لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالثورة المضادة
أخطر الناس على الإسلام ليس من يحاربه بل من يتصور نفسه مستفردا بتمثيله. فالإسلام لم يعتمد على شعب واحد إلا لفترة قصيرة خلال نشأة دولته. لكنه سرعان ما صار عقيدة منفتحة على كل شعوب الارض. لذلك تداولت أهم هذه الشعوب على حماية بيضته وفكرته.
فمن يحاربه يحارب هذه الشعوب والأمم بسبب ما أمدها به الإسلام من روح جعلتهم في وضع التنافس معه. ولهذه العلة -ودون الكلام على الحروب بين المنتسبين اليه-تعددت الحروب التي بحجم معموري في حقبتها وكأنت آخر حروبه بالمعنى الحديث للعالمية هي حربهم الجارية حاليا.
الحروب التي خاضها المسلمون حتى لحظة نشأة الدولة كانت كلها عالمية بمقياس عصرها: فالفتوحات بدأت بحرب مع أكبر إمبراطوريتين من بقايا التاريخ القديم في ملتقى القارات الثلاث: آسيا وافريقيا وأوروبا. ولا يزال إلى الأمر كما كان عليه منذئذ وإن سجالا. لكن ذلك لم ينه الإسلام.
لذلك فلا خوف على الإسلام حتى لو استسلم كل العرب. فالعرب أقلية بين المسلمين. ثم هم لم يستسلم منهم إلا القلة المستبدة بالحكم والتربية في بلاد العرب من عملاء الاستعمار وهم لا يمثلون أبناء الاقليم الذي سمى عربيا بسبب كون العرب اغلبية فيه. لكنه متنوع وفيه من كل شعوب الامة.
ورغم أنني عربي فينبغي أن اعترف بأن أقل شعوب الامة ولاء للإسلام العرب. وذلك لعلتين: نكوص العرب إلى الجاهلية وتبنيهم فكرة الدولة القومية التي أفسدت لحمة الامة واستفزت الأقوام المسلمة الأخرى فيما يسمى بالوطن العربي وهو في الحقيقة وطن كل الشعوب المسلمة في جغرافيته.
ولهذه العلة اقترحت أن نتخلص من هذا الاسم وأن نسميه باسم جغرافي لا عرقي ككل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة أو أوروبا إلخ.. من الأسماء الجامعة لا المفرقة. كل اسم عرقي لجماعة يفرق لأنه يوقظ فيها شيطان العرقية والحروب الاهلية من أجل سيادة العرقيات الي حررنا منها الإسلام.
اقترحت أن نغير الوطن العربي فنعوضه باسم جغرافي يمثل العرب وغير العرب الذين يضمهم والذي له وحدة حضارية حتى قبل الإسلام والذي صار قلب الحضارة الإسلامية. والخاصية الجغرافية هي ملتقى القارات الثلاث. وملتقى القارات الثلاث يقبل اسما جغرافيا يجمع كل شعوبه هو “ولايات الوسط المتحدة”.
وإذا توسع فتحالف مع الأتراك صار مؤلفا من خمسة أقوام كلهم كانوا من حماة بيضة الإسلام:
العرب
والأتراك
والاكراد
والأمازيغ
ومسلمي أفريقيا السوداء.
فهؤلاء تداولوا على حماية الإسلام ليس في الإقليم وحده بل في كل المعمورة سواء في إطار الخلافة أو حتى كدول في لحظات ضعفها.
وبهذه الطريقة نتخلص من الداءين:
النكوص الى الجاهلية باسم التحديث السطحي الذي يحكم بلاد العرب التي حكامها ونخبها العميلة على وشك الاستسلام للأعداء.
ما يسمى بالدولة الوطنية أو القومية التي هي ليست دولة أصلا بل محمية هي التي جعلت التحديث التابع سرا لهذا الاستسلام.
لماذا الاسم الجغرافي؟
التعليل يعود إلى نظرية الأحياز: فالحيز الأول -انظر مقدمة ابن خلدون-جغرافي لأنه هو الذي يستمد منه البشر موارد عيشهم التي هي علة اجتماعهم. هي لا تكون علة الاجتماع ما لم تحقق تناغما بين الأعراق بالتدريج في الحيز الثاني الذي هو التاريخ.
البناء على وحدة الجغرافيا والتاريخ هو الأساس الطبيعي والثقافي لأي جماعة تتجاوز الفروق العرقية لتصبح بالتدرج أمة. ذلك أن هذين الحيزين هما شرط الثروة والتراث أو لحام الوحدة الطبيعي (الثروة هي بالأساس شروط العيش المادي) الثقافي (التراث هو بالأساس شروط العيش الروحي).
وغالبا ما يكون ذلك كله مبنيا على مرجعية روحية وخلقية واحدة أو على واحدة تعترف بالتنوع المرجعي كالحال مع الإسلام في فلسفته القرآنية التي لم يطبقها الفقهاء الذين جعلوه مثل الأديان الأخرى لا يحترم حرية المعتقد لغيره مهملين نصوصه الصريحة في وصف التعدد الديني شرط التسابق في الخيرات.
فأهم خاصيات للإسلام هي:
اعتبار التعدد الديني شرط التسابق في الخيرات
اعتبار البشر اخوة مهما اختلفت أعراقهم وأديانهم
القول بالمساواة وحصر التفاضل في التقوى أي بمعيار الاخلاق والقانون
تحرير الإنسانية من الدولة اللاهوتية
تحرير الفرد الإنساني من كل وساطة بينه وبين ربه
ولا أنكر أن الفقهاء قد ألغوا كل هذه المعاني في الواقع الفعلي بسبب ما سميته علوم الملة المزيفة والمحرفة لقيم الإسلام. فلم تبق الدولة اسلامية بأهلها من المسلمين بل جعلوها بخلاف دستور الرسول نفسه دولة يحكمها الفقهاء سلطة وسيطة بين المؤمن وربه وبين الجماعة وشأنها العام.
ذلك أن العرب هم اليوم بالمحميات التي يسمونها دولا وبالحكام والنخب التابعة سواء كانت في الحكم بالفعل أو في المعارضة الرسمية التي هي على الاقل في أوهام أصحابها حكم بالقوة ينافس الحكم في العمالة حتى يرضي سيد الجمع أو حاميهم: وكلاهما من علل تعثر نهوض الأمة واستئنافها.
والدليل أن العرب اليوم يؤدون دورا سالبا حتى صاروا أضحوكة العصر يمثله موقفهم من أكبر نعم الله على الأمة بعودة الشعب التركي المتدرجة إلى حضارته الإسلامية بعد ما يقرب من القرن ابعاده عنها واخراجه منها: يعادون تركيا التي حمت الاسلام قرونا منذ أن وصلوا حال شبيهة بما هم عليه الآن.
ولولا أملي في الشباب العربي الذي ثار على هذا النكوص التأصيلي والانحطاط التحديثي التابعين لما اضعت دقيقة واحدة في الكلام على وضع النخبتين السياسية والثقافية العربيتين: فهما من أحط النخب وأسفلها في كل ما علمت من تاريخ الحضارات قبل ثورة الإسلام وبعد نهوض أوروبا.
ولهذه العلة سميت ما يجري بين ممثلي ثقافة الانحطاط الذين يدعون التأصيل بكاريكاتور من الأصل وممثليها الذين يدعون التحديث بكاريكاتور من الحداثة بالحرب الأهلية بين الكاريكاتورية ذات المضمون الدونكيخوتي لأن كلا صفي الحرب يتحاربون من أجل قشور الأصالة وقشور الحداثة.
وهذه الحرب الاهلية بدأت تندحر: فالحرب الاهلية بين نوعي القشور تعاكست. فمن كان يحكم باسم التأصيل الكاريكاتوري صار يدعي التحديث وهو كاريكاتوري (السعودية مثالا) ومن كان يحكم باسم التحديث الكاريكاتوري أفسد ثورة شبابه التأصيل الكاريكاتوري (سوريا مثالا).
ولهذه العلة فالتحديث الكاريكاتوري الذي يسعى إليه حكام الخليج يحارب ثورة الشباب والتأصيل الكاريكاتوري الذي يسعى إليه معارضو ثورة الشباب في وسوريا وليبيا واليمن وتونس يحاربون ثورة الشباب وهم إذن صفا الثورة المضادة باسم التأصيل والتحديث مع التعاكس في كل بلد على حدة.
فالبلاد العربية التي كانت نخبها ممثلة لكاريكاتور التأصيل تريد كذلك إفساد الحداثة بكاريكاتور منها كما أفسدت الإسلام. والبلاد التي كانت نخبها ممثلة لكاريكاتور الحداثة تريد كذلك إفساد الأصالة بكاريكاتور منها. وهذا هو حلف هي النخبتين الفاسدتين في الثورة المضادة ضد ثورة الشباب.