الشعب الذي أنشأ دولة الإسلام (العرب) وشباب الشعب الذي حمى دولة الإسلام (الاتراك) قبل أن تدخل بينهما فتنة الانجليز فتجعلهما أعداء وهم صاروا أصدقاء ولا يعادون الأكراد بل العملاء منهم للاستعمار. وأذكر مرة اخرى أن الأكراد والأمازيغ لا يقلون أهمية في حماية دار الإسلام والإسلام فهم الذين ملأوا الفراغ بين تخلي العرب عن دورهم في حماية الإسلام وتكفل الأتراك بالمهمة إلى الربع الاول من القرن الماضي. فمنذ سقوط الدولة الأموية صار العرب أشبه بأمراء الكسل والعسل. ولولا السلاجقة ثم العثمانيين لكانت الدولة الفاطمية والباطنية والطائفية قد أنهت تاريخ الإسلام وأعادت ما تسعى إليه الصفوية والصهيونية منذ زوال دور العرب الذين لم يستطيعوا استرداد فيما يسمى بنكبة البرامكة. فشل هارون الرشيد بسبب الفتنة بين أبنائه ومن ورائيهم نسائه الثلاث. فشوه تاريخ ابنيه من العربية والتركية وصار كل منجزات الحضارة العربية بأكاذيب نسجت حول المأمون كالتي نسجت حول آل البيت لتصبح الحضارة الإسلامية خاضعة لقراءة تراجعية تسقط العنصريات الحديثة على الماضي الإسلامي وينسون أن الجميع كانوا مسلمين ولا يقولون بالتمييز بينهم. وأكثر شيء نفرني من فيلسوف باكستان وشاعرها هو رؤيته -هايندسايت-لتاريخ الفلسفة الإسلامية التي وصفها بكونها إيرانية لكأن إيران كان لها فلاسفة قبل الإسلام حتى يعتبر الفلاسفة المسلمين ولو كان بعضهم منهم هم منهم بالمعنى الحالي. كان متأثرا بنظرية روح الشعب الهيجلية كما هو معلوم. ولو طبقنا هذا التصور على أمريكا فعندما بعلمائها إلى أصولهم قبل التأمرك لما بقي لأمريكا شيء عدا غباء ترومت وبلاهة بوش الصغير وسخافة العنصرية في قراءة التاريخ الإنساني. فمن الفرس حتى الحاليين من هم أكثر سنية وخدمة للإسلام من الكثير من العربان الذين باعوا الدين والدنيا بالفاني. وإذا كان السلاجقة هم الذين بنوا المدارس (النظاميات) التي حمت الإسلام السني لتحرير الفكر الإسلامي من الأكاذيب الباطنية لداعي الدعاة الشيعي من الدولة الفاطمية التي خرجت من المغرب مطرودة وأخذت منه الأزهر فرعا من الزيتونة مع تبطينه فإن نشأة نظام التعليم تونسي أولا ثم سلجوقي. والغزالي لا معنى لاعتباره فارسي فهو لا يعترف بالعنصرية والعرقية بل هو مسلم سني من مدرسة سنية إسلامية خالصة ليست متأثرة بخرافات النكوص لنظام الأكاسرة بل هو أول من كتب نسقيا وفلسفيا في فضح الباطنية بكل فروعها وخاصة التعليمية وتوظيف الفلسفة الدعائي للمذهب الباطني. وإذا كانت توجد فرقة تمثل ما حاولت البرهان عليه أعني وحدة الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا فهي الباطنية والقرمطية والتشيع بصورة عام وسيطه ومتطرفة لأن العقيدة فيه واحدة وهي القول بالوساطة الروحية والوصاية السياسية والتنكر إما باسم الله أو باسم الإنسان لفرضهما على البشر. والعلماني والليبرالي والقومي هم قرامطة العصر وباطنيته ولذلك فلا عجب إذا تحالفوا مع الصفوية والصهيونية لأن ذلك هو ما حاولت بيانه من دلالة دين العجل: فهؤلاء جميعا وخاصة من يدعون منهم الزعامة في الإبداع الزائف من عبيد دين العجل: معدنه وخواره. هم خدم الخدم عند الاستعماريين. فمن يشكك في صلاح الدين وفي طارق ابن زياد وفي الصحابة وفي القرآن وفي الحديث وفي كل معالم التاريخ الإسلامي لا يمكن أن يكونوا أحرارا فضلا عن أن يكونوا ذوي كرامة. لا يمكن لمن يرى الاطفال والنساء تقتل بالكيماوي في سوريا وتحرق في رابعة أن يكون له ذرة من الإنسانية والرجولة.