لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالثورة لماذا تغير موقف نخب الحداثة منها؟
لما أسمع العميل دحلان يدعي أن “الربيع العربي اكذوبة” رغم أنه مجند للحرب على ممثليه أعلم أن الثورة المضادة جن جنونها ولم تجد من وسيلة للحرب على ما غزا القلوب والأرواح إلى أسفل ما انتجت التربية الصهيونية في البلاد العربية. وما هذا النفي إلا دليل تخبط كلاب بلار لاورنس الجديد. أرادوا استعمال الحوثيين في اليمن للتصدي للإسلاميين فإذا هم يغرقون في خلية جديدة على حدودهم تماثل حزب الله لاستعمال التهديد من أجل فرض سلطان إيران عليهم بخلاف ما فعلت مع إسرائيل لطلب رضاها عنهم ومهادنتهم حتى يستكملوا ما يتصورونه محققا لبقاء النظام بنفس فكر كوريا الشمالية. وها هم يرونها ترفع علم الإستسلام الأبيض وباتت مستعدة للتخلي عن النووي بضمان بقاء النظام. لكن إيران لن تصل إلى هذه المرحلة ستستسلم قبل تحقيق هذه الأداة. والثورة المضادة التي يتصور بعضها الاحتماء بإيران وبعضها بإسرائيل تعبر عن حقيقة من يمثلهم هذا العميل دحلان. لا مشروع لهم عدا مشروع تهديم شروط الاستئناف والتحرر في الداخل والتحرير من الخارج للإبقاء على دورهم غوافير فيما يعتبرونه دولا وهي محميات. وهكذا ينكشف السر وراء انقلاب الموقف لدى النخب التي وصفت: فالعلماني والليبرالي والقومي والجامي ومرتزقة العرب يمثلهم هذا العميل. فكلهم من نفس الطينة: باعوا قضية اقطارهم ولا ينتظر منهم أن يخلصوا لقضية الأمة. ومهما حاول المرء أن يجد لهم أعذارا لتجنب الحكم على النوايا فإنه يعسر أن يرى أحدا يصفق لقتل الاطفال وتجويعهم في سوريا ثم يدعي الحداثة والقومية فضلا عن الإنسانية: هؤلاء دون الكلاب اللاهثة منزلة خلقية. لكني لا أحبذ الحكم الخلقي في تقييم المواقف السياسية وخاصة بالنسبة إلى من ينتسبون إلى الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا. فالأولون معدنهم بالمصطلح الديني النفاق والثانون بالمصطلح العلماني معدهم النزعة الكلبية (السينيسيسم). لذلك فالتحليل والتقييم سيتعلقان بالسياسي وليس بالخلقي. ولا عجل بتوضيح لان من يسمعني أتكلم عن أمريكا وإسرائيل بما يبدو معبرا عن الاعجاب والتسليم لسلطانهم قد يتوهمني فرحا بذلك. لو كان ذلك كذلك لكنت مثل الذين لجأوا إليهما للاحتماء بهما. ما أقصده هو أن العدو يقتضي من الأمة استعادة حجمها حتى تتمكن من الندية التي هي شرط السيادة. وما الحرب على الإسلاميين والإسلام والسنة بشعوبها الأربعة الذين ذكرتهم -أصحاب النشأة الأولى (العرب) واصحاب الحماية الاخيرة (الأتراك) وأصحاب الدعم الأوسط (الأكراد والأمازيغ) -بهادفة لغير منع سعي الأمة لاسترداد قوتها وشروط الندية وهما شرطا استئناف دورها الكوني في نظام العالم. هذه النخب التي تتجسد في العميل دحلان ومن يستخدمه ومعه بلار والبلاك ووتر وسهر ترمب وناتن ياهو والسيسي وحفتر وكل العملاء هم أدوات الحرب على هذا المشروع الذي لا وجود لسواه من أجل الاستئناف أو التحديث المستقل وغير التابع ولا جنود لهذا غير الإسلاميين الجدد. والإسلاميون الجدد الإسلاميون الحاصلون على التكوين الحديث -الحداثة صارت معهم وليست مع بلطجية الانظمة الذي يسمون مثقفين وفنانين وهم باعة روبافاكيا-لأنهم أدركوا أن القيم الكونية واحدة بعد تحرير الإسلام مما شابه من نكوص والحداثة مما حولها إلى إيديولوجيا استعمارية بخلاف رؤية مؤسسيها. وهذا المشروع هو الذي يخيف سادتهم ويخفيهم من سادتهم إذا هم لم يتبعوهم في استراتيجية التصدي له بالسلاحين اللطيف (الحرب التشويهية بالأداة الثقافية) والعنيف (والحرب التدميرية بالأسلحة والجيوش). ويجمع بينهما نوعين آخرين حاولت وصفهما وهما أساس كل استراتيجية بعيدة المدى.. والحربان هما: حرب الأحياز لمنع القوة وحرب التجانس العضوي والثقافي للجماعة المستهدفة لأن هذين التجانسين هما الحامل للقوة التي تنتج عن الأحياز أي الجغرافيا وثمرتها والتاريخ وثمرته والمرجعية الواحدة أو الهوية التي هي اساس المناعة المادية والحصانة الروحية لكل جماعة. ولا يمكن لمن يتكلم على الاستراتيجيات السياسية سلميها وحربيها أن يكون جديا وأن لكون لكلامه شيء من العلمية إذا لم يعتمد دور الأحياز والتجانس العضوي الثقافي للجماعة في كل تنافس بين الشعوب على ثروات الطبيعة والتاريخ ومنطق تناسب القوى في السلم والحرب شرطين للسيادة حماية ورعاية. فموضوع الاستراتيجية السياسية سلميها وحربيها هو دائما الحماية والرعاية في الداخل أصلا لقوة الدولة في الخارج حتى تحمي الأحياز أي جغرافيتها وما فيها ثروات مادية وتاريخها وما فيه من ثروات روحية وعلمية وحضارية لأن ذلك هو عين كيان الجماعة التي تعتبر الدولة معبرة عن إرادتها. ولا تكون الدولة قادرة على التعبير عن إرادة جماعتها إذا لم يكن لها الحجم المناسب بحساب القوتين المادية والروحية في العصر الذي تحدث فيه صراعاتها مع من ينافسها على أحيازها من اجوارها. فالقدرة على تحقيق الهدفين القوة الداخلية من أجل الردع الخارجي: معنى السيادة رعاية وحماية للجماعة. وهذه محكومة بتناسب الحجوم بحسب العصور: فاليوم ليس من سيادة إلا للعمالقة وهم قلة والبقية توابع. وكل العمالقة رغم ما بينهم من تنافس يجمعون على منع ظهور عالقة جدد ينافسونهم ومن ثم فإمكانية تحقيق عملاق إسلامي هي الأمر الذي يعلل ما يجري في الاقليم بعد أن فشلت خطة الحرب الأولى. وللفشل علامتان: الأولى أن العلمانية لم تنجح في تركيا ولا في تونس ولا في أي بلد إسلامي توهما بأن ذلك سيلغي اساس الوحدة الروحية للأمة بحيث يصبح ما حصل في أوروبا من تخل عن الوحدة المسيحية نموذجا يراد تكراره عند المسلمين. فشل العلمانية في تركيا ثم في تونس مرعبة في علاقة الضفتين. وهو ما عبرت عنه ممثلة الاتحاد الأوروبي وما يعلل السكوت على الانقلاب في مصر ومحاولة تكراره في كل بلاد الربيع والوضعية في سوريا وفي ليبيا وما أحاول وصفه من مواقف النخب التي تغيرت بتغير مواقف أسيادهم: فهم كانوا يفاخرون بأنهم هم أصحاب الثورة ثم صاروا أعدى أعدائها. والعلاقة بالحجم في عصر العماليق ليس مقصورا على القوة المادية والاقتصادية من حيث هما قوة حصيلة بل على شروطهما أعني القوة العلمية وتطبيقاتها. وهما بلغتا حجما جعلهما فوق مستطاع الدول التي ليس لها حجم العماليق. فالبحث الاساسي هو القاطر للقوتين الاقتصادية والعسكرية بتوسط التقنية. وبهذا المعنى فإيديولوجية الدولة الوطنية التي ورثتها النخب المستعمرة ذهنيا من أوروبا لما كانت دولها امبراطوريات عالمية قبل عصر العماليق الحاليين لم تعد صالحة والعالم كله تحرر منها إلا هذه النخب العربية المتخلفة والتي تتكلم باسم الحداثة بمنطق سلفي متخلف عن سلفية الإسلاميين. فهؤلاء على الأقل في مستوى الفكر والعقائد متجاوزون لما لم يعد مناسب لعصر العماليق لإيمانه بالأمة أما هم فهم دون ذلك بل إنهم هم من يعود إلى العرقيات والقطريات والطائفيات بمعنى الانثروبوقراطيا والتحالف مع الثيوقراطيا الشيعية لتمزيق حتى الدول التي فرضت خارطة الاستعمار وسايكس بيكو. فجرثومة القومية التي بدأت تركية فعربية فكردية فأمازيغية ليست إلا المعول الهدام لكل إمكانية للخروج من القزمية التي تعود إليها نخبهم وهي موروثة عن أوروبا التي تجاوزتها بحيث إنها يحافظون على ما عرفت أوروبا أنه لم يعد مناسبا لحجوم عصر العماليق. ومع ذلك يدعون التقدمية والحداثة. ثم تلتها جرثومة الطائفية التي لم يكن الهدف من مساعدة الغرب للخميني الذي أتوا به مكرما مبجلا في طائرة فرنسية خاصة تماما كما فعلت أمريكا مع ابن لادن حتى يفتح باب الحرب التي بدأت منذ الفتنة الكبرى. وبذلك فالفتنة الصغرى بالقومية والفتنة الكبرى بالطائفية هدفهما منع شروط الاستئناف لكن مكر الله الأحسن -أو مكر التاريخ لمن لا يؤمن-أبطل كل حساباتهم: فالشعوب انتهزت الفرصة فاختارت ممثلي الإسلام السياسي لإدارة شؤونها. وتلك كانت بداية الانقلابات عند الذيول وسادتهم. ولا أعتبر ذلك شرا بل هو عين الخير. أبطلت غايات الاعداء وأدرك الشباب أنه لا تحرر من دون تحرير. لكن هذا الإدراك ما يزال في شبه مرحلة دنيا من الوعي لأنه ليس مؤسسا نظريا ولا معللا واقعيا. وهو ما أقصده بضرورة التأسيس الذي يبدع نسقا يتناظر فيه ما تقتضيه سنن التاريخ وما يعبر عنه نسق الفكر أو نظام المفهوم حتى تصبح الثورة ذات عمق نظري وخطة استراتيجية سلما وحربا. وهذه المهمة هي التي نذرت نفسي لها. وآمل أن يوفقني الله للقيام بها على أحسن وجه رغم أن مثل هذه المهمة تقتضي شيئا قد يفقدها فاعلية التواصل السريع. ذلك أنه لا يمكن للبناء النظري أن يكون يسير الحبكة والنسيج فيكون من ثم شديد التعقيد الذي قد يفقده سرعة الانتشار.