الثأر لخاشقجي، ممن؟ وما السر في زلزال شهادته وارتداداته؟

**** الثأر لخاشقجي ممن؟ وما السر في زلزال شهادته وارتداداته؟

ما العناصر “السحرية” التي اجتمعت صدفة فجعلت شهادة خاشقجي زلزالا عالميا يصعب إيقاف الردات المتوالية فضلا عن مفعوله الأول؟ فليس هو أول صفحي اغتيل. ولا هو أول صحفي يكتب أو يتعامل مع الصحافة الأمريكية اغتيل. ولا هو أول سعودي اغتيل. ولا هو أول من اغتيل في تركيا. ما السر؟ وكيف نفهمه؟ وليس محمد ابن سلمان أول مستبد يسانده الغرب. وما بدا منه لم يصل بعد إلى واحد في المائة مما بدا من غيره بين العرب أو الأفارقة أو الآسيويين أو حتى الأوروبيين فضلا عن الأمريكيين اللاتينيين وحتى الأمريكيين أنفسهم (في العراق وفيتنام مثلا). فاغتيال شخص واحد مهما علا شأنه لا يمكن أن يقاس بحالات الافناء الجماعي الكثيرة فيها جميعا. إذا كان المفعول به ليس بدعا وكان الفاعل ليس مثله ليس بدعا في الأحداث السياسية التي تجري برعاية من القوى العالمية التي بيدها الحل والعقد أفيكون السر متعلقا بهذه القوى وليس بالفاعل والمفعول به بمعنى أن ما يضفي على قيمة الثاني الإيجابية والأول السلبية يتحدد بما تريده هذه القوى؟ ولنسأل أسئلة قد تبدو بريئة وساذجة حول الحدث نفسه وهو المقوم الرابع في المسالة: • الفاعل (ابن سلمان) • والمفعول به (خاشقجي) • والقوى العالمية التي تدير اللعبة (اسرائيل والولايات المتحدة في هذه الحالة) • ثم الحدث نفسه (الاغتيال الأفظع) • وقبل الكلام في المقوم الأخير (قنصلية سعودية في تركيا). الأسئلة: 1. هل يعقل أن تكون مخابرات أمريكا خالية الذهن مما كان يعده الفاعل للمفعول به وهو قد دعي لمعاملة في تركيا كان يمكن تحقيقها في أمريكا حيث يقيم؟ 2. هل يعقل أن يكون اختيار تركيا محض صدفة؟ 3. هل يعقل أن تكون المخابرات التركية غافلة عما يدبره لها محاربوها ذوو الصلة بالحدث علنا؟ ثم: 4. هل يمكن ألا تكون مخابرات الغرب الأخرى وخاصة البريطانية خالية الذهن من الأمر؟ 5. وهل يمكن أن تكون مخابرات إسرائيل خالية الذهن وهي أكثر المهتمين بدق الاسفين بين العرب والأتراك؟ 6. واخيرا هل يعقل أن تكون مخابرات روسيا وإيران جاهلتين بما يجري خلال الاعداد لهذه الحادثة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب إن لم يكن بالنسبة إليها كلها، فعلى الأقل بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا. ومن ثم فلا بد أن يكون هؤلاء قد تركوا الامور تتطور بطبعها ولكن لغايات مختلفة بينت على ما يتوقعه كل منهم من كيفية الانجاز ونتائجه وهما المجهول الوحيد للجميع. فيكون السر هو في ما كان ينتظره الامريكي والإسرائيلي والتركي من الحدث الذي كانوا جميعا على علم بمقدماته وينتظرون نتيجته. وشاء الله أن يكون الأتراك من بين الثلاثة هم الأقدر على المعاينة المباشرة للحدث والسعوديون هم الأقدر على تحقيق ما كان يتمناه أي إنسان يريد أن يوقع صاحب الجب فيه. وتوجد مسألة خلقية: هل كان بوسع الأتراك مثل الأمريكيين والإسرائيليين أن يحولوا دون حصول الحادثة فيكون عدم الحيلولة تضحية بالرجل بقصد ومن ثم ففيه انتهازية منافية للأخلاق حتى وإن بدت مبررة سياسيا؟ لو أجبت بلا لظن أني أبحث عن عذر للأتراك في أمر لم يدبروه حتى لو كانوا على علم به وسكتوا عنه. السؤال يتعلق بسكوتهم وليس بتدبيره بخلاف الطرفين الآخرين. سكوتهم مبرر خلقيا: كانوا يريدون أن يعلموا طبيعة التدبير في العملية ولا يمكنهم توقع ما حصل من غباء يستحيل توقعه حتى على السعوديين الذين دبروا الامر والأمريكان والإسرائيليين الذي لهم فائدة في تدبيره لكنهم لا يمكن أن يتوقعوا ما حصل من غباء في الإنجاز وفي محاولة التغطية عليه. إلى حد الآن كل كلامي مبني على مقدمات فرضية تصل بين معطيات أولية موجود فعلا وليس عليها خلاف. لكن المقدمات الفرضية لا معنى لها إذا لم تصول إلى نتائج فعلية ومن ثم فينبغي أن تمتحن بالقياس إلى النتائج الفعلية التي انكشفت بعد حدوث ما لا يقبل التوقع في الإنجاز وفي التغطية. فنحن إذن أمام نوعين من المعطيات الفعلية ووصلات منطقية لاكتشاف السر. والسر الذي نريد اكتشافه لا يتعلق بالغيب المحيط بكل الأحداث في عالمنا فذلك مما لا مطمع فيه. ما أسميه سرا هو ما يجعل ما حدث قابلا للفهم بالعقل الإنسانـي في حدود نسبية علمه غير المحيط. لذلك فلا يمكن مثلا أن نفهم ما علمه الأتراك من دون أن يكونوا قد استعدوا لعلمه قبل حصوله لانتظارهم مؤامرات أنظمة الثورة المضادة عليهم وعلى الربيع (دورهم في الانقلاب وفي الحرب على العملة). وهو ما يعني أن المخابرات المعنية كلها مشتركة في العلم بالمقدمات. لكن المخابرات التركية تفضل عليها بأمر يعتبر من النتائج التي لا تعلم إلى حال حصولها. فمن لم يكن له وسائل تنصت وتصوير لما يجري في القنصلية وفي بيت القنصل لا يمكن أن يتوقعه لأن النتائج المحتملة للمقدمات لا متناهية. وإذن فطبيعة الحصول على العلم بالنتائج كانت تقتضي ألا يعلن عنه دفعة واحدة وإلا لصار اتهاما للذات بالتجسس على القنصلية وعلى القنصل-وهو أمر يحصل عند الجميع وخاصة عندما يكون البلد مستهدف من أصحابها لكن لا أحد يعترف به لأنه محظور بالقانون الدولي: عرضه متدرج بحسب البحث الذي تلا الحدث. ومن ثم فالحدث صار فريد النوع بخاصيتين: 1. الاخطاء المهولة في الإنجاز العبقري لعزوة الخمسة عشر حمارا. 2. والأخطاء في إخفائها بعد حدوثها مهما كانت ضئيلة بدبلوماسية أكثر استحمارا. فالأولى فرصة لتركيا حتى تقلب المؤامرة التي كانت عليها فصارت لها. والثانية أبقت على بعض الآثار التي تمكن تركيا من اخراج معقول لما تعلمه من دون الحاجة إليها. ومعنى ذلك أن الله قد ساعد تركيا المستهدفة بأمرين لا يمكن توقعهما وكلاهما مضاعف: 1. الأول هو غباء المخابرات السعودية في الجريمة وبلادتها في إخفائها إخفاء بلغ حدا من الشفافية لم تعد بمقتضاه الجريمة والمجرم خفيا حتى على الأطفال. 2. والثاني هو ذكاء المخابرات التركية التي تعلم أن قادة الثورة المضادة يستهدفونها واستفادتها من البلادة لإخفاء عيونها في القنصلية. لكن هذا لا يكفي لجعل الحدث يتحول إلى زلزال بارتدادات لن تتوقف إلا بعد أن تغير الوضع السياسي والاستراتيجي في الإقليم وحتى في أمريكا. صحيح أن ترومب حاليا مستفيد من التركيز على خاشقجي لأن الكلام على البحث في قضيته مع الانتخابات وتدخل روسيا فيها غابت عن المسرح الإعلامي غيابا تاما. لكنه مع ذلك لا يمكنه أن يطمئن كثيرا لهذا الفصل بين الأمرين. وذلك لعلتين: • أولا لطبيعة علاقته بالفاعل ولطبيعة علاقة المفعول به بالإعلام الذي يعاديه ترومب خاصة والصحيفة التي للمفعول به علاقة بها معروفة بدورها في التأثير السياسي من الحجم الكبير (فرض استقالة نكسون في الووتر جيت). ولذلك فالمنتظر أمران: 1. أن يلفلف القضية بحل ما يبقي على ما يستفيده هو وإسرائيل من العلاقة بأميري الثورة المضادة حتى لو أزيح ابن سلمان وذلك بالتركيز على قضية اليمن وإيران. 2. وأن يحاول ما استطاع منع الوصل بين البحث في مسألة الانتخابات والعلاقة بأميري الثورة المضادة المجرمين. وفي ذلك فرصة ستكون عونا لتركيا لأن اللعبة خطيرة جدا عليها إذ هي تحالف كل الأنظمة العميلة العربية ونخبها الطبالة مع لوبيات إسرائيل وأمريكا وحتى مع إيران وروسيا لمنع أي نصر لأردوغان وتركيا نصرا قد يمكنهما من الخروج من المأزق الحالي أو الحلف المضطر وغير المريح مع إيران وروسيا. • وإذا كانت الخطة الأولى قابلة للنجاح لأن الرأي العالم الدولي بدأ يتعب من المسالة اليمنية والشعب الإيراني بدأ يتعب من الملالي فإن المسألة الثانية هي التي ستركز عليها الصحافة الأمريكية والرأي العام الأمريكي لكيف يفسد عليه نجاح الخطة الأولى: الثأر لخاشقجي أساسه الوصل بين القضيتين. فعندما يعود الضغط على ترومب بفضل الوصل بين قضية خاشقجي وقضية البحث في انتخابه وذلك ما سيحصل مباشرة بعد النصفيات فإن ترومب سيضطر للوصول إلى حلول تحقق أهداف تركيا في معركة الحدود مع سوريا وهي المأزق الحقيقي للنظام التركي الحالي لو بقيت العقوبات التي تضعف العملة التركية. وأعتقد أن اللقاء القريب في نهاية الاسبوع بين أردوغان وترومب سيبين حتى بالعبارة الجسدية طبيعة هذا العلاقة التي أتوقعها والتي يمكن القول إن استباق اردوغان له بمقاله في الجريدة التي يمكن أن تحقق ما يساعده في الوصل بين القضيتين يبشر بنتائج مفيدة لعلاج قضية تركيا في الإقليم. سأقف عند هذا الحد. فالتوقعات المتفائلة مخيفة ذلك أن كل ما يجري يلامس الألغاز وهي لعبة شديدة التعقيد ولا يكفي فيها المنطق والتحليل العقلي المجرد. فليس لي خبرة “المعلقين العرب” في الفضائيات. فلهم علم لدني يلامس توقعات السحرة والكشف الصوفي على نتائج بلا مقدمات فرضية أو فعلية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي